قال الرسول صلى الله عليه وسلم (بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثم خرج فاذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل لقد بلغ الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي فنزل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه فسقى الكلب فشكره الله فغفر له ) متفق عليه صحيح أخرجه البخاري 24466، 6009 ، ومسلم 2244 ،ورياض الصالحين رقم 126
لقد أوتي الرسول صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم والذروة في الفصاحة والبلاغة اذ تناول وسائل تعليمية متعددة من خلال الحديث النبوي الشريف ومن هذه الوسائل التعليمية هي الرسم والإشارة وهناك وسائل بيانية كالتشبيه وهذا الحديث الشريف كانت الوسيلة في إيصال المعنى إلى المتلقي هو فن القصة بكل ما في القصة من معايير فنية من حدث وغرابة في الحبكة وتشويق لا يدع المتلقي حتى ينهي القصة لقد نحى الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه القصة إلى توضيح قيمة خلقية بعيدة عن عناية الناس وهي الرفق بالحيوان من البهائم والصورة الفنية تكمن في طريقة القص، وفيها تجلت قدرة الرسول الكريم وبراعتة لأن القصة إذا كانت مجموعة من الإحداث الجزئية التي تقع في الحياة اليومية للمجتمع بغرض الوصول إلى الحقائق الإنسانية، وعدم إغفال التسلية والتثقيف فهي حدث، وأحداث، وشخصيات، وبيئة زمانية ومكانية، وحبكة قصصية، وحوار فان ذلك قد تمثل كله في الحديث الشريف من خلال اللقطة السينمائية السريعة فهو لم يلجا إلى الخطاب المباشر؛ وإنما انتقل إلى صورة فنية قصصية مكتملة استوعبت وحدة فنية موضوعية عن طريق القص الذي يمرق كالبرق فالشخصيات محسوسة، وهي ( رجل وكلب) ومعنى مشخص هو العطش بؤرة الحدث وقد نقلت لنا الأفعال المضارعة الحال الذي عليه الكلب والرجل الرجل يمشي الكلب يلهث يأكل الثرى ثم حركة الرجل بعد الحال الذي هو عليه توالت أفعال ماضية هي: (اشتد، وجد، بلغ، نزل، ملأ، امسك، سقى، شكر، غفر) وبلوغ العطش مشترك بين الرجل والكلب عبر عنه الرجل بطريقة المنولوج الداخلي ( تيار الوعي الباطني ) ( فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي ) وقد عبر الكلب عن الحال الذي هو عليه عن طريق الخبر وكأن المشهد أمامنا (يأكل الثرى )
من كتابي الجزء الأول(من ملامح الصورة الفنية في الأحاديث النبوية) تأليف محفوظ فرج إبراهيم ، بغداد ، دار الأرقم، مجمع باب المعظم، 2006م
درس تطبيقي في تحليل النص الأدبي لقسم اللغة العربية وهو أولى في العناية من الشعر