إلى القمر :
ــــــــــــــــــ
نفرتُ كثيرا ،،، ثم سكنتُ من نفاري ،،، بعد أن رأيتها ليلا كأنها فلقة القمر .
وإن كانت تستكثر هذا تواضعا ،،، فما التواضع إلا شيمة خالطت منها الدم واللحم .
فقالت : فجر بي الحزن فجوراً ،،، حتى ظننتُ أن الليل قُبض ! وحتى ظننت أن النهار صار سرمدا .
ثم دكّني دكّا ،،، حتى بات العظم هريساً ، والألم أنيسا ،،، إن أعرضت عنه تفقدني ،،، وإن منعته أوعدني ! .
قلت : كل خبركِ إلى أمسٍ عندي .
ويحكِ فتاة ،،، كفّي ، لم يبق إلا أن تسير بنبأكِ الرُّكْبان .
قالت : كيف ،،، وقد استدبرتني الريح بالوجد ،،، فما زالت تعصف وتدفع ، وما زلت أُساق وأُدفع ؟
وجَمَتْ ثم قالت : نادني أيها الحسين ؟
فقلت : تعالي ،،، أيتها الأميرة .
فقالت بصوت شجي : نادني غزلا .
فما هممتُ حتى قاطعتني وقالت : أريده شِعرا .
ثم أطرَقَتْ وكَلّ طَرْفُها .
قلت :
يا بديع القَدِّ مــــــــــاذا أرى **** يا كَليْلَ الطرْف كيف ترى ؟
مقلة ترنو كعين مهــــــــــــا **** وغزاها اليوم كلّ كــــــــــــرى
ضحكة شُقّت على عمـــد **** أورثتني من لمــــــــــاك أذى
رُبّ لحظ فيك يقتلنــــــــــــي **** لا شفاء لي ولات شفـــــــى
كذبوا أن هواك سُــــــــــدى **** وعلاج الفتكِ ليس رُقـــــــــى
هتفت روحي متى رشدت **** أأموت الآن فيك هنـــــــــــــــا ؟
قالت : زدني نداءً .
قلت : تعالي ،،، يا أميرة البحار ،،، هاتِ اليد لتسرّ اليدَ .
قالت : وكيف تسر اليدُ اليدَ ؟
مسكتُ يدها وكانت لُجينا ،،، ثم قلت لها : هكذا .
ثَمِلتْ قليلا ثم قالت : حسين ،،، أإلى القمر ؟
قلت : إلى القمر .
فصارت تداعبها الرياح كأنها زهرة على سويقها ،،، وصار يألق خدّها كأنه لألآء النجم غلب حَلَك السماء .
ثم صارت تنسلخ من حزن كما انسلخ من ليله النهار .
ثم بسمت بفم يُلهي إبليس عن فتنته ،،، والمفئود عن فجيعته .
فقلت لها والجسد يرعد رعدة الفرائص : من أي عجيبة جيء بهذا الخد ؟ ومن أي بديع صيغت نضارته ؟ ،،، وأي حُمرة عُقِدت على شفتيكِ ؟؟؟ .
أما وقد أذِنتُ لعيني أن ترى ،،، لأحملنّكِ إلى القمر .
قالت : لا تحملني ،،، بل زُمّني زمّا أيها الرجل .
ففعلتُ وإن كادت لتكون عروسا لولا كتابا لم يبلغ أجله .
فراعني شعرها الكث الجفال المغدودن السُّخام ،،، وراعتني ريحه الطيبة ،،، ثم طرت بها .
إلى القمر
فما حطّ بنا المقام عليه حتى غار القمر ،،، فارتجف رجفة مفزوع وقال :
أقمر بديع تأتيني به يا حسين ؟
ماذا ،،، هل عزّت الكواكب ؟
ضحكت وقلت له : ستحب القمر يا قمر .
قال : لا أحب من هو أجمل مني .
قلت : فاصبر إلى يوم غد ،،، وسيكون من بعد الأمر أمراً .
قال : وهل أتماسك إلى غد ؟
قلت : رحّب بضيفك الساعة ،،، وإن غدا لناظره قريب .
ــــــــــــــــــــــــــــــ انتهى ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حسين الطلاع
25/10/2010 م
المملكة العربية السعودية - الجبيل
: قبض : أي مات
: سرمدا : أي مستمر على حاله دون تغيير
: الهريس : هو المسحون المدكوك حتى صار عجينا .
: الكل : هو الوهن .
: اللجين : هي الفضة السائلة .
: الحلك : هو السواد .
: الفرائص : جمع فريصة وهي عضلة تحت الجلد ترتعد أثناء الخوف أو البرد .
: الزّم : هو مبالغة الحمل ،،، أو الحمل باهتمام شديد وحرص كالأم تزم رضيعها .
: الجفال : هو الكثيف المجتمع
: المغدودن : هو البالغ النعومة .
: السخام : هوالليّن الحسن .