1- استقبال الوفود:
عين رسول الله ﷺ بعض أصحابه لاستقبال الوفود حين وصولهم إلى المدينة، وتيسير معاشهم مدة إقامتهم في مدينة رسول الله ﷺ.
2- تهيئة مكان نزول الوفود:
أعد رسول الله ﷺ عددًا من دور المدينة لإنزال الوفود بها، ومنها دار رملة بنت الحارث النجارية، وهي دار واسعة، وفيها نخيل وزروع، وقد نزل بها وفد سلامان، ووفد تميم بن عيينة بن حصن، ووفد بني كلاب، ومنها دار المغيرة بن شعبة، ونزل بها الأخلاف من ثقيف، ومنها دار أبي أيوب الأنصاري ونزل بها وفد نجران, ومنها دار يزيد بن أبي سفيان، ونزل بها وفد همدان, ومنها دار بلال، وقد نزل بها ملك أيلة حين قدم مع أهل الشام واليمن.
3- إكرام الوفد:
أمر النبي ﷺ أصحابه بأن يحسنوا استقبال الوفود، ويكرموا وفادتهم فقاموا بذلك خير قيام، ففي طبقات ابن سعد أن وفد بني حنيفة نزلوا دار رملة فأكلوا مرة خبزًا ولحمًا، ومرة خبزًا ولبنًا، ومرة خبزًا وسمنًا. وفيه أن النبي ﷺ رحب بوفد تجيب، وأكرمهم، وحباهم، وأمر بلالا أن يحسن ضيافتهم، ووفادتهم.
4- الاستعداد للقاء الوفد:
اتخذ النبي ﷺ قبة في المسجد النبوي يستقبل فيها الوفود، وجعل خالد بن سعيد بن العاص لاستقبالهم، وتهيئة لقائهم برسول الله ﷺ ويستأذن لهم عند رسول الله ﷺ.
وكان الرسول ﷺ حين يلتقي بالوفد يلبس أحسن ثيابه، ويأمر أصحابه بذلك، فقد لبس ﷺ وأبو بكر وعمر يوم استقبال وفد كندة حللا يمانية وقد بنى الصحابة لرسول الله ﷺ دكة من طين يجلس عليها حين يستقبل الوفود.
5- الإستماع للوفد أولا:
كان الرسول ﷺ يستقبل الوفد، ويستمع منه أولا، ليعرف موضوعه، ومذهبه وبعد ذلك يرد عليه، أو يكلف أحدًا من أصحابه بالرد.
وكان يجيب على أسئلة الوفد ويعرض عليهم الإسلام، ويقبل منهم الجزية، وكان يسمع للوفد أولا، ثم يرد عليهم.
وأكتفي هنا بإيراد نموذجين:
النموذج الأول:
لما وفد بنو تميم على رسول الله ﷺ في أشرافهم وسادتهم نادوا من وراء حجراته «أن اخرج إلينا يا محمد نفاخرك فإن مدحنا زين وإن ذمنا شين فأذن لشاعرنا وخطيبنا» فقال النبي ﷺ: «قد أذنت لخطيبكم فليقم فقام عطارد بن حاجب فقال:
"الحمد لله الذي له علينا الفضل والمنُّ، وهو أهله، الذي جعلنا ملوكًا، ووهب لنا أموالا وعظامًا، نفعل فيها المعروف، وجعلنا أعز أهل المشرق، وأكثره عددًا، وأيسره عدة.
فمن مثلنا في الناس؟ ألسنا برءوس الناس وأولي فضلهم؟
فمن فاخرنا فليعدد مثل ما عددنا، وإنا لو نشاء لأكثرنا الكلام، ولكنا نحيا من الإكثار فيما أعطانا، وإنا نعرف بذلك، أقول هذا لأن تأتوا بمثل قولنا، وأمر أفضل من أمرنا، ثم جلس. فقال رسول الله ﷺ لثابت بن الشماس،أخي بني الحارث بن الخزرج: ((قم فأجب الرجل في خطبته)).فقام ثابت فقال: الحمد لله الذي السماوات والأرض خلقه، قضى فيهن أمره، ووسع كرسيه علمه، ولم يك شيء قط إلا من فضله. ثم كان من قدرته أن جعلنا ملوكًا، واصطفى من خير خلقه رسولا، أكرمه نسبًا وأصدقه حديثًا، وأفضله حسبًا، فأنزل عليه كتابًا وائتمنه على خلقه فكان خيرة الله من العالمين.ثم دعا الناس إلى الإيمان به، فآمن برسول الله المهاجرون من قومه وذوو رحمه أكرم الناس حسبًا، وأحسن الناس وجوهًا، وخير الناس فعالا.
ثم كان أول الخلق إجابة، واستجاب لله حين دعا رسول الله ﷺ نحن، فنحن أنصار الله ووزراء رسوله، نقاتل الناس حتى يؤمنوا بالله، فمن آمن بالله ورسوله منع منا ماله ودمه، ومن كفر جاهدناه في الله أبدًا وكان قتله علينا يسيرًا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي وللمؤمنين والمؤمنات، والسلام عليكم. قال ابن إسحاق: فلما فرغ ثابت بن الشماس من قوله،قال الأقرع بن حابس وأبي: إن هذا الرجل لمؤتى له لخطيبه أخطب من خطيبنا ولشاعره أشعر من شاعرنا، ولأصواتهم أعلى من أصواتنا.فلما فرغ القوم أسلموا، وجوزهم رسول الله ﷺ فأحسن جوائزهم.
النموذج الثاني:
قدم ضمام بن ثعلبة وافدًا عن بني سعد بن بكر،فأقبل حتى وقف على رسول الله ﷺ في أصحابه فقال: أيكم ابن عبد المطلب.
فقال رسول الله ﷺ: "أنا ابن عبد المطلب".
قال: أمحمد؟
قال: "نعم".
قال: يابن عبد المطلب، إني سائلك ومغلظ عليك في المسألة، فلا تجدن بها عليّ في نفسك.
قال: "لا أجد في نفسي، فسل عما بدا لك".
قال: أنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك، وإله من هو كائن بعدك، آلله بعثك لنا رسولا؟ قال: "اللهم نعم".
قال: فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك، وإله من هو كائن بعدك، آلله أمرك أن تأمرنا أن نعبده وحده لا نشرك به شيئًا، وأن نخلع هذه الأنداد التي كان آباؤنا يعبدون معه؟ قال: "اللهم نعم".
قال: فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك، وإله من هو كائن بعدك، آلله أمرك أن نصلي هذه الصلوات الخمس؟ قال: "اللهم نعم". قال: ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضة فريضة، الزكاة، والصيام، والحج، وشرائع الإسلام كلها،ينشده عند كل فريضة منهما كما ينشده في التي قبلها حتى إذا فرغ قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله وسأؤدي هذه الفرائض، وأجتنب ما نهيتني عنه، ثم لا أزيد ولا أنقص، ثم انصرف إلى بعيره، راجعًا، فقال رسول الله ﷺ: "إن صدق ذو العقيصتين دخل الجنة".
إن المواجهة الصادقة بين الوفود ورسول الله ﷺ كثيرًا ما كانت تحقق الثمار المطلوبة، وبها انتشر الإسلام في كل الجزيرة العربية.