... ملتقى قصيدة النثر الأول في ثقافي سلمية
الثقافة
الاثنين : 7-3-2011
نافذة أدبية جديدة أطل منها المركز الثقافي العربي في سلمية, ليمنح آفاقاً جديدة لنشاطاته السنوية المتنوعة والتي أصبحت لها سمة الديمومة, كمهرجان سلمية الشعري ومهرجان الماغوط المسرحي ومهرجان الخريف القصصي وغيرها... فجاءت ولادة ظاهرة أدبية جديدة لتكون فاتحة النشاطات هذا العام, هذه الفعالية دعيت بـ (ملتقى قصيدة النثر الأول) وقد أقيمت بالتعاون
بين مديرية الثقافة بحماة والمركز الثقافي في سلمية لمدة خمسة أيام من (27/2) ولغاية (3/3) وتأتي تزامناً مع احتفالات شعبنا بالذكرى الثامنة والأربعين لثورة آذار المجيدة, ويتضمن الملتقى أفكاراً جديدة في نظام المهرجانات, حيث يبدأ كل يوم بتحية لواحد من رواد قصيدة النثر العربية, (سليمان عواد, اسماعيل عامود, محمد الماغوط, حسين هاشم, سنية الصالح) ثم تليها دراسة حول قصيدة النثر يقدمها نخبة من الأدباء والباحثين, إضافة إلى تقديم قصائد نثرية مغناة بصوت الفنان ماهر يحيى.
يوم الأحد قبل الماضي افتتحت الأمسية الأولى من هذه الفعالية في صالة الباحثة بيداء عبد الكريم الزير بحضور المهندس همام الدبيات عضو المكتب التنفيذي لمجلس المحافظة, وعبد العزيز الأخرس نقيب معلمي حماة وفاطمة الأحمد مديرة الثقافة, وعدد من مديري الداوئر الرسمية والإدارية في سلمية, حيث ألقت بدايةً الأديبة ندى عادلة كلمة إدارة المركز ثم وجه الأديب محمد عزوز تحية إلى الشاعر سليمان عواد أحد رواد قصيدة النثر في سلمية, قدم فيها لمحة موجزة عن حياته الأدبية وأهم أعماله الشعرية.
بعد ذلك قدم الدكتور الشاعر راتب سكر دراسة بعنوان "قصيدة النثر العربية" انطلق فيها من ظهور قصيدة النثر في الشعر الفرنسي مع بودلير وأعلام المدرسة الرمزية وتبلور مفهوم قصيدة النثر شعرياً ونقدياً مع ت . س إليوت الذي أثر في الثقافة العربية تأثيراً واسعاً وعميقاً.
ثم عرض الشاعر سكر مقومات القصيدة في الشعر العربي القديم عند عدد من أعلامه مثل الخنساء وأبي تمام والبحتري والمتنبي والمعري ليوازن ذلك مع موجة الشعر الجديد بأمثلة من عطاء الشاعر الكبير محمد الماغوط الذي عرفت قصيدة النثر على يديه إحدى ذراها العالية.
لقد اجتهد د. سكر في دفاعه عن قصيدة النثر مؤكداً أنها لا تشكل قطيعة مع التراث العربي, مبيناً أنها تضيف بآفاقها الإبداعية لمسيرة الثقافة العربية آفاقاً جديدة, مستنداً إلى مكونات الإبداع العربي منذ العصر الجاهلي.
استمع بعدها الجمهور إلى قصائد الشعراء المشاركين, حيث استهل الأمسية الشاعر الشاب وليم القطريب وقرأ قصيدتين: الأولى بعنوان " رسائل بلا عنوان" والثانية "وشوشات في أذن امرأة" خاطب في الأولى ذاته الإنسانية فتناغمت الصبغة الفنية للقصيدة مع رؤيتها الفكرية مكتشفة بيادر القمح التي تعطي الذاكرة معناها الإنساني, وفي قصيدته الثانية أسرج الشاعر خيول لغته لكي ينطلق على سطحها الثلجي باحثاً عن شجر يضع القمر في جبينه, ومنها نقتطف:
هناك غرب عينيك أنا
متسول يبيع جبينه للشجر
يضع القمر في جبينه ولا تراه النجوم
تلاه الشاعر وائل زيدان وألقى قصيدتين, الأولى بعنوان "حسنة" مهداة إلى جدته التي هي من مواليد سارتر وعاصرت بدايات القرن العشرين ومآسيه وأفراحه, وإن بدا الشاعر مغترباً بما استخدم من مصطلحات وأعلام إنسانيين, إلا أنه في النهاية كان وجدته حتى النخاع في سلمية وسورية الحاملة لتاريخ البشرية.
القصيدة الثانية بعنوان "وصية دونكيشوت المزيفة إلى سانشو" يقارب فيها بين ذاته التي تقمصها دونكيشوت وبين الآخر الذي هو سانشو, فيصف العالم بعد رحيله حيث تتفتق كينونته من أحلام الأمل برؤية فنية أعطت المتلقي إحساساً بالجمال الشعري البهي, من قصيدته (حسنة) نختار:
جدتي من مواليد سارتر
لم تبصم على البيان السريالي
لم تنتظر غودو
أعقل من أن تكون أماً لمكسيم غوركي
أو كنة لعرش انكلترا
حجمها النهائي في زلزال
دمعة باردة لا غير
المشاركة الثالثة كانت للشاعر فاتح كلثوم الذي قرأ قصيدتين: الأولى بعنوان " وجه يثرب" حيث أخذ من مدلولات هذا الاسم المعطر بالجاهلية ليكتشف في ورقة بن نوفل مكتبة العصر الجاهلي, والقصيدة الثانية كانت بعنوان "شاعر ومدينة" تسكع مع ذاته الشاعرة بفضاءات الشام متبادلاً معها الأدوار ليبارك منازلها مستعملاً مفردات الحياة اليومية في تراكيب جميلة تمنحنا صوراً فنية تعانق الشعر في دمشق ودمشق الشعر ليختار أخيراً الوفاء بين يديها, ومنها نقرأ:
قلت اسجد
ما سجد لك غيري
أنا أوحد على الأرض
تلفني الشرائع
قلت لا ضير
فلم تسجد لغيري
لو كان معي كلي
لرميته واخترت وفاء بين يديك
وختام الأمسية كان مع الشاعرة سوزان ابراهيم التي ألقت قصيدتين الأولى بعنوان "عنوان إقامته الدائم" والثانية ومضات شعرية "مائيات ", في الأولى تسكعت كليل في دمشق تتوضأ بالمطر وتمشي في دمشق التي تشبهها في وحدتها, وحين تتوحد مع عشقها يسقط الليل بعيداً أمام ضوء التوحد بين أناها والآخر.
أما الومضات القصيرة, فهي من نمط قصائد الدهشة, وكانت مدهشة وساحرة يربط بينها الماء في حالاته الفنية والجمالية المتعددة, فقرنت هذه الحالات مع الحالات الإنسانية التي تحيط وجودنا الإنساني.
" فقد الماء وعيه
فسقط ثلجاً هامداً "
"اللؤلؤ مومياءات الماء
في متحف الأصداف"
" المطر الغزير بريد السماء العاجل"
"الماء دم الغيم النقي "
"الصنبور وسيلة مبتكرة لتعذيب الماء "
وبعد أن ألقى الشعراء قصائدهم قدم الدكتور راتب سكر تقييماً فنياً, وبيّن أنها تستند إلى مجموعة من المكونات في مقدمتها تفاصيل الحياة اليومية الصغيرة, الحميمة واستلهام الثقافات العالمية المتنوعة التي قدم تدليلاً عليها بقصيدتي وائل زيدان, الذي استلهم رموزاً عالمية مثل هتلر, ودنكيشوت وسانشو, وقصيدتي سوزان ابراهيم اللتين عنيتا بتفاصيل التسكع والعلاقات الإنسانية البسيطة وما فيها من بوح عابق بجمر الوجود وحنانه.
وقبل الختام أدى الفنان ماهر يحيى أغنيتين لقصيدتين نثريتين من تلحين رضوان رجب, الأولى " هجرتي فيك " للشاعر مصطفى البدوي, والثانية "القطارات تمر" للشاعر علي الجندي, بعد ذلك تم تكريم الشعراء المشاركين إضافة إلى الدكتور راتب سكر وتقديم الشهادات التقديرية لهم.
يذكر أن التعريف بأحد رواد قصيدة النثر يقدمه الأديب محمد عزوز وتشارك الآنسة نجوى الجرعتلي في قراءة مقتطفات شعرية والتقديم.