ما هي القصيدة الومضة ؟..المحتوى والشكل ..دراسات شاملة ومصادر عديدة
أديب حسن محمد
لا بد في البداية من التنويه بأن بحثنا حول القصيدة الومضة لا يعني ادعاء تأسيس جنس أدبي جديد،أو انبعاث شكل شعري مغاير تماماً لكل ما كتب من شعر في المراحل التاريخية المختلفة،ونحن من القائلين بوجود كتابات كثيرة في هذا الحقل وإن اختلفت التسمية،كما إننا مع الرأي القائل أن تجربة القصيدة الومضة هي خلاصة صافية لتراكمات عديدة في النصوص الشعرية العربية،وليست تأثراً أو نقلاً عن الغرب كما قد يظن البعض من دارسي ومبدعي هذا الشكل الشعري،وكل ما في الأمر أن ثمة تأكيداً مشتركاً من الشعر العربي والغربي الحديثين على الإكثار من كتابة هذا الشكل الشعري،إضافة إلى التهليل النقدي له،وهذا أمر لا يمكن إغفاله في النصف الثاني من القرن العشرين،
(( أن تاريخ الوجدان الشعري عند العرب مؤسّسٌ أصلاً على الاهتزاز للإضاءات السريعة الخاطفة سواء أكانت فكرية أو وجدانية،وإن قصائد البيت الواحد ضاربة في أعماقه ووجدانه وتاريخه أيضاً،مما ينفي صحة الزعم أو الادعاء بأنها أثر من آثار المذاهب الغربية،وتيارات الحداثة والاستيراد التي تركت بصماتها واضحة في شعرنا،وكأن زامر الحيّ لا يطرب إلا إذا شهد له آخرون من غير سكانه ومن خارج بيئته وأرومته.)).."1"
ومن هنا فإن وضع تعريف دقيق للقصيدة الومضة أمر غير هين في ظل الاختلاف الكبير على تسميتهااللقطة،التوقيعات، الهوامش)وعلى حجمها،وضوابطها الفنية والبنيوية.
ولعلّنا لا نجانب الصواب إن زعمنا أننا نزداد اقتراباً من تسمية القصيدة الومضة كلما ازداد النص كثافة وتركيزاً وحقق القصد الذي يرومه الشاعر بجملة أو بسطر،وكلما عبرت عن لحظة شعورية مكثفة،بحيث تخلق حقلاً من الدلالات والإيحاءات والقراءات أكبر من كلماتها القليلة.
ولا ضير هنا من عرض تعريف الناقد الإنكليزي (هربرت ريد) للقصيدة القصيرة على الشكل التالي:
(الشكل والمحتوى مندمجان في عملية الخلق الأدبي.
فعندما يسيطر الشكل على المحتوى"الفكرة" أي عندما يمكن حصر المحتوى بدفقة فكرية واحدة واضحة البداية والنهاية،بحيث تبدو في وحدة بيّنة،عندها يمكن القول أننا أمام القصيدة القصيرة.
في حين عندما يكون المحتوى الفكري معقداً جداً لدرجة لجأ معها العقل إلى تقسيم هذا المحتوى إلى سلسلة من الوحدات الجزئية،وذلك ليخضعه لترتيب ما من أجل استيعابه في إطار كلّي،عندها يمكن القول أننا إزاء القصيدة الطويلة)........(2)
فهي القصيدة التي تلتقط بكلمات معدودة المعنى وتبني بأقل عدد من المفردات نصاً متكاملاً،ذي فكرة مركزية واحدة،وبتفسيرات متعددة الاتجاهات(نتيجة التكثيف المتأتي عن ضيق العبارة).
وبتعريف د.محمود جابر عباس...
هي أنموذج شعري جديد له تشكيله،وصوره،ولغته،وإيقاعاته(الداخلية والخارجية) وتنبع خصوصية هذا الأنموذج الشعري بما يكتنزه من ملفوظات قليلة،ذات دلالات كثيرة،وإيحاءات خصبة،تتخلَّق من ذاتها،وعلى ذاتها،في حركة بؤريّة مكثفة،ومتوترة،ونامية مع كل قراءة جديدة،ومتمدّدة في كل دال ومدلول يتحركان ضمن دائرة العلاقات المرّمزة،والمفاتيح المتعددة التي تمكّننا من ولوج النصّ."3 "
وهي بهذا المعنى قصيدة دائمة الإنتاج،ودائمة التخلّق،لأنها تتموضع ظهوراً،وغياباً،في شؤون شتى،مستمرة في صيرورتها،ولأنها متحركة وقابلة لأكثر من زمان ومكان بسبب من طاقاتها الخبيئة ضمن بنية شديدة التكثيف،ولأن فاعليتها متولدة من ذاتها النصيّة،فهي شكل من أشكال الإنجاز اللغوي الشعري،تتمتع بنظامها الخاص،ولغتها الوسيطة بين طرفي المعادلة الإبداعية(الشاعر والقارئ)فهي عمل شعري يسعى للتفرد،والقصيدة الومضة عليها أن تتمتع بخصوصية تمكّنها من ممارسة تغريب نسبي،وفعل استلابي،وقلب لأفكارنا،ولمدركاتنا ،ولتعابيرنا المعتادة،ولذائقتنا الشعرية المعتادة على أنماط،وأشكال معينة.
وبكلمات الناقد الليبي خليفة محمد التليسي في كتابه النقدي:قصيدة البيت الواحد،هي:
/ومضة خاطفة،ولمحة عابرة،ودفقة وجدانية،ولحن هارب،وأغنية قصيرة تخلق تعبيرها المكثف المركز الذي يستنفز اللحظة الشعرية،ويحيط بها،وما زاد عن ذلك فهو من عمل الصناعة والاحتراف/
وككل قصيدة حديثة،فإن القصيدة الومضة مُطالَبة ٌبتحقيق معادلة في منتهى الأهمية والدقّة والحساسية،وتنص هذه المعادلة على (إبداع جنس أدبي فنيّ يحقّق توازناً مضبوطاً في العمل،من خلال معنى يعّبر عن محتوى إنساني ما عبر صياغة،أو أسلوبية تواكب المحتوى،وتُكاتِفه،دون أن تزيد عليه،أو تتأخّر عنه،وفي ذات الوقت ألا ترتد إلى المقولة البسيطة التي تفيد أن الشكل الفني مُفصّل على حدود المعنى تماماً)"4 "
وعلى القصيدة الومضة أن تكون قصيدة مكتملة المعنى،مبتكرة في فضاءات لغتها،وهي ذات فكرة متوهجة،وتقنيات متداخلة،ومتضافرة،وتستفيد من أشكال فنية متعددة(الفن التشكيلي،الموسيقا،التصوير السينمائي......الخ)
كما أن عليها امتلاك قدرات تعبيرية ثرّة،عائدة للركازة الرمزية التي تكتنزها البنية المختزلة لها،وكذلك لخروجها خروجاً خلاّقاً لا تخريبياً على النمطية السائدة من الأشكال التعبيرية الشعرية المقيدة بالوزن والقافية والإسهاب ومطرزات البلاغة والبنى الهيكلية المعتادة من جهة،ولتخلّصها من هيمنة الأسلوب الواحد الذي كانت غالبية النصوص القديمة ملزمة بتقديمه.
ويبقى الرهان الأكبر لهذه القصيدة هو قدرتها التأثيرية في وجدان المتلقي،وخلقها أثراً تردّدياً كبيراً في داخل المنظومة الحدسية للقارئ،وهذا يتطلب منها امتلاك قدرة على الإدهاش،والاقتصاد في تكوين بنية النص من أدوات تعبيرية قليلة،دون الإسراف في العمل اللغوي الذي ينفر القارىء من الفكرة،ويشتته بعيداً عن غرض القصيدة،ولذلك تتجنبه القصيدة الومضة التي تكون في غاية الحرص على تماسك بنيتها،كحرصها على بقاء وهج فكرتها.
ثم إن مرجعية هذه القصيدة إلى اللحظات الشعورية المتأصلة في روح الإنسان،وفي صميم ذاته،في مقابل تأكيد القصيدة الطويلة على التعامل مع المؤثرات الاجتماعية والسياسية الكبيرة التي تشكل المحيط العام،هذا الأمر يعطي نوعاً من الزخم لهذا الشكل الشعري في هذا العصر الذي كثرت قضاياه الكبيرة،وتشعبت هموم الجماعات،والطوائف،والمجموعات القومية،والدينية،وأضحى الداخل الإنساني بكل التماعاته الخاطفة هو المنجم الثر الذي ينهل منه الشعراء مفردات نصوصهم التي تعزز المكانة الروحية للذات الإنسانية في مواجهة الطوفان المميع لخصوصيتها.
القصيدة الومضة والقصيدة القصيرة
ثمّة خلط كبير بين مصطلحي القصيدة الومضة والقصيدة القصيرة
فالقصيدة الومضة قصيدة قصيرة جداً، لا تتجاوز في العادة عدة كلمات،أو أسطراً قليلة،تتميز عادة بوحدة الموضوع،وبكثافتها العالية التي تستلزم منها الاقتصاد الشديد في استعمال حروف العطف،والمفردات الكمالية التي لا تخدم جوهر الموضوع،وتخلو هذه القصيدة بطبيعة الحال من الحشو والتطريز والمحسنات البديعية الأخرى.
أما القصيدة القصيرة، فليس هناك اتفاق على حجم معيّن لها، فقد تكون صفحة أو اثنتين أو أكثر، وتعتمد في الغالب على أكثر من بؤرة موضوعيّة، والصور الشعرية فيها مبثوثة وموزّعة على امتداد النصّ، ولهذا فإن القصائد التي كتبها :محمد الماغوط،ورياض صالح الحسين،ومنذر المصري،وغيرهم من كتاب القصيدة الشفوية القصيرة،اعتمدت النثرية في التقاط هوامش الحياة اليومية،وفي رصد معاناة العالم المنكوب بلغة افتقدت إلى التوتر،والتركيز،والشحنة التأزمية،والمعنى الواحد الخاطف للقصيدة الومضة،رغم أنها شكّلتْ مرحلة وسيطة في حلقة تطور القصيدة العربية الحديثة نحو القصر والتكثيف.
كما لابدّ من الإشارة إلى أن القصيدة الومضة ليست مقتصرة على أنماط التفعيلة والنثر،بل وجدت بعض القصائد العمودية التي حققت جميع مزايا وخصائص القصيدة الومضة كما في بعض قصائد الشاعر اليمني عبد الله البردوني.
ويمكن القول أنه كلما اتجهت القصيدة أكثر فأكثر نحو القصر والتكثيف الموظّفَين فنياً،كلما نالت حظوظاً أكبر في الدخول ضمن حقل القصيدة الومضة.
رد: ما هي القصيدة الومضة ؟..المحتوى والشكل / منقول
القصيدة الومضة والقصة القصيرة جداً
ظهرت في الآونة الأخيرة جماعة من كتاب القصة القصيرة حاولوا التأسيس لجنس قصصي جديد،أطلقوا عليه ق.ق.ج أو القصة القصيرة جداً،وشرعوا في إقامة المهرجانات السنوية التي يشارك فيها العشرات من الأسماء التي دخلت على الخط،مستسهلة كتابة هذا الشكل القصصي،دون أي وعي بشروط كتابة القصة القصيرة،ودون امتلاك كاف لأدواتها،وبسبب اعتمادها الوحيد على القصر،ظهرت نماذج ساذجة من كتابات مبتورة،لا علاقة لها بالقصة القصيرة لا من قريب ولا من بعيد،وساهم تكاثر كتاب هذا الشكل التعبيري في حدوث لغط وتشويش كبيرين في الساحة الأدبية التي كانت ولا زالت تعاني أصلاً من تداخل المفاهيم،وضبابية المعايير،ولعل من أهم الأسئلة التي من حق القارئ إطلاقها هو:
ما هو الفرق بين ما يسمى بالقصة القصيرة جداً وبين القصيدة القصيرة جداً أو القصيدة الومضة ولا سيما الومضة النثرية التي تتخلى عن الإيقاع الذي يفصل الشعر عن النثر عادةً؟؟
سؤال مشروع ولا شك..
وفي الطريق للإجابة عليه،لا بد من الاعتراف بأن النماذج الجيدة من ق.ق.ج تكاد تكون ومضات نثرية ،أي أنها أقرب للشعر منها للقص،ولهذا الرأي مبرراته الموضوعية التي أرى من الضرورة بمكان عرضها ولو بإيجاز،
فالأصل في القصة في جذرها اللغوي الإخبار أو السرد،وهي بهذا غير ملزمة بالجنوح إلى الشعرية إلا في مواطن الضرورة،وتستلزم القصة كذلك وجود حدث،وشخصية،أي أن أساس القصة ومحورها المركزي هو السرد،بينما الشعر مختلف الأدوات،فالسرد مهمش،والأصل فيها استنطاق اللحظات الشعورية عبر نسق لغوي قادر على توليد حقول دلالية تتسع باستمرار،وإذا كان التداخل بين الأجناس الأدبية في وقتنا الراهن أمرً مستفحلاً ولا يمكن إغفاله،فإن النماذج الجيدة من ق.ق.ج المعتمدة على الانزياحات الشعرية،ليست في النهاية سوى ومضات نثرية،وإن أصر أصحابها على إطلاق اسم قصة قصيرة جداً على منتجهم،ركضاً وراء هاجس الريادة والابتكار،ولو عرجنا على بعض النماذج الجيدة(وهي قليلة جداً)من ال ق.ق.ج لاتضح الأمر بشكل جلي
اعتماد القصة القصيرة جداً على فكرة مكتملة واضحة البداية والنهاية،وغالباً ما تنأى عن الخصوبة الدلالية لحساب طرح المقولة الواحدة،ولنقرأ للقاص القصير جداً أسامة الحويج العمر"قصة"بعنوان:برج بيزا:
"نظر برج بيزا إلى ما حوله بحيرة،وقال: منذ مئات السنين وكل شيء من حولي مائل!
إلى متى يستمر هذا الوضع الشاذ؟؟"..........(5)ص8
ومباشرة نلاحظ اعتماد هذه القصة على تقديم الفكرة بمباشرة لا لبس فيها،ولا نلمس فيها أي عمل فني دلالي،أو أية علاقة متوترة بين المفردات،فهي أي المفردات مصفوفة في اتجاه واحد،ولا همّ لها خارج القاموس الذي يضبط معانيها،ولا تؤدي العلائق السردية أي دور إضافي للمعنى الأحادي للمفردة.
ولنقارن ما قرأناه مع ومضة نثرية للشاعر السوري علي سفر بعنوان(القليل):
"وبعد قليل من سيفقد قليله
كيما يغرف مما مضى بعضاً مما فقد؟؟"...........(6)ص77
فالمعنى هنا غير محدد،والمفردات لا تلتزم بالرتم القاموسي لها،وذلك بسبب العلاقات المتوترة القائمة على الانزياح،والتي أخرجت المفردات عن سكة المعاني الممكنة إلى معنى طيفيّ،معنى غير مدرك بالضرورة في قالب معين،هذا ما تعجز عنه ما تسمى بالقصة القصيرة جداً.
ثمة مسألة أخرى أراها أكثر أهمية هنا هي مسألة التكثيف..
فالقصة القصيرة جداً تعتمد في مشروعها المقترح على القصر فقط،وهذا القصر يكون قصراً كمياً،يطال عدد المفردات أو الأسطر التي تتألف منها القصة،
الأمر مختلف تماماً في حالة القصيدة الومضة،حيث للتكثيف دور أكثر عمقاً،ويتجاوز كونه تقليلاً للمفردات إلى خلق حالة من التوتر الذي يكثف المعنى ضمن بنية شكلية موجزة وقادرة على الإشعاع الدلالي فيما بعد
فثمة فارق كبير بين التكثيف الخارجي الساذج الذي لا يعدو كونه غطاء هشاً في حالة ال ق.ق.ج
وبين التكثيف الهادف إلى توسيع الفضاء الدلالي للجملة الشعرية
بعبارة أخرى لا بد أن نرجع إلى الوظيفتين الرئيسيتين للغة:
الوظيفة الشعرية،والوظيفة النثرية
والمقارنة تعقد هنا بين نموذج لكينونة موجودة،ومنجزة هي القصيدة الومضة
وبين نموذج غير مكتمل الإنجاز هو القصة القصيرة جداً
لنقرأ نموذجاً من ال ق.ق.ج لوفاء خرما:
"استهلت أمّ أجنبية رسالتها إلى ابنتها البعيدة بقولها:
إلى حبيبتي بعد بيبي،وبيبي هو كلبها..!!!!!"...(7)
ولنضع بمواجهة ومضة نثرية للشاعرة السورية نضال نجار:
"عطرك يكفي.
ليوقظ من آخر الكون
غيبوبة حواسي"..........(8)ص35
ولنقارن بين الوظيفة الشعرية للغة عند نضال نجار
وبين السرد المباشر التقريري(الوظيفة النثرية للغة) لوفاء خرما
ولا بد من التنويه هنا أن القصر الشديد في حد ذاته لا يمكن أن يخلق جنساً أدبياً،وكلمة(جداً)التي ألصقت بالقصة القصيرة وجدت لاستيعاب الكم الهائل من أنصاف وأرباع الكتاب الذين لم يجدوا وسيلة للدخول إلى عالم الأدب غير المراهنة على هذا المنتج،والدليل أن أغلب كتاب الـ ق.ق.ج لم ينتجوا بعد الملتقيات شيئاً ذا أهمية تذكر.
سؤال أخير يفرض نفسه هنا:
لمن يسمح بالتجريب؟؟
أعتقد أن من يجرب في أي جنس أدبي عليه أن يتمتع بتجربة متكاملة وغنية،تخولّه تجاوز المرحلة الإبداعية،إلى آفاق التجديد
وهذا ما حدث في حالة أدونيس مثلاً،وتجربته الشعرية الغنية التي لم تنفصل عن حقيقة امتلاك الشاعر لرؤيا فلسفية متكاملة،مكّنته من التجريب في نموذج القصيدة الومضة بنماذج متألقة تسجل له.
هوامش
1ـ د.نعيم اليافي ـ المغامرة النقدية ـ دراسة ـ اتحاد الكتاب العرب ـ دمشق 1992 ص87
2ـ د.علي الشرع ـ بنية القصيدة القصيرة في شعر أدونيس ـ دراسة ـ اتحاد الكتاب العرب دمشق1987 ص 51(نقلاً عن كتاب هيربرت ريد:الشكل في القصيدة الحديثة)
3ـ د.محمود جابر عباس ـ مقال ـ جريدة الفينيق ـ عمان ـ العدد 59 1/9/2000
4ـ وفيق خنسة ـجدل الحداثة في الشعر ـ دراسة تطبيقية ـ دار الحقائق 1981 ص 13
5 ـ أسامة الحويج العمر/أيها الإنسان/قصص قصيرة جداً/دار الكنوز بيروت/2000ص8
6 ـ علي سفر/اصطياد الجملة الضالة/شعر/بيت الشعر السوري/بيروت دمشق/2004ص77
7 ـ
8 ـ نضال نجار/تحت عري القمر/شعر/دار المقدسية /حلب/2002ص35
رد: ما هي القصيدة الومضة ؟..المحتوى والشكل / منقول
الومضةُ الشعريّة و سماتها
الدکتور حسين کياني الدکتور سيد فضل الله مير قادري**
الملخّص
الومضة الشعريّة لحظة أو مشهدٌ أو موقفٌ أو إحساس شعريّ خاطف يمّر في المخيلة أو الذّهن يصوغُهُ الشاعرُ بألفاظٍ قليلةٍ. و هي وسيلة من وسائل التجديد الشعري، أو شکل من أشکال الحداثة التي تحاول مجاراة العصر الحديث، معبرة عن هموم الشاعر و آلامه، مناسبة في شکلها مع مبدأ الاقتصاد الذي يحکم حياة العصر المعاصر. راجت الومضة في السبعينات من القرن العشرين و باتت تستقلّ بنفسها حتّي أصبحت شکلاً شعريّاً خاصّاً. من أهم العوامل التي لعبت دوراً هاماً في نشأتها هي التحول الفکريّ و الفنيّ و متطلبات الحياة الجديدة و المؤثرات الأجنبية.
کان للمناصرة قصب السبق في تأسيس هذا النمط الشعريّ و من روّادها بعده، أحمد مطر، مظفر النواب، سيف الرحبي، نادر هدي، زياد العناني، عبدالله راجع، جلال الحکماوي، تتسم الومضة بالسمات العامّة للقصيدة الحديثة، منها: التفرد و الخصوصية، الترکيب، الوحدة العضوية، و الإيحاء و عدم المباشرة و تنفرد بالاقتصاد في الايقاع و الصورة و اللغة و الفکرة.
تحاول هذه المقالة بعد التعريف بالومضة و ما شابهها و تاريخ نشأتها و عوامل و سمات و روّادها أن تثبت أنّ الومضة الشعرية و إن تأثرت بمؤثرات في الأدب الأوروبي ولکن ليست نسخة من الشعر الياباني أو الإنجليزي بل هي إحياء أو إعادة صياغة لما نعرفه في الشعر العربي القديم من المقطعات و امتزجت فيها الخصائص التراثية و العالمية.
الکلمات الأساسية: الومضة، التوقيعة، اللمحة ، الحداثة الشعرية، عزّالدين المناصرة
رد: ما هي القصيدة الومضة ؟..المحتوى والشكل ..دراسات شاملة ومصادر عديدة
مقدّمة
شهد الأدب العربي المعاصر التحوّلات الثلاث في طريقه إلي التطوّر و الحداثة. التحوّل الأوّل في الانتقال من الضّعف و الرّکود إلي القوّة و الحرکة بخاصّة مع محمود سامي البارودي. الثاني مع خليل مطران الذي فتحَ بابَ الشعر العربي علي مصراعيه علي الغرب و لاسيما الغرب الفرنسيّ. وکان التحوّل الشعريّ الثالث في الانتقال مِن بلاغة الشعر و تنميقه و برج عاجيته إلي الاهتمام بالحياة و الشعب و هذا کان في کثير من شعر المهجر و شعر جماعة أبولو. و في هذه المرحلة و بعدها «برزت الأوزان الخفيفة و الإيقاعات السريعة و التناوب الايقاعي و ترديداته کما بزرت الايقاعات الغنائية السريعة الصافية فأفادَ الشعراء مِن هندسة الموشّح و هيمنة الرّباعيات و المزدوجات و النّظام المقطعي هيمنة طاغية». (الموسي، 2005 /14)
إنّ ما شهدهُ القرنُ العشرون مِن تسارع في حرکة تطوّر الشعر و تجديده، يتوافق و حرکةَ التغيير المتسارعة التي هزّت العالم خلالَ هذا القرن و في هذا المجال يقول يوسف الخال:
«نحنُ نجدّد في الشعر، لا لأنّنا قرّرنا أن نجدّد، نحنُ نجدّد لأنَّ الحياةَ بدأت تتجدّد فينا، أو قُل تجدّدنا، فنجاحنا مؤکّد ولا حاجة لنا بأي صراعٍ معَ القديم. القافية التقليدية ماتت علي صخَبِ الحياة و ضَجيجها و الوزنُ الخليلي الرتيب ماتَ بفعلِ تشابک حياتنا و تغير سيرها. و کما أبدعَ الشاعرُ الجاهلي شکله الشعريّ للتعيير عن حياته، علينا نحنُ کذلک أن نبدع شکلنا الشعريّ للتعبير عن حياتنا التي تختلفُ عن حياته.» (1978/54-55)
لعبت القصائد الطويلة دوراً في ابتعاد الجمهور عن الشعر، و جاءت قصيدة الومضة لتعيد هذا الجمهور اللذين تعبوا من الإسهاب و السرد الخطابي و اللذين لم يعد لديهم من الوقت ما يکفي لقراءة الأشعار الطويلة المملة إلي هذا الفن الجديد.
و نحنُ في هذا البحث أمام شکلِ شعريّ المسمي بـ«الومضة» و أسئلةٍ نبحثُ عن أجوبتها بالتحليل و التمحيص وهي:
- ما الومضة الشعريّة و ما هو تاريخ نشأتها؟
- ما عوامل نشأتها و سماتها و روّادها؟
- هل الومضة نسخة من الشعر الياباني «الهايکو» و الشعر الإنجِليزي القصير؟
و هنا تجدر الإشارة إلي أن موضوع الومضة الشعرية من الموضوعات الجديدة في الشعر العربي المعاصر التي تطرق إليها عدد من الباحثين و بينوا جوانب خفية منها و أهمّ هذه الدّراسات هي:
1. «النثيرة و القصيدة المضادّة»، لمحمّد ياسر شرف (1981)، النادي الأدبي، رياض. و هو يدرس الومضة الشعريّة تحتَ مصطلح «النثيرة». يبدو أنّه هو من الأوائل الذين قاموا بمحاولات التنظير لفن الومضة الشعرية
2. «بنية القصيدة في شعر أدونيس»، عليّ الشرع(1987) اتّحاد الکتاب العرب، دمشق. هو يدرس فيه الومضة الشعرية تحت مصطلح«القصيدة القصيرة» و يحاول أن يکون في نقده تطبيقياً إضافة إلي محاولته التنظير لهذا الجنس الأدبي الجديد.
3. «الحداثة الشعريّة و فنّ الومضة»، «مدخلٌ إلي دراسة الومضة الشعريّة»، «قصيدة الومضة و إشکالية الشکل»، مقالات لمحمّد غازي التدمري طبعت الأولي (1991) في العدد 8590 و الثانية (1992) في العدد 8768 من صحيفة البعث و الثالثة (1993) طبعت في مجلة المعرفة العدد 354 في سورية.
4. مقالة «بعض من ملامح"قصيدة الومضة"» لنسرين بدور جريدة الاسبوع الأدبي، السورية، العدد 84 تاريخ 14/9/2002.
يبدو أنّ لمجلات اتحاد الكتاب العرب دوراً ريادياً في دراسة الومضة الشعرية في الأدب العربي الحديث. و هذا، الكتب التي اهتمت بدراسة الشعر العربي المعاصر تطرق أصحابها بدراستها؛ نحو: كتاب«إشكاليات قصيدة النثر» لعزالدين المناصرة و كتاب«بنية القصيدة القصيرة في شعر أدونيس» لعز الدين اسماعيل، تطرق الأخير بمقابلة القصيدة القصيرة بالقصيدة الطويلة في الفصل الذي أقامه بعنوان«معمارية الشعر المعاصر».
اعتمد هذا البحث علي المنهج المتکامل الذي لايکتفي بمنهج واحد و يستند إلي المناهج المتعددة مع الترکيز علي المنهج الأساس. و النهج الأساس في هذا البحث هو النمهج الوصفي التحليلي.
رد: ما هي القصيدة الومضة ؟..المحتوى والشكل ..دراسات شاملة ومصادر عديدة
ماالومضة؟
الومضة لغةً من«وَمضَ» و ومضَ البرقُ: لمع خفيفاً، و أومَضَتِ المرأةُ: سارقتِ النّطر، و أومضَ فلانٌ: أشار إشارة خفية. و في هذا المعني شيءٌ مِن اللّمعان و التلالُؤ و التألُق و الإشراق و التوهُّج و فيه شيءٌ من الإدهاش و التشويق و فيه شيءٌ آخر من الشفافية و الغموض الآسر و عدم الايضاح لکلّ شيءٍ. و فيه شيءٌ آخر مِن التکثيف و الاختزال و الاقتصاد اللّغويّ. و قد قيل: «البلاغة هي الايجاز» کما قيل «خير الکلام ما قلَّ و دلَّ».«و يتداخلُ مع معني الومضة، البرقية و لذلک يقال: «القصيدة البرقية، القصيدة الومضة و هي قصيدة مکثفة و مختزلة جدّاً.» (االموسي، 2005/ موقع اتحّاد الکتاب)
إذن فهي نصٌّ أشبه مايکون ببرقٍ خاطفٍ يتسم بعفوية و بساطة تمکنه من النفاذ إلي الذاكرة للبقاء فيها معتمداً علي ترکيزٍ عالٍ و کثافة شديدة مردّها انطباع کامل واحد مستخلص من حالة شعورية أو تأملية أو معرفية عميقة إذن فهي تتوفّرُ علي الترکيز و الغني الواضح بالايحاءات و الرّموز و تدفقُ رقراق و انسياب عضوي بديع لوعي شعريّ عميق. فالشکل نصٌّ مختصرٌ مختزلٌ بأعلي قدرة للاختزال.
يعرفها عز الدين المناصرة بأنّها: «قصيدة قصيرة مکثفة؛ تتضمن حالة مفارقة شعرية إدهاشية، و لها ختام مدهش مفتوح، أو قاطع حاسم، و قد تکون قصيدة طويلة إلي حدّ معين،و تکون قصيدة توقيعة، إذ التزمت الکثافة و المفارقة و الومضة، و القفلة المتقنة المدهشة» (بعلي، 2005/13)
لعل أول خطوة في رسم مثل هذه الصورة، هي أن يجمع الشاعر بين المعني الحسي، و المعني الذهني في لمحة واحدة، فتشتمل الصور حينئذٍ علي العمق و السطح معاً. المفهوم و الإدراک الحسي للمفهوم علي التجربة و خلاصة التجربة.(حشلاف،1986/127،129)
«... هناک الکثير مِن النصوص التي يطلقُ عليها أصحابُها اسم الومضة و هي لاتتناسَبُ مع تحديد الومضة و اسمها فهي لا تشکّلُ بَرقاً خاطفاً ولا تتميزُ بالاختزال و إنّما تکونُ أطول ممّا ينبغي للومضة أن تکون عليه بل هي أقربُ ما تکون للقصيدة القصيرة.»
إنّ الومضة و القصيدة القصيرة تشترکان في أنّهما مقطوعتان شعريتان تعتمدان علي أقلّ ما يمکن من الملفوظية و في العاطفة و الموقف الشعري و يسعيان إلي التکثيف و الاختزال. الومضة الشعرية و القصيدة القصيرة تختلفان في الفکرة و الشکل و اللغة. أما الفکرة فالفکرة الشعرية مسيطرة علي الومضة و تحقق الدهشة و الکثافة الشعرية. أما القصيدة القصيرة فتقع تحت هيمنة السرد النثري و يغيب مفهوم الکثافة فيها. شکل الومضة و توزيع النص و علامات الترقيم فيها إحدي سماتها الأساسية و هي توحي بمعان و إيحاءات جديدة بيد أنّ القصيدة القصيرة لا توحي الشکل فيها بمعان جديدة. الفارق الرئيسي بين الومضة و القصيدة القصيرة هو اللغة الموظّفة.
«تشکّل اللغة لدي شعراء الومضة هاجساً مقلقاً، يسعون من خلاله إلي تآلف بنية الترکيب اللغوي، مع مستوي العلاقة الدلالية و الإشارات الملفوظية التي تومض داخل النص من خلال النظام الإيقاعي الموسيقي المتجانس، المتداخل في علاقات الکلمات بأفعالها و أسمائها و حروفها و لواصقها و لواحقها في بنية النص الداخلية، باعتبارها ظاهرة تسعي إلي إثارة المتلقي في زاوية التأزّم و الانفراج ، بقصد الإدهاش...فالمفارقة ...فالايماض...فالاهتمام...فالتوقيع»(حجو،2005)
يقال أيضاً: «الومضة الشعريّة لحظة أو مشهدٌ أو موقفٌ أو إحساس شعريّ خاطف يمّر في المخيلة أو الذّهن يصوغُهُ الشاعرُ بألفاظٍ قليلةٍ جدّاً (الاقتصاد اللغوي) و لکنّها محملّة بدلالاتٍ کثيرة و تکونُ الصياغة مضغوطة إلي حدّ الانفجار.» (االموسي، 2005/17)
فالقصيدةُ الومضية هي التي تتعدّد فيها الأصوات الشعريّة و تحيل إلي بنية جديدة و نسيج و علامات وإشارات متعدّدة تنطوي ثناياها علي علاقات متنوّعة فيها من الإثارة و الإدهاش ما يجعلها تثير المتلقّي و تجذبُ انتباهَهُ.
يشير داغر شربل إلي ملاحظة رومان جاکوبسون حيثُ يقول: «وجود علامات شعريّة عديدة لا تنتسبُ فقط إلي عالم اللّغة، ولکن إلي مجمل نظريات الدّلالة و بشکل آخر إلي علم الدّلالات العام.» (السابق/14)
فالومضة الشعرية هي نوع من الشعر الجديد الذي يعتمد علي التکثيف عن طريق تقصيرها علي معني و دقة التعبير و علي بضع کلمات و جمل ذات إيحاء و دلالية مکثفة قوية. و لايفيض في الوصف و التشابيه و لاتسهب في مماطلة المضمون و الشاعر فيها يهتم باللغة الشعرية إضافة إلي اهتمامه بالفکرة الشعرية.
هناک مُصطلحات و أسماء و مصاديق، کأنّها نظائر، الومضة مِن وميض النور و قصيدة الومضة التي انفجرت کومضة لدي شعراء قصيدة النثر مُنذ منتصف السبعينات و حتي نهاية القرن العشرين قريبة مِن التوقيعة و هي التي وضَعَها عزّالدين المناصرة في منتصفِ الستينات حيثُ مارسَهُ في قصيدة بعنوان «توقيعات»؛ فمِن توقيعات المناصرة آنذاک:
«وصلتُ إلي المنفي
في کفي خُفُّ حُنين
حينَ وصلتُ إلي المنفي الثاني
سرقوُا منّي الخُفَّين.» (المناصرة ،2002/ 168)
و يقول غالي شکري عن الومضة:
«إحدي ضرباتِ الشعر الحديثِ، الومضة و هي القصيدة القصيرة المرکزّة الغنية بالإيماء و الرّمز و الانسيابِ و التدفُّق» ( القصيري، 2005: 87)
و قد قيل لها قصيدة النثر و فيها جماليةٌ يمکنُ أن نُطلقَ عليها «قصيدة الخبر» حيثُ تتخذ القصيدة النبأَ، مادّةً لها؛ يضفي عليها شعريتُه الخاصّة، و منَ المعروف أنّ الخبرَ الإعلامي أبعد ما يکونُ عنِ الشعريّة، بل إنَّ الشّعرَ کثيراًما يقابل بخطابِ الجرائد و الصحف. فالخبر و الشعر، يکادان يکونان نقيضين، و جمعهما فنياً يحفز الذهن، لما فيه من تقاطع الأضداد. و من مثل قصيدة الخبر استخدم الشاعر المصري محمّد صالح، للخبر أو النّبأ، يجعل منهُ أکثر مِن وثيقة، إنّهُ يضفي علي الخَبرِ قيمة شعريّة ترفعُهُ مِن مستوي الصّحافة إلي مستوي الأدب. مع أنّ قصائد محمّد صالح تکاد تکون تلغرافية کما في نشرة الأخبار إلّا أنّها علي عکس الخبر لاتقدّم جوهره في المطلع بل في الخاتمة. (راجع:غزول، 1997/ 192-195)
يبدو أنّ مصطلح «الومضة» ثمّ «التوقيعة» أکثر شيوعاً من بقية المصطلحات. عندما أطلقَ عزّالدين المناصرة في الستينات مصطلح «التوقيعة» علي بعضِ قصائده القصيرة المکثفة المرکّزة، ذات الختام الحاسم المفتوح، انتبَهَ الناقد المصري «علي عشري زايد» لهذه الظاهرة في شعر المناصرة و نوّهَ بها. لقد أطلقَ الشاعرُ مِن مفهوم التوقيعاتِ في العصرِ العباسي ثمَ أردفها عندما اکتشف نوعينِ مِنَ الشعر الياباني يشبه التوقيعة اسمُها «الهايکو» و «تانکا». (السابق) سمي المناصرة قصائده القصيرة «توقيعات» لاعتقاده أن ذلك الشكل الشعري، يشبه التوقيع في توخي الإيجاز و اكتناز العبارة الموجزة بمعني عميق، يمكن بسطه في رسالة.
و قد أشار إحسان عباس إلي ممارسة المناصرة لقصيدة التوقيعة أو الومضة و اختلفَ معَهُ حول التسمية. فقد سمّاها احسان عباس «القصيدة القصيرة» مثلما أطلقَ عليها عزّالدين اسماعيل عام 1967نفس الاسم. «و هناک فارق جوهري بين النوعين رغم انتمائهما إلي مجال واحد.فالقصيدة القصيرة قد لا تکون مُکثفة مثل التوقيعة و هناک أمثلة شعرية، قدمها عزالدين اسماعيل، و إحسان عباس للقصيدة القصيرة، لا علاقة لها بقصيدة «التوقيعة».(بعلي، 2005/11)
هناک أسماء أخري لهذا النوع منَ الشعر کالقصيدة المضغوطة، القصيدة الکتلة و المرکّزة و المکثفة لأنّها في غاية الايجاز و قصيدة الدّفقة کأنّها تتدفّق مِن باطنِ الشاعر دفقةً و تنقشُ علي ورقة بالقلم. و قصيدة الفقرة لأنّها لاتتجاوز مِن فقرة واحدة کفقرة نثرية. و قصيدة اللّمحة لأنّها تلمحُ علي ذهن الشاعر و قصيدة المفارقة لأنّها تفارقُ القصائد المعتادة. و قصيدة الأسئلة لأنّها في جواب سؤالٍ أو أسئلةٍ أو نفسُها سؤالٌ أو أسئلةٌ. و قصيدة القصّ الشعريّ کأنّها اقتصّت مِن قصيدة طويلة. و قصيدة تأملية لأنّها نتيجُة تأمّل الشاعر في مظاهر الکائناتِ و الأنفُس. و القصيدة اللّافتة لأنّها کلافتة رُسمَت بريشة فنّانٍ يقال لهُ شاعر. و القصيدة اللاقطة کأنَّ الشاعرَ يلتقطُها بينَ أفکارٍ مختلفةٍ و ظواهر متعدّدة في العالم. و قصيدة الصورة کأنّها صورة مِن صُور الفکر و تصوير مِن تصاوير ظواهر العالم. و قصيدة الفکرة لأنّها نتيجةُ فکرة واحدة في ذهن الشاعر و کتابتها موجرةً لتلک الفکرة. و القصيدة الخاطرة أو الخاطرة الشعريّة لأنّها تخطُرُ ببالِ الشاعر في لحظةٍ واعية أو غير واعية. و القصيدة العنقودية کأنّها قسمٌ مِن قصيدة طويلة. و القصيدة اليومية کأنّها کلامٌ خاصٌّ لکلّ يومٍ. و شذرات شعريّة کأنّها قِطَعٌ کمالية مِن عناصر الشعر. و النصوص الفلاشية و الاشراقية الشعريّة لأنّها کأشعّة تسطعُ و تشرقُ من ذهن الشاعر و قطعٌ فنية لأنّها لافتاتٌ يخلُقها الشاعرُ کفنّانٍ بريشة ذوقه علي الورق. و يقال الشعر الأجدّ لأنّها شعر ممتازٌ دونَ أي حشوٍ و زوائد مصيباً لغرض الشاعر المنشود. و مهما قيل في تعدّد الأسماء فإنَّ أفضلَ التسمية هي التي قدّمها المناصرة عام 1964 لأوّل مرّة لأنّه اشتقّها من مفهوم التوقيعات النثرية أو مِنَ الومضات التي تعتمدُ علي صفاء الصورة. لا داعي هنا للبحث عن أفضل تسمية لها و کلٌ علي فهمه للومضة يسميها باسم خاص. أما هذا البحث ففضّل تسميتها بالومضة الشعرية لأنّ کلمة الومضة أکثر دلالة علي سماتها و دلالاتها.
رد: ما هي القصيدة الومضة ؟..المحتوى والشكل ..دراسات شاملة ومصادر عديدة
تاريخ نشأة الومضة:
النصوصُ الشعريّة التي عُرفت باسم الومضات راجت في السبعينات وباتت تستقلُّ بنفسها حتي أصبحت شکلاً شعرياً خاصّاً إلي جانبِ الأشکال الشعريّة المعروفة، نجد حولها مواقف متباينة تجعلُ قضيتَها غير محسومة حتي اليوم.
و منها يقال: «ليست قضيةُ الومضة غائبةً عن الشعر القديم و ذهبَ مُعظمُ النّقاد القدماء إلي اکتفاء البيت بذاته، بل حکمُوا علي جودة شعر الشاعر مِن خلاله، فقالوُا عن فلانٍ: إنّهُ أشعر العربِ لأنّهُ قائلُ هذا البيت، لَما حکمُوا علي الجنس الشعريّ مِن خلاله، فقالوُا: هذا أمدحُ بيتٍ و هذا أهجي بيتٍ و هذا أغزل بيتٍ ...» (راجع: الموسي، 2005،قصيدة الومضة في يمامة الكلام)
و بالفعل نري في دواوينِ بشّار بن برد و أبي العتاهية و المعرّي مقطّعات بينَ البيت و خمسة أبيات، و هذا کثيرٌ أيضاً في دواوين بعض الشعراء العرب في العصر الحديث و منهُم محمود سامي البارودي و الرباعيات في شعر عمر الخيام التي ترجمت إلي اللّغة العربية غير مرّة شعراً و نثراً.
يمکننا القول إنّ قصيدة الومضة هي إحياء أو إعادة صياغة لما نعرفُهُ في الشعر العربي القديم مِن المقطّعات، ذلک الشکل من الصياغة الشعريّة الذي عرفتهُ العربُ منذ نشأة الشعر عندهم.
و يرفض قويدر العبادي نظرية مَن يظنّ أنّ هذا النوع من الشعر مجرّد ردّ فعل علي متغيرات سياسية أو اجتماعية و ... حيثُ يقول:
«لم يأتِ الشعر الحُرّ و شعرُ التفعيلة کما يسمّي أحياناً مِن فراغ، لم يکن مجرّد ردّ فعل علي متغيرات سياسية و اجتماعية و ثقافية و فکرية شهدتها حقبة الأربعِينات مِن القرن العشرين، و لم يکن أيضاً تعبيراً عَن تأثُّر بالشعر الأوروبي الحديث کما يعتقدُ الکثيرون ممّن يعانونَ عقدةَ الدونية إزاءَ کلّ ماهو أعجمي، معَ أنّنا لاننکرُ استفادة الشعر الحُرّ مِن بعضِ الجوانب الشکلية و الفنية و التقنية الأوروبية لکنّنا لا نصلُ إلي حدّ التسليم بأنّ شعرنا تقليد للآخر، و أنّ ثقافتنا العربية العريضة و أدبنا و شعرنا العربي العريق عاجز عنِ التطوّر» (2002: 15)
و ممّا يؤيدُ هذا الرأي النظر إلي التراث الأدبي العريق الذي يطمئننا إلي مرونة الشعر العربي القديم حرکته و قدرته علي التغيير حتي في الشکل ولعلّ في المقطّعات والرّباعيات و الموشحات و القوما و الکان کان و الدوبيت و غير ذلک مِن الأشکال الشعريّة العربية القديمة ما يؤکّدُ قدرة الشعر العربي علي الحرکة. و إنّ الفتح الجديد في العصر العباسّي المتمثّل في المزدوجات مهّدَ أرضية لظهور أنماط جديدة من الصياغة الشعريّة تعدّدت مسمياتها کالمثلثات والمربّعات و المخمّسات و المسمّطات و أخيراً الموشّحات.
و إذا شئنا أن نبحثَ عَن جذور هذه الظاهرة في الذّاکرة العربية فإنّنا سنقف في مواجهة نظائر لها في الأبيات المفردة التي تنهضُ برأسها و تؤصّل معني تامّاً و فکرة متعدّدة و هو ما ينضوي تحتَ الاستعارة التمثيلية في العُرفِ البلاغيّ.
بجانب هذا الموقف، موقف آخر يعتقد أن شعر الومضة تأثر بمؤثرات أجنبية معاصرة؛ منها الشعر الانجليزي القصير و القصة القصيرة و قصيدة «الهايکو» اليابانية التي اهتمّ بها الدکتور شاکر مطلق ترجمةً و تنظيراً و تطبيقاً فنسَج علي منوالها و غير ذلک. (أنظر: 1984: 245-255)
رد: ما هي القصيدة الومضة ؟..المحتوى والشكل ..دراسات شاملة ومصادر عديدة
الوَمضات و المقطّعات
سِماتُ المقطّعاتِ تتطابقُ معَ سِماتِ قصيدة الومضة إلي حدٍّما؛ إذ کانَ کلٌّ منهما يقومُ علي وحدة الموضوع (الايماضية المعنوية) و کذلک قصر النصّ و اختزال مفرداته و تکثيف دلالاتها.
و إذ کانت الوحدة الموضوعية و الايجاز و قصر النصّ و صغر الحجم هي سمات عليا تميز قصيدة الومضة فإنّها – غالباً – هي السّمات ذاتها التي تميز المقطعات و هو الأمر الذي ساقنا بالقول بتشابه هذين إلي حدّ کبير.
بما أنّ عدداً کبيراً جدّاً مِنَ المقطّعات التي أطلَقَ عليها بعضُ النّقاد المعاصرين مُصطلح « القصيدة القصيرة» يتألّفُ مِن بيتٍ أو بيتينِ أو ثلاثة أبيات أو ستة أبيات و هي شبيهة في صياغتها مضموناً و شکلاً بصياغة البيت مِن حيث اکتمالها فإنّ الأدباء يرون أن يطلقُوا علي هذا الجنس مصطلح «الومضة الشعريّة» و هو مصطلحٌ أقربُ مِنَ المقطّعة أو الرباعية أو المنمنمة أو القصيدة البرقية أو سوي ذلک.
علي سبيل المثال يقول القصيبي:
تصرّ متِ السنونُ و لا سبيلٌ إليك و أنت واضحة السّبيلِ
(2006/24)
يمكننا أن نقرأ البيت في قالب جديد:
تصرّمتِ السنون
وهل سبيلٌ إليك
و أنت واضحةُ السبيلِ
عوامل نشأتها:
الومضة الشعرية وسيلة من وسائل التجديد الشعري، أو شکل من أشکال الحداثة التي تحاول مجاراة العصر الحديث، و مسايرة مع التطورات الأدبية المعاصرة، مناسبة في شکلها مع مبدأ الاقتصاد الذي يحکم حياة العصر المعاصر.
أ:تحولات فنية و فكرية معاصرة:
عرفَت حرکة الشعر الجديد انعطافاً تاريخياً جديداً و شَهِدت تحوّلات فنية و فکرية تتوافقُ و التحوّلَ الفکري الحضاري للعالم المعاصر، قامَ بها عددٌ من الشعراء الجُدُد و عدد مّمن قادوُا الحرکة الشعريّة. و ساعدت الظروف السياسية التي تمرّ بها البلدان العربية؛ حيثُ الإرهابُ الفکري و انعدام الحرية علي اللّجوء إلي الرّمز و الومضات النّاقذة السريعة الخاطفة.
« يعبّر الشعراء العرب بواسطة الومضة الشعريّة عَن تذمّرهم مِن أوضاع بلادهم و عن أملهم في بعث جديد ينتشلها مِن الموتِ». (کمال الدين، 1974: 184)
لا يمکن أن يکون سبب قصيدة الومضة الميل إلي الراحة أو الإفلاس، لکن الضّغط النفسي الرهيب الذي يعيشُهُ الفنّانُ و المثقّف و الانسانُ العربي هو السبب الأساس، فربّما کانت هذه الدبابيس و القنابل القصيرة المتفجّرة وسيلة جديدة توصل إليه الرّسالة و تهزّ فيه مناطق الاستنقاع و أصقاع البرودة و الترّهل و التيه.(قويدر العبادي، 2002/21)
کأنّنا حين ذکرنا الومضة أو التوقيعة لا يمکننا أن نکون بمنأي عن متطلّبات الحياة الجديدة و کأنّ الومضة الشعريّة ظهرت کتعبيرٍ عن روح العصرِ الذي صار کلّ شيء فيه يمرّ مُسرعاً مُستعجلاً و کأنّهُ ومضة خاطفة لا تدومُ طويلاً و لکن أثرها يبقي مشعاً؛ لأنّها تعبّر عن رؤي الشاعر و عالمه مهما تعقّدت تلک الرؤي و مهما تعدّدت و تلوّنَت. «و مع تطوّر الحياة و تعقّدها انطلقَ الشعراءُ في رحلة البحث، مرّة أخري في محاولة للتجديد الشعريّ؛ هذا التجديد الذي لم يأتِ تلبيةً لمجرد الرّغبة في التجديد بل لأنّ الحياة الجديدة التي تکرّس مبدأ الاقتصاد في کلّ شيءٍ تطلُب شعراً جديداً ... شعراً مختلفاً ...» (بدور، 2002)
و نقرأ في مقالة «التجـريب الفـــــني في النص الشعري الجزائري المعاصر- الممکن و المستحيل» التي تشيرُ إلي ظروف الحياة الجديدة:
«و القصيدة الومضة أو اللّمحة أو التلکس الشعريّ في القصيدة المبالغة في القصر، حتي لتکون الجملة الواحدة قصيدة و هذا النوع فرضته الحياة الجديدة المتّسمة بالسرعة و التکثيف اللغوي و الاقتصاد في التعبير لتوصيل الرّسالة الشعريّة بأقلّ عددٍ ممکنٍ مِن الکلماتِ.» فقصيدة الومضة تجربة تستجيب لحال مجتمع مشغول بهمومه الكثار، و كأنّ الشاعر وجد ضآلته في قصيدة الومضة التي من شأنها ألاتأخذ من وقته و وقت القارئ سوي أقل القليل.
رد: ما هي القصيدة الومضة ؟..المحتوى والشكل ..دراسات شاملة ومصادر عديدة
ب:المؤثرات الأجنبية
استطاع الأدب العربي أن يتواصل مع الآداب الغربية والشرقية علي مرّ العصور مؤثراً أحيانا و متأثراً غالباً رغم اختلاف المرجعيات الفکرية و الاجتماعية و السياسية لکلا الأدبين.
تأثر شعراء الومضة الشعرية بمؤثرات في الأدب الأوروبي شعره و نثره، ففي شعره تأثروا بالمقطعات الشعرية الانکليزية القصيرة جداً خاصة باستخدامات إليوت الشعرية و في نثره تأثروا بـ« حرکة الأدني «Minmalism» التي برزت في الولايات المتحدة، و نادت «بکتابة مختصرة لحياة مختصرة» و رأت أن القصة القصيرة أو الأقصوصة هي خير تطبيق لهذا المبدأ و هي الأکثر ملاءمة لروح هذا العصر الذي يوصف بعصر السرعة، فإن الومضة الشعريّة بالمقابل هي وليدة هذا العصر، و إنّ ما يقال عن القصة القصيرة يقال عن الومضة تقريباً، وکأنّها توأمان تخلّقتا في رحم واحد ولدتا في وقت متقارب، و تجمعهما خصائص مشترکة و ملامح متقاربة و ... و کثيراً ما تقراً نصاً و تقول عنه قصة قصيرة جداً، و في الوقت نفسه بإمکانک أن تقول عنه إنه ومضة شعرية.» (حجو، 2002)
يري بعض الباحثين أن قصيدة الومضة متأثرة بنمط من الشعر الياباني المعروف بـ«الهايکو» الذي يقوم علي الترکيز و التکثيف و الاقتصاد اللغوي. «تمثل قصيدة الهايکو بضربٍ من الشعر المقتضب الدقيق الذي ينظمه الشعراء اليابانيون منذ القديم، و تتألف قصيدة الهايکو من سبع قطع موزعة (5-7-5) تنطوي علي فصل من فصول السنة لتستحضر الطقس و النبات و الطيور و الحشرات» (هيوي، 1984/ 12).
فقصيدة «الهايكو» عبارة عن مقطعة شعرية قصيرة، تتكون من ثلاث أبيات، أولها و آخرها من خمسة مقاطع، و وسطها من سبعة، إن هذا لايعني التزام مقلدي هذه الكتابة عندنا حرفياً بهده الشروط، ولكنهم ربما اهتموا بغنائية الموضوع، أكثر من احتفالهم بمعيارية الشكل، بسبب أن إيقاعية شعرنا ذاتية، لا إنشادية، قائمة علي المقطعية(المناصرة،2002/289)
يعمل الشاعر عزّالدين المناصرة في فتوحاته علي مشابهة بعضِ الأنماط الشعريّة في الحِداثة الغربية، و إعادة تمثّلها عربياً و مِن ثمَّ إعادة انتاجها شعراً، کما هو الحال في قصيدة «هايکو» المأخوذة أو المبنية علي نظام قصيدة «هايکو» اليابانية التي تعتمدُ علي الأبيات الثلاثة و کذلک قصيدة «تانکا» المبنية علي نظام قصيدة «تانکا» اليابانية و التي تعتمدُ علي نظام الأبيات الخمسة. و تقدّم نموذجاً لتوظيف ثقافات الشعوب الأخري و تقاليدها في کتابة القصيدة:
أ: هايکو:
بابُ ديرنا السميک
الهاربونَ خلفَ صخرک السّميک
افتح لنا ناقدةً في الروح
ب: تانکا
أجابَ شيخٌ يحملُ الفانوسَ في يديه
يوزّعُ الشمعات
علي أطراف روحنا البوار
وحينَ سلّمنا عليه
بکي ... و اصفرّ لونُه ... و ماتَ
(المناصرة، (لا.ت)، ص 104)
حاول بعض الشعراء محاکاة «الهايکو» الياباني، و لکن هناک معوقات حالت دون نجاحهم في محاکاتهم هذا النمط من الأدب العالمي:
1- إن المترجمين العرب الذين نقلوا بعض نماذج الهايکو إلي اللغة العربية لم يدرکوا شروط الهايکو في لغتها، مثل رفضها الاستعارة و التشبيه و تحريها الموضوعية و بعدها عن تصوير المشاعر الذاتية.
2- إن المترجمين العرب نقلوا النصوص المتعلقة بالهايکو، و حتي ما يتصل بالدراسات النقدية، عن اللغات الأخري، و خصوصاً الانجليزية، ثم إن معظم المترجمين کانوا باحثين و ليسوا شعراء، هولاء أهملوا الترکيب الايقاعي في ترجماتهم، اضافة إلي ذلک أدخلوا تفسيرات غريبة علي ما نقلوه من نماذج الهايکو.
3- نقل المترجمون الهايکو إلي اللغة العربية دون معرفة بسياق هذا الفن الثقافي و الفکري، برويته الجمالية فلسفته القائمة علي وحدة الکون. (علي محمد، 2001)
إنّ الومضة الشعرية و إن تأثرت بمؤثرات في الأدب الأجنبية ولکن ليست نسخة من الشعر الياباني أو الإنجليزي بل هي إحياء أو إعادة صياغة لما نعرفه في الشعر العربي القديم من المقطعات و امتزجت فيها الخصائص التراثية و العالمية.
روّادها
ظهرت حرکة «الشعر المنثور» علي يد أمين الريحاني، سنة 1910(م) و «النثر الشعري» علي يد جبران خليل جبران ابتداءً من کتابه «دمعة و ابتسامة» سنة 1914 و استمرت في کتابات آخرين من امثال مصطفي صادق الرافعي، أورخان ميسر، حسين مردان، و غيرهم. حتي ظهرت قصيدة النثر عام 1954، متأثرة بالآداب الأجنبية و الموروث الشعري.
شهدت قصيدة النثر تحولات فنية و فکرية، تتوافق و التحول الفکري و الحضاري للعالم المعاصر، حيث مال کتاب قصيدة النثر إلي اللجوء إلي التوقيعات و الومضات الشعريّة الخاطفة التي کانت نصاً مکثفاً يميل إلي الإدهاش و المفارقة.
«کان للمناصرة، قصب السبق في التأسيس لهذا النمط من القصيدة «المفرقعة»، «القنبلة الموقوتة» کما أثّر بوقائعه الغريبة و توقيعاته في جيل کامل من الشعراء مشرقاً مغرباً: أحمد مطر و مظفر النواب من العراق، سيف الرحبي من عُمّان و نادر هدي (نادر القواسمة) من الأردن، و زياد العناني من الأردن، و روز شوملي و محمد لافي من فلسطين و عبدالله راجع و محمد بن طلحة و حسن نجمي و محمد بوجبيري و جلال الحکماوي من الغرب مثلما سبق له، أن أثّر في قصيدته الطويلة (مذکرات البحرالميت 1969) في (قصيدة صور) لعباس بيضون عام 1974. و منذ أوائل الثمانيات استطاع المناصرة أن يحذب زميله محمود درويش إلي حلقة الکنعاني الخاصّ، فقد انتقل إليه درويش في التسعينات.» (بعلي، 2005/15)
بدأ عزالدين المناصرة في منتصف الستينات 1964، کتابة هذا النوع الجديد من القصيدة القصيرة، مستفيداً من نمط الشعر الياباني «الهايکو» و مزج بين بناء الموروث (التوقيعات النثرية العباسية) و لغة الحياة اليومية الهامشية و شعرية التفاصيل.
«يشکّل عزالدين المناصرة إلي جانب نزار قباني، مظفر النّواب، أمل دنقل و أدونيس، شعراء الرفض الوجودي، بعد هزيمة 1967 و الهزائم التي توالت علي العرب، و أغلبهم يملکون تجربة عميقة و تمرساً و فهماً للحداثة؛ سواءً في التشکيل الموسيقي أو التصوير کما استطاعوا في محاولتهم التوفيق في إيجاد معادل موضوعي شعري عبر عنصر المفارقة و السخرية الحادة» (کمال الدين، 1964 / 184)
ملخص القول إن المناصرة هو أول من استخدم مصطلح التوقيعة (1964 م) منذ النصف الثاني من الستينات ، و نجد نزار قباني يستخدم عام 1967 أي منذ قصيدته «هوامش علي دفتر النکسة» مصطلح (البرقية- التلکس) و هو مفهوم قريب من مصطلح المناصرة.
الشعراء الذين اهتموا بالومضمة الشعرية في دواوينهم زادوا في التسعينات و ما بعدها و من أشهرهم، سامي مهدي، يوسف الصائغ، ابراهيم نصرالله، شوقي بغدادي و غيرهم من الشعراء.
رد: ما هي القصيدة الومضة ؟..المحتوى والشكل ..دراسات شاملة ومصادر عديدة
سماتها
تتميز القصيدة الحديثة بمجموعة من السمات و الخصائص العامة التي اکتسبت من الطبيعة الشعرية الحديثة و من طبيعة التکنيکات المستخدمة في بنائها، و لعل من المفيد في تحديد سمات «الومضة الشعريّة» أن نتعرف علي هذه السمات قبل ان نعرض بالتفصيل لسمات الومضة الشعريّة، من أبرز هذه السمات هي:
أ: التفرد و الخصوصية؛ أي لا يمکن تصنيف القصيدة الحديثة تحت أي غرض من الأغراض الشعرية العامة التي انحصر فيها التراث الشعري القديم من مدح و فخر و هجاء و رثاء و وصف و غزل و ... إن الشاعر الحديث يهدف إلي أن تکون قصيدته إبداعاً بکراً و من ثم فهو شديد الحرص علي أن ينظر إلي الوجود من زاوية لم يسبق لأحدٍ قبله أن ينظر إليه منها، و أن يعالج هذه الرؤية الخاصة بطريقة فنية متفردة. (عشري زايد،2008/ 21)
من هنا تکتسب القصيدة الحديثة خصوصيتها و تفردها، و لا تکون مجرد تکرار لما سبق قوله مئات المرات بطريقة أخري.
ب: الترکيب؛ لتنوع الأداوت الفنية التي يستخدمها الشاعر و طريقة استخدامه لها، و لميل القصيدة الحديثة إلي أن تکون کياناً متفرداً خاصاً، أصبح بناء هذه القصيدة علي قدر من الترکيب و التعقيد يقتضي من قارئها نوعاً من الثقافة الأدبية و الفنية الواسعة (السابق / 24).
ج: الوحدة؛ علي الرغم من أن القصيدة الحديثة تترکب من مجموعة من العناصر و المکونات المتنوعة، و المتنافرة في بعض الأحيان، فإن ثمة وحدة عميقة تؤلف بين هذه العناصر، و تنحصر فيها هذه المکونات المتناثرة المتنافرة لتصبح کياناً واحداً متجانساً، لا تفکک فيه و لاتنافر.
د: الإيحاء و عدم المباشرة؛ من السمات البارزة في القصيدة الحديثة أنها لا تعبر تعبيراً مباشراً عن مضمون محدد واضح، و إنما تقدم مضمونها الشعري بطريقة إيحائية توحي بالمشاعر و الأحاسيس و الأفکار و لا تحددها أو تسميها، و نتيجة هذا، فإنّ القصيدة الحديثة لاتحمل معني واحداً متفقاً عليه، و من الخطأ أن نتطلب من کل قصيدة أن يکون لها معني واقعي وحيد، لأن الشاعر لو کانت لديه فکرة محددة واضحة المعالم يريد إيصالها إلي القاريء لما لجأ إلي الشعر أسلوباً لنقلها، و لآثر عليه النثر الذي هو أکثر قدرة علي تحديد المعاني والأفکار و توضيحها.(السابق/35 )
الإيحاء الذي يهدف إليه بناء القصيدة الحديثة يتطلب من الشاعر ألايصرح بکل شيءٍ لأنّه يلجأ إلي إسقاط بعض عناصر البناء اللغوي مما يثري الايحاء و يقويه من ناحية و ينشط خيال المتلقي من ناحية أخري لتأويل هذه الجوانب المضمرة.
أما فما يتعلق بالبنية المتميزة لقصيدة النثر والومضة الشعريّة وليدة ظهورها «فلابد أن نلاحظ اعتمادها علي الجمع بين الإجراءات المتناقضة؛ أي أنها تعتمد علي فکرة التضاد، و تقوم علي قانون التعويض الشعري، إذ إنّها تتألف من ثلاثة عوامل متزامنة تنصبّ کلّها في بؤرة واحدة لإحداث فعاليتها الجمالية، و هي بالترتيب:
أ – تعطيل الأوزان العروضية المتداولة.
ب- تفعيل أقصي الطاقات الشعرية الممکنة.
ج- إبراز الاختلاف الدلالي الحادّ.» (فضل، 1995 / 219).
لکي يحقق الشاعر المعاصر لقصيدته سمة الإيحاء فإنه يلجأ إلي استخدام مجموعة من الأدوات و التکنيکات الفنية بعضها مستمد من التقاليد الموروثة للشعر منذ أقدم عصوره، کاللغة الشعريّة،و الصورة الشعرية، و الموسيقي الشعريّة، المتمثلة في الوزن و القافية و بعضها الآخر من التقاليد الشعريّة الحديثة؛ کالرمز، و المفارقة التصويرية، و غير ذلک من الأدوات الفنية التي ابتکرها الشاعر الحديث، و بعضها الثالث استعاره الشاعر من الفنون الأدبية الأخري، تراثية کانت، أو حديثة ، حيث استمدّ من الفنون الأدبية العربية التراثية بعض قوالبها الفنية کقالب المقامة، و التوقيع مثلاً، کما استمد من الرواية الحديثة والمسرحية الحديثة بعض تکنيکاتها أيضاً؛ فقد استعار من الرواية الحديثة أسلوب الارتداد (الفلاش – باک)، و المونولوج الداخلي، و غير ذلک من تکنيکات الرواية الحديثة، کما استعار من المسرحية أخص تکنيکاتها بها مثل تعدد الأصوات، و الحوار، و الصراع، بل إن بعض القصائد الحديثة استعارت القالب المسرحي بکل مکوناته و عناصره. (عشري زايد، السابق / 39- 40)
يبدو أنّ الومضة الشعرية لم تصبح حتي الآن في الشعر العربي المعاصر، نوعاً أدبياً مستقلاً قد استقرّت أعرافه و تأصّلت تقاليده، بالرغم من اندفاع شعراء المبدعين اليوم نحوها، و لکن لها مکان متميزٌ باعتبارها أحد التنويعات البارزة في الحداثة الشعريّة؛ بما أنّ الومضة الشعريّة تحاول إلغاء الشکل القديم للقصيدة العروضية، لابد أن تتسم بسمات و أشکال جديدة. فما هي سمات هذا الشکل و خواصه الجمالية؟
الوحدة العضوية
اتسمت قصيدة الومضة بالصفات العامة للقصيدة الحديثة، لقد تأثرت قصيدة الومضة بالوحدة العضوية الموجودة في القصيدة الحديثة، بحيث لم يعد نادراً أن نجد القصيدة تجمع بين أشياء بينها من التباعد و التنافر الظاهريين أکثر مما بينها من الترابط، و مبالغة في هذا الاتجاه فإننا کثيراًما نجد شاعر الومضة يسقط أدوات الربط اللغوي بين أجزاء القصيدة، حتي لتبدو القصيدة في بعض الأحيان أشبه ما تکون بمجموعة من العبارات و الجمل المفککة المستقلة الواقعة بذاتها في الفراغ، و لکن يکون هناک رباط وثيق خفي يضم شتات هذه الأجزاء المتنافرة في کيان واحد شديد التمسّک.
فالوحدة العضوية هي شرط أساسي في بناء الومضة الشعريّة، «فهي وحدة متکاملة متداخلة في الفعل الشعري و الاستدلالي، و بالتالي الانفعالي الشعوري و ليس لها أي ارتباط عضوي مسبق بأي شکل من أشکال القصيدة التي لا تحقق مثل هذه الوحدة العضوية المتکاملة». (حجّو، 2002)
ينبغي أن تکون للومضة الشعريّة وحدة عضوية مستقلة لأنها تقدم عالماً مکتملاً يتمثل في تنسيق جمالي متميز يختلف عن الأشکال الفنية الأخري من قصة قصيرة، أو مقالة أو رواية.
بناء الومضة
اللافت للنظر في شکل جميع الومضات الشعريّة أنها تکتب تارة علي شکل قصيدة التفعلة، و تارة علي شکل قصيدة النثر و أن منها ما يجمع بين التفعله وقصيدة النثر. توقف خليل الموسي في مقالته بعنوان «الأبنية الفنية في تجربة الحداثة الشعريّة في سورية»، عند أشکال الومضة الشعريّة و هيکليتها، في أعمال الشاعرين، و هما نزار قباني و أدونيس، و ذهب إلي أن أشکال الومضة الشعريّة التي استخدمها الشاعران خمسة هي :
1- الومضة ذات البنية المرکّزة التعريفية ؛التي تعدّ بمنزلة العنوان من المجموعة فهي تقول کل شيء عن المجموعة أو هي تختصرها بعدد قليل من الأبيات. نحو قول نزار قباني في مجموعته «قالت لي السمراء» :
قَلبي کمنفَضة الرمادِ ... أنا
أن تنبشي ما فيه تحترقي
شعري أنا قلبي ... و يظلمُني
من لا يري قلبي علي الورق
(قباني، الأعمال الشعرية الکاملة / 86)
2- الومضة ذات البنية المرکزة التقابلية؛ و هي صورة مقابل صورة ضدية أوحاله مقابل حالة مختلفة، نحو قول نزار قباني في قصيدته«هوامش علي دفتر النکسة»:
جلودنا ميتة الإحساس
أرواحنا تشکو من الإفلاس
أيامُنا تدور بين الزّار
و الشطرنج
والنعاس
هل «نحن خير أمة أخرجت للناس» (قباني، الأعمال السياسية الکاملة / 3: 86)
3- ومضة البيت المفرد ذات البنية المغلقة؛ تعتمد هذه الومضة علي البيت الواحد هذا النوع يوکّد علي وحدة البيت الذي کانت سائدة في الاحکام النقدية عند القدماء. نحو:
بالناي و المزمار ... لا تحدث انتصار (قباني، 1993/ 3:78)
الومضة في هذا النوع تقوم أولاً و أخيراً علي الفکرة فهي بنت الفکرة أکثر مما هي بنت الاحساس، و هي بنت العمل الحاد المضني أکثر مما هي بنت العفوية و الاحساس:
يوجعني أن أسمع الأنباء في الصباح
يوجعني
أن أسمع النباح (السابق / 3: 81)
4- الومضة ذات البنية المفتوحة؛ و هي ومضة تننهي نهاية مفتوحة علي التأويل، أو هي مفتوحة علي نصوص سابقة أو معاصرة «تناص»:
و ما کنت أعلمُ ...
حين شَطبتُکِ من دفتر الذکريات
بأنّني سأشطُبُ نصفَ حياتي
(قباني، الأعمال الشعرية الکاملة / 3: 786)
5- الومضة ذات البنية الحلزونية؛ و هي مجموعة دفقات أو موجات تنطلق من نقطة واحدة، حتي تکتمل دورة القصيدة، و يشبه عزالدين اسماعيل هذه البنية بالسلک الحلزوني الذي يبدو في النظرة الأفقية إليه مجموعة من الحلقات المستقلة، و لکّنها في الحقيقة مترابطة يربط بينها الموقف الشعوري الأول، و هي مجموعة من الدوائر التي تنتهي عند نهاية واحدة (1972 /261) من أمثلة هذه البنية لنزار:
في البدء کان الشّعرُ
و النثرُ هو استثناء
في البدء کان البحرُ
و البرُّ هو استثناء
في البدء کنتِ أنتِ ...
ثم کانتِ النساءُ (السابق/2: 812)
علامات الترقيم
تأثرت القصيدة العربية الحديثة بالمدرسة الرمزية في تحرر لغتها الشعرية من الروابط و الصلات المنطقية التي تربط الجمل و الألفاظ بعضها إلي بعض، حتي إن بعض قصائدها کانت تتألف من مجموعة من الجمل المتجاورة بدون ترابط، لقد تأثرت الومضة الشعرية بمثل هذا الاتجاه فشاع في الکثير من نماذجها توالي الجمل بدون أدوات ربط لغوي تصل ما بينها.
«إن علامات الترقيم و الفصل، تمثل عنصراً هاماً في النظام الطباعي للقصيدة الحديثة، تتحول من مجرد محدد لعلاقات المفردات في الجملة إلي محدد للعلاقات بين أجزاء النص ککل» (البحراوي، 1996 / 47) إلّا أن هذا المحدد الذي يوجب نمطاً معيناً من العلاقات بين المقاطع لايتداخل تداخلاً جوهرياً في باطنية التجربة الشعريّة في القصيدة، إذا تظل القصيدة المقطعية، خاضعة لخصوصية تجربتها المفردة التي ينظر إليها بعض النقاد، بوصفها ظاهرة شعرية موجودة بشکل فعلي ميداني في النسق النصي اللغوي، بحيث يصعب فصل عناصرها.(حلوم، 2001 / 140)
شاعر الومضة تارة يمتنع عن وضع إشارات الترقيم اللازمة للتحديد البنائي و المنطقي و نحو قول نبيلة الخطيب:
كم هو عارٌ
من يخلَع جلدَه
ليرقّعَ ثوبه (2004/109)
أو:
حين رأيت الندي علي الأزهار
أدركتُ سرَّ غيابك
كلَّ صباح (علوش،2002/نفلاً عن ديوان سليمان نحيلي)
و تارة يستعين بأشکال عدة للتنقيط و الفصل من أجل تمزيق وحدة الجمله و تقطيعها في أجزاء مبعثرة کذاته، و هذا نموذج من شعر أدونيس، يقول:
لا، لا. أحبّ، أن أثِقا
و بسطتُ أجنحتي، و منحتها الأفقا
فتناثرت مِزَقا ... (أدونيس ،1988/9)
أو:
أنت أمير!!!
أنا أمير!
فمن تري يقود هذا الفيلق الكبير!!
(المناصرة،الأعمال الشعرية/154)
شكل الكتابة و توزيع النص
إلي جانب تقنيات التنقيط والترقيم يلعب شکل الکتابة و توزيع النص، نصاً أوکل علي حدة، دوراً فعالاً في تفکيک الجملة، و إعادة تقييم مکوناتها، نحو قول نزيه أبي عفش الذي لم يجعل عنواناً و أنما بدأت بمجموعة من النقط:
هذه الجثة هي أنا
متربصاً خلف قناع موت
أما أنت ... فلا تکثرت
ربما:
القناع وجهک. (بدور، 2002، نقلاً عن نزيه أبي عفش، الله يبکي)
أبو عفش في ومضته السابقة عمد إلي تقطيع العبارة إلي أجزاء موزعة بشکل غير منتظم علي أسطر متعددة، تارکاً مِن کل سطر و آخر مسافة من البياض العازل.
تعرف قصيدة الومضة بأنّها« مجموعة من المشاهد المنفصل بعضها عن بعض كل الانفصال، يكاد كلّ مشهد فيها أن يقوم بذاته، ولكننامانلبث أن ندرك إدراكاً مبهماً أنّ شيئاًما يصادفنا في كل مشهد، كأنّه يتخذ في كل مرة قناعاً جديداً حتي إذا ما انتهت القصيدة أدركنا أن هذه المشاهد لم تكن أقنعة بل مظاهر مختلفة لحقيقة واحدة»(الصمادي،2001/26) و بذلك يقوم بناء القصيدة علي مجموعة من المقطعات و لكل مقطعة عنوان مستقل، و تتخذ في بعض الأحيان أرقاماً أيضاً.
قافية الومضة
ترتکز قصيدة الومضة علي تعطيل المُعامل الاساسي في التعبير الشعري، و هو الاوزان العروضية و القافية، دون أن تشلّ بقية امکانات التعبير في أبنيتها التخيلية و الرمزية، فقصيدة الومضة تجعل القاريء قادراً علي إغفال الوزن و القافية و التحرر منهما مع ابقائه علي الايقاع الداخلي فهي التي تبرهن علي أن الايقاع لا يقتصر علي الشکل العروضي الجاهز بل يتداخل في نسج اللغة الشعريّة بمستوياتها المختلفة.
أما قافية الومضة، فيسعي شاعر الومضة إلي تحريرها من القافية التقليدية و هو يميل إلي أشکال ثلاثة وفقاً لشکل القافية:
1- قصيدة تبني علي سطور تتبع قوافي محددة کقول نزار قباني:
السرُّ في مأساتنا
صراخنا أضخم من أصواتنا
وسيفنا
أطول من قامتنا (1993/3:76)
2- قصيدة تبني علي سطور تتبع القوافي المتداخلة، کما في قول أدونيس:
قال الغد الحائرْ:
«إن طفر اللحنُ
من شفتيْ طائرْ
لايطربُ الغصنُ». (أدونيس،السابق/17)
3- قصيدة تبني علي سطور تتبع القوافي المتعانقة، کقول شاکر مطلق في ومضته التي حملت عنوان «محطة»:
تحت ضوء القمر الفضي
ظل الزيزفون
يتلاشي في العيون
و مياه النهر تمضي
في سکون (بدور، 2002/ نقلاً عن تجليات عشتارلشاکر مطلق)
بعد دراسة قافية الومضة في ديوان أشهر شعراء الومضة من أمثال سعدي يوسف، أدونيس، عزالدين المناصرة، و نزار قباني، و... تبين لن أنّ القافية ليست واحدةعند شعراءها و لا عند شاعر واحد، و لذلك يتعذر أن تنحصر في تقسيم محدد لاتتجاوزه، لأنّ قصيدة الومضة لاتلتزم بالقافية و الأوزان بل الفكرة الشعرية هي الغالبة فيها.
لغة الومضة
إن نتأمل في الجذر اللغوي لکلمة «القصيدة» مضافة إلي «الومضة» فسوف نجد يشير إلي فکرتين متلازمين: إحداهما هي القصد والتعمد أي أنّ القصيدة هي «الکلام المقصود في ذاته» أي هي لغة فنية و ليست مجرد وسيلة للتواصل، أما المعني الثاني فهو «الاقتصاد اللغوي» أي أن اللغة التي تنظم في قصيدة الومضة لابد لها أن تتسم بالقصد والترکيز و التکثيف، لأنَّ الومضة من سماتها لغوياً السرعة و اللمعان فهي تتسم بالاقتصاد و هذا الاقتصاد جوهري في قصيدة الومضة لأنه مظهر الشعريّة فيها، فهي عندما تحذف فيها حروف العطف أو الوصل مثلاً تتحقق اقتصادها الخاص الذي لابدَّ أن يختلف عن بقية أنواع الشعر.
اللغة هي المادة الأولي الّتي يشکل منها و بها البناء الشعري أي انها الأداة الأمّ التي تخرج کل الأدوات الشعريّة الاخري من تحت عبادتها.
الومضة الشعريّة هي شکل من أشکال الحداثة التي تتناسب مع مقتضيات العصر الحديث و متطلباته، و لهذا لغتها خالية من الکلمات الميتة أو الوعرة، و هي تعبّر عن المألوف بکلمات مألوفة مستقاة من واقع الحياة المعيشية، و هي خالية من الکلمات الرنانة الفخمة التي يراد منها إثارة الاحتدام العاطفي رغبة في التحرر من القيود الخارجية.
نلاحظ في قصيدة الومضة وجوداً مميزاً للمفردات الدارجة أو الواقعية علي أساس مبدأ ينطلق من أن لغة الناس يجب أن تکون لغة الشاعر. و ليس المقصود بلغة الناس تلک اللغة المتداولة في الحياة اليومية؛ إنما المقصود استخدام تلک اللغة التي تعمل علي استبدال التعابير و المفردات القديمة بتعابير و مفردات جديدة مستمدة من صميم التجربة ... من حياة الشعب.
«ولا بد من الإشارة إلي أن قصيدة الومضة لاتستخدم اللغة بمعناها القاموسي التعييني، إنها کتابة تري في اللغة شفافيتها و تواصليتها القائمة علي تأويلاتها، لذا فهي تعبير شکلي تغلب عليه المعاناة و التمرد و الرفض، تستمد منابعها من قوة اليأس و الحاجة إلي التعبير الذاتي باللغة الذاتية. و صارت وظيفة اللغة أن تساير تجربة الشاعر بکل ما فيها من الغني و التواتر و التناقض و الحساسية». (بدور، 2002).
المفاجأة
إنّ الومضه الشعرية عالم خيالي مركب علي نحو خاص، يهدف إلي تحقيق ذات الشاعر في تكوين موضوعي قائم بذاته و بهذا تكون الومضة تغييراً في نظام التعبير عن الأشياء، يقول أدونيس:
بَكَتِ المئذنة
حين جاء الغريب – اشتراها
و بني فوقها مدخنة
إيحاء المئذنة في تجربة القارئ بعيد عن البكاء، قد يكون السكينة، الأمن، السلام، الجلال، السلام، الخشوع لله، لكنه ليس البكاء!!ثم يأتي الغريب ليشتري ما لايباع و يبني فوقها ما يناقض رموزها جميعاً. المفاجأة بارزة في هذه القطعة التي ذكرها المناصرة من ديوان زياد العناني:
أمّي دوّخها السُكَّري، بتَروا قدميها
أمّي،ماذا عنّي
كيف أبحث عن جنة تحت الأقدام!! (2002/170)
رد: ما هي القصيدة الومضة ؟..المحتوى والشكل ..دراسات شاملة ومصادر عديدة
النتائج:
1- الومضة إحدي ضربات الشعر الحديث و هي القصيدة القصيرة المركّزة الغنية بالإيماء و الرمز و الإنسياب و التدفّق. و هي عبارة عن دفقة شعورية سريعة تتناسب مع تسارع الأشياء المذهل في هذه الحقبة الزمنية التي تحاصرنا حالياً؛ إنّها إشبه ببرقية شعرية صار لها أنصار و أعلام، و تتميز بالكثافة و التركيز حيث إنّ الشاعر يقول بوساطتها أشياء كثيرة، بعبارات موجزة. عرف هذا النوع من الشعر في السبعينات من القرن العشرين.
2- من عوامل نشأة الومضة هي:التحولات الفنية و الفكرية، و الحاجة إلي التعبير عن روح العصر و هو عصر السرعة و الاختصار.
3- و من روّادها عزّ الدين المناصرة و كان له قصب السبق و بعده، أحمد مطر، مظفّر النواب، نزار قبّاني، سيف الرحبي، و نادر هدي، و زياد العناني، و...
4- راج بين الباحثين أنّ قصيدة الومضة متأثرة بالمؤثرات الأوروبية و الشعر الياباني الذي يقوم علي التركيز و التكثيف و الاقتصاد اللّغويّ. هذه الدراسة لاتنكر هذا التأثير و لاتذهب إلي أنّ الومضة محاكاة بحتة للآخر بل تعتقد أنّها و إن تأثرت بمؤثرات في الأدب الأوروبي ولکن ليست نسخة من الشعر الياباني أو الإنجليزي بل هي إحياء أو إعادة صياغة لما نعرفه في الشعر العربي القديم من المقطعات و امتزجت فيها الخصائص التراثية و العالمية.
5- أهم ميزات الومضة هي:الخيال المتوقد، الحساسية المرهفة، الابتعاد عن الحشو و الزيادات، الاتصاف بانتقائية اللفظ و تميّز الصورة، القدرة علي التأثير في المتلقي، السيطرة علي توجيه انتباه المستمع، المفاجأة، الوحدة العضوية و التركيز علي الجمل القصيرة المكثفة جداً.