عرجت على ساحة الحطب القديمة التي يتوسطها العديد من الفنانين محبي رصد الوجوه الباسمة التي كثيراً ما تتوقف بكل دهشة وهي تتصفح موقع هذه الساحة، التي تحيط بها المباني العتيقة المرصعة بالحجارة العتيدة، تسورها أشجار من الحور والسرو والصنوبر!
كانت تعلو هامات منازلها، أقواس من الطراز الفرنسي، بينما اتخذت المداخل الطراز العثماني، عبق من التراث الصليبي والإسلامي، كنائس ومحلاتً لبيع المقتنيات الأثرية، والاكسسوارات المنزلية، والسجاجيد والبُسط الصوفية التي أبدعت بصنعها أيادٍ ماهرة.
لم تكن صدفة أن ألتقي به، بين الأزقة العتيقة، التي تزين منعطفاتها عريشات الياسمين ودوالي العنب المعتق، من الأزمنة الغابرة التي استوطنتها عشرات الجحافل، وعبرت من خلالها آلاف الوجوه من السائحين، ومئات الحناجر من المغول والتتار والترك والروم.
شعرت برعشةٍ بين أوصالي، كانت نسائم الخريف تتسلل عبر نوافذ المطاعم والمقاهي، إنه شهر تشرين الذي تتبدل فيه ألوان الملابس، ونوعيتها، شهر كثيراً ما يشعرني بالترف الفكري، كما ترف ملابسي القطنية التي تجعلني أفتش عن أجملها في المحلات والمتاجر.
تقدم مني بكل هدوء، وبمحاولة لجذبي للحديث معه، سألني:
ـ ألا يوجد مكتبة عامة بالقرب من هنا؟
ـ نظرت إليه، متسائلة هل يحاول إيقاعي للحديث معه؟أم حقاً يريد زيارة المكتبة العامة، التي ما زالت الأجيال تتردد إليها على الدوام، أذكر كم كانت تذخر بالكتب القيّمة، التي كانت تشدني على الدوام، سارعت بالإجابة إنها على الناحية الثانية من الساحة، هناك في أقصى اليسار.
ـ بادر لشكري، وألقى تحية الوداع، ثم استدار إلى الناحية الثانية، قاصداً طريق المكتبة العامة.
كانت الساحة، هادئة للغاية، الرسامون منشغلون في تلوين الوجوه، والنحاتون يعملون بكل براعة على نحت مجسم لمعلم من معالم المدينة القديمة!بينما النساجون، انفرد كل واحد منهم في عمل سجادة من الصوف أو الحرير لبيعها لسائحي المنطقة بالسعر الذي يجعله يشعر بالاطمئنان، على أنه قبض ما يستحق لقاء تميز عمله، وتعبه وجهده.
تابعت مسيري، بين الدروب الضيقة، لم تكن خطواتي وحدها التي تدق أرصفة الأحياء المرصعة بنزق الانتظار، الانتظار الذي يذكرني برحيق اللوز، ومباهج اللاذورد التي رصعت حواف بركة الماء، التي توسطت ألوان الورود، وسط الساحات النائمة.
مشيت طويلاً، أفتش عن معالم مدينتي، الغارقة بالهدوء، رغم ضجيج الأحداث عالمياً ومحلياً!
كانت المآذن، تتهيأ لرفع آذان العصر، لدى وصولي مركز المدينة، لم يكن يبعد كثيراً عن ساحة الحطب التي كثيراً ما آوت غضبي، في لحظة حنيني لصهوة جوادي الذي ابتعد عنه في فترات الدراسة مع نهايات الخريف حتى أواخر أيام الشتاء.
ساورني القلق كثيراً، بينما كانت تقودني خطواتي، إلى المنعطفات، التي استلقت ألوان النبيذ المعتق على جدرانها، حتى تغنت الدروب بها واِعتلت شبابيكها الخشبية ذات اللونين الأصفر والفستقي! الصمت كان طويلاً، لايكسره سوى وقع خطواتي التي على ما يبدو تاهت في إيجاد مخرجٍ لها، فاستسلمت للتخمين في كيفية إيجاد مفرق يوصلها بعالم المدينة الحديث.
ـ فجأة وجدت نفسي أمام منزل أنيق المظهر، بأبواب خشبية عتيقة ذات اللون الأزرق، لم تكن النوافذ مُغلقة مافيه الكفاية لتحجب الزجاج الذي تزينه ستائرٌ بيضاء ووردية ناعمة، إنه منزل ساره التي غادرت إلى ايطاليا منذ عدة سنوات كانت إحدى الوجوه التي التقيتها خلال رحلاتي!
حملت في ملامحها الصارمة عناد شديد اللهجة، تؤمن بالوطن الواحد، وبأن الله اختار شعبها ليكون خليفته في الأرض! بعد أن يئست من الهجرة إلى الأراضي المحتلة برفقة زوجهاالذي التقته هناك فضلت البقاء في ايطاليا، لم يزل منزلها كما هو بألوانه وعبثياته، ما أثار انتباهي الشبابيك التي تركت وقعها، هل عادت سارة؟
هل عادت لترصد موجة الأحداث التي تمر بها البلاد، إنها تعمل كمراسلة صحفية لأكثر من مكتب في مدن أوربة الغربية تفضل الريف لقضاء إجازتها الأسبوعية لتمارس هواية الكتابة الروائية وتقدم للعالم أفكارها على شكل رومانسيات مفصلة.
كانت تقول بأن معظم من اختارالهجرة إلى القدس، فضل البقاء في الدول الأوربية، تلتقي بهم، وترافقهم موائد أعياد العرش والأنوار اليهودية.لا أعلم ما الذي أوصلني إلى هذا الحي من الأحياء القديمة، ، أنا لم أزرها في منزلها أبداً، لكنني كنت أمر من أمام هذا المنزل إثر كل لقاء لي بها في إيطاليا!
ما إن رُفع آذان العصر، حتى عثرت على مخرج يوصلني بالحداثة، التي تلف المدينة لأحتك بها مرغمة، فأدنو من الأرصفة المؤدية إلى منزلنا الصغير، كما حمامةٍ أنهكها غيم تشرين المسافر، فتستعد لتدخل أعشاش أصدقائها مرغمة لا يخفف عنها سوى وطأة اللمة بين أحضان الرفاق الذين غادروا إلى فضاءات عالم أوسع.
أنهيت طقوس تبديل الملابس، وشرب الشاي، و بدأ تساقط المطر يبدد رتابة الشوارع، ويكسر صمتها، ما إن اقتربت من النافذة حتى تسللت صورة ذلك الرجل الوسيم مخيلتي، أتراه آرام زوج سارة، وهل حقاً كان يريد معرفة أين تقع المكتبة العامة؟!
قصة حلوة حقا ذات صوت واحد صوت المؤلف القصة رسمت مواقع وتفاصيل أثرت النص واهتم المؤلف من خلال هذه التفاصيل إمتاع المتلقي وجذبه ومن خلال الذكريات، الحدث بسيط خرجت للتسوق رأت معالم المكان اشترت ملابس رآها رجل سألها عن المكتبة وذهب تابعت طريقها رأت نافذة بيت صديقتها مفتوحة وتساؤل عن الشخص الذي سألها
هل هو زوجها. تركيز القصة على تفاصيل المكان، أيضا القصة واقعية سرد واقعي حياة المؤلفة أقول استمعت بالقصة لك الشكر
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد فتحي عوض الجيوسي
قصة حلوة حقا ذات صوت واحد صوت المؤلف القصة رسمت مواقع وتفاصيل أثرت النص واهتم المؤلف من خلال هذه التفاصيل إمتاع المتلقي وجذبه ومن خلال الذكريات، الحدث بسيط خرجت للتسوق رأت معالم المكان اشترت ملابس رآها رجل سألها عن المكتبة وذهب تابعت طريقها رأت نافذة بيت صديقتها مفتوحة وتساؤل عن الشخص الذي سألها
هل هو زوجها. تركيز القصة على تفاصيل المكان، أيضا القصة واقعية سرد واقعي حياة المؤلفة أقول استمعت بالقصة لك الشكر
كل الشكر للمرور والقراءة المتأنية، والتقييم والتعليق
تحيتي وتقديري