هذه الآية هي أول آية في سورة النساء ، وسورة النساء هي السورة الرابعة في المصحف ، سورة الفاتحة ثم سورة البقرة ثم سورة آل عمران ثم هذه السورة وهي سورة النساء ، النصف الثاني من القرآن يبدأ من سورة مريم ، والسورة الرابعة من النصف الثاني من القرآن هي سورة الحج ، مريم ثم طه ثم الأنبياء ثم الحج ، وسورة الحج أول آية فيها { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ }الحج1 ، فكلتا الآيتين أمرتا بالتقوى ، وأمرتا من ؟ أمرتا الناس . الآية التي في سورة النساء أمرت بالتقوى من حيث مبدأ الإنسان { الَّذِي خَلَقَكُم } هذا هو الابتداء ، سورة الحج أُمر فيها بالتقوى من حيث نهاية الإنسان {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } ، فدل هذا على أن العبد مأمور بتقوى الله عز وجل من حيث المبدأ إلى أن يتوفاه الله عز وجل ، لم ؟ لأن التقوى هي نجاته ، ولذا نادى الجميع { يَا أَيُّهَا النَّاسُ } من هم الناس ؟ نحن البشر ، لماذا سُمِّينا بالناس ؟ سُمِّينا بالناس لثلاثة معاني :
المعنى الأول : من النسيان ، ونحن ننسى ، وقد نسي أبونا آدم عليه السلام ، ولذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( نسي آدم فنسيت ذريته ) قال عز وجل {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً }طه115 ، والنسيان يجري للجميع ، وقد جرى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة كما في الصحيحين فقال ( إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني )
المعنى الثاني : مأخوذ من الحركة ، ولذا أم زرع لما أثنت على أبي زرع من أنه كريم ، قالت ( أناس من حلي أذني ) يعني أعطاها من الحلي إلى درجة أن الحلي الذي يكون في أذنها يتحرك إذا مشت ) والحركة فينا ، ولذلك يقول شيخ الإسلام رحمه الله " إن الإنسان متحرك بطبعه ، لابد أن يتحرك إما إلى خير وإما إلى شر ، يتحرك إما بالقول وإما بالفعل ، ولذلك يقول صلى الله عليه وآله وسلم ( أصدق الأسماء حارث وهمَّام ) لماذا حارث وهمَّام هما أصدق الأسماء ؟ لأنه ما من أحد إلا ويهم ويحرث ، يعني يهتم بشيء ثم هذا الشيء يخرجه في واقعه ، ولذلك عبارة السلف ( النفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية ) ولذلك يقول ابن القيم رحمه الله " إن النفس كالرحى الدائرة التي لا تقف " ولذلك كان معنى الحركة في الناس مناسبا .
المعنى الثالث : أنه مأخوذ من الأنس ، لأن بعضنا يأنس ببعض ، ونسأل الله عز وجل أن يبلغنا إلى الأنس الذي هو أعظم وأعظم وهو الأنس بذكر الله عز وجل وطاعته ، ابن آدم يأنس بأخيه أو بصاحبه ، وهناك من البشر ممن وفقه الله عز وجل يأنس بربه ، معه أحد من البشر أو لم يكن معه أحد ، يأنس بالله عز وجل وهذه أعلى المقامات .
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ } هذا نداء لجميع الناس { اتَّقُواْ رَبَّكُمُ }
ما هي التقوى ؟ التقوى هي أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية بفعل أوامره واجتناب نواهيه . وقال بعض العلماء – وهو داخل في هذا المعنى – هي ترك الذنوب ، كما قال الشاعر :
خلِّ الذنوب صغيرها
وكبيرها ذاك هو التــقوى
واعمل كماشٍ فوق
أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة
إن الجبال من الحصــى
وقال بعض العلماء : "هي أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله ، وتترك المعصية على نور من الله تخاف عقاب الله " والتقوى لو نظرنا في كلام الله عز وجل لوجدنا أن لها آثارا ومنافع كثيرة طيبة ، أذكر لكم بعض الأشياء وإنها لكثيرة جدا ، حين نقلب المصحف من أجل أن ننظر إلى الآيات المتعلقة بالتقوى سنجد أن هناك ثمارا وفوائد كثيرة ، فمن فوائد التقوى مما ذُكر في كلام الله عز وجل أن الإنسان ينتفع بالقرآن ويهتدي به ، قال عز وجل { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }البقرة2
ومن فوائد التقوى : العلم ، قال عز وجل { وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ }البقرة282 ، وقال تعالى {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }الأنفال29
ومن فوائد التقوى : تيسير الأمور ، قال تعالى { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً }الطلاق4.
ومن فوائد التقوى : مغفرة الذنوب ، قال تعالى { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً }الطلاق5.
ومن فوائد التقوى : وجود المخرج من الهموم والمشاكل والمشاغل ، قال تعالى { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً }الطلاق2
ومن فوائد التقوى : نزول البركات ، قال تعالى { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ }الأعراف96
ومن فوائد التقوى : معية الله عز وجل التي يعين بها العبد وينصره ويؤيده { وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ }البقرة194
ومن فوائد التقوى : أنهم أهل الصدق ، قال تعالى {وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ }الزمر33
ومن فوائد التقوى : العاقبة الطيبة ، قال تعالى { وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }الأعراف128
ومن فوائد التقوى : أنها سبب للفلاح ، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }آل عمران130
وفوائد التقوى كثيرة ، لكن تحتاج إلى أن تقرأ بتأمل .
وهذه التقوى أمر الله عز وجل بها من كان قبلنا ، قال تعالى { وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ }النساء131، وما من رسول كما في سورة الشعراء إلا ويقول لقومه { فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ }الشعراء108.
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ } يعني من ربَّاك ، من أعطاء ، من منحك ، هو الذي يستحق أن يُتقى ، ومن أحسن إليك فإنك تقابله بالإحسان ولا تقابله بالإساءة ، وقد أحسن الله عز وجل إلى الخلق ، ولا يمكن أن ينفك أحدٌ عن التقوى ، فكل إنسان تقي ، كيف ؟ من لم يتق الله عز وجل اتقى غيره ، ولذا كان لزاما على العبد أن يتقي الله عز وجل حتى يسلم من تقوى غيره ، لأن تقوى غيره لا خير فيها ولا بركة ، وإنما فيها الذل والهوان والخسران . من هو هذا الرب ؟ { الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } ما هي ؟ آدم عليه السلام ، والخلق على أربعة أصناف :
أولا : من لم يُخلق لا من أم ولا من أب ، وهو آدم عليه السلام . ثانيا : من خُلق من أب دون أم ، وهي حواء عليها السلام ، خلقت من آدم عليه السلام ، كما قال عليه الصلاة والسلام كما عن مسلم ( إن المرأة خُلقت من ضِلع وإن أعوج ما في الضلع أعلاه ) ثالثا : مَنْ خُلق مِن أم دون أب ، وهو عيسى عليه السلام . رابعا : وهم بقية البشر خلقوا من أم وأب .
{ خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } فكلنا مخلوقون من آدم عليه السلام ، هل هناك فضل لأحد على أحد من حيث النسب ؟ لا ، الآية تقول إن الكل يرجع إلى آدم عليه السلام ، إذاً كيف يفضل بعض الخلق على بعض ؟ بما ذُكر في أول الآية { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ} ولذلك لما ذكر عز وجل الشعوب والقبائل { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13 ، فكلما كان الإنسان تقيا كلما كان كريما عند الله عز وجل ، وإذا أكرمه الله عز وجل فإنه سبحانه وتعالى يذلل قلوب عباده لإكرامه
{ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } يعني خلق من تلك النفس زوجها وهي حواء ، فهي خُلقت من آدم عليه السلام ، وهي تُعد زوجة له ، وإذا كانت المرأة خلقت من الزوج فما هو واجب الزوج تجاه زوجته ؟ أن يُحسن إليها لأنها خلقت منه {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الروم21 ، ففي هذا دعوة للأزواج أن يحسنوا إلى زوجاتهم ، لأنهن مخلوقات منهم من حيث الأصل ، ثم أيضا فيه دعوة للبشر أن يتآلفوا وأن يتحابوا فإنهم أخوة ، لم ؟ لأنهم خلقوا من نفس واحدة ، ولما كانوا من آدم وتألفوا منه عليهم أن يتألفوا جميعا وأن يتعاونوا على ما أُمروا به في أول الآية وهي تقوى الله عز وجل { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى }المائدة2
{ وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء } يعني نشر وفرَّق في الأرض ، كما قال تعالى { وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ } ثم ماذا ؟ { وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }المؤمنون79 ، {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ }الروم20 ، لكن المرد إلى الله عز وجل .
{ وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء } نكَّر الرجال ليدلل على الظهور والبروز ، ولذلك وصف الرجال بأنهم كُثر { رِجَالاً كَثِيراً } ثم قال {وَنِسَاء} يعني نساء كثر . ويمكن أن لم يأت بقوله ( ونساء كثيرا ) مع أنه حسب الإحصائيات يقولون إن عدد النساء في هذه السنوات أكثر من عدد الرجال بأربعة أضعاف . فلم يقل ( نساء كثيرة ) إما لأن الكلمة الأولى تدل على الثانية . أو أن ذِكر ( كثيرا ) فيما يتعلق بالرجال من باب أن يبين أن الرجال هم الذي يظهرون ويبرزون ويخرجون للناس ، بينما النساء عليهن أن يسكن في بيوتهن وأن يستترن ، ولذلك لم يذكر بأنهن نساء كثيرة ثم قال عز وجل : { وَاتَّقُواْ اللّهَ } كرر التقوى لأهميتها .
يتبع
التوقيع
[SIGPIC][/SIGPIC]
آخر تعديل شاكر السلمان يوم 12-19-2013 في 12:07 PM.
لو قال قائل : إن الله عز وجل قال في أول الآية { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ } وقال في آخرها { وَاتَّقُواْ اللّهَ} وفرق بين كلمة ( الرب ) وكلمة ( الله ) لأن كلمة الرب تدل على الترغيب ، يعني أنت يا أيها العبد الذي أكرمك الله عز وجل وأحسن إليك عليك أن تتقيه ، إن لم ينفع هذا فتذكر أنه هو الله وأنه شديد العقاب ، يعني من لم ينتفع بهذا الأمر بأن يكون راغبا في التقوى عليه أن يتقي الله عز وجل لأنه شديد العقاب . { الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ } يعني يسأل بعض الناس بعضا ، يقول " أسألك بالله أن تفعل كذا ، ومن سئل بالله فيُعطى ما لم يسأل حراما أو يسأل شيئا يضر بأخيه المسلم ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما في السنن ( من سألكم بالله فأعطوه ) { وَالأَرْحَامَ } يعني واتقوا الأرحام من أن تقطعوها – سبحان الله – نحن خُلقنا من نفس واحد فأمرنا أن نتآلف وأن نتعاضد ويحب بعضنا بعضا ، ثم ذكر الأرحام لأن الأرحام هم مخلوقون من آدم ففيه تأكيد على أن أحق من يُحب ويُكرم الأرحام . من هم الأرحام ؟ قال بعض العلماء هم الأقرباء ، فكل قريب هو من الأرحام . والصحيح : أن من اجتمعت معه بولادة ر حم فهو من أرحامك مثال " خال أبيك " أنت أتيت من رحم أمك عن طريق أبيك ، وأبوك أتى من رحم جدتك ، جدتك اجتمعت مع أخيها الذي هو خال أبيك ، إذاً خال أبيك من الأرحام . " ابن عمك " نفس القضية ، ولذلك المصاهرة لا تدخل ، صهرك الذي هو زوج ابنتك أو أبو زوجتك ليس بذي رحم ، بعض الناس يقول هذا نسيبي وبعضهم يقول هذا رحيمي ، هذا خطأ من حيث الشرع ، لأن النسيب والرحيم من اجتمعت معه في ولادة رحم ، ولذلك بعض الناس يقول – ولعل هذا من باب الاحترام والتقدير – لكن ليفهم أن هذا اللفظ خطأ في الشرع ، فلو طُبِّق على قاعدة الشرع - فهذا خطأ – بعض الناس يقول لوالد الزوجة خالي ، وبعضهم يقول عمي ، هذا ليس بصحيح ، عمك هو أخو أبيك ، خالك هو أخو أمك . { وَالأَرْحَامَ } يعني واتقوا الأرحام أن تقطعوها ، ولذلك جاءت الأحاديث في عِظم الأرحام وأنه يوجب أن توصل ’ قال عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري ( ليس الواصل بالمكافئ ) بعض الناس يقول لم يصلني كيف أصله ؟ هذا خطأ ، قال صلى الله عليه وآله وسلم ( ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل من يصل رحمه إذا قُطعت ) وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم لما سأله ذلك الرجل ( قال إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيئون إلي ، فقال عليه الصلاة والسلام ( إن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المَلّ ) يعني الرماد الحار ( ولا يزال لك عليهم من الله ظهير ما دمت على ذلك ) وهنا مسألة مهمة ، وهي :
ما ضابط صلة الأرحام ؟ صلة الأرحام متعددة الأنواع ، إما أن تكون بالزيارة وإما أن تكون بالمال ، وإما أن تكون بالاتصال ، فكلٌ على حسبه ، وكلما كان قريبا منك من حيث الرحم كلما كانت صلته أقوى ، فصلة الأخ ليست كصلة ابن العم مثلا ، وتختلف باختلاف الأشخاص ، بعض الناس لو لم تزره في السنة إلا مرة واحدة لما عتب عليك شريطة أن تعطيه مالا ، بعض الناس عنده الصلة بالمال من أعظم ما يكون ، ولذلك لو أن الإنسان لم يزر أرحامه إلا بعد شهر أو شهرين أو ثلاثة أو أربعة ، هل وقع في الحرام أم لا ؟ هل يعتبر أنه قاطع أم لا ؟ ولاسيما أن الناس انشغلوا في هذا الزمن ، بخلاف العصور السابقة ، ترى قريبك ورحيمك في اليوم أكثر من مرة ، لأن البنيان قريب والكل مجتمع ، وحتى القلوب كانت مجتمعة ، بينما في هذا العصر تباعدت المساكن وأحيانا تكون المساكن قريبة ولكن القلوب بعيدة .
فما ضابط الصلة ؟ ضابط الصلة يرجع إلى العرف ، فكل ما تعارف الناس عليه أنه صلة من حيث المدة فهو صلة ، بعض الناس من الأقرباء لو زرته في ثلاثة أشهر مرة واحدة أعدها صلة ، وبعضهم لا يعدها صلة ، إذاً ننظر إلى عرف الناس ، فما عده الناس صلة من حيث الزمن فهو صلة . لو قال قائل : لو أن العرف اتفق على ألا يصل بعضنا بعضا ً ؟ هنا نقول العرف يُطرح ، لم ؟ لأن الشرع أمر بذلك ، لكن الضابط والمدة والمقدار لم يحددها الشرع فترجع إلى العرف .
ثم قال عز وجل : { إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } يعني شاهدا ومراقبا لكم ، وفي هذا أمر بالإحسان في طاعة الله ، كما جاء في صحيح مسلم ( أن تعبد الله كأنك تراه ) أُمر بالتقوى في أول الآيات ، لكن ليتذكر أن الله عز وجل رقيب عليه إذا خالف هذه التقوى ، مراتب الدين ثلاث " الإسلام والإيمان والإحسان " أعظمها الإحسان ، والإحسان له درجة وهذه الدرجة لها مرتبتان ، الأولى ( أن تعبد الله كأنك تراه ) يعني حينما تصلي كأنك ترى الله عز وجل ، إن لم تستطع هذه الدرجة ( فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) يعني اعلم أنه يراك { إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } يعني من أخل بتلك التقوى فالله رقيب وحسيب عليه ، ولذلك قال ( رقيب ) على وزن فعيل ، وهي من صيغ المبالغة ، لا يفوته شيء عز وجل { لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }سبأ3 نسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم الإيمان والإحسان في القول وفي العلم ، والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.