** ** قراءة في قصيدة (خريف طفلة) للشاعرة عواطف عبد اللطيف
** قراءة في قصيدة (خريف طفلة) للشاعرة عواطف عبد اللطيف
هذه القصيدة شأنها شأن كل قصائد شاعرتها تنهل من غدير الحزن والأسى .. قصيدة تختصر قصة حياة ، وأي حياة منذ صباحاتها الأول تحملت أعباء الحياة وارتشفت مرارتها وناءت تحت أثقالها فها هي تقول عن طفولتها :
(( أنا طفلة ولدت بأحضان الخريفْ
رافقتُ أمّي في الطريقْ
كنتُ المُعينَ لأخوتي
كنتُ المُعلِّمَ والصَّديقْ))
كانت مع أمها في كل مهامها المنزلية و تربية أخوتها والقيام بأعمال البيت فلم تلد وفي فمها ملعقة الشهد .. ولم تكن رفيقة أمها فحسب بل كانت رفيقة أبيها الذي كان يستشيرها لأن تحملها المسئولية مع أمها منحتها الكثير من الخبرة ..فحين كان يعود في المساء كان يتخذها صديقا في المضيف وملاذا لصدره حين تشتد الأزمات فيشكو لها ما يعتريه من هم وضيق :
(( وفي المساء
كنتُ الرفيقَ لوالدي
في بيتنا وفي المَضيفْ
كنتُ الرفيقْ
وملاذُه مِنْ كلِّ ضِيْق))
ولم يكتف القدر معها بكل هذا بل داهمها بكل ما أوتي من منغصات :
فأصبح من حقها أن تعاتب الزمن وتصفه بأعتى الأوصاف لأنه خان بها ووجدها أهلا للتحمل والجلد فلم يكن رحيما معها :
(( يا أيُّها الزمَنُ اللعينْ..
أين الجميع؟؟؟؟؟؟؟؟
ما عُدْتُ أسمَعُ صوتَهم
ولَهْوهم وضِحْكَهم
حلّ الشقاءْ....
والفجْرُ أصبح كالدّخانْ
وتفرَّقَ الأحبابْ
في كلّ البقاعْ
كانَ الوداعْ))
فتسأله عن أحبابها الذين تفرقوا عنها فمنهم من مات وتوارى ومنهم من ابتلعتهم الغربة والمنافي .. وهل هذا كل شيء .. فاقرأ لها هنا والليل يلتحفها بسواده وكآباته:
وها هي تصف الوطن بالأم التي فقدت أعزتها وابتليت بابتعادهم عنها فهاهي تبكي فراقهم بحزن الأمهات الثكالى التي تتخذ ركنا قصيا للبكاء لكي لا يقطع خلوتها بذكرياتها أحد ولكي لا يشمت بها عدو فتبكي بسخاء كما يجري الفرات بسخاء :
(( وأمُّنا ،مثل الفراتِ، وحيدةٌ تبكي هناك!!!!
أين الأمانُ.....؟؟
لينتهي هذا العذابُ ، ويستكينْ
والحزنُ يَغتالُ الدّموعْ
أوّاهُ يا هذا الزّمانْ
هلْ مِنْ رجوعْ ؟؟؟؟))
ثم تعود مرّة أخرى إلى ليلها الطويل وهي عمياء فيه بعد أن فقدت نور عيونها وهم أحبتها ..فتتحسّر على شباب لم تعشه وطفولة لم تمارسها وبقيت أحلام الطفولة حسرة في قلبها وكم تمنت لو أنها عاشت طفولتها وشبابها كباقي الناس:
((عمياءُ في الليلِ الطويلْ
يا حسرتي
يا ليتني .....
عشتُ الطفولةََ والشّبابْ
عشتُ البَراءَةَ والرّبيعْ
والحلمُ ممسوخُ الرّفاتْ
يبكي الصِّحابْ
والمستحيلْ
من تحت أروِقَةِ السّرابْ))
ولكن هيهات وهل يعود الزمان إلى الوراء فمن المستحيل .. لم يبق منه إلا الألم والذكريات المريرة .. وأنها ضاعت في متاهات السنين ولم يبق لها إلاّ الدعاء للوطن وللراحلين على دروب الوطن والحالمين بزهوه وشموخه:
ألمي فضيعْ
لا شيءَ في الدنيا يَدومُ ..
لكي أضيفَ
على حروفِ السائلينْ
والتائهينْ
ما بينَ طيّاتِ السنينْ
لمْ يبقَ لي شيءٌ ....
سوى ألقى بليل الصّمْتِ ذكرى الراحلينْ
نبكي الحنينْ
نبكي الفراقْ
لم يبقَ لي غيرُ الدُّعاءْ
قصيدة تندرج في خانة قصائد الرثاء للنفس التي عاندتها الأقدار حيث يتحد حزن الوطن مع فقد الأحبة والغربة والسنوات التي تدحرجت تحت عجلات الزمن واليأس من وجود الضوء في نهاية النفق المعتم
عواطف عبد اللطيف
سيدة الحزن المقدس ..
شدّني العنوان سيدتي إلى معرفة كنه ذاتك التي لا زالت طفلة تتلمس من الحياة أن تعيش طفولتها فوصفتها بالخريف الذي أدركها ويرفض التخلي عنها ..
اغفري تطفلي على بيادر حزنك لك الود والتحية والاحترام
التوقيع
لمَ لا أثورُ على الزمان وأغضَبُ
لمْ يبْقَ في القطعانِ إلاّ الأجربُ
أنا ما عدِمتُ الوردَ رغمَ غلائهِ
وعدمتُ مَن يُهدى إليه ويوهبُ