(1)
لا، لا. لا تفهم من عنواني ما سبق إليه وهمك!
ما هو؟
أظنك تخيلت أنني سأطلب إليك أن تطلب من طلابك أن يعرفوا طريق مكتبة المدرسة، ويألفوا الذهاب إليها، ويكثروا من الاختلاف إليها.
لا، لا.
ليس هذا ما سأطلبه على الرغم من منطقيته؛ فأنت الموجه والمرشد والمربي والميِّسر.
إذًا، ما الأمر؟
إنه أنت عزيزي المعلم!
ماذا؟
أتذهب إلى مكتبة مدرستك؟ أم تعدّ ذلك مضيعة لوقتك؟ أم أُراك تظن أن زمن المكتبة والكتب كان زمن الجامعة، وبعد انتهائك منها ذهبت الكتب في طريق ورحت أنت في طريق مغاير؟
أظنك - والظن هنا بمعنى اليقين - كذلك!
ما "كذلك"؟
إنه أنك لا تعرف مكتبة مدرستك إلا إذا كانت مقرا لاجتماع تُضطر إلى الذهاب إليه، أو إذا دفعك إليها دافع لا فكاك لك منه.
وأسألك: لماذا هذه الجفوة وأنت تعلم علم اليقين أهميتها؟
لا بد أنك ستجيب قائلا: وماذا أحتاج منها؟
وجوابك هذا يجعلني أصنفك في ذلك الصنف الذي لا يرى وجوب التنمية المهنية المستديمة.
ما التنمية المهنية المستديمة؟
إنها متابعة الجديد والمستحدث على محاور عملك الثلاثة أو الأربعة أو ما شئت.
كيف؟
أسألك: ما عناصر ثقافتك أيها المعلم؟
وأجيبك قائلا كما لا يخفى عليك لو اهتممت: إن العنصر الأول هو تخصصك العلمي أي المادة التي تدرسها، وإن العنصر الثاني هو الجانب التربوي، وإن الجانب الثالث هو الجانب الثقافي العام الذي يجعل مداك الفكري ينداح ويتسع.
وإذا شئتَ ازددتَ على وفق اهتماماتك واستعداداتك، لكنني سأكتفي بهذه الثلاثة، وسأسألك: ما آخر لقاء بينك وبين كتب تخصصك؟ وما آخر سماعك بجديد التربية وعلومها؟ وما آخر ذهاب اهتمامك إلى شأن يبتعد عن شئونك الشخصية والأسرية والشأن العام الملتهب منذ عامين؟
ترى، ماذا سيكون جوابك؟
تعلم وأعلم أنه لن يكون جوابا طيبا.
لماذا؟
لأن هناك أعرافا يُلفي المعلم نفسه فيها من فور تسلمه عمله تجعله يرفض أن يخضع لاختبار من أي نوع ولو كان مهنيا، وتجعله يرى في الموجه ضيفا ثقيلا، وتجعله يستشعر ثقل أي تكليف يربطه بكتاب أو استذكار أو بحث.
لماذا؟
لأنه صار معلما ولم يعد تلميذا.
فقط؟
فقط.
فما بالك بهذا الطلب العجيب الذي يحثك على الاقتراب من المكتبة؛ لتتابع الجديد الذي سيدفع بك إلى التميز، وقد يجعلك تتابع وتذهب إلى المكتبات المتخصصة، وقد يعقد الصلة بينك وبين الدارسات العلا من جديد، و...إلخ.
(2)
اذهب أيها الحبيب إلى المكتبة، ولا تنس فضل العالم، ولا تبخس طلب العلم حقه مهما علا سنك أو ارتفع مكوثك في مهنتك!