مـعاني قـد في العربية :
منقـول للفئدة بتصرف بسـيط :*
الآيات القرآنية التي تدل على أن ( قد ) تفيد التحقيق مع الفعل المضارع؛ لا تمانع من أن ابن مالك عنى بها التحقيق لا التقليل.
قوله تعالى " قد نرى تقلب وجهك في السماء " . وقوله تعالى :" قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون " . وقوله تعالى :" قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا ". وأرجو مـراجعة هذا الـرابط هنا :
وقال الزبيدي في تاج العروس ( قدد ) 9/19 :" وأما قَدْ الحَرْفِيَّةُ فإِنها مُخْتَصَّة بالفِعْل أَعمّ من أَن يكون ماضياً أَوْ مضارعاً المُتَصَرِّفِ فلا تَدخل على فِعْلٍ جامدٍ وأَما قولُ الشاعر لَوْلاَ الحَيَاءُ وأَنَّ رَأْسِيَ قَدْ عَسَى فِيهِ المَشِيبُ لَزُرْتُ أُمَّ القَاسِمِ .
فعَسَى فيه ليست الجامِدَة بل هي فِعْلٌ متصرِّفٌ معناه اشتَدَّ وظهرَ وانتَشَر كما سيأْتي الخَبَرِيِّ خرجَ بذالك لأَمْرُ فإِنه إِنشاءٌ فلا تَدخل عليه المُثْبَتِ اشترطه الجماهيرُ المُجَرَّدِ مِن جَازِمٍ وناصِبٍ وحَرْفِ تَنْفِيسٍ قال شيخُنا هذه كلُّها شُرُوطٌ في دُخولها على المضارِع لأَن غالِبَ النواصبِ والجوازم تَقتضي الاستقبالَ المَحْضَ وكذالك حَرْفَا التنفيسِ و( قد ) موضوعة للحال كما بُيّن في المُطَوَّلات .
ولها سِتَّةُ مَعَانٍ
الأَوّل التَّوَقُّعُ أَي كون الفِعْل مُنْتَظَراً مُتَوَقَّعاً فتَدخل على الماضي والمضارع نحو قد يَقْدَمُ الغائبُ فتدُلّ على أَن قدوم الغائب منتظَرٌ وقد أَجْحَف المُصنِّف فلم يأْتِ بمثالِ الماضي بناءً على زَعْمِه أَنَّهَا لا تكون للتوقُّعِ مع الماضي لأَن التوقُّعَ هو انتظارُ الوُقُوعه والماضي قد وَقَعَ وقد ذَهَبَ إِلى هذا القولِ جماعَةٌ من النُّحاةِ وقال الذين أَثبتوه معنَى التوقّعِ مع الماضي أَنها تَدُلُّ على أَنه كان مُنْتَظَراً تقول قد رَكِبَ الأَميرُ لِقومٍ كانوا يَنتظرون هذا الخبر ويَتوقَّعُون ثُبوتَ الفِعْل كما قاله ابنُ هِشام .
والثاني تَقْرِيبُ الماضِي مِن الحَال وهو مُقْتَضَى كلامِ الشيخِ ابنِ مالك أَنها مع الماضي تُفِيد التقريبَ كما جزمَ به ابنُ عُصفورٍ وأَن من شَرْطِ دُخولِها كَوْنَ الفِعْل مُتَوقَّعاً نحو قد قام زَيْدٌ
الثالث التَّحْقِيقُ وذالك إِذا دخلَتْ على الماضي كما ذُكر قريباً نحو قوله تعالى قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وزاد ابنُ هشَام في المغني وعلى المضارع كقوله تعالى قَدْ يَعْلَمُ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ .
والرابع النَّفْيُ فِي اللسان نقلاً عن ابنِ سيدَه وتكون قَدْ بمنزلةِ ما فيُنْفَى بها سُمِعَ بعض الفصحاءِ يقول قد كُنْتَ فِي خَيْرٍ فَتَعْرِفَه بنصب تَعْرِف قال في المغنى وهاذا غرِيبٌ وإِليه أَشار في التسهيل بقوله ورُبَّمَا نُفِيَ بقد فنُصِب الجوابُ بعدها
والخامس التَّقْلِيل ذكره الجماهيرُ وأَنكره جماعةٌ قال في المغنى هو ضَرْبَانِ تَقلِيلُ وُقُوعِ الفعلِ نحو قَدْ يَصْدُق الكَذُوبُ وقد يَجُودُ البَخِيلُ .
والسادس التَّكْثِيرُ في اللسان وتكون قَدْ مع الأَفعال الآتِيَةِ بمنْزِلَة رُبَّما قال الهذليُّ : قَدْ أَتْرُكُ القِرْنَ مُصْفَرًّا أَنامِلُه كَأَنَّ أَثْوَابَهُ مُجَّتْ بِفِرْصَادِ .
وقاله الزَّمخشريُّ في قوله تعالى قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء قال أَي رُبَّمَا نَرى ومعناه تَكثيرُ الرُّؤْية ثم استشهد ببيت الهُذليّ قال شيخنا واستشهد جَمَاعَةٌ من النَّحويين على ذالك ببيت العَروضِ : قَدْ أَشْهَدُ الغَارَةَ الشَّعْوَاءَ تَحْمِلُني جَرْدَاءُ مَعْرُوقَةُ اللَّحْيَيْنه سُرْحُوبُ
وفي تهذيب اللغة للأزهري 8/218:" قال النابغة إلى حمامَتِنا ونصفهُ فَقَدِ قال وقد حَرْفٌ يوجَبُ به الشيءُ كَقولكَ قَدْ كان كذا أو كذا والخيرُ أن تَقُولَ كان كذا وكذا فأُدخل قَدْ توكيداً لتصديقِ ذلكَ .
قال وتكون قَدْ في موضعٍ تشبهُ ربما وعندها تميلُ قَدْ إلى الشكِّ وذلكَ إنْ كانت مع الياءِ والتَّاءِ والنون والألف في الفعل كَقوْلكَ قَدْ يكونُ الذي تقول .
وقال النحويون الفعلُ الماضي لا يكون حالاً إلاَّ بقدْ مُظْهراً أو مُضْمراً وذلك مثلُ قول الله جلَّ وعزَّ " أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ " ولا تكونُ حصرتْ حالاً إلاَّ بإضمار قَدْ وقال الفرَّاء في قول الله جلَّ وعزَّ " كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا " المعنى وقَدْ كنتم أمواتاً ولَوْلاَ إضمارُ قَدْ لم يجزْ مِثلُهُ في الكلامِ ألا ترى أنَّ قوله في سورة يوسفَ " وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ " أنَّ المعنَى فَقَدْ كذَبَتْ ".