ثنائية (اشراقة على وجه الخريف) دوريس سمعان& شاكر السلمان

ثنائية

اشراقة على وجه الخريف

ديزيرية سمعان & شاكر السلمان




(إنّــي وجــدتُ الشـعـرَ يُكـمـلُ فـوحَـهُ = بـــدعُ سَـــــــرتْ، لـتـخّــطــهــا الأقـلامُ
فـتـهـيّـؤوا , هــبّــوا ، وإنــــيّ قـــائـلُ = جــمـــعُ الــكـــرامِ مــعَ الـــكـــرامِ وئــامُ)

( 1 )

محظوظةٌ تلك السطور ....

قد حباها الخالقُ

قافلةً من مشاعر

لم تدمّرْها السنون

ولا بَهُتَ إطارُ لوحتها

المرسومةُ بإتقانٍ

على جدرانِ الخريف

فقد أشبعَها ماء الياسمينِ رواءً

وفوقَ جمرة متّقدةٍ

تدلـّتْ عناقيدُها البضّة

لـ تشي بهمسِ أنثى دافئةَ الأنفاس

تقفُ على رصيفِ العمرِ

وعلى ثغرِها قبلةُ حبٍّ

لا ينضُبُ موردُها

تحكي قصصا ربيعيةَ الملامحِ

عن فارسٍ من الزمنِ الجميل

يستحلفُ جبالَ النبض

يلامسُ جبينَ الشمس بحرفِه

والأبجدياتُ تقف حافيةَ القدمين

وبيدها جوازَ عبورٍ

نحو حروفٍ أربع

ش ا ك ر

ش .. شهـادةٌ توشّحت بـ ضيّ القمر ذات ليلةٍ غادرَها الضبابُ

أ .. أنفاسٌ غرقى بصفاءِ الهمسِ الدافئ

ك .. كهوفٌ من خيالٍ ترتعشُ جدرانُها من تناغمِ الهطولِ الغزير

ر .. رذاذ سحرٍ تذوقتْـها زهورُ الإبداعِ فغطـّت مساحاتُ القلبِ قاطبةً

عندما هَمَسَ الشوق في خافقي بعد ان استثارني نبض اللوحة الديزيرية وجدتني أتنزه بين حقول الروابي وأحث الخطى الى شواطي الأبجدية لعلي ألملم أفكاري وأحاول شحذ الـ..... ولكن سألت نفسي مالذي أتى بي هنا لألتقيك فتجهزي على خطاي وريشتي؟

وما الذي أوقفني في طريقك عند حافة الشوق ؟

محظوظة حروفي وهي تنحني لجلالة بوحك
حين يبزغ البياض يا سيدتي بين خيوط الدجى وتتفتح خدود الصباح برشاّت من حنين الماضي يتوارى خلف العمر غسق الرحيل وتستدرجني رويداً رويداً خلجات ناعمة تفرزها آهات ملئى برائحة الحب المعتق
فتؤول إذ ذاك مرابعنا الى حروف سرور موشومة بنبع العواطف وألق ديزي

( 2 )








تحمِلُني إليكَ يمامةُ وطنٍ
على وجنتيها مزروعة ٌ
وردةٌ من شوقٍ
وفوقَ الصدورِ رحيقٌ
جمعَـتْهُ سنواتُ العمرِ الماضية
لأنثُره بكلِّ ألوانِ الطيف
على ما تبقّى من أيامي

ألمْ تتراءَى لكَ
تلك الآهـاتِ المصقولة
ببكاءِ العمرِ
دفقات .. دفقات
حتى تخالَ أنهارَ الصبرِ
قد نضبَ ماؤها
وشحُبَ لونُها
وهمسيَ المتعالي فوقَ كلِّ الجراحِ
يتسلقُ أكفَّ الغمامِ ليصلَ إليك

أتدركُ يا ساحري
كيف أيقظَ شعاعُ حرفكَ
بسمةَ الفجرِ ذاتَ صحوةٍ ؟
حتى حلـّقتْ فراشاتُ النّدى باسمةً
فوق شرفةٍ خِلتُها غارقةً بالحزن
فاستلقى الحلمُ بنشوةٍ

فوق رابيةٍ ملأى بإشراقةِ الخريف

ماذا فعلتِ ياديزي؟

لاتهمسي

فأفكاري تتدحرج بين مفاصل الهمس

وريشة نزفي تقطر لوناً رمادياً على صفحات الألم

فيستهويني شوقٌ من عبق الوجد، لتتحشد الصور في زحام الفكر دون ان ينتج لسان الضاد كلمةً تبُلّ الريق

و الآه العابث بمخيلتنا يرسو بنا على جناح الوجع،

يسطُر ملحمةً على جسد الخريف،

يُلقينا بين أروقة الجريدة و القصيدة حزيناً حائراً ما بين المحتوى و العنوان،

يرضيكِ أن تتسمر الأحداق شاخصةً لذلك الوجه البلوري،

وأن ترتبك العبارات قبل خروجها

و تتسابق تأتآت النطق قبل أن يسعفها رمق الأبجدية

هل إن أوراق الأشجار تتساقط في الخريف فقط

أم أن آهاتنا عجنت بلوعة الروح قبل أن يجتاحنا هادم اللذات..

ستبقى ملامحنا سيدتي وإن رسمناها بين ذرات التراب

أو كتبناها على جذوع الشجر

وحتى لو مرغنا أشجاننا برمال الشاطيء

ستبقى اشراقة الخريف ودّاً وحنينا

( 3 )

إليكَ أرسمُ كلماتي

يا منْ حملَ بثنايا قلبِهِ

أطنانا من صدقٍ وحنان

حتى إذا ما دنا الليلُ

اشتعلتِ القصيدةُ بالخافق

وعلى شرفةِ النّبضِ

زغردتْ طيورُ الشوقِ

حاملةً معها أحلامَ الصبا

وتذكرةً .. على بساطِ الرّيح

نجوبُ بها قفارَ المحبة

نختصرُ الزّمنَ

نشدُّ الرحالَ صوبَ صخبِ النّبض

نوغِلُ بدروبٍ غمرَتْها سيولُ البوحِ

أُهديكَ أشعاراً تحملُ جنينَ الحب

وتهديني دِثارا من قصائد

ليكونَ مولدُ النورِ

على ضفافِ العمرِ الباقي

فلنْ يبخلَ الزمنُ علينا

بشهوةِ جنونٍ

تعيدُ أمجادَ الربيعِ بالقلوبْ


ديزيريه

سأرسم يوماً سنبلة الشوق المضمخة بالعبير

وأهديها اليك

سنبلة حبلى بالحنان لم يحن حصادها بعد

تميل ولاتميل

يراودها عرجون ذاوي بذاكرتي

يمتص مداده من خلاياي

ويستنشق من سنيّ العمر رائحة العنبر

قرأت لك يا ديزي سطوراً تعانق الروح وتثير نزعاتها برقةٍ

تُزَيِّنُ منابت الوله بِسِمَةٍ تجرّ طاولة الرسم وتمسك فرشاتي ويدي

ربما يتبارى شوق الأنامل في عناقها حين يتكور الوقت

في مناجاة الأحداق واشتعال الوجد

بضربات الخافقين

يوم ما ستتهافت النواظر خلف جفونها

وتتكور كفّاك بحضن راحتيّ والمدلل على كتفي ينساب بسخاء

الأحاسيس حينها تتجمهرعلى قارعة العشق

لتتوالد في صدورنا الحشرجات و صورٌ

لوريقات الخريف التي تتساقط بسرعة

لكن ذبذبات الشوق تبقى وستبقى رغم أنين الناي

وصروف الوشوشة وذكرياتنا يتراقصان

كعصفورٍ مذبوحٍ يبكيه الغناء

( 4 )

بنفثةٍ من ضبابٍ الشّوق

أستقِرُّ بأحضانِ الحلُم

كـ عصفورةٍ عارية الملامحِ

سوى من ورقةِ توتٍ

تسترُ عورةَ حنينِها

وركامُ ليالٍ فاتناتٍ

تلهِبُ صهيلَ الذكرى

نحو شفقٍ يرتحلُ صوبَ الأمنيات العِذاب

وها هي لحظةُ الفرحِ

تخترقُ الوريدَ

تتخِمُهُ بالحنان

تشعِلُ شمعةً حمراءَ بالرّوح

وصفّارةُ القطارِ تدوي

أيا أنثى

باقيةٌ هي أمنيتِكِ

قد لوّحتْها شمسُ الرّبيعِ الوردية

فلا تأبهي لسقوطِ الأوراق الصفراء

فحينَ تسافرينَ بأعماقِه

سيحملكِ نورُ عينيهِ لمدائن الفرح

وتمتزجُ أهازيجُ اللقاء

بصدى صوتِه الرنّان



ديزيريه

لأن صوتَكِ مازال يسكبُ نسغَ وميضِ المحبةِ في فنجان قهوتي

وفي لحظات هزائمي يُعيدُ توازني حتى لو اخترقْت الخيطَ الفاصلِ بين الليل والنهار

وانه في ضَنِّ عُجافي يُعاندُ الغيمَ ويحلُبُ السُحُبَ مطراً من الورد ونبعاً من العطر وفضةً من القمر

مانسيتُ أبداً ذاك القطار حين امتطى الضباب وكلانا ضيفاه

ولا دميعاتنا الرقراقة التي شقّتْ لها درباً لِتختصرَ المسافةَ بين القلبين

ولا بساطَنا الذاوي حين حملهَ الريحُ في رحلةٍ لحديقةِ العمرِ التي تُرْبِكُني فتأخذ سُقْياها من أدمُعي رغم أنّ الإصفرارَ يُلوِّح لها بعصاه

هناك أشياءٌ كثيرةٌ تُقَرِّبُني منكِ كلَّ يوم ..ذاكرتي تدقُّ نواقيسها

فأحبُّ شروق الشمس .. أتدرين لماذا؟

لأنها لم تغيَرّ عادتها عندما تشرق فهي تمدُّ نفْسَ الشعاعِ الذي ينبثقُ من جبينك ، لم يتغير الشعاع ،لا بمعياره الحراري، ولا بحجمه المداري

وها أنذا أجيء هارباً ببعض أصابعي الملتهبة من وجعِ نصِّك الأول لأضع ما تبقى

من جِمارِ جسدي التي هيَجَّها ذاك الصباح

وليبكي جُلّ جسدي هنا على فواصل معاني تتزاحم على حدقات ترجمها حنينك الوارف

سننتظرُ بما سيتبقّى من خفقاتِ القلبِ حتى نرى ماتعسّرتْ به محارةٌ في قاع الفؤاد

وارفٌ صوْتُك بأشجان الروح ومنه يتلأْلأُ من بعيدٍ كوكبُ زُحل أو الزهرة الناصعة

فهناك الروحُ كانت تلامسُ روحَكِ في كلِّ لحظات الوجع

جميلة أنت يا ديزي

رائعة أنت يا حسناء الخريف

(5)

رغمَ أسرابِ الطيورِ المحلقـة

ورفرفةِ فراشاتِ الألق فوقَ سمائِك

وحبيباتِ المطرِ الفضيـة العالقـة بأنامل الخريف

لا زالتْ ثوراتُ الوجـدِ تغرزُ سيوفَها

بربيعِنا الغافي على موجِ البحر

فاغمضْ عينيكَ .. مولاي

قبل أن يلفحَك هديرُ الرعود

وتتسارعَ دقاتُ القلب

وتعااااال .... نقيمُ بميناءِ الهـدبِ

مأدبـةَ بوحٍ

بأيدينا نشعلُ النجومَ

حتى ترتعشُ الحروفُ تلهّفا

فالثلوجُ انصهرتْ

والأنفاسُ تراكضت نحو جسرِ الهوى

والعناقُ أضحى قاب شهقتين

تعال .. نعاندُ القدرَ

ونرسمُ فوق المسافاتِ ابتسامةً ساخرة

فخطيئة ٌ عظمى أن تأخذنَّك رحمةٌ أو شفقة

حين تلملمُ شتاتَ أنوثةٍ

أحرقَها جمرُ الانتظار


ديزيريه