اسمه قيس بن ذريح الليثي الكناني، عاش في زمن خلفاء الرسول، وقد أحب لبنى بنت الحباب الخزاعية، وقد عشقها لأول مرة يوم أن زار مرابع بني حباب أهل لبنى فطلب سقي الماء فجاءت له بها فأغرم من وقتها وقد كانت مديدة القامة، بهية الطلة وعذبة الكلام.
وقد أنشد بعد فراقه لبنى:
فيا ليت أني متّ قبل فراقها
وهل تَرْجِعَنْ فَوْتَ القضيةِ ليتُ
ولكن اختلاف قصته أنه تزوجها بخلاف الآخرين ثم طلقها لأنها كانت عاقراً، وقد فعل ذلك تحت ضغط الأسرة لاسيما والده الذي كان يرى عارا أن يقطع نسله.
ويروى أنه ذكر لرفاقه: هجرني أبواي اثنتي عشرة سنة، أستأذن عليهما فيرداني، حتى طلقتها.
ومما أنشد في لوم نفسه:
أتبكي على لبنى وأنت تركتها
وكنت عليها بالملا أنت أقدر
فإن تكن الدنيا بلبنى تقلبت
فللدهر والدنيا بطون وأظهر
كأني في أرجوحة بين أحبل
إذا فكرة منها على القلب تخطر
ومن ثم ربما أنه أنكر فعله فجرى فيه ما جرى وهو يهيم بالصحاري ينشد الشعر وقد ساء حاله. وإن كانت قد تزوجت لبنى بعده فقد كان المنال صعبا إلى حين، وكانت – هي - هائمة به لم تنسه، وهذا أغضب زوجها الذي خيّرها بينه وهذا الـ"مجنون"، فاختارت الطلاق وتزوجت من جديد بقيس ولكن بعدها لم يعيشا طويلاً، ماتت هي أولاً وهو ثانياً.
وقيلت هكذا
هو قيس بن ذريح الذي عشق لبنى، في نفس الوقت الذي شهدت نجد فيه مأساة مجنون ليلى شهد الحجاز مأساة أخرى من مآسي الحب العذري بطلاها قيس بن ذريح وصاحبته لبنى.
كان قيس ابن أحد أثرياء البادية، وذات يوم حار كان قيس في إحدى زياراته لأخواله الخزاعيين وهو يسير في الصحراء شعر بالعطش الشديد، فاقترب من إحدى الخيام طالبا ماء للشرب، فخرجت له فتاة طويلة القامة رائعة الجمال ذات حديث حلو هي لبنى بنت الحباب، استسقاها فسقته، فلما استدار ليمضي إلى حال سبيله دعته لأن يرتاح في خيمتهم قليلاً ويستبرد، فقبل دعوتها وهو يتأملها بإعجاب شديد. وتقول الحكاية أن أباها الحباب جاء فوجد قيسا يستريح عندهم فرحب به وأمر بنحر الذبائح من أجله واستبقاه يوما كاملاً.
ثم تردد عليها وشكا لها حبه فأحبته. وعندما عاد قيس، مضى إلى أبيه يسأله أن يخطبها له فأبى. فالأب ذا الثراء العريض كان يريد أن يزوجه واحدة من بنات أعمامه ليحفظ ثروة العائلة، فقد كان قيس وحيده، فأحب أن لا يخرج ماله إلى غريبة، وقال له: بنات عمك أحق بك. فمضى إلى أمه يسألها أن تذلل له العقبة عند أبيه، فوجد عندها ما وجد عنده. لم يجد قيس أذنا صاغية، ومع ذلك لم ييأس ولجأ إلى أحد أقاربه، ووسطه في الأمر. وشاء الله أن تكلل وساطته بالنجاح.
وتحقق لقيس أمله وتزوج من لبناه، لكن القدر أبى عليهما سعادتهما ولم يشأ للعاشقين أن يتحولا إلى زوجين عاديين ممن يقتلهما السأم. وظل الزوجان معا، لعدة سنوات دون أن ينجبا، ودون تردد أشاعت الأسرة أن لبنى عاقر، وخشي أبواه أن يصير مالهما إلى غير ابنهما ، فأرادا له أن يتزوج غيرها لعلها تنجب له من يحفظ عليهما مالهما. ولما كان أبو قيس تواقا لذرية تتوارث ثروته الطائلة، فقد ألح على ابنه أن يتزوج من أخرى لتنجب له البنين والبنات.
لكن قيسا أبى، كما رفض أيضا أن يطلق زوجه الحبيبة، وتحرجت الأمور بينه وبين أبويه، فهما مصممان على طلاقها، وهو مصمم على إمساكها. وظل الأب يلح ويسوق عليه كبار القوم، دون جدوى وإمعانا في الضغط عليه أقسم الأب ألا يظله سقف بيت طالما ظل ابنه مبقيا على زواجه من لبنى، فكان يخرج فيقف في حر الشمس، ويأتي قيس فيقف إلى جانبه ويظله بردائه ويصلي هو بالحر حتى يفيء الظل فينصرف عنه، ويدخل إلى لبنى ويبكى وتبكى معه، ويتعاهدان على الوفاء.
وتأزمت المشكلة، وساءت العلاقات بين طرفيها، واجتمع على قيس قومه يلومونه ويحذرونه غضب الله في الوالدين، وما زالوا به حتى طلق زوجه. كان قيس شديد البر بوالده فلم يشأ أن يتركه يتعذب في الهجير، واضطر اضطرارا لأن يطلق لبنى.
رحلت لبنى إلى قومها بمكة، وجزع قيس جزعاً شديداً، وبلغ به الندم أقصى مداه، ومع ذلك فقد كانت تتاح للعاشقين من حين إلى حين فرصة لقاء يائس حزين. وتزوج قيس كارها زواجاً لا سعادة فيه، وبلغ الخبر لبنى فتزوجت هي أيضاً زواجا لا سعادة فيه. واختلف الرواة حولها، فمن قائل إن زوجها طلقها فأعادها قيس إلى عصمته ولم تزل معه حتى ماتا، ومن قائل إنهما ماتا على افتراقهما.