قصة قصيدة (ليت للبراق عينًا)
"ليت للبراق عينا " قصيدة شدت بها عملاقة الطرب الاصيل , كروان الشرق , صاحبة الصوت الرخيم ( اسمهان ) في زمن الفن الجميل , صوت يذهب بالقلب ويبهر العقل ويثر المواجع ويجرح والوجدان , صوت خبا وهجه في خضم الاغاني الصاخبة السائدة في عصرنا هذا , عصر العجائب والغرائب , عصر تبدل الافكار والأذواق .
"ليت للبراق عينا " مطلع أبيات جاهلية استنهضت همم الرجال , في زمن الرجولة الحقة , فتسابقوا للموت دفاعا عن الشرف والكرامة , الكرامة العربية الأصيلة أتعهدونها , غير ابهين بالأتون الذي ينتظرهم . "ليت للبراق عينا " أبيات جعلت ثلة من صناديد العرب تغامر لتدخل على أعتى قوة في ذلك الوقت ( الفرس) , لتدخل عليهم في عقر دارهم وتنقذ شرف الأمة .
"ليت للبراق عينا فترى ": من قائل هذه الأبيات ؟
والأجواء التي قيلت فيها ؟ ومن هو البراق الوارد ذكره في مطلعها ؟ وما فعلته هذه الابيات في نفوس من سمعوها ؟ وماذا كانت النتيجة ؟ تعالوا بنا نجوب الصحراء العربية , ونغوص في اعماق تاريخها المجيد , علنا نجد اليوم من يجيبنا على تلك التساؤلات , ولا بد ان نجد ضالتنا , فالصحراء العربية ام مِنْجاب ومرضعة رؤوم .
"ليت للبراق عينا فتري ما أقاسي من بلاء وعنا " مطلع ابيات تقطر رقة وعذوبة مشوبة بالقهر مع الانفة العربية , من قصيدة لشاعرة جاهلية اسمها ليلى العفيفة , المتوفية عام 483 م / 144 قبل الهجرة النبوية . وهي ليلي بنت لكيز بن مرة بن اسد من ربيعة بن نزار . نشأت تامة الحسن كثيرة الادب شاعرة لبيبة , خطبها كثيرون من سراة العرب منهم عمرو بن ذي صهبان من ملوك اليمن , فوافق ابوها اخذ بتجهيزها ليرسلها اليه . وكانت ليلي تكره ان تتزوج احد من غير قبيلتها , وتود لو ان اباها زوجها بالبرّاق بن روحان (ابن عمها ) حيث كانت تميل اليه ويميل اليها , الا انها لم تعص امر ابيها , وصانت نفسها عن البراق تعففا فلقبت بالعفيفة , واحترم هو هذه الرغبة فانسحب من الحي بهدوء واستوطن قلب الصحراء .
لكن اخبار حسن ليلي وجمالها وادبها واخلاقها الحميدة وعفتها ذاعت في جميع انحاء الارض ، حتى وصلت الى ابن ملك الفرس فرغب بها , وفي احد الايام نزل لكيز والد ليلي وبعض من معه من ربيعة نواحي من بلاد فارس , فكمن ابن الملك وحاشيته لهم في الطريق واسر ليلى , واقتادها سبية الى بلاد فارس ، ثم عرض عليها جميع المشهيات والمرغبات والمغريات من ذهب وفضة وياقوت ومرجان ومن قصور وبساتين وخدم وحشم , وخوفها بجميع العقوبات ، وعاملها بأقسى أنواع التعذيب ليري وجهها ، ولكنها ابت ذلك , وخيرته بين ان يقتلها او يعيدها الى قومها ، ولما يئس منها أسكنها في اهدى زوايا القصر واوكل بها من يسومها سوء العذاب ، فجعلها تحمل الماء من البئر لمرابض الابل .
قضت ليلى فترة على هذه الحال , تتعرض لشتى انواع التعذيب البدني والنفسي الى ان طفح بها الكيل ذات يوم وهي تنقل الماء , فانطلقت قريحتها بهذه الابيات التي بقيت تحفة فنية على مدى الايام يتغنى بها حتى وقتنا الحاضر:
ليت للبراق عينا فترى..................... ما أقاسي من بلاء وعنا
يا كليبا يا عقيلا إخوتي.................... يا جنيدا ساعدوني بالبكا
عُذِّبت أختُكُمُ يا ويلكُمُ،..................... بعذابِ النكرِ صبحاً ومِسا
غلَّلوني، قَيَّدوني ضربوا................... موضع العفة مني بالعصا
قل لعدنان فديتم شمروا ..................لبني الاعجام تشمير الوحى
واعقدوا الرايات في اقطارها... واشهروا البيض وسيروا في الضحي
يا بني تغلب سيروا وانصروا............ وذروا الغفلة عنكم والكرى
واحذروا العار على اعقابكم ..............وعليكم ما بقيتم في الورى
سمع الابيات راع عربي يرعى ابل الفرس , فثارت حميته وانطلق يشيع القصيدة في قبائل العرب حتى وصلت مسامع البراق ابن عمها وفرسان وشيوخ ربيعة ، فاستفزتهم الحمية والنخوة , وانطلق البراق على رأس نخبة من فرسانهم , وساروا جميعا لنصرة ليلي الى أن اظفرهم الله بمطلبهم ، فانتزعوها من غاصبها ، وأعادوها الى ديار ربيعة معززة مكرمة .
منقـــــــول