نشأتي
أنا كاتب قصصي، ولدت في القاهرة في أسرة اشتهرت بالأدب؛ فوالدي أحمد تيمور
باشا (1871-1930م) الأديب المعروف، الذي عرف باهتماماته الواسعة بالتراث العربي، وكان بحاثة في فنون اللغة العربية، والأدب والتاريخ، وخلّف مكتبة عظيمة هي ( المكتبة التيمورية) ، حيث تعد ذخيرة للباحثين إلى الآن بدار الكتب المصرية، بما تحوي من نوادر الكتب والمخطوطات.
وعمتي هي الشاعرة الرائدة عائشة التيمورية (1840-1903) صاحبة ديوان (حلية الطراز).وشقيقي هو محمد تيمور(1892-1921) صاحب أول قصة قصيرة في الأدب العربي.
ولدتُ في حي درب سعادة وهو أحد أحياء مصر القديمة في (12 من المحرم 1312هـ = 4 من يونيو 1894م)، ونشأت في أسرة عريقة على قدر كبير من الجاه والعلم والثراء؛ فقد كان أبي أحمد تيمور باشا واحدًا من أبرز أعلام عصره ومن أقطاب الفكر والأدب المعدودين، وله العديد من المؤلفات النفيسة والمصنفات الفريدة التي تكشف عن موسوعية نادرة وعبقرية فريدة.
وكان درب سعادة ، وهو الحي الذي وُلدت فيه يتميز بأصالته الشعبية؛ فهو يجمع أشتاتًا من الطوائف والفئات التي تشمل الصناع والتجار وأرباب الحرف من كل فن ولون
وقد تَشربَّت نفسي وروحي بتلك الأجواء الشعبية منذ نعومة أظفاري، واختزنت ذاكرتي العديدَ من صور الحياة الشعبية والشخصيات الحية التي وقعت عيناي عليها، وأعدت رسمها وعبرت عنها -بعد ذلك- في الكثير من أعمالي القصصية.
وما لبثت أسرتي أن انتقلت إلى ضاحية عين شمس؛ فعشت في ريفها الساحر الجميل الذي كان ينبوعًا لوجداني، يغذيه بالجمال والشاعرية، ويفجر فيه ملكات الإبداع بما فيه من مناظر جميلة وطبيعة خلابة ساحرة.
وقد تعلمت في المدارس المصرية الابتدائية والثانوية الملكية ، والتحقت بمدرسة الزراعة العليا، ولكن حدثت نقطة تحول خطيرة في حياتي وأنا لم أتجاوز العشرين من عمري بعد، فقد أصبت بمرض التيفود، واشتدت وطأة المرض علي؛ فانقطعت عن دراستي الزراعية، ولزمت الفراش ثلاثة أشهر، قضيتها في القراءة والتأمل والتفكير، وسافرت إلى سويسرا للاستشفاء ، ووجدت في نفسي ميلاً شديداً إلى الأدب؛ فألزمت نفسي بالقراءة والاطلاع، وهناك أتيحت لي دراسة عالية في الآداب الأوروبية؛ فدرست الأدب الفرنسي والأدب الروسي، بالإضافة إلى سعة اطلاعي في الأدب العربي
واتسعت قراءاتي لتشمل روائع الأدب العالمي لعدد من مشاهير الكتاب العالميين، مثل: "أنطون تشيكوف، وإيفان تورجنيف، وجي دي موباسان.
خطواتي الأدبية الأولى
كان شقيقي محمد خير مرشد لي بما يسديه ، وبما لديه من ثقافة واسعة، وموهبة أدبية رفيعة
وقد تأثرت بأخي في اتجاهه نحو المذهب الواقعي في الكتابة القصصية، والذي ظهر واضحاً في مجموعته القصصية الأولى (ما تراه العيون)، فأعجبت بها إعجابًا دعاني إلى أن أؤلف على غرارها؛ فكتبت باكورتي القصصية خرشو عام 1915.
وفجأة تُوفِّي أخي محمد وهو في ريعان الصبا وشرخ الشباب؛ فشعرت بانهيار آمالي، وفقدت حماسي، وأصابني اليأس، وانزويت حزينًا مستسلماً للأسى والإحباط.
ولكن بمرور الأيام بدأ الجرح يندمل في قلبي، وأقبلت من جديد على الحياة، ورحت أنفض عن نفسي الفشل والإحباط، واعتمدت على نفسي مهتدياً بهُدى شقيقي الراحل، ومترسماً خطاه في عالم الأدب والإبداع، وأقبلت على الكتابة بنشاط.
رومانسيتي
مما لا شك فيه أنني ورثت عن أبي العديد من الملكات والصفات؛ فقد كان مغرما بالأدب واللغة، شغوفًا بالقراءة والبحث والاطلاع، محبًا للكتابة والتأليف..
وقد عُني أبي منذ سن مبكرة بتوجيهي إلى القراءة والاطلاع، وتنشئتي على حب فنون الأدب واللغة؛ فأقبلت على مكتبة أبي العامرة بنَهَمٍ شديد، أنهل منها، وأعُبّ من ذخائرها، وأجني من مجانيها
وكان لي شغف خاص بالمنفلوطي الذي غرس فيَّ نزعته الرومانسية، كما تأثرت بعدد من الشعراء، خاصة شعراء المهجر، وعلى رأسهم جبران خليل جبران، الذي كان لكتابه (الأجنحة المتكسرة) بنزعته الرومانسية الرمزية تأثير خاص في وجداني.
بين المحن والمنح
لم يكن المرض هو مأساتي الوحيدة؛ فقد كان فقدي لأخي محمد مأساةً أخرى، صبغت حياتي بحالة من الحزن والتشاؤم والإحباط، لم أستطع الخروج منها إلا بصعوبة بالغة.
وكنت على موعد مع مأساة ثالثة أشد وطأة على نفسي ووجداني، زلزلت حياتي، وفجعتني في ولدي الذي اختطفه الموت وهو ما زال في العشرين من عمره؛ وقد تركت تلك المأساة في نفسي مرارة لا تنتهي، وحزنًا لا ينقضي.
وكان ملاذي الوحيد وسلواي في كل تلك المحن والأحداث هو الكتابة، أهرع إليها لأخفف أحزاني، وأضمد جراحي، وأتناسى آلامي. وقد انعكس ذلك في غزارة إنتاجي وكثرة مؤلفاتي.
مكانتي الأدبية
لقد حظيت بحفاوة وتقدير الأدباء والنقاد، ونلت اهتمام وتقدير المحافل الأدبية ونوادي الأدب والجامعات المختلفة في مصر والوطن العربي، كما اهتمت بي جامعات أوروبا وأمريكا، وأقبل على أدبي الأدباء والدارسون في مصر والعالم.
وقد مثلت مصر في العديد من المؤتمرات الأدبية، مثل: مؤتمر الأدباء في بيروت سنة (1373هـ = 1954م)، ومؤتمر القلم ببيروت سنة (1373هـ = 1954م) أيضًا، ومؤتمر الدراسات الإسلامية بباكستان، ومؤتمر الأدباء في دمشق.
كما نال إنتاجي القصصي جائزة مجمع اللغة العربية بمصر سنة (1366هـ = 1947م)، وما لبثت أن عُيِّنت عضواً فيه عام 1949 م .
وحصلت على جائزة الدولة للآداب سنة (1369هـ = 1950م)، وجائزة "واصف غالي" بباريس سنة (1370هـ = 1951م)، ومُنِحت جائزة الدولة التقديرية في الأدب سنة (1382هـ = 1963م) من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب. واحتفلت بي جامعات روسيا والمجر وأمريكا، وكرمتني في أكثر من مناسبة.
وقد كتب محمود بن الشريف كتاباً عنوانه "أدب محمود تيمور للحقيقة والتاريخ"، توجد منه نسخة في مكتبة الدكتور أكرم علي حمدان الخاصة، في منزله بلندن، وكانت من مقتنياتي ، وقد أهديتها لبعض أصدقائي، مع بطاقتي الشخصية التي تحمل اسمي وعنواني، وقد كتبت عليها بخط يدي: (مع تحيات محمود تيمور).
أعمالي الأدبية
1. في القصة القصيرة:
أبو علي الفنان (1934م)، وزامر الحي (1936م)، وقلب غانية (1937م)، وفرعون الصغير (1939م)، ومكتوب على الجبين (1941م)، وشفاه غليظة (1946م)، وإحسان لله (1949م)، وكل عام وأنتم بخير (1950م) … وغيرها.
2. في الرواية:
نداء المجهول (1939م)، وسلوى في مهب الريح، والمصابيح الزرق (1959م) … وغيرها.
3. في المسرحية:
عوالي (1943م)، وسهاد أو اللحن التائه (1943م)، واليوم خمر (1945م)، وحواء الخالدة (1945م)، وصقر قريش (1963م) … وغيرها.
"انصرف محمود تيمور وشقيقه محمد تيمور إلى الفن القصصي بجميع فروعه، ممّا كان من العسير على شيوخ الأسر تقبله منهما، ولا سيما لأن هذا الفن يُعالج العواطف المشبوبة والمشاعر الوجدانية، وهي موضوعات كانت تُعتبر وقتها موضوعات شائكة، لا يصح لمن ينتسب إلى هذه الأسرة أن يضيع وقته فيها".
بين الرومانسية والواقعية:
كان في بداية حياته يميل إلى الرومانسية، ولميله إلى الرومانسية أقبل بشغف على قراءة مصطفى لطفي المنفلوطي، يقول: "كانت نزعته الرومانسية الحلوة تملك عليَّ مشاعري، وأسلوبه السلس يسحرني. وكل إنسان في أوج شبابه تُغطِّي عليه نزعة الرومانسية والموسيقا، فيُصبح شاعراً ولو بغير قافية، وقد يكون أيضاً شاعراً بلا لسان!
كما استهوته في فترة البدايات مدرسة المهجر ـ وعلى رأسها جبران ـ "وقد أعجب محمود تيمور بكتابه "الأجنحة المتكسرة"، وتأثرت به كتاباته الأولى".
استغلّ فراغه في الاطلاع والدراسة الأدبية، واهتم بقراءات جديدة تجنح إلى الواقعية، مثل "حديث عيسى بن هشام" لمحمد المويلحي، ورواية "زينب" للدكتور محمد حسين هيكل، وكان هذا من توجيه أخيه محمد، الذي قضى بضع سنين في أوربا، اطلع في خلالها على ما جدَّ هناك من ألوان الأدب واتجاهاته، وعاد إلى مصر محملاً بشتى الآراء الجديدة التي يقول عنها محمود تيمور في كتاب "شفاء الروح":
"كان يتحدّث بها ـ أي الآراء الجديدة ـ إليَّ، فأستقبلها بعاطفتين لا تخلوان من تفاوت: عاطفة الحذر، وعاطفة الإعجاب. هذه الآراء كانت وليدة نزعة قوامها جحود القديم … ولكن جدتها أخذت تهدأ على توالي الأيام، ومن ثم اتخذت طريقها الطبيعي في التطور. والأمر الذي كان يشغل فكر أخي، ويرغب في تحقيقه هو إنشاء أدب مصري مبتكر، يستملي من وحيه دخيلة نفوسنا، وصميم بيئتنا".
وانتهى الصراع بين الرومانسية والواقعية في نفس محمود تيمور إلى تغليب الواقعية، فكانت مجموعاته الأولى على غرارها.
على أن الرومانسية لم تذهب تماماً من نفس محمود تيمور، بل نامت في فترة الحماسة للواقعية وأهدافها القومية المصرية، ثم ظهرت بعد ذلك في عدة قصص طويلة وقصيرة، منها قصته الطويلة "نداء المجهول".
توجّه محمود تيمور ـ بفضل توجيهات أخيه إلى قراءة إبداعات الكاتب القصصي الفرنسي جي دي موباسان، فقرأ له وفُتِن به، واحتذاه في كتابته
وأول قصة قصيرة كتبها، كانت في عام 1919م بالعامية، ثم أخلص للفصحى، فأعاد بالفصحى كتابة القصص التي كتبها بالعامية، وأصبح من أعضاء مجمع اللغة العربية عام 1949م
ومن أقوالك المشهورة
*المرأه تستطيع غزو قلب الرجل بشىء واحد هو الابتسامه
*بالصلاة تتخلص النفس البشريه من شوائبها ..فتتسامى إلى آفاق علوية صافية..وبالعمل الجاد تتجرد النفس للأهداف المرسومة وتتحرر من تلك النوازع والنزوات التي تجر الى الشرور..
*عن الفن: لقد كشف لنا الشاعر الفنان عن الجمال في ناحية من نواحي هذا الوجود و جعلنا نتذوق هذا الجمال في سرور و ايقظ في قلوبنا عاطفة الحب السامية نحو مظهر من مظاهر الطبيعة