من محو الأمية للطب
مبروكة وسعيدة "بنتين من مصر" بمائة رجل
لهنّ خاص : الإصرار على النجاح والوصول إلى الهدف أمر يحتاج إلى عزيمة فولاذية بدون استسلام أو تراجع ، قد يبدو الأمر صعباً ولكن هذا ما حققته بنتين من مصر من قنا على وجه التحديد ، لم يستسلما لليأس ولم ينظرا إلا للهدف وهو التعليم والحصول على شهادة عليا وكان أول الطريق "فصل محو الأمية".
وجسدت كلاً من الدكتورة مبروكة مرسي عبد الرحيم "طبيبة بيطرية"، وسعيدة شحات جبريل "مدرسة" وحاصلة على بكالوريوس التربية بجامعة سوهاج نموذجاً رائعاً لشجاعة وعزيمة المرأة الصعيدية ليثبتا أن كل منهما "بنت بمائة رجل" بعد حصولهما على مؤهلات عليا بعد شهادة محو الأمية .
ومثلت كلاً من مبروكة وسعيدة نموذجاً للأمل والعزيمة بتحدي كل الظروف ، وتحدثت كلاً منهما عن مشوارها وأحلامها خلال برنامج "90 دقيقة" على قناة "المحور".
الدكتورة مبروكة حرمت من التعليم بسبب ظروف أسرتها الصعبة ، بالإضافة إلى أن هذه الفترة كان تعليم البنات ليس من أولويات الأسر في صعيد مصر ، وعن تجربتها قالت : "دخلت فصول محو الأمية بسبب رؤيتي لبنات القرية صباحاً وهن ذاهبات إلى المدرسة ، هذا المشهد اليومي كان حافزاً قوياً لي لكي اقرأ وأكتب ، لذا التحقت بفصل محو الأمية وعمري 10 سنوات مع أختي وأحد قريباتي ، لنحسن من وضعنا ونصبح ككل البنات، وبالفعل استمر فصل محو الأمية لمدة عامان ، بعدها تسلمت شهادة محو الأمية وقدمت على المرحلة الإعدادية "
الدكتورة مبروكة مرسيلم تنته مشاكل مبروكة بعد حصولها على شهادة محو الأمية ، ولكنها فوجئت أن المرحلة الإعدادية لابد أن تكون نظام "منازل" بدون الانتظام بأي مدرسة الأمر الذي ازداد من الأمر سوءاً أمام مواد صعبة وبعد الانتقال من مرحلة إلى مرحلة أصعب بمراحل ، فهي الآن لا تستطيع سوي أن تقرأ وتكتب وتقوم ببعض العمليات الحسابية البسيطة ، ماذا تفعل أمام اللغة الانجليزية والهندسة والجبر .. إلخ
وجدت مبروكة وصديقاتها صعوبة بالغة فى الصف الأول الإعدادي، والظروف المادية لا تسمح بأخد دروس خصوصية ، وفى العام الأول حصلت مبروكة وزميلاتها على ملاحق وصلت إلى 7 مواد ، ولكن تم اجتيازها بصعوبة في "الملحق" ونجحت بها ، أما في الصف الثاني كان لابد من وجود طريقة ما لتكملة المشوار مع هذه النقلة الكبيرة ، وسرعان ما ذهب مرسي عبد الرحيم "والد مبروكة" إلى مدير أحد المدارس ليتفق معه بصورة ودية على أن تجلس مبروكة فى أحد الفصول لتستمع فقط إلى الحصص الدراسية ومعها الكرسي الخاص بها ، ولكن محاولاته باءت بالفشل ، حاول مرة أخري مؤكداً له أنها ستقف وستستمع بهدوء ولكن دون جدوى ، ولكن عندما علم مدرسين البلد بالأمر رحبوا بمبروكة فى فصولهم دون علم المدير ، وعن هذا الأمر قالت مبروكة : " كنت أحضر الحصص بدون أن يعلم مدير المدرسة ، وأثناء مروره على الفصول أو رؤيتنا له نختبئ بسرعة أو ننتقل من فصل لآخر ، وذلك خلال مرحلة الدراسة في الصف الثاني والثالث الإعدادي ، وبذلك يرجع الفضل إلى المدرسيين الذين كانوا يشجعوني لتميزي وتفوقي في الدراسة .. لا أنكر فضل المدرسين الذين ساندونا وفضل أبي وأمي"
وبعد مرور الصف الأول الإعدادي بسلام ، لم تواجه مبروكة أي صعوبات في التعليم ، وحصولها على مجموع كبير في الإعدادية وتغلبها على معاناتها مع اللغة الإنجليزية ،بفضل العزيمة التي لا تنتهي ، ولم تستسلم إلى من قال يقول "بعد ما شاب ودوه الكتاب" بفصول محو الأمية.
بعد المرحلة الثانوية معلمين المدرسة أقنعوا والد مبروكة بأن يدخلها مدرسة ثانوية لتفوقها الملحوظ في المدرسة ، وبالفعل انتظمت في المدرسة وحصلت على مجموع كبير أهلها لدخول كلية الطب البيطري، وحصولها على تقديرات عالية بتقدير عام خلال الخمس سنوات جيد جداً مع مرتبة الشرف ، وبعد التخرج أرسل اللواء مجدي أيوب محافظ قنا للدكتورة مبروكة لتتسلم عملها في مديرية الطب البيطري.
سعيدة والمؤهل العالي
سعيدة شحات جبريلأما سعيدة شحات جبريل الحاصلة على بكالوريوس التربية من جامعة سوهاج فمشوارها لا يختلف كثيراً عن الدكتورة مبروكة ، بعد أن قررت تحقيق هدفها صوب الحصول على التعليم بمؤهل عالي .
وعن ظروفها قالت : "لم أتمكن في البداية من دخول المدرسة بسبب شقيقتي الأكبر التي ذهبت إلى المدرسة ورفضت التعليم ، وعندما وصلت إلى سن المدرسة أدعي أهلي أمام مسئولين المدرسة أني خرساء كي لا أذهب للتعليم وتوقع أبي أن مصيري سيكون مثل أختي ، فأراد أن يوفر عبء المصاريف لأن النتيجة تكون واحدة دون جدوي .. في لم أكن أشعر بأني مختلفة عن البنات صديقاتي أو أي شئ ينقصني ، ولكن مع الوقت أدركت أنني فى حاجة إلى أهم شئ وهو التعليم ، عندما لم أجد لنفسي مكان أثناء أدائهن للواجب أو المذاكرة وأنا لا أفهم أي شئ ، وبسرعة قررت فى عمر 13 عاما أن أتعلم القراءة والكتابة ، التحقت بفصل محو الأمية لأكثر من سنة ثم انقطعت بسبب طول المسافة ، ثم بدأت من جديد بفصل قريب لمدة عامان وحصلت على شهادة محو الأمية عام 99 ، والتحقت بالمرحلة الإعدادية ، ولم أوفق فى السنة الأولي ، نجحت ولكن بملاحق بسبب صعوبة الانتقال بين مواد هذه المرحلة ، شعرت باليأس فى البداية ولكني لم استسلم له بفضل تشجيع من حولي ، وخاصة أني وجدت صعوبة شديدة مع بعض المواد كالإنجليزي وكنت أرفع شعار لا للدروس الخصوصية ، وفى الإعدادية حصلت على مجموع 90 % ".
ولكن فرحة سعيدة لم تكتمل بسبب صدمتها برفض المدرسة قبولها لأنها أكبر من السن القانوني للمدرسة الثانوية "ثانوي عام" ، و"المنازل" يعني مصاريف ودروس خصوصية لا توضع فى لائحة أسرتها ، ثم وجدت حلاً مؤقت وقدمت على الدبلوم التجاري لمدة 3 سنوات لتلتحق بعده بمعهد ثم الجامعة إلا أنها تفوقت وحصلت على مجموع 83% ، وتمكنت من الالتحاق بالجامعة مباشرة بعد الدبلوم ، وقبلت بكلية التربية جامعة سوهاج ، وحصلت فى السنة الأولي على تقدير جيد وفى السنة الرابعة تقدير جيد جداً ، وبعد التخرج تولي المحافظ الاهتمام بخريجي محو الأمية الحاصلين على مؤهلات عليا ،وتم تكريمها ، وهي تعمل الآن مدرسة بعقد بأحد المدارس.