نهيتَهُ مراراً أن يستفزني ، أو يكثر من الدعابة لكوني لاأستسيغها بالمرّةِ كما أجد فيها منقصة بحقي . هو لايعرف بأنني تربيتُ على الرشد منذ نعومتي ، فكلّ شيئ غريب يدخل بيتنا أو أنفسنا محرّمٌ ومنهيٌ عنه ومحاسبٌ عليه ، فعاداتنا مبنيةً على (هذا ماوجدنا عليه آباؤنا) وليس آبائهم ونزَقهم وسخافاتهم عذراً . فلكلٍّ فردٍ في عائلتي له دورٌ ومكانةٌ لايعالُ عليها أو يتم تجاوزها. وفي المقابل أيضاً من يخطئ فعليهِ تحمل إزر القطيعة. لاأقصد بالقطيعة هي الطرد بل لاتتعدى كونها عقوبة تأديبية كي لايتم تكرارها مستقبلا . المهم أنني نبزتهُ بكلامٍ لاذعٍ وحذرتهُ أن يتمادى في تجاوز حدود اللياقة في الكلامِ ، وحتى حذرتهُ عندما دعاني إلى مأدبةِ ضيوف العباس في أحدِ شوارع كربلاء فرأيتها معيبةً أن التهم الطعام مجاناً وأمام المارة وكأنني متسولاً متفضلينَ عليّ شيوخ وموظفي الحضرة اللئام . فلو أبتسموا قليلاً أو تركوا النساء بحالهنَ لقبلت طعامهم ، فأنا مازلت محتفظاً بهيبتي رغم ظرفي القاسي الذي رماني إليك لأتعرف بك وقبلت أن اشركَ نفسي معك بنفس المهنة ، ولكنني قبلت أن أتناول الطعام على مضضٍ وأستحياءٍ لكوني كنت خائراً من الجوع أولاً ، فلاضير من تناول صحن (التمن والقيمة وبطل اللبن) والاِفلات بسرعة خوفاً من عيون اللئام ممن يعرفني . ولاانكر بأنني خطفت نفسي إلى هناكَ لمرتين في المساء دون علمك لأتناول (التمن البرياني) وقطعة (لحم الهبر) المرمية فوق الصحن وفي المرة الأخرى كان صحناً فاخراً من (التمن بالدجاج) ومعه صحن سلطة مع (الصمون الكهربائي) . لاأنكر ذلك أيضاً ، ولكن كل هذا له مايبرره لأنني لم أجد طعاماً في ذلك اليوم . لكنني أعترض عليكَ بشدة حين تتملق وتشكو الآخرين من أجلِ الف دينار (أكرامية) رغم انك تستلم أجراً مقابل عملك حتى لو كانت (فلاسين) ، ياأخي اي اقترافٍ نزقٍ ترتكبه بحق نفسكَ دون أن تعبئ لرجولتكَ أو كرامتك ؟ لاانكر أنني فعلتها لمرة واحدة دون أن أشكو لأحد أو أعرض عليه خدماتي مقابل شيئ ، فهل تذكر الزائرة العمانية؟ لقد رأتني جالساً في الزاوية وأعطتني ظرفاً فقبلته وماان فتحته وجدت فيه ورقة واحدة من الريالات ، ثم خطفت قدمي مسرعاً نحو الصيرفة لأستبدلها بخمسة وسبعون الف دينار عراقي. يااااه (٧٥ الف دينار) كم هي غالية تلك الريالات والدراهم الخليجية . فكرت بيني وبين نفسي بأنها اعطتني مجرد أكرامية بسيطة أستطيع أن اقيت بها نفسي لعشرة ايامٍ مقبلة ، فكم ستعطيني لو طلبت منها بلساني جهراً ؟ (آآآخ يالساني) . كانت مجرد فكرة حمقاء لكنني وبخت نفسي وقمعت الفكرة من أساسها كي لاابقى شارد الذهن وتلك ، ولاأنكر بأن أحد الزوار الإماراتيين أعطاني أكرامية (خمسة وعشرين الف دينار) مقابل غسل (الدشداشة والسروال) خاصته في وقتٍ سابق. قبلتها لكونه هو من بادرني ورفضت والحّ عليّ بقبولها مصحوبةً بقوله (كله من بركات ابو الفضل) اذا كان الزائر يعطي كل هذه المبالغ بأريحية فكم سيعطيني (ابا الفضل) لو كان متواجداً في أحد الأماكن وطلبت منه المساعدة ؟ أكيد سيعطيني (سيارة سايبه) إيرانية الصنع ، لأن كل مافي السوق المجاور لأبي الفضل هي بضاعة أيرانية خالصة مكتوب عليها (ساخت أيران) باللون الأسود ، ولكن (الساخت إيران) في داخل إيران مكتوبة باللون الأحمر ، ربما هناك من قصدٍ خلف تلك الألوان؟ لااعرف بالضبط. فكل ماأعرف بأنني على وشك ان أصبح متشرداً مثلكَ. وهذا مالاابغيهِ ان يحدثَ يوماً ، رغم أنني حتى لو أصبحت متشرداً فلا احد سينتبه لي وسط الآلاف من المشردين في كربلاء . ولكن ماذا أفعل ولدي عبئاً من الكرامة تعيق حركتي في كل الأتجاهات، وأريد أيضاً أن أذكركَ بأن تكفّ عن البكاء أمام صاحب العمل كلّما اقترفت مشكلة خوفاً من طردكَ، فالارزاق بيد الله وليست بيد هذا السيد العلوي الصعلوك الذي يملك خمس بنايات سكنية ومعرضين للسيارات الحديثة و(ساحات خماسي) ومدرستين أهليتين ولااعرف كم رصيده في البنوك ، أو أمام أولاده الذين يتباهون بعدد علاقاتهم الغرامية والسلفيات الملتقطة مع اجمل البنات ، وعيب عليك أن تنتظر فظلات طعامهم الفائض عن الغذاء لتلتهمها كوجبة طعام ، حتى لو كان (سمك زبيدي) أو (قطعة بسبوسة بالجبن) و(روبة خاثر مع تمن احمر ) ياأأخي عيب ، أستحي. فعلتها مرة واحدة فقط وندمت ساعتها، لقد كان قدراً من (القوزي على التمن) واستحسفت أن أرميه في مكب النفايات ، لم تعينني نفسي أن اقاوم قطع اللحم الحمراء الناضجة بدبس الرمان ، هي نعمة الله وأعتقد أن كيس البطن أولى بها من كيس النفايات. ياااااه. أين سيأخذني الحديث معك ، أخاف أن يستمع لي أحدهم ويعترض على ماقلته ويشي بي فيقتادني رجال العتبة إلى إحدى الزنازين السرية بتهمة (ازدراء الأديان) أو قذف شخصية دينية أو أي تهمة جاهزة ومطبوعة لمثل تلك المواقف . هل تعرف بأنني قبل أن انتقل الى كربلاء وأشاركك في العمل أين كنت وما هو وضعي ووضع اسرتي؟ آآه. لقد قضيت أربعة أيام بلا اكل ولارغيفٍ واحد ، بعد شهور من الهم والسقم الذي عانيت منه . والحمد لله انا حالياً بوضعٍ جيد برفقتكَ وأستطيع أن اتذوق أجود أنواع الطعام بمضيف أبي الفضل ومضيف السيد العلوي صاحب العمل ولكن!!
ولكنني تمنيت أن أستطع جلب زوجتي وأطفالي ليتذوقوا كل هذه الأطعمة اللذيذة، وبنفس الوقت يتنعمون بنعمة التسكع بين الحضرتين لعل النساء العمانيات والاماراتيبن يحنوا عليهم بريالات ودراهم من بركات (ابو الفضل)
لا لا هناكَ حل آخر ، سأقف أمام قبر الحسين وأعاتبه على مقولته أمام (عمر بن سعد) هيهات منا الذلة