عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ الله عزّ وجل يقول يوم القيامة : يا ابنَ آدم مرضتُ فلم تعدْني قال : يا رب كيف أعودُكَ وأنت ربُّ العالمين قال: أما علمتَ أن عبدي فلاناً مريضٌ فلم تعدْهُ أما علمت لو أنك أعدته لوجدتني عنده،يا ابن آدم استطعمتك فلم تُطعمْني قال: كيف أطعمُكَ وأنت رب العالمين قال: أما علمت أنه أستطعمَكَ عبدي فلان فلم تطعمهُ أما علمت لو أنك أطعمته لوجدت ذلك عندي ؛ يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني قال: يا رب كيف أسقيك وأنت ربُّ العالمين قال: استسقاك عبدي فلم تُسقِه ، أما أنك لو سقيتهُ وجدتَ ذلك عندي )صحيح مسلم 2569 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
حديث شريف هو لقطة من مشاهد يوم القيامة ينقل لنا صورته الرسول صلى الله عليه وسلم بصورة تنسجم في دلالتها على مدلولها . فهو في مجمل مضمونه يحث على عيادة المريض، وإطعام المحتاجين، وسقيهم . والرسول صلى الله عليه وسلم ينتقي بحكمته، وفصاحته الأسلوب الأمثل في الإيصال المشوِّق، وبأساليب تناسب أي زمان، ومكان ، وبطابع يغري القارئ بالانشداد إليه حيث العبد في حضرة الله سبحانه وتعالى وجها لوجه والله يسأل برفق، ولين، ويجيب العبد على السؤال . ابتدأ الرسول صلى الله عليه وسلم بخبر مؤكد هو جملة اسمية ( إن الله يقوم يوم القيامة ) وذلك الخبر مفتتح يشد الانتباه، والإصغاء؛ انه صورة لتجلي رب العزة يتحدث مع العبد ويسأله وبعد ذلك يأتي المشهد حيا في صورة فنية رائعة ، أشعر راويها العليم الشخصية التي تجيب على الأسئلة أن المكان، والحدث متحققان لا محالة .
وقد اعتمد الحوار في عرض الحديث على محاور ثلاثة هي (الصحة ) ( الطعام ) ( الشراب ) وهذه المحاور هي أهم ما في الدنيا لاستمرار حياة الفرد ، وهذه الثلاثية النعمة الفضيلة إذا توافرت في فرد فعليه أن لا يستأثر بها، ويترك أخاه العبد بل يجب عليه أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه. ولدقة الصورة، والمشهد الرائعين ، دار الحوار في كل مضمونه من هذه الثلاثة على ثلاثة أجزاء من الجمل متوازية في بنائها ، ومتكررة في أساليبها . لقد اعتمد الحوار أسلوب الطلب بين النداء( 1) ( يا ابن آدم ) ( يا رب ) والاستفهام المحذوف الذي يعرف من سياق الكلام معتمدا على التنغيم ( مرضت ولم تعدني ) وحذف الاستفهام يفضي إلى دهشة جملة فعلية ماضية هي حياة العبد الحاضرة؛ فإذا كان هنالك مريض لم يعده سيبادر مسرعا في أن يعوده ؛ ولهول المشهد سيكون الجواب بارتباك يفقد العبد صوابه في فهم ما يقول الله سبحانه وتعالى ( كيف أعودك وأنت رب العالمين ) وهكذا بالنسبة للطعام ( كيف أطعمك وأنت رب العالمين ) وكذلك السقي ( كيف أسقيك وأنت رب العالمين ) . ويجيب رب العزة(أما علمت ) وأما علمت ذلك الاستفهام الإنكاري المشوب بالعتب والتنبيه لم يدع للعبد مخرج في الإجابة إذ توالت المؤكدات عليه لم تعدني لم تطعمني لم تسقني لم تعده لم تطعمه لم تسقه
فضلا عن مجيء الفعل في حالة المضارع المقلوب إلى الماضي وذلك له دلالته وهي ليشعر العبد بأنه مازال حيا ويستطيع أن يعود، ويطعم، ويسقي . وإذا تأملنا في الجمل الثابتة التركيب من حيث البنية في حوار الله سبحانه وتعالى مع عبده نجد ما يوحي في مدلوله إلى ثبات ما فعل العبد في دنياه وثبات حكم الله فيه ؛ ولذلك جاءت الجمل متناغمة في سياقاتها مكررة لتؤكد ما كان وما سيكون . ولننظر إلى قوله تعالى في الحديث الشريف (أما علمت لو انك عدته لوجدتني عنده ) ولكن ذلك أثبت امتناع لقاء العبد ربه لامتناع العبد عن عيادة المريض( 2)
دراسة تطبيقية في تحليل أسلوب النص الأدبي محفوظ فرج / سامراء 1432 هت ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
(1) المنادى هو المطلوب إقباله بحرف نداء ظاهر أو مقدر / معاني النحو د. فاضل السامرائي مطابع دار الحكمة 1991م ج4 ص 692 (2) ينظر شرح ابن عقيل ج2 ص386