فكر وأدب باكثير
لم يعرف تاريخ الأدب العربى الحديث أديبا صدر فى أدبه فنيا وفكريا عن التصور الإسلامى للإنسان والحياة والكون مثلما فعل على أحمد باكثير "1910-1969) فى العشرات من أعماله ذات الموضوعات المتنوعة المستمدة من التاريخ والأسطورة والتراث العربى والإنسانى..ومن الأحداث السياسية المعاصرة والحياة الإجتماعية التى تزيد على ثمانين مسرحية طويلة ومئتى مسرحية قصيرة فضلا عن رواياته وأشعاره .
موقفه من فرعونية مصر
وصل باكثير إلى مصر سنة 1934 برؤية أوسع أفقا وأكثر تطورا للعلاقة بين العروبة والإسلام مما كان سائدا آنذاك إذ كان يعجب لذلك التناقض الذى يزعمه بعض المتحمسين للعروبة من القوميين العلمانيين الذين يرفضون ارتباط العروبة بالإسلام .
وكان الصراع محتدما ليس بين دعاة العروبة ودعاة الإسلامية فحسب بل بين هذين الفريقين وبين دعاة الفرعونية أيضا . فعجب لهذا الصراع ولم يجد له مسوّغا . وكانت له وجهة نظر مفادها أن الذين يدْعون إلى العروبة من دون الإسلام عليهم أن يتذكروا أن الإسلام هو الذى أوجد العروبة وصنع الأمة العربية بكيانها الحضارى وامتدادها الجغرافى الكبير من المحيط إلى الخليج . إذ كان العرب قبل الإسلام شتاتا قبائل متناحرة فى الجزيرة العربية . ولم تستطع الرابطة القومية وحدها أن توحدهم . فإذا كان ثمة اعتزاز بالقومية العربية أو العروبة فهو فى حقيقة الأمر اعتزاز بالمآثر الحضارية التى ما كان للعرب أن يصنعوها لولا الإسلام .
وبالنسبة للإسلاميين الذين يروْن فى الربط بين الإسلام والعروبة تناقضا ، فهم يجحدون حقيقة أقرها الله – سبحانه – من فوق سبع سموات حين أكرم العرب فجعل رسوله صلّى الله عليه وسلم منهم . وجعل العرب مادة الإسلام الأولى..وجعل كتابه المنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم بلسانهم . فقال عز وجل " إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون " . وكان باكثير من أشد المؤمنين بعروبة مصر ودورها فى خدمة الإسلام والحضارة الإسلامية منذ صباه فى حضرموت وظل حلم الوصول إليها يؤرقه..لهذا يعبّر غداة وصوله لمصر عن حبه العظيم لها وذلك فى أول قصيدة نشرت له فعبرت عن ذلك الحب الذى بلغ مدىً جعله يظن أن وطنه الأصلى بلاد الأحقاف "حضرموت" تغار من حبه لمصر :
يا مصر شاق البلبل التغريد – والأيك أنت وحوضك المورود
وافاك من أقصى الجزيرة شاعر – أضناه دهر فى هواك مديد
كم صب أدمعه عليك صبابة _ والليل يعلم والنجوم شهود
وشوامخ (الأحقاف) تدرى ما به _ فتُغار منك وكلها تهديد
و(....نتابع بقية الحديث فى فقرة لاحقة إن شاء الله )
وإلى الشاعرين هدوولة وألبير وإلى القراء تُهدى الفقرة القصيرة أدناه
ثم يخاطب دعاة العروبة والفرعونية ويذكرهم بعلاقة مصر بالعروبة والإسلام بقوله :
و تبوأ الإسلام مصر فأصبحت
رغلا به العرب العداة أسودُ
فعلام يكفر بالعروبة معشرٌ
في مصر كل هرائهم مردودُ
ثم يدافع عن وجوده بمصر فيقول مفاخرا :
إن تضح دارى حضرموت فإننى
فى مصر بين الأقربين سعيد
من أصلهم أصلى ومن دمهم دمى
آباء صدق بيننا وجدود
يا مصر أنت على البسيطة جنة
ما فى البسيطة مثلها موجود
للدين فيك وللعروبة معقلٌ
لا يستباح ، ومنهل مقصود