كنْط .. فيلسوف السلام
================
الفقرة 1
حيـــــــاة من أجل الفكر
ولد إيمانويل كنط فى 23 أبريل سنة 1724 فى بروسيا الشرقية . وقضى الفيلسوف حياته كلها إلى أن مات فى سنة 1804 على مقربة من تلك المدينة . وقد كانت حياته فى صميمها أكاديمية . أعنى حياة منصرفة كلها إلى التأمل والدرس والتعليم . ولم يعش كنط إلا للفلسفة . لم يتزوج ولم يتقلد أى منصب إدارى أو سياسى . ولئن يكن الرجل قد عاش فى زمان مضطرب أيام حرب السنين السبع إلا أن حياته كانت أحداثا داخلية باطنة ، أى متصلة بهواجس ذهنه ووساوس فكره . وقد استطاع الفيلسوف الألمانى أن يُخضع حياته كلها لنظام دقيق محكم لا يشذ عنه أبدا فقد اُثر عنه أنه كان يستيقظ من نومه فى الساعة الخامسة صباحا ، فيتناول فنجانين من الشاى ويدخن الغليون ، ثم يقرأ ويكتب إلى أن تحين ساعة محاضراته بالجامعة . فإذا فرغ عاد إلى منزله وأخذ يبحث حتى الساعة الواحدة فيغادر حينئذ مكتبه ويتناول كوبا من نبيذ الريْن أونبيذ هنجاريا . ثم يرتدى ملابسه ويجلس إلى مائدة الطعام . وقد كان برنامج رياضته لا يتغير كذلك أبدا . كان يخرج كل يوم للرياضة فى الساعة الرابعة بعد الظهر ، فينتهى دائما إلى الممشى الصغير بين أشجار الزيزفون ، ذلك الممشى الذى أُطلق عليه اسم " ممشى الفيلسوف " فيجتازه مقبلا مدبرا عدة مرات . ولم يتغير هذا البرنامج اليومى إلا مرة واحدة حين خرج يستطلع الأنباء عن الثورة الفرنسية . ومع أن حكيم " كنزبرج " قد نظم عادته تنظيما محكما وأجراها على وتيرة واحدة ، إلا أن تعليم كنط فى الجامعة كان تعليما حيا مرحا ممتعا . يحاضر الأستاذ فيملأ نفوس مستمعيه بمزيج فريد من النشوة والإعجاب والتبجيل . كان يقف خلف الدرج المرتفع فيختفى جسمه الصغير وقوامه القصير ولا يظهر لتلاميذه منه إلا رأسه ، رأسٌ قرمزى اللون ، وضاح الجبين عالى الوجنتين ذو عينين زرقاوين واسعتين حادتين . ويصفه أحد تلاميذه فيقول : " كان وجهه المنبسط ، الذى كأنما قُد على قد الفكر ، موطنا لفرح ومرح لا يتغيران ولا ينضبان . وكان الكلام الفصيح الأخاذ ينساب من شفتيه فياضا بالمعانى العميقة الدالة ممزوجا بالنكتة والدعابة . وظل كنط حفيظا على رسالة الجامعة لا يقصر عنها ولا يُعدل بها شيئا فحقق على وجه الكمال ، بجهده وعبقريته ، ذلك الطراز الممتاز لأستاذ الجامعة الألمانية .
جميل استاذ ميرغني هذا الاختيار كان لنا في المدرسة في الثانوية مساق فلسفي ومنه درسنا شيء من فلسفته
وكذلك في الكلية في مادة علم الجمال فيلسوف كبير حقا لك شكري
والبيئة العقلية التى نما فيهافكر الفيلسوف هى آراء جماعة " القانتين " أو " الخشوعيين " من جهة ، وفلسفة القرن الثامن عشر من جهة أخرى . أما " القانتون " فهم شيعة بروتستانتية متعبدة متطهرة ، تعلى من شأن القلب والحياة الباطنة وتعارض اللاهوت المسيحى المجرد ، وتضع الأعمال فوق الاعتقادات ، وتشيد بالشعور والبر والتقوى .وأما فلسفة القرن الثامن عشر أو " فلسفة التنوير " - كما كانوا يسمونها فى ألمانيا - فكانت تذهب إلى أن جميع الشرور التى ابتليت بها الإنسانية منشؤها الجهل والمذلة التى تنتج منه ، وأن تقدم المعارف والتنوير خليق أن يُكسب الناس السعادة والتحرر .
وقد بسط كنط مذهبه فى ثلاثة كتب مشهورة نال بها مقامه المرموق فى تاريخ الفلسفة الحديثة . الكتاب الأول " نقد العقل الخالص " أى نقد مبادئ العلم ، والثانى " نقد مبادئ العلم " نقد العقل العملى " أى نقد مبادئ الأخلاق ، والثالث " نقد ملكة الحكم " أى نقد مبادئ الذوف .
وقد وضع كنط الأسس الأولى " للفلسفة النقدية " حين قال : إن العالم الخارجى ، عالم المادة والأجسام ، بدون الذات المفكرة الواعية ، لا وجود له .
آخر تعديل سرالختم ميرغني يوم 06-01-2019 في 04:28 AM.