(1)
باتت العملية التعليمية عملية شكلية في معظم أجزائها، عند عناصر كثيرة من عناصر التعليم.
كيف؟
يغرق المعلم في صراعات صغيرة، وجلها خارج الجانب التعليمي.
كيف؟
يبدأ الصراع على اختيار الصف، فإذا انتهى بدأ الصراع على الفصول والطلبة، فإذا انتهى بدأ الصراع على الجدول وحصصه ونظامه.
فإذا انتهى كل ذلك بدأ الصراع على اجتذاب الطلاب إلى الدروس الخاصة، وهذا الصراع خاصة ارتبط به كم ليس بالقليل من الأوهام.
مثل ماذا؟
مثل قياس مكانة المعلم بكمية الطلاب الذين يقبلون عليه في الدروس، ومثل أن يهبط المعلم بمستواه الإنساني إلى طلابه لتكون سمعته جيدة بينهم، ومثل أن يعقد المعلم اتفاقات مزرية به مع بعض طلابه لاجتذاب البعض الآخر، و... إلخ.
وكلها أوهام، وبعضها يقلل من كيان المعلم مهما كان غرضه ودافعه.
وصدق رسول الله في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره، وحسنه الألباني.
(حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ صَبِيحٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبَانَ وَهُوَ الرَّقَاشِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ. وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ).
فإذا انتهى ذلك بدأ صراع المحافظة على الشكليات التي يتابعها الموجهون والمتابعون.
مثل ماذا؟
مثل تصحيح كراسات الطلاب وكتبهم، وما يتصل بذلك من أمور لا تمثل عنصرا موضوعيا في الحكم على المعلم.
ولا ننسى الصراع مع أولياء الأمور، والمشاكل الطارئة اليومية، و... إلخ.
وهذا شأن من ترك نفسه للدنيا فقط!
(2)
ووسط كل ذلك يختفي الجانب العلمي، وقبله يختفي الأهم.
ما هو؟
إنه عدم الاستعانة بالله تعالى على مسائل التعليم، وكأن المعلم لا يحتاج إلى الله في ذلك، أو كأن هذه العملية قد تمكن منها تمكنا يجعله يرى الاستعانة بالله شيئا لا ضرورة لها، ولن أقول: لا أهمية لها.
ويذكرني ذلك بالقصة التي يروونها عن جحا وذهابه إلى السوق ومعه المال، فسألوه: أين تذهب؟ فأجاب: أشتري حمارا. قالوا: قل: إن شاء الله تعالى. فقال: ولِمَ؟ السوق موجود، والمال في جيبي. فكان أن ضاع المال، وعاد من دون شيء، فقيل له في ذلك، فقال: ضاع المال إن شاء الله تعالى.
وليس هذا فحسب؟
بل، يختفي وسط هذه الصراعات والتنافسات النية التي ينبغي له أن يحرص عليها؛ لأنها مدار ثوابه، وقد يندهش إذا طلب منه ذلك؛ لانقطاع الصلة بين الأمرين في نظره على الرغم من سماعه الحديث الذي رواه البخاري.
(حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى؛ فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ).
ومن وراء ذلك ومن باب أولى فإنه لا يدعو لطلابه أن يفهموا على الرغم من أن سيدنا موسى استعان بربه على الإفهام: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه: 25 - 28].
وأظنه لا يفعل ذلك؛ لأنه غير وارد في المقرر، وليس نقطة تفكير منه.
(3)
فيأيها المعلم، اجعل لك نية، وجددها، واستعن بالله في تعليمك، واستعن به تعالى على طلابك!
إخلاصك أيها الفاضل يبهرني
ففي كل مرة أدخل متصفحك أجدك تعمل بنشاط وصمت
فاشحن منك طاقتي ، وأشعر بتقصير
معجب باشتغالاتك كثيراً
فأرجو قبول صداقتي أيها الكريم