قبلَ أن نقرأ لك ، وقبل أن نحفظ شعرك عن ظهر قلب
هل صليّت العصر جماعة !
وهل تسمح لي أن أنظر لبطاقتك الشخصية للتعرف على ديانتك !
عُذرا أيها الشاعر ..
إن كنت فلسطينيا ، فهل خرجتَ في مظاهرة ضد العدو ...
وهل أضرمتَ نارا في الإطارات ولطمتَ وجه عدوّكَ بحجر !!
قبل أن أقرأ لك ..هل تعرف كم شجرة زيتون اقتلع المستوطنون الغاصبون لأرضنا ،
وكم ساعة أمضيتَ على حاجز عسكري قد تصل للسوبرماركت وتحضر الخبز ..
أن تعيشَ مُحاصرا في مدينتك ، أو منفيا عن وجه أمّك أو تراب وطنك ، فهذا ليس كافيا كي تمنحنا
تصريحا لقراءة شعرك ...فأنت بالتأكيد لا تحمل قضية وطنك ، ولا همَّ شعبك ...
ولا يشفع لك إن بكيتَ طفلا يُدعى محمد الدرّة ، أو طفلة تُدعى إيمان حجو ...مزقَ أجسادهم الرصاص الغادر ...فهذه الأرض ليست مكانا للحياة ...هي كما شاء العدو الغاصب ...مقبرة لأحلامنا ولشبابنا ...على هذه الأرض ما يستحق الموت والنفي والإعتقال ...
إن كنتَ شاعرا فلسطينيا ...
أرجو أن لا تعكر صفوي وأنا أتناول وجبة الهامبورغر مع علبة كوكاكولا ...حتى أقيّمَ تجربتك الشعرية
وأصنّف نضالك وأهوى حروفك ...
أستاذ وليد
كنت قد هيأت موضوعا تناولت به مفردة " البريد " في قصائد الرّاحل محمود درويش التي يدق لفظها كألف جرس حزن في قلبي
ولاني ألمس هنا غصة عميقة فاسمح لي بإدراجه كرد لمقالك :
في " بريد " محمود درويش
كنت فيمن يظنُّ ؛ أن جراحنا وحدها تحترف البكاء ،وأن البريد ليس إلا جواز سفر إلى عالمٍ جديد ، عالم ٌ بلا نصر ولا هزيمة ولا مساحيق نجمل بها ليل الشّتّاء العقيم المطر ..
كنت فيمن يظنّ أن مفردة "ليلة" لا تجمعها مع العبارات رابطة اللهم إلا مع عبارة " سقوط غرناطة " لكن ، في هذه الذّكرى ما يستحق الرّثاء ،وفي هذه الأوراق المخبأة في بريد درويش ما يستحق القلق...
في هذه الأوراق سأمازج مفردة "ليلة "مع عبارة " رحيل درويش، و سأكتب قريبا:
أنّ هناك ليلة مضت ؛ حملت في سلّة ذكرياتها ثلاث سنين من اغتراب سرب الفراشات ، وثلاث سنين من جفاف زهور اللوز ؛ بعد مساء ذبول محمود درويش .
من هذه الأوراق ، فرّ ذلك السّرب . حطَّ على عيون النّهار، ولملم لون الذّبول عن جبين القمر حين تشّظى حالما ببريد ذاك الذي رحل وماترك عناوينَ له ، وإن كانت عناوينه قابلة للضّياع :
لقد كان يعلمُ أنّه سيذهب :
" أذهبُ .. أترك خلفي عناوين قابلة للضّياع " .
ويعلم أنّ الرّسائل قد لا تعرب بعيدا عن حرائق المهجر والمنافي ، فكان وجهه يطلُّ ؛ يصبغُ الغيومَ بوابل الأسئلة :
" أمّاه .ياأمّاه
لمن كتبتُ هذه الأوراق ؟
أيّ بريد ذاهب يحملها
سدّت طريق البر والبحار والآفاق "
نعم سدّت كل الطّرق بوجه عودة الرّبيع ؛ فوراء مساء رحيله خريف
ووراء هذا الشعر؛ حريق الغياب في محطات الرّاحلين ،
وله في صورة ريتا مآرب أخرى لحزن ٍ لم يكتمل ، ولم تمتليء بعد سنابله بدمع البلاد ؛ لكنه ملأ قصائده برسائل تمتد مسافة ثلاثين عاما في البريد :
"وراء الخريف البعيد
ثلاثون عاما
وصورة ريتا
وسنبلة أكملت عمرها في البريد "
فأي تاريخٍ هذا الذي أكمل أوراقه في البريد ، وأي حبّ هذا الذي عاش بين زوايا صناديق البريد وأي بلاد تلك التي عجزت أن تمنحه وردة يلتقي تحت ظلّها بمن يحب :
"يا أيها البلد البعيد
هل ضاع حبي في البريد
لاقبلة المطاط تأتينا
ولا صدأ الحديد
كلّ البلاد بلادنا ونصيبنا منها بريد "
إنّه الكنعاني الموزع بين هجرتين ، هجرة له وهجرة عليه ، هجرة صار بها رسولا ، وأخرى ماعاد له فيها غير منابر الشّهداء ومفاتيح ضاعت منها دروب السّماء وما يعرج فيها من رسائل وأناشيد وأغانٍ للبحر والرّمل ..:
"يا أيّها الولد الموزع بين نافذتين
لا تتبادلان رسائلي
قاوم ..
أنت التّشابه للرّمال .. وأنت للأزرق "
إنّه العاشق الموزع بين نجمتين ، الرّاقد في دمعة ريتا ، وفي حلم البنفسج الحزين ، إنّه المسافر منذ ستين عاصفة بلا سبب بين الرّياح وبين أكوام التّذاكر وبين أمنيات الشّمس لو تغفو لحظة عند التقاء فجرين :
"وريتا تنام وتوقظ أحلامها
- نتزوج؟
نعم
- متى
حين ينمو البنفسج
على قبعات الجنود
طويتُ الأزقة ، مبنى البريد ، مقاهي الرّصيف ، نوادي الغناء ، وأكشاك بيع التّذاكر
أحبك ريتا ، أحبك ، نامي وأرحل "
ونامت ريتا ، ورحل ، ومازال يطل في المكاتيب المهربة من ثنايا البرتقال إلى مرافئ المطر البعيد في شتاء الأغنية ..الوحيدة
كوكب
التوقيع
ممن اعود ؟ وممن أشتري زمني ؟ = بحفنة من تراب الشعر ياورق؟