نحن متفقون على أن نشأة القصة القصيرة جداً، موغلة بالعمق التأريخي، ولنا في الملاحم والأساطير، والحكايا مثال.. أذ احتوت بين ثناياها قصصاً قصيرة جداً، وفق تجنيس ما ابتدأته القاصة الفرنسية (ناتالي ساروت)، وكذلك الحال في القرآن الكريم، ولكني سأتخطى هذه المسألة الآن كوني بصدد إنجاز كتاب (ألقصة القصيرة في القرآن الكريم)، وهذا تأكيد ضمني، بوجود الكثير منها في المصحف الشريف، ووردت بعضها في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد.
لكن تجنيس هذا الجنس جاء متأخراً، على يد ناتالي ساروت، كما أسلفنا، وكان ذلك في مطلع القرن العشرين.. حيث وضعت اشتراطات كتابتها، ودعَّمته بأسس رصينة.
لكن البعض أكد على أن قصص (فيلكس فينون) كانت أكثر نضجاً.
ورأى الناقد (يوسف نمر ذياب) أن لا وجود للسرد في هذا الجنس، وضرورة تبسيط فكرتها.
ولسنا بصدد من وضع هذا الجنس تحت التجريب، ولم يعترف به كجنس قائم بحد ذاته.
وحسب قناعتي المبنية على أسس ما أكده كبار نقاد هذا الجنس، أن أهم مافي القصة القصيرة جداً، الفكرة، واللغة، والصعقة.
أما الفكرة، فتكون بالغالب مستوحاة من مشاهدات واحداث يومية، أو من إرهاصات ومشاعر وجدانية.. وميزتها البساطة وعدم التعقيد والوضوح.
واما اللغة، فيجب أن تكون لغة عالية، وشعرية، غير تقريرية جافة.
وهذا ما سأؤكد عليه بعد قليل.
وأما الصعقة، فيجب أن تختلف عن أية خاتمة في القصة والقصة القصيرة والرواية والحكاية.
ولا تكون مفتوحة كبعض المسرحيات.
هنا يجب أن تكون أما مستفزة، أو غير متوقعة مماتحدث الدهشة، أو تثير العاطفة.
ولا ضير إن كانت محزنة أم مفرحة أم رومانسية تشعرنا بأميزية وجودنا عن باقي الموجودات في هذا الوجود.
من هواياتي المزمنة، بعد إرهاق العمل أو الكتابة أو البحث القرائي ألجأ إلى قراءة رسائل الغزل، وخصوصاً للقاص الكبير عبدالستار ناصر رحمه الله، أو قراءة شعر الغزل.
فاستوقفتني نصوص للشاعرة عواطف عبداللطيف لم أطلع عليها من قبل!
كيف وأنا قرأت أغلب نصوصها؟.
كيف وأنا صممت لها غلافين لمجموعتين شعريتين.
كيف وأنا كتبت عنها أكثر من مرّة.
عموما.. بدأت أقرأ، وإذا بي أكتشف بأنها تمتلك طاقة مهمة بكتابة القصة القصيرة جداً، قياساً بما اتفق عليه جل كتاب ونقاد هذا الجنس.
والرائع بالأمر، هو أنها لم تكتفِ بكتابتها بلغة شعرية، حسب ما أسلفنا، لكنها كتبتها شعراً، وهذا - حسب علمي - عمل غير مسبوق، وإن تأكد ظني، فستكون لها الريادة، وسيعترف بذلك أهل الكار يوماً ما.
ومن مسؤوليتي كناقد أمارس هذه الـ (طرگاعة) منذ أكثر من تلاثة عقود أقول : ستذكر عواطف عبداللطيف يوماً كأول ناصّة تكتب النص القصصي شعراً، كما تذكر ناتالي ساروت تماماً.
ولم تأتِ هذه القناعة اعتباطاً، إذ ربما يعترض معترض عليَّ، بادعاء أن شاعرتنا (قاصتنا حالياً) اشتغلت على منطقة اللغة، وكسبت الريادة بذلك ولكن علينا التحقق من التزامها بباقي الوحدات، فأقول.. هذه اشتراطات كتابة القصة القصيرة جداً، والنصوص التي كتبتها القاصة، ولكم الحكم.
رغم قناعتي بالنتيجة، وتأكدي من أن "الأصائل لا تقبل الرهان" ولكن لا مناص:
1- يتراوح عدد الحروف بما فيها الفواصل والعلامات بين العشرة والألف.
(ترنتول زينون يؤكد على الخمسمائة والالف وخمسمائة بما فيها الفواصل ولعلامات)، ولكن هذا لا ينطبق على العربية لاشتراطات لغتنا من تكثيف واختزال.
2- تحمّل بعضها وجود المقدمة والمتن والخاتمة، وهذا لا ينطبق على كل القصص.
3- تعمية الزمان والمكان بالغالب، وأحياناً تعتمد الزمان، وأحياناً تعتمد المكان.
4- ليس هناك تطور للحبكة، وأن تكون سريعة.
5- انعدام الوصف غالباً.
6- انعدام السرد.
7- تكون اللغة شعرية، وبعيدة عن التوعير.
ولإزالة شك بعض المتشككين بأحقية عواطف عبداللطيف بلقب قاصة في هذا الجنس، أقترح، ومن باب المقارنة فقط، عليهم قراءة نصوص أهم كتاب القصة القصيرة جداً، في العراق، كونه كان رائداً - عربياً - بهذا المجال بعد الفرنسيين، ومنهم :
محمود أحمد السيد، غائب طعمة فرمان، عبدالملك نوري، عبدالمجيد لطفي، ذنون أيوب، أدمون صبري، محمد الأديب، جعفر الخليلي، عبدالحق فاضل، خالد حبيب الراوي، عبدالوهاب الأمين، يعقوب يوسف حداد، غانم الدباغ، نزار عباس، محمد خضير، عبدالرحمن مجيد الربيعي، جليل القيسي، موسى كريدي، نوئيل رسام، غازي العبادي، عبدالستار ناصر، هيثم بهنام، حمدي مخلف الحديثي، وارد بدر السالم، أمجد توفيق، نجمان ياسين، ميسلون هادي، شوقي كريم حسن.
ألنصوص :
قد قال لي ..
أنت لقلبي من سلك
لكنه نسي الكلام ..
وبحبها لقد هلك
قد قال لي..
الوعد بيننا لن يزول
لكنه نسي الكلام
وببعده وجد الحلول
في مرة قد قال لي ..
أنت لي كل حياتي والزمان
لكنه نسي الكلام ، وسياطُ البعدِ فازت بالرهانْ
في مرة قد قال لي
إني رأيتك باسماً
حجب الشموس عن الشفاه
وزارني
متظلماً
قد قال لي لا أرتـضـي عـنـك بـديــلا ثـانــي
لكنه نسي الكلام من علقمِ الوجَعِ المَريرِ سقاني
في مرة قد قال إني بحبك أرتقي
لكنه نسي الكلام من بعدها لم نلتقي
في ليلة قد قال لي أنت الأميرة للإماره
لكنه في صبحه وبسرعة ألغى قراره
قد قال لي كنا وكان
فقلت له
لا تبتعد
فالقلب ملكك من زمان
قالوا جئنا لكي نحمي الوطن ونزيل عن شعبه الألم
لكنهم ..
بذروا الفتنْ
وبعدها.. باعوا المروءة والشهامة والقيم
في مرة قد قال لي
مالي أراكِ نسيتني
قلتُ الدروب نكايةً أبعدْنني
في مرة قد قلت له..
إحرق شريط الذكريات
فقال لي لا تقلقي ..
إن الذي بيني وبينكِ قد مضى والقلب مات
قد قال ..
ما قلَّ صبري في انتظاركْ
فقلت له..
لكنني لم أفتهم مغزى قراركْ
في مرة قد قال..
اشتقتك عند الأصيل
فقلت له..
أنا أعشق الفجر الجميل
في مرة قد قال لي ..
هيا تعالي على عجل
فقلت له..
لا تبتأس لا بد يوماَ نلتقي مهما يطول بنا الأجل
قال ..
رغم الوعورةِ في الطريقْ
قد كُنتِ لي دوما وطن
ردت بحزن ..
لكنني والبعد يدمي خافقي
تعبت من غدر الزمن
قال لها..
قد جئت أنشدك السماح
ردي عليَّ ها هنا كي أسمعِك
ردت عليه..
الغدر عندك مستباح
صعب عليَّ أتبعك.. لن أسمعَك
قال..
هذا البعاد
ألمْ يُصيبك بالملل؟.
قلت لا ما زلت أقترف الأمل
قال لها..
قد جئت أنسيك العذاب
فلقد صحوت على الحياة لذا أتيت
ردت عليه بوجع
سيان عندي في الحضور وفي الغياب
فأنا بنارهما اكتويت
سألته معاتبة..
هلَّا توضح ياحبيبي ما جرى؟.
ردَّ بغضب..
هل تفهمين ما أقوله ياترى؟.
ققالَ لها موضحاً..
إن الذي ما بيننا فوق الحروفِ أو الكلام
نبض يحلق عالياً فوق الغمام
شيء يحركُ داخلي نبع المحبة والغرام
ردت عليهِ بألم..
لغة العيون درستها من ألفِ عام
وكأنني حلمٌ رأيتهُ في المنام..
وصحوتُ بعدها كي ألملِمَ ما تبقى من حطام
المعلم القدير / المصلح ،
مساؤك ألق ،
و تحية من ياسمين لسيدة النبع ،
الشاعرة / القاصة القديرة عواطف عبد اللطيف / أمنا المبجلة
قرأت ما أدرجت هنا معلمي مرتين و أعتقد أني سأقرأ مراتٍ إضافية ،
و أشد على يدك في موضوعك الهام ، و توثيق فكرة الريادة في هذا الجنس لمبدعتنا القديرة . .
و ما زلت أتابع ما ستدرج في هذا الشأن ،
شكرا لك معلمي القدير
التوقيع
ضاقت السطور عني
و أنا..فقط هنا
نشيد جنازتي..يشجيني
المعلم القدير / المصلح ،
مساؤك ألق ،
و تحية من ياسمين لسيدة النبع ،
الشاعرة / القاصة القديرة عواطف عبد اللطيف / أمنا المبجلة
قرأت ما أدرجت هنا معلمي مرتين و أعتقد أني سأقرأ مراتٍ إضافية ،
و أشد على يدك في موضوعك الهام ، و توثيق فكرة الريادة في هذا الجنس لمبدعتنا القديرة . .
و ما زلت أتابع ما ستدرج في هذا الشأن ،
شكرا لك معلمي القدير
ألغالية أ. أحلام الموقرة
لم يكن حسان بن ثابت عضواً في إتحاد أدباء قريش، ولم تكن الخنساء عضوة في إتحاد نساء بني سُلَيم.
لكنهما سجلا أسميهما في سفر خلود الشعر، من خلال منجزيهما، وبمباركة المتابعين.
والآن حان موعد بيان العصر، بريادة شعرنة النص القصصي، في جنس القصة القصيرة جداً.
وأظنني مصيباً حين أعلنت ريادتها، وعلى التأريخ تأكيد هذا ذات يوم.
وما قراءتك وتعاطفك مع ما أوردناه إلا بشارة خير، كونك وعياً ويعوَّل على قناعاتك..
لا أقول هذا من باب التزويق اللفظي أو المجاملة المجانية، بل نابع من قناعة بأدلة وشواهد.
لذا بات علينا أن نستفز الشاعرة عواطف عبداللطيف جمالياً، كي تنتج نصوصاً تعزز ما ذهبنا إليه، وهذه - حسب اعتقادي - مسؤولية كل من يعنيه شأن الإبداع.
ومن هنا أدعو بقية الزملاء المهتمين بهذا الجنس الأدبي، مناقشتنا حول ماذهبنا إليه، ورحم الله من أهدى إليَّ عيوبي.
سيدتي الراقية.. حين أسمع نغماً متميزاً أتيقن بأنك قريبة من المكان.
لك عظيم تقديري.
ما أروعها و اعمقها من نصوص
كل منها يحكي قصة مكتملة الأركان
سلم نبض و قلم الأستاذة عواطف
و رائع ما تفضلتم به
اثراني بهذا الجانب و أضاف لي الكثير
كل الأمتنان لألق حضوركم وما تكتبون
ما أروعها و اعمقها من نصوص
كل منها يحكي قصة مكتملة الأركان
سلم نبض و قلم الأستاذة عواطف
و رائع ما تفضلتم به
اثراني بهذا الجانب و أضاف لي الكثير
كل الأمتنان لألق حضوركم وما تكتبون
يشرفني مرورك أختي الفاضلة.
إيماناً منا بقدسية الكلمة، ولحتمية إنصاف المبدع، ذهبنا إلى ما قرأتم.
أتمنى سماع هديلك، فوق أية أيكة أدبية تشائين، على ضفاف هذا النبع العذب، عسى الله يلهمنا بلحن يموسق كلماتك.
لك بالغ التقدير
ياللثراء ...
نشد على يد استاذتنا القديرة
امنا الغالية عواطف عبد اللطيف
كي تطلق العنان للغتها في كتابة هذا الصنف الادبي الجميل
و كلنا ثقة بأنها قديرة بامتياز
بوركت استاذنا الفاضل لما قدمت من رؤية ثاقبة اتاحت لنا التجوال في افكاركم و تطلعاتكم
وفق الله الجميع لمراضيه
التوقيع
قد يُبتلى المـرءُ في شيءٍ يفارقـهُ
فكنتَ بلوايَ في شوقي وفي قلقي