البنية التركيبية في الحديث النبوي الشريف / محفوظ فرج إبراهيم
هذا حديث نبوي شريف ربما لم ينتبه إليه الكثيرون في المجتمع الإسلامي أو هم في غفلة منه
هذه الأيام
البنية التركيبية في الحديث النبوي الشريف / محفوظ فرج إبراهيم
قال النبي صلى الله عليه وسلم ( أول ما يُقْضى بين الناس يوم القيامة في الدماء )
صحيح البخاري ت 6533 ج 12ص 337 وصحيح مسلم ت 1678 ج 11 ص139 ورياض الصالحين ت1845 ص43
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جملة اسمية جرت على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم لِتُثَبِّتَ من خلال بلاغته السامية وإيجازه حقيقة ليست قابلة للتغيير في المستقبل فلم يرد الحديث جملة فعلية فالفعل في تحوّل وحركة في عوامله ومعمولاته .
وفي أسلوب الخبر هذا ترهيب، وتحذير من الدماء، والقتل بغير حق إذ يتنازع المستوى التركيبي خبر ظاهر في المبتدأ والخبر ( أول ) و (في الدماء) ، وإنشاء عبارة عن طلب مضمر ألا وهو إياكم والقتل.
وقد ورد الحديث الشريف خاليا من التوكيد باعتبار انه ليس خبرا طلبيا جوابا على سؤال سائل، ولا إنكاريا ردا على منكر ومكذب له انه أمر مفروغ منه إذ ثبت من خلاله ان أول القضايا القضاء في الدماء 1 وفي ذلك تغليظ لأمر الدماء وإنها أول ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة ، ولم يكن هذا الحديث مخالفا للحديث المشهور في السنن ( أول ما يحاسب به العبد صلاته ) فهذا الحديث هو فيما بين العبد وبين الله وأما ما نحن بصدده فهو فيما بين العباد 2
وسواء أضيف المبتدأ ( أول ) إلى ما يدل على ان (ما ) مصدرية ( أول القضاء ) أو أضيف إلى اسم موصول ( ما ) بمعنى الذي ( أول الذي يقضى بين الناس يوم القيامة ) فان المبتدأ في كل الأحوال أضيف إلى ما يدل على الاستقبال في المصدر، أو صلة الاسم الموصول التي لا محل لها من الإعراب، والحالة هذه ( يقضى بين الناس يوم القيامة ) كان الزمان المستقبل قد تماهى في المكان( بين الناس) المكان المستقبل والزمان المستقبل.
وقد ورد الفعل (يُقضى ) مبنيا للمجهول، وذلك تكرر في القرآن الكريم كثيرا حين يكون الحديث متعلقا بيوم القيامة، ولم يكن حذف الفاعل كما يقول البلاغيون للعلم أو الجهل به أو الخوف منه أو عليه، وإنما حُذِفَ الفاعل في الحديث الشريف من أجل تركيز الاهتمام على الحدث وصرف النظر عنه
أما من ناحية التوافق الصوتي مع مدلول الحديث وهو القطع والجزم في أن أول القضايا هي القضاء في الدماء يوم القيامة فان حرف القاف ( يقضي ، القيامة ) دال على القطع في الأمر، ومتفق مع مدلول الحديث النبوي الشريف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ينظر فتح الباري شرح صحيح البخاري ج 12 /339
2 ينظر صحيح مسلم بشرح النووي11/ 138 ـ 139
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من كتابي (في أسلوب الحديث النبوي الشريف) محفوظ فرج إبراهيم
وهو درس تطبيقي في تحليل النص الأدبي