(1)
يختزن الأديب معالم الأشخاص الذين يعايشهم ويحاورهم في حياته الواقعية، ويمتص ملامح النماذج الإنسانية التي يقرؤها للآخرين، ويحتوي أنماط البشر في الأعمال المرئية- ويوظف ذلك كله عند إنشاء نماذج أعماله الأدبية التي تحمل الأحداث التي تخدم القيم التي يريد إيصالها إلى القراء.
تتعدد مصادر تكوين النماذج عند الأديب كما رأينا، لكنها عند التنفيذ تنقسم قسمين فقط.
ما هما؟
الشخصية الأدبية، والشخصية الواقعية.
ما الفرق؟
الشخصية الأدبية هي تلك الحالة التي يشكلها الأديب ويرسم لها مواقفها ويحدد لغتها وسلوكها، ويكون حر التصرف في وضع أبعادها وصفا للظاهر الجسدي وسردا للسمات النفسية والعقلية، وغير ذلك من وسائل تشخيصها للقارئ.
وهي بذلك تكون طيعة له، وتكون من إنشائه- بغض النظر عن كونها من خياله فقط أم من خياله وواقعه معا.
أما الشخصية الواقعية فهي شخصية لا يملك الأديب التصرف فيها، بل يخبر عنها.
ما هي تلك الشخصية؟
إنها الشخصية التاريخية، وليست سواء، بل تبدأ من الشخصيات المقدسة كالرسل، وتمر بالشخصيات التاريخية المشهورة عند العامة والخاصة التي تحددت معالمها كالصحابة وكثير من القادة، وتنتهي بالشخصيات التاريخية غير المشهورة عند العامة.
لماذا؟
لأن الأديب يلتزم النصوص التي وردت عنها، فيكون مخبرا لا منشئا- حتى لا يتعدى المقدس، ولا يصدم الحقائق ولا يصدم أذهان الناس.
فهل يلتزم من يتحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك؟ أم يجعله شخصية أدبية فيتصرف في الوصف أو الأحداث أو غير ذلك من الوسائل الفنية؟
(2)
في قصة "السيدة خديجة رضي الله عنها" المقررة على الصف السادس الابتدائي في جمهورية مصر العربية خرج الأستاذ أحمد محمد صقر المؤلف عن الشخصية الواقعية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعله شخصية أدبية في مواقف كثيرة من قصته.
كيف؟
كان ذلك بوسائل كثيرة على مختلف وسائل البناء الفني، سأجتزئ ببعضها بعد أن تناولت اللغة في المقال الأول من سلسلة مقالات نقدي هذا الكتاب المعنون بـ"نقد وجهة نظر الغائب في القصص التي تجعل رسول الله شخصية أدبية".
كيف؟
أ- الحوار
سمح لنفسه أن يفصل فيما ورد مجملا، بغض النظر عن صحته أو لا.
كيف؟
في الحوار الذي دار بين نفيسة ورسول الله صلى الله وسلم وامتد من ص39 إلى ص42، نجده يتوسع في الحوار بينهما، وأورد هنا جزءا آخر من الحوار غير ما أوردته في مقالي الأول "نقد وجهة نظر الغائب في القصص التي تجعل رسول الله شخصية أدبية".
يقول ص41 على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فأسرع باسما:
- يزيد المهر يا نفيسة! وأنت تعرفين مهور الأغنياء، وتعلمين أنه يثقل الأزواج ويعجز الكثيرين، وأين لي بمثله يا نفيسة؟
وامتد الحوار!
وهذه سمة تكاد تكون عامة في حوارات الرسول صلى الله عليه وسلم.
ب- اختلاق أحداث
سمح لنفسه أن يدلس في الاستشهاد بالقرآن في غير وقته.
كيف؟
ص 86 وفي الحوار الذي دار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والسيدة خديجة بعد وفاة ابنهما عبد الله، قال عن النبي: "وأقبل الرسول صلى الله عليه وسلم عليها يواسيها".
ثم قال على لسانه: "ويقول لها بصوته الرقيق الحنون:
- أراد الله بك الخير يا خديجة، لم يردك أن تكوني أما لبعض من خلقه فحسب، ولم يشأ أن تكوني أم القاسم أو عبد الله، بل اختار لك أن تكوني أما للمؤمنين جميعا. ألا يسرك هذا اللقب يا خديجة".
يورد ذلك على لسان النبي قبل نزول قوله تعالى:{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} [الأحزاب: 6]؛ فسورة الأحزاب مدنية، وكان ذلك الحديث بدء الإسلام.
هذا على ركاكة هذه التعزية لغة وواقعا؛ فقد صارت أما للقاسم وعبد الله؛ فقد ولدا وعاشا زمنا.
ج- الوصف المعنوي
الأديب يرسم شخصيات عمله الأدبي من خلال وسائل فنية كثيرة منها مواقفهم في الأزمات، ونجد الأستاذ أحمد محمد صقر قد جعل الرسول يائسا من إيمان قومه كلهم.
كيف؟
قال ص 90 وص91 معقبا على محاولة إعلان الدعوة تنفيذا لقوله تعالى:{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]: "ودخل الرسول صلى الله عليه وسلم على خديجة والحسرة بادية في محياه:
- أرأيت يا خديجة؟ أرأيت هؤلاء القوم الغلاظ الأكباد؟ إنهم مصرون على الكفر، ولن يستجيبوا لهذا الدين أبدا؟ وكيف يستجيبون له وهم يرون أنهم أرفع من الناس؟ و...إلخ".
نرى الأستاذ يستخدم "لن" و"أبدا"؛ مما يجعل رسول الله صلى الله يائسا قبل بذل المحاولات، وهذا يضاد الحديث الذي رد فيه رسول الله على ملك الجبال، والذي رواه البخاري (عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ قَالَ: لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ؛ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ. فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ؛ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ. فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ: ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا".
ويؤكد هذا المعنى من خلال السيدة خديجة التي قال عنها في ردها على رسول الله في الموقف السابق ص91: "قالت خديجة باسمة في صوت هادئ رقيق:
- لا تيئس يا رسول الله، فأنت تدعوهم إلى خيرهم ... إلخ".
وكرر ذلك ص119 وص120 كما في نماذج المقال الثاني من مقالات نقدي هذا الكتاب المعنون بـ "هل يكون رسول الله شخصية ثانية في العمل الأدبي؟".
موضوع رائع ويسعدني أسلوب الطرح
وأنا لا أتفق مع ذلك أبدا ...
ذلك أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم
لا يجوز أن نمثّل شخصه الكريم ...وهنا
عندما نقرأ هذه الحوارات ، ويحاول الكاتب
أن يجسد رسول الرحمة صلى اللله عليه وسلم
من خلال حوارات ...أرى أنَّ هذا لا يجوز ...خاصة
أن أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام تمتاز بالقوة والبلاغة
وروعة البيان ، وكلامه حديث نستدلُ به ...
أما ما قرأتُ هنا فهو كلام لا يمكن بأي حال من الأحوال أن أتقبله
على لسان سيد الخلق .