فأراكَ للأحرارِ أخلَصَ قائدٍ
عبراتُ قلبي بالدموعِ الهُمّعِ = مِنْ عالَمٍ متنقّلٍ متنوِّعِ
هطلَتْ على طودِ الأسى بتفجّعٍ = فإذا أنينُ الصّبرِ يجذبُ مسمعي
الليلُ أشجاني إذا هجعَ الورى = والصبحُ أحزاني كما هو مُفجعي
والنهرُ آلامي ونصفُ مُصيبتي = فإليهِ أرنو، رُبّما مثلي يعي ؟
أطلالُ صَحْبي كلّما عاينتَها = أحْسَسْتُ شوقي للرفاقِ وموضعي
فالفجرُ آمالي وكلُّ مشاعري = وَمَسيرتي نحوَ الولاءِ ومَرْجعي
إنْ مرّ ورقٌ قلتُ " يا غضنُ افتخرْ " = أو آبَ طيرٌ قلتُ " يا دوحُ اخشعي "
ناشدْتُ أحكامَ الزّمانِ بحسْرةٍ = ما حلَّ بالملإ السّجودِ الرُّكَّعِ ؟
الغيدُ ولَّتْ والربوعُ تغيّرتْ = والجَمْرُ قلبي والمواقدُ أضلُعي
والطّفُ دربي والرزايا مَشْعري = والخَطْبُ ثوبي والقوافي مَقطَعي
والحاء صوتي في النداءِ ووصلُهُ = بالسين ينبُضُ كلُّ حرٍّ ألمعي
والياء رائعةُ الكلامِ وبعدها = نونٌ بها كلُّ الأسى كالمَصْرَعِ
يا دهرُ هل تدري بمن فوق الثرى = كمْ باسلٍ فيها بجانبِ أشجعِ
يادهرُ هل تدري بما فعلَ الردى = بالثّاكلاتِ وبالصّغارِ الرُّضّعِ
فكأنّ أحقادَ الصدورِ تسارعتْ = وتجمّعتْ حولَ الجهاتِ الأربعِ
ساءلتُ سيفَ الدّهرِ عنْ أحوالِهمْ = فأجابَ : بالقولِ العجيبِ الموجعِ
فحَبَسْتُ أنفاسي على وقعِ الأسى = وذَرَفتُ مِن بين المحاجرِ أدمُعي
ودَفَنْتُ أحلامي وأيْقظتُ الجوى = ونظمتُ آيات الأسى مِنْ مخدعي
وَجَمَعْتُ أفكاري وآخيتُ النوى = فأتى البيانُ على غرارِ المطلعِ
عايشتُ هذا الحزنُ منذُ عرفتهُ = إنَّ المصائبَ ذاتُها لمْ تُرفعِ
فرضعتُ مِنْ ثدْي المصائبِ جمرةً = وهْي التي ثبتَتْ ولمْ تتزَعْزَعِ
فتدورُ في فلَكِ الفواجعِ حيثُما = وُجِدَ الأسى بين الجهاتِ الأربعِ
وَعَرِفتُهُ قبلَ الدُّنا في عالمي = وأعدته متحننا فيالمرضعِ
وَتجَمّعَتْ أركانُ حزني في الدُّنا = وهْيَ التي مِن قبلُ لمْ تتجمّعِ
ليسَ البكاءُ بسِلْعَةٍ معروضةٍ = بل بالحرارة وهي تصهر أضلعي
إنّ الدموعَ مواقدٌ لقلوبِنا = لايُعْرَفُ المثكولْ إنْ لمْ يُفْجعِ
إنّي لذو قلبٍ يحنُّ إلى الجوى = طوّعتهُ حتى ارتضى في البلقعِ
ولذاك تشهدُ في الفواجعِ أحرفي = ولذاك تشهدُ في القيامةِ مَسْمَعي
ولذا اقتبَسْتُ فواجعاً مِنْ كربلا = هي بلْسمٌ للثاكلِ المتوجّعِ
فالأرضُ تتلو والسّماءُ تُجيبُها = والشّمسُ تنعى يا كواكبُ فاجزعي
ذهَبَ الكماةُ وجُزّرتْ أعضاؤهم = وتسابقوا نحو المحلِّ الأرفعِ
قدْ طلّقوا الدنيا وذاك لأنهمْ = وجدوا السعادةَ كلّها في المَصْرعِ
هذا عطاءٌ كلُّهُ في كربلا = نهجٌ بغيرِ رسالةٍ لمْ يُرفعِ
يتناوبون على الرّدى فكأنّهمْ = سُرُجٌ إلى هذا الفضاءِ الأوسعِ
فشريعةُ الإسلامِ صانوا عزّها = من كل ذي بأس كميٍّ أشجعِ
فمحمدٌ في كربلاء بسبطِهِ = متمثلٌ ، وكلاهُما لمْ يخضَعِ
فالدينُ والتنزيلُ فيكَ تجسّدا = ولذا مضَيْتَ إلى الوغى لمْ تركعِ
ولذاكَ للأحرارِ أنتَ رسالةٌ = ولذاكَ في التاريخِ مثلُكَ مانُعي
قدّمتَ أغلى مالديكَ إلى السّما = مِنْ فتيةٍ وكُهولةٍ أو رُضّعِ
وختمتَها بالنّحرِ والأضلاعِ والـ = أعضاء بل حسنُ الختامِ الإصبعِ
تاللهِ جودَكَ ما وجدتُ مثيلَهُ =هذا عطاؤك للإلهِ المُبدعِ
الفارسُ الضرغامُ والمقدامُ في =سوحِ الوغى وابنُ الوصيِّ الأنزعِ
لولاكَ لمْ يَرْقَ المنابرَ عالمٌ =لولاكَ حرٌّ في الدُنا لمْ يُسْمَعِ
فأراكَ للأحرارِ أخلَصَ قائدٍ =وأراكَ في الإيثارِ أفضلَ مُبْدعِ
وأراكَ في الميدانِ أشجعَ ضيغَمٍ =وأراكَ مُصباحَ الهدى لمْ أُخدَعِ
وأراكَ عنوانَ الحياةِ وسرّها = إذْ أنت َ في حكمُ الورى لمْ تطمعِ
أعطيتَ للأحرارِ فكراً نيّراً =فيهِ رسالةُ كلِّ حرٍّ ألمعي
دوّنتَ نهجاً للسماءِ موثَّقاً =ليكونَ حبلاً في الدُّنا لمْ يُقطعِ
ياسيّدَ الأحرارِ والثّوارِ والـ =شهداءِ مِنْ خيرِ الورى والخُشّعِ
أنعاكَ محزوزَ الوريدِ مرمّلاً =بمدامعٍ سفرتْ ولمْ تتبرقعِ
إنْ لاحَ فجرٌ قلتُ يا شمسُ انحبي =أو جنَّ ليلٌ قلتُ يا عينُ ادمعي
أبو حسين الربيعي – دبي – 29 ذي الحجة 1435 هجري