قال الرسول صلى الله عليه وسلم
( المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كُلٍّ خيرٌ ) في باب الأمر بالقوّة وترك العجز والاستعانة بالله وتفويض المقادير لله / صحيح مسلم شرح النووي رقم ٢٦٦٤ / ج ١٦ : ١٥٧
................................
بنية التركيب في الحديث الشريف جملة اسمية خبر ابتدائي (١) لأنها لا تحتاج إلى ما يؤكد الخبر ومبتدأها موصوف بصفة مشبهة (٢) ( قوي ) وخبرها اسم تفضيل (٣) هو ( خير )
و ( أحب ) اسم تفضيل معطوف عليه مرفوع ولما كانت ( خير ) ليست معرفة ولا مضاف تلاها ( من ) حرف جر ثم المفضل عليه ( المؤمن الضعيف ) (٤) فعلى جانبي اسم التفضيل تبدت صورة الطباق في تضادها ( المؤمن القوي ) و ( المؤمن الضعيف ) وقد اشتركا في معنى الإيمان واختلفا بين القوة والضعف فالخير على الرغم من اختلافهما موجود ( وفي كل خير ) وفي كل قوي وضعيف خير فقد حصل الحذف من خلال تنوين ( كُلٍّ )(٥) وهو تنوين عوض (٦) عن الاسم المضاف إليه بعد ( كل ) وقد دل عليه دليل في المتقدم ،
وفي ( خير ) اسم التفضيل حذفت الهمزة لكثرة الاستعمال ( أخير ) وقد تقدم عليه شبه الجملة وجوبا لأنه نكرة غير مخصصة ( ٧)
ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يكون البناء بهذا الشكل لأن ( خير ) في تنكيرها هي أعم وأشمل من المعرفة فضلا على أن التنوين تنوين العوض عن المضاف إليه في ( كل ) لاحتواء من يخصهم الخير تطلب أن يتقدم الخبر على المبتدأ فقول الرسول الكريم ( وفي كل خير ) احتراس( ٨) جميل حتى لا يتوهم المتلقي أن المؤمن الضعيف لا خير فيه وهذا اطناب (٩)عن طريق الاعتراض بالاحتراس
.................................
(١) الخبر الابتدائي هو حين يكون ( المخاطب خالي الذهن من الحكم بأحد طرفي الخبر على الآخر والتردد فيه ؛ استغنى عن مؤكدات الحكم ، كقولك ( جاء زيد ، وعمرو ذاهب ) فيتمكن من ذهنه لمصادفته إياه خاليا ) الإيضاح في علوم البلاغة ، تأليف قاضي القضاة جلال الدين محمد بن عبد الرحمن المعروف بالخطيب القزويني ت ٧٣٩هـ الجزء الأول / مطبعة السنة المحمدية - القاهرة / أعاد طبعه بالأوفسيت ، مكتبة المثنى ، بغداد ١٨ - ١٩
(٢) ( الصفة المشبه تخص الثلاثيات المجردة ، وهي : كل صفة اشتقت منها غير اسمي الفاعل والمفعول على أية هيئة كانت ، بهد أن تجري عليها التثنية والجمع والتأنيث : ككريم وحسن وسمح ونظائرها ، وهي تدل على الثبوت ) .مفتاح العلوم للإمام أبي يعقوب يوسف بن أبي بكر محمد أبي علي السكاكي ت ٦٢٦هـ / تحقيق نعيم زرزور / دار الكتب العلمية ، بيروت لبنان ١٤٠٣هـ - ١٩٨٧م ص ٥٠
(٣) ( وأفعل التفضيل يخص الثلاثيات المجردة الخالية عن الألوان والعيوب ، المبنية للفاعل نظير فعلي التعجب ، وله معنيان : أحدهما اثبات زيادة الفضل للموصوف على غيره والثاني : اثبات كل الفضل له ) مفتاح العلوم ص٥١
(٤) حين يكون اسم التفضيل مجردا من ( أل والإضافة ) ١- يجب أن يكون مفردا مذكرا ولو كان مسندا إلى مؤنث أو مثنى أو مجموع ومنه قوله تعالى ( ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ) ٢- أن يؤتى بالمفضل عليه مجرورا ب ( مِن ) وقد تحذف ( مِن ) مع مجرورها للعلم بهما نحو قوله تعالى ( والآخرة خير وأبقى ) أي من الحياة الدنيا / عمدة الصرف تأليف كمال إبراهيم السراج ، مطبعة الزهراء - بغداد ، الطبعة الثانية ١٣٧٦ - ١٩٥٧م ص٩٦
(٥) ليس الحذف تلاعبا بالألفاظ أو تحذلقا يجوز فعله مرة وتركه مرة أخرى بل هو حاجة يلح المعنى على وجودها وكما قال ابن الأثير ( من شرط المحذوف في البلاغة أنه متى ظهر صار الكلام إلى شيء غث لا يناسب ما كان عليه ) فهو ضرورة فنية ودلالية يقتضيها السياق / ينظر العدول في البنية التركيبية ،قراءة في التراث البلاغي ، إعداد د. إبراهيم بن منصور التركي / مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية . ج: ١٩ العدد .٤ ربيع الأول ١٤٢٨هـ ص ٥٦١ ، وهذا الحذف يسمى حذف بعض الجملة ، ويأتي على صور كثيرة منها : حذف المضاف والمضاف إليه ، أو الصفة أو الموصوف أو المعطوف أو المعطوف عليه / ينظر البرهان في علوم القرآن لبدر الدين الزركشي ، تحقيق د. يوسف المرعشلي وآخرون ، دار المعرفة بيروت ، ١٤١٠هـ ١٩٩٠ م ج٣ / ٢٠٧
(٦) تنوين العوض قسم منه ( يكون عوضا عن اسم ، وهو اللاحق ل ( كل ) عوضا عما تضاف إليه ، نحو ( كلٌّ قائمٌ ) أي ( كلُ إنسانٍ قائمٌ ) فحذف إنسان وأتى بالتنوين عوضاً عنه ) شرح ابن عقيل ، محي الدين عبد الحميد ، مطبعة السعادة بمصر ١٣٨٤هـ - ١٩٦٤ م ج١/ ١٧
(٧) ( نحن نعلم أن المبتدأ إذا كان نكرة ليس لها مسوغ في الإبتداء وجب تقديم الخبر الظرف أو الجار والمجرور فتقول ( في الدار رجل ) فتقديم الخبر هنا واجب وليس لأمر بلاغي ولا يسأل عن الغرض من هذا التقديم )
معاني النحو الدكتور فاضل صالح السامرائي ، مطبعة التعليم العالي في الموصل ١٩٨٦ - ١٩٨٧ م ج١ / ١٦٥
(٨)الاحتراس وهو أن يؤتى في كلام يوهم خلاف المقصود بما يدفعه . الإيضاح في علوم البلاغة ج١/ ٢٠٢
(٩) الاطناب وهو إما بالايضاح بعد الإيهام ؛ ليُرى المعنى في صورتين مختلفتين . أو ليتمكن في النفس فضل تمكن ؛ فان المعنى إذا ألقي على سبيل الاجمال والابهام تشوقت نفس السامع إلى معرفته على سبيل التفصيل والإيضاح / الإيضاح في علوم البلاغة ج١ /195
آخر تعديل شاكر السلمان يوم 03-09-2015 في 05:16 PM.