قراءة نقدية لنص (وحدها السماء تبارك صمتي ) للشاعرة المغربية نعيمة زايد
قراءة نقدية لنص (وحدها السماء تبارك صمتي ) للشاعرة المغربية نعيمة زايد
ثبات المعنى برغم من غياب الرمز
وحدها السماء تبارك صمتي
والنجم إذ هوى
تقفي النور ما عتق أبي من نذر بين ميلاديين
خلف كوكب يتلظى على مرمى ارق
حين تمدد الغيم بشبه إغفاءة
لم أكن وحدي
كنت "واحدان"
خارج دائرة الاستثناء
عيون الموناليزا بالضفة الجانبية
ولوتريك يغازل دخان الألوان
يؤثث خسارة زهر عباد الشمس بالجدران الباردة
توا فكت الأرض ارتباطها بالمحور
كل الزوايا انفرجت
لتتماسك نقط الفراغ بداخلي
توزع رمل الأرض على الفقراء و"الأنبياء "وفاء للنذر
لا شيء يدركه القمر غير صدأ يعلو ناصية الحزن
يبدد تجاعيده الأولى
كل استعاراته لا تشبه إلا نفسها
تلافتها الأوراد المثخنة بشفاه الرجاء
لتغمد الفرح بألوان الانتظار
وعيناك المنبثتان بصهوة خيلي
تدير القوس باسورة الماء
لتزين جيد الشجر القادم من عل
يسري بأجنحة الكون ينذر بالرحيل
يا ل فرجينيا تغزلين النهر
وتلقين الأذكار بالماء
اسلمي الفرح للريح دفعتين
كي يصمت الأنبياء
فالسماء وحدها تبارك صمتي
نجد أن النص لدى الشاعرة هو الحلم الذي تحدد ذائقته الرؤيا المنبعثة كليا من المعنى للفكرة المراد التعبير عنها وفق نسق هواجس الروح , لهذا نجد النص لديها هو تعبير عميق لكل ما هو يرتبط بالروح وتشعباها بالكلية في حضور الذات الوجودية في الأنا المرتبطة بالأخر الذي يرمز إليه من خلال الرمز في عمق الدلالة الموحية داخل الذات , حيث نجد هذا الرمز الموحي هو بؤرة النص التي تحمل ذائقة الدالة بالمفردات اللغوية الكثير من المعاني العميقة دون الغوص إلى المجهول أو التعبير المنفلت عن معنى النص , لهذا نجد النص لدى الشاعر نعيمة زايد ما هو إلا مخاض الروح في طرق التعبير الصوفي , لكي تقارب الروح مع الرموز الوجودية والحاضرة في ذهنية الذات الداخلية لها بحيث تجعلنا نشعر أن المساحة الحقيقة لتحرك المعنى هو ذاتية الأحياء المنبعث من مفاهيم القيم الروحية والتي تتجاذب عميقا مع كل يوصلها إلى حقيقة الإنسانية التي تنتمي إليها ضمن المحيط حولها .. أي أن الشاعرة تشرع الذات ضمن رموز عاشت حولها واكتسبت القيمة العليا في حياتها .
نجد في هذا النص كل هذا في المقطع الأول فيه حيث تبدأ نصها بالنجم أي بالقيمة العليا لكل ما هو أرضي يحيطها في الحياة حيث يرتبط هذا النجم الرمز بأبيها أي يصبح أبيها هو الرمز الذي هوى لغيابه من حياتها , مع أن غيابه يشكل لها صدمة بغيابه لكنه يبقى النور الذي يشدها إلى الحياة ويعمق هذه الحياة , فهذا النجم بغيابه شكل لها كوكب (والنجم إذ هوى /تقفي النور ما عتق أبي من نذر بين ميلاديين /خلف كوكب يتلظى أعلى مرمى ارق ) أي أن أبيها هنا لم يغيبه الليل فقد استخدمت الشاعرة الأرق لتقارب رمز الليل وغياب أبيها فلم لم يبعد عنها كثيرا بل هو على بعد مرمى أرق أي أنه حاضر فيها بالرغم من غيابه القصري فقد سكن خلف كوكب يتلظى أي ينير , وما غيابه إلا يشبه تمدد الغيم , أي أن غيابه لم يكن غياب كلي بل هو حضور كامل في حياتها (حين تمدد الغيم بشبه إغفاءة / لم أكن وحدي /
كنت / خارج دائرة الاستثناء ) فشكل لها غياب أبيها هي حالة استثناء أي هو لم يغب بالرغم من عدم وجوده حولها فهو باقي في حياتها تتخذ منه رمز كبير في حياتها فهي لم تكن وحيدة في الحياة (واحدان ) فهو حاضر في تفاصيلها الكلية بالرغم أن غيابه يصبح لديها غياب دهشة في حياتها لأنها لغاية الآن لم تصدق أنه غائب فهو حاضر حولها بكل تفاصيله الحياتية , وغيابه دهشة كعيون الموناليزا وما ما تشكل هذه العيون من سر , أن الفنان لوتريك برغم من غيابة عن الحياة لكنه موجود فيها من خلال لواحته التي شكلت قيمة أبداعية في حضوره الحياتي. وهنا استطاعت الشاعر أن تحدث استعارة عالية الانزياح من خلال تقارب الفنان لوتريك في لوحاته وحضوره الدائم في من خلال فنه الخالد مع غياب أبيها أي أن أبيها خالد في حضوره حولها , وهنا الشاعر استطاعت أن تمازج بين الغياب والحضور في المعنى وبهذا هي حققت دلالات موحية عالية الاستعارة (عيون الموناليزا بالضفة الجانبية / ولوتريك / يغازل دخان الألوان
يؤثث خسارة زهر عباد الشمس بالجدران الباردة /توا فكت / الأرض ارتباطها بالمحور
كل الزوايا انفرجت) حيث يبقى المعنى ثابت في الأرض برغم من غياب من أحدث هذا المعنى , والشاعرة حققت بؤرة نص يجذب الأحداث خارج فعلها المألوف من خلال توظيف الثبات في الحضور مع الغياب وهذه حقيقة يقينية في فعل الروح وثباتها بالانتماء أي أن الانتماء لديها ليس غياب وحضور بل هو ثابت في المعنى الأبدي , حيث نجد أن عباد الشمس لا تغير يحدث لها بالرغم من أنها تدور مع الشمس ولكنها ثابتة في اللون والأرض , والشاعرة استحضرت هنا زهرة عباد الشمس لتأكد ثبات المحور التي ترتكز عليه في الحياة فلا تغير يحدث برغم غياب من ننتمي إليهم مع أن هذه الزهرة لا تستطيع أن تغيبها الجدران الباردة , فهي ثابتة .
.
.
ونأتي إلى المقطع الثاني لتطرح أسباب ثبات قيم أبيها في روحها والأسباب التي جعلتها تثبت في المعنى الذي أعطاها هذا الأب (توزع رمل الأرض على الفقراء و"الأنبياء "وفاء للنذر / القمر غير صدأ يعلو ناصية الحزن لا شيء يدركه /) فهو كان رمز إلى كل ما هو رائع بالقيم والانتماء لهذه القيم بشكل صميمي كانتماء الأنبياء أي لا يتغير بتغير الظروف , وهذا بهذا تريد أن تؤكد أن ثباتها نابع من ثبات القيم التي تعلمتها من أبيها فهو برغم من تقدم العمر به لكنه لم يتغير بل باقي بانتمائه للقيم التي أمن بها من أول حياته أي هو منتمي وثابت بانتمائه في الحياة بكل الظروف والأحوال , والشاعرة هنا أستخدم المساحة الواسعة بالإيحاء المعنوي للرؤيا المحددة بالفكرة التي توضحها وبشكل عميق خارج التسطيح في تشكيل النصي , والمحافظة على هذا يحتاج إلى ذات قادرة أن تمتلك الرؤيا التي تجعل من اللغة المعبرة بوضح عن الفكرة مع احتفاظها بالعمق المعنوي المراد توصيله إلى المتلقي فجاء النص عميق المعنى واضح الفكرة, فالقمر هنا برغم ما يوحي الليل بالحزن والفقد لكن القمر الذي فيه يبدد الكثير من هذا الحزن ويجعله حالة إشراق وأمل, وتمتد الشاعرة مع تشكيل المعنى العميق من خلال الأحياء بأن ما تعلمته من أبيها هو السبب الكبير في المحافظة على ذاتها في كل مراحل حياتها , فالبرغم تحرك الرغبات فيها أحيانا والتي ترمز إليها هنا بالخيل , لكنها محاطة بأسورة الماء أي محاطة بالطهر والنقاء الذي لا تغيره الظروف بل هو ثابت في ذاتها التي انتميت إليها من قيم أبيها فهي ثابتة بنفسها لا تتغير مع الظروف ( يبدد تجاعيده الأولى / إلا نفسها كل استعاراته لا تشبه / تلافتها الأوراد المثخنة بشفاه الرجاء / الانتظار لتغمد الفرح بألوان / وعيناك المنبثتان بصهوة خيلي / تدير القوس باسورة الماء )
.
.
وتستمر الشاعرة بتأكد كل ما أرادت أن توحي إلى المتلقي بثباتها مع تغير الظروف حولها أي أنها لا تهزها المظاهر الخارجية من التزين أي لا ترى الحياة إلا من خلال جوهرها , فكل شيء مظهري يزول ويرحل لكن الشيء الحقيقي باقي فهي ما زالت تلتف بأذكار الماء والطهر , كما أن الفرح الحقيقي ليس بالمظاهر بل هو بما هو ثابت بالمعنى الذي يحقق الجوهر الذي تنصفه السماء وغير هذا سوف يرحل ولا يبقى إلا النهر والطهر الموحي إليه أن أنا الحياة لا تستمر بنهارها إلا من خلال الطهر , لأنها تتمسك بكل هذا وصامدة في وجه أي تغير . فهي تشعر بالفرح الحقيقي لهذا سوف تنصفها وتباركها السماء :
لتزين جيد الشجر القادم من عل
يسري بأجنحة الكون ينذر بالرحيل
يا ل فرجينيا تغزلين النهر
وتلقين الأذكار بالماء
اسلمي الفرح للريح دفعتين
كي يصمت الأنبياء
فالسماء وحدها تبارك صمتي
وبهذا استطاعت الشاعرة أن تحقق الرؤيا التي تريد تثبيتها وفق ذائقتها الروحية وكيفية التعبير عن هذه الذائقة من خلال أعطاء الوضوح بالفكرة مع البقاء على الرؤيا العميقة , لأن الدلالة التي أرادت أن توحي بها يتطلب التقارب والابتعاد عن الوضوح لكي لا تسقط ضمن التداعي الغير مشروط بالوصول إلى نهاية حتمية لرؤيتها الحقيقة والتي تسعى أن تطرحها من هذا النص , والشاعر بهذا النص جعلت من بؤرة هو المعنى المتوغل عميقا, الواضح في الدلالة والعميق بالرؤيا كما استطاعت أن تحقق الثبات بالمعنى مع توسيع الدلالة الموحية ضمن الوحدة العضوية لكل مساحات الذات الباحثة عن اللغة التي تعطي التعبير الشعري عمق في الدلالة . وبهذا كانت ثابتة بالمعنى مع تغير الظروف حولها لأنها متمسك بالقيم الحقيقة برغم من غاب عنها وهو الذي ثبت كل هذا الثبات والمعنى الجوهري في حياتها .