لما انصرف رسول الله ﷺ من الجعرانة سنة ثمان بعث قيس بن سعد بن عبادة إلى ناحية اليمن، وأمره أن يطأ صُداء([3])، فعسكر بناحية قناة في أربعمائة من المسلمين، وقدم رجل([4]) من صُداء فسأل عن ذلك البعث فأُخبر بهم، فخرج سريعًا حتى ورد على رسول الله ﷺ، فقال: جئتك وافدًا على من ورائي، فاردد الجيش وأنا لك بقومي، فردَّهم رسول الله ﷺ([5]). فقدِم منهم بعد ذلك على رسول الله ﷺ خمسة عشر رجلا، فأسلموا وبايعوا رسول الله ﷺ على من وراءهم من قومهم، ورجعوا إلى بلادهم ففشا فيهم الإسلام، فوافى النبيَّ ﷺ مائة رجل منهم في حجة الوداع.
وقد أتى إلى النبي ﷺ من صُداء ثلاثة وفود، أولها: زياد بن الحارث الذى جاء إلى النبى ﷺ وطلب منه أن يرد الجيش، وثانيها: الوفد الذى حضر معزيادوعدده خمسة عشر رجلا، وقد استضافهم سعد بن عبادة رضي الله عنه، وأولئك بايعوا النبى ﷺ على الإسلام، وأن ينشروه فى قومهم. وثالثها: الوفد الذي أتى إلى النبي ﷺ والتقى به فى حجة الوداع وكان عددهم مائة رجل.
وقد صحب زيادُ بن الحارث الصُدَائِّى ـ وافد قبيلة صُداء ـ رسولَ الله ﷺ فى بعض غدواته وروحاته، ورأي من المعجزات الحسية التى جرت على يديه ﷺ ما زاده إيماناً، وكانت له قصة مع النبي ﷺ فيها الكثير من الفوائد والعبر، ذكرها البيهقي في دلائل النبوة، وابن كثيرفي البداية والنهاية، وابن القيم في زاد المعاد، وفيها: "وكان زياد هذا مع رسول الله ﷺ في بعض أسفاره، قال: فاعتشى رسول الله ﷺ (سار ليلا)، واعتشينا معه، وكنتُ(زياد بن الحارث الصدائى) رجلاً قوياً قال: فجعل أصحابه يتفرقون عنه، ولزمت غرزه (رحله وركابه)، فلما كان في السحر قال : ((أذِّن يا أخا صُدَاء))، فأذَّنت على راحلتي، ثم سرنا حتى ذهبنا، فنزل لحاجته ثم رجع، فقال : ((يا أخا صداء، هل معك ماء))؟ قلت: معي شيء في إداوتي، فقال : هاته، فجئت به، فقال: صب، فصببت ما في الإداوة (إناء صغير) في القعب (القَدَح الضَّخْم)، فجعل أصحابه يتلاحقون، ثم وضع كفه على الإناء، فرأيت بين كل أصبعين من أصابعه عيناً تفور، ثم قال : يا أخا صداء، ((لولا أني أستحي من ربي عز وجل لسقينا واستقينا))([6])، ثم توضأ وقال : أذِّن في أصحابي من كانت له حاجة بالوضوء فليرِد، قال: فوردُوا من آخرهم، ثم جاء بلال يقيم (الصلاة)، فقال : إن أخا صداء أَذَّنَ، ومن أَذَّنَ فهو يقيم، فأقمتُ، ثم تقدم رسول الله ﷺ فصلى بنا، وكنت سألته قبل أن يؤمِّرَني على قومي، ويكتب لي بذلك كتاباً، ففعل.
[1] صُدَاء بضم وفتح الدال بدون تشديد. بطن من كهلان من القحطانية وهم بنو صداء بن يزيد بن حرب بن عله بن جلد بن مالك بن ادد بن زيد بن عريب بن يزيد بن كهلان [2] الكتاب: الأغصان الندية شرح الخلاصة البهية بترتيب أحداث السيرة النبوية ص453 [3] صداء: حي من أحياء اليمن [4] زياد بن الحارث [5] الطبقات" 1/ 326، وانظر الفقرة رقم (55) من هذه السنة. [6] الراوي : زياد بن الحارث الصدائي | المحدث : ابن كثير | المصدر : البداية والنهاية الصفحة أو الرقم: 5/74 | خلاصة حكم المحدث : له شواهد