موعدنا في السماء
ــــــ
قصة قصيرة / نبيل مصيلحي
ــــــ
نظر إلى أعلى فإذا بفتحة عظيمة ينبثق منها شعاع من نور يصل السماء بالأرض .. فاضت مشاعره على ضفاف وجدانه .. تهبط من شدق السماء أطياف نورانية ذات أجنحة تتقدمهن حورية حسنها يسحر الألباب .. وجوههن تغمرها البشاشة .. ثيابهن من ديباج يكشف عن أجساد مرمرية شفافة .. تحلقن حوله في زفة تشرح القلب الحزين .. مدت يديها .. تقدم فاتحاً ذراعيه يضمها إليه .. كلما أوشك أن يلمسها تنفلت منه بخفة ودلال .. تقول ..
ـ في السماء موعدنا ..
اخترق جدار الرؤيا صوت أطفال و رصاصات .. استيقظ مهرولا يتلصص من خلف شيش شباك أغلقه الحرص .. يرى طفلاً مطروحاً على الأرض تنفلت الكرة ببطء من بين يديه .. تقطر الدماء من وجهه . أسرعت سيارة الهلال الأحمر نحوه .. يعترضها يهود بأسلحتهم الآلية .. سمحوا بمرورها بعد عناء النقاش .. هرول المسعفون إلى الجسد المسجى على الأرض يهزونه بلطف .. ينسحب من خلف الشباك والدموع تنهمر من عينيه .. يقلب أوراق مجلة فوق مكتبه .. يخرج سرب حمام من غلاف المجلة يحلق في فضاء الحجرة .. طيف الحورية يتحول إلى حمامة ناصعة البياض .. يهتف الحمام :
ـ هلمي يا ( وفاء ) ..
انطلق الحمام يخرج من الشباك وقد فتحه القدر ..!!
والروح حمامة حطت على دوح البشارة .. توضأ .. هم يخلع ثياب يومه .. تحزَّم بحزام أصفر اللون يسر الناظرين .. صلى ركعتين في حلته الجديدة .. لم يزعج من في البيت حين خروجه .
الشمس تسكن كبد السماء , ترسل من عينيها حرارة تقدح الرؤوس .. يندس في خفة بين السائرين إلى مقاصدهم .. حبات من مسك تقطر من جبينه تحمل شذاها نسمة خفيفة تخترق جسد ( يوليو ) . وجه من نور وسط مجموعة عظيمة من يهود .. تماسك بعد حيرة يحدث نفسه ..
ـ هو نفس الوجه ( وفاء ) .. يا الله .. كيف اخترقت حاجز الجنود ..
فجأة .. يأخذ بيده شيخ لم يره من قبل .. شديد بياض الثوب .. شديد بياض اللحية .. شديد بياض ( الشال ) يتكئ على عص .. أشار الشيخ بعصاه النورانية وهو يتمتم .." بسم الله الرحمن الرحيم " .." وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون .." , تقدما فاخترقا حاجز الجنود .. التفت بجانبه لم يجد الشيخ ..!!
صوت ملائكي ينادي ..
ـ قدم مهرك يا جهاد ..
ابتسم ابتسامة تشع منها النور.. وما هي إلا لحظة وانفجر المكان وتناثرت أشلاء يهود وارتفعت ألسنة النيران ..
يخرج من وسط اللهيب طيفان يعرجان إلى السماء .