وكَمْ في العشقِ أشباحٌ ضَحاياها! = وكمْ في القلبِ تَجرحُهُ شَظاياها!
وتلكَ الريمُ للآسادِ صائدةٌ = صَرِيعِي اليأسِ ما ذاقوا مَـزاياها
لها عينانِ فاتنتانِ، كاذبةٌ = سِهامُ اللحظِ مُرسِلَةٌ مَناياها
رجاها القلبُ شهدَ الوصلِ في شَغَفٍ = وسِرُّ الشوقِ تَكتمُهُ حَناياها
صديقُ النجمِ والأحلامُ تُسْـكِرُه = وحُسنُ الكونِ قد أمسَى مَراياها
إذا ما مازَجَتْ عينيهِ رَوعتُها = يَمامُ النبضِ تَقنِصُهُ سَباياها
ويَهذِي الثَّغرُ بالأشعارِ مُنتَـشِيا = كأن الرَّوحَ قدْ كشفَتْ خَباياها
أما عَلِمَتْ بأنَّ القلبَ مُرتجفٌ = وآهُ الوجْـدِ والأشواقُ جاياها؟
فَوَا أسَـفًا على مَنْ عذَّبتْ لَهَفًا = بِبسْمتِها، ودَمُهُ مِنْ خَطاياها
مَليكةُ قلبِ هذا الصَّبِّ تَهجرُهُ = فمَنْ يُؤويهِ إنْ نبذَتْ رَعاياها؟
وقفْتُ بباب خافِقِها أُناشِدُه = وأُنشِدُه: أما لي من عَطاياها؟
مُجوّعتي وَذِي الوَجْـناتُ جَنّـتُها = مُعطّشتي وفي شَفَةٍ رَواياها
مُضيّعتي وغَوثُ اللَّهْفِ كِلْمتُها = أَهَبتُ بها، وما بَعثَتْ سَراياها!
ولو أقسمْتُ بالأسحارِ أهجرُها = تُذيقُ القلبَ شِعرًا من صَـفاياها
تُمنّيني سَرابًا لستُ أبلغُهُ = فلا منعَتْ ولا منحَتْ هداياها!
خَـئُونُ القلبِ، بالعشاقِ ماكرةٌ = كأنَّ الكيدَ يَسْرِي في خلاياها!
بَعثتُ لها أعاتبُها، لِتَنْهرَني: = "وما أغراكَ منّي بالهَوَى يا ها؟!"
فَهِمْتُ - وكانَ ذا متأخرًا عَبَـثًا - = بأنَّ الغدرَ أصلٌ في سَجاياها!
فَهِمْتُ على دُروبِ الحزنِ مُنتَحِبًا = وما يُغنِي عن الثَّكلَى نَعاياها؟!
فيا نَجما، ويا بدرا بَكَى حَزَنًا = دَعَا عُمرًا رماني من بَلاياها
لقد أخلصتُ في حُـبِّي لجاحدةٍ = فَأَسْـقَتْـني لَظاها في عَشاياها
وَعَيْـتُ الدرسَ: فالحيّاتُ ناعمةٌ = ويُخفِى الحُسنُ سُمَّا في حَشاياها
وأشكرُها على جُرحٍ يُحنِّكُني = وأذكرُ دائمًا أبدًا وصاياها!
وأُعلِمُها بأنّي لنْ أظلَّ لها = أسيرَ اليأسِ تَسجُـنُني زواياها
فلن أبقى إلى الآبادِ شاعرَها = ولن تَسمو ونَجماتي مَطاياها
فأحزاني رمادٌ من محبتِّها = وهذا الشِّعرُ جمرٌ من بقاياها
سأمحوها كما بالوهمِ أَرسُمُها = وأسحقُ بينَ أشيائي أشاياها
محمد حمدي غانم
8/6/2012
_____________________
* جاياها: لغة في جاءاها، بتسهيل الهمزة.. وقد ذكرها لسان العرب.
* الرَّوايا: جمع رَويّة، وهي وعاء السقاية، وتطلق أيضاعلى الجمل الذي يحمله.
* السرايا: جمع سرية، وهي مجموعة من الجيش لا تزيد عن 400.. وسُمِّيت كذلك لأَنها تَسْري ليلاً في خُفْيةً لئلاَّ يَنْذَرَ بهم العدوُّ، أو لأنها تتكون من مجموعة من أفضل الجند، نسبة إلى الشيء السَّرِيِّ النَّفيس.
* الصَـفايا: جمع صفيّة وهي الشيء المصطفى.
* النعايا: جمع النعيّ أو النعيّة، وهما النعي أو الإخبار بموت الميت.
* البلايا: جمع البليّة وهي المصيبة.
* العَشايا: جمع العشية، وهي الوقت من بعد العشاء.
* الأشايا: جمع الشيء، مثلها مثل الأشياء.
تصحيحان:
- دمه من خطاياها: بها كسر.. أصحهها إلى: ودَمّي مِنْ خَطاياها.. والدمّ مشددة الميم لغة في الدمِ ومذكورة في المعاجم.
- معلومة عرفتها اليوم لأول مرة:
إذا فصل بين كم الخبرية وتمييزها فإنه ينصب ولا يجر..
لهذا صححت الشطرة الأولى لتصير:
وكَمْ في العشقِ أشباحًا ضَحاياها!
قرأت هذه المعلومة في معجم القواعد العربية، وقد رجعت إليه لأني احترت في إعراب كلمة "أشباح"، فجرها بدا غريبا بالنسبة لي باعتبارها تمييز كم، ولهذا قدرت تمييزا محذوفا لكم واعتبرت أشباح مبتدأ في جملة.. ولكن هذا لم يقنعني أيضا.
لهذا فالصواب هو:
الجر بدون فاصل: وكَمْ أشباحٍ في العشقِ ضَحاياها!
النصب إذا وجد فاصل: وكَمْ في العشقِ أشباحًا ضَحاياها!
شكرا لتقديرك أ. أسعد..
الهدف الرئيسي من كتابتي للشعر في هذا العصر رغم أنه لم يعد يتسع لمناقشة القضايا اليومية كالمقال، ولا يصل لمشاعر الناس كالقصة والرواية والفيلم والمسلسل، هو أن الشعر يحفظ اللغة ويعلمنا ما نسيناه من ألفاظها، ويصحح ما أخطأنا فيه من قواعدها.. وهذا بالطبع ينطبق بنسبة غالبة على الشعر العمودي، لأنه تحد مستمر لقريحة الشاعر، يجبره على قدح ذهنه والرجوع للمعاجم وكتب الصرف والنحو.. وكلما تخلى الشاعر عن قيد من قيود السعر، سقط منه حافز من حوافز اللغة، فمثل هذا التحدي يقل في شعر التفعيلة، ويكاد ينعدم في ما يسمونها قصيدة النثر، وطبعا ينعدم تماما في الزجل العامي.
لعل هذا يفسر لماذا أصر على تحدي نفسي بقواف صعبة وإلزام نفسي فيها بما لا يلزم أحيانا (مثل قافية هذه القصيدة)، فقد أثبتت لي التجربة أن كل قصيدة صعبتها على نفسي جاءت أفصح وأجزل من غيرها، وخرجت مختلفة الطابع عن القصائد سهلة القافية معتادة الألفاظ والتركيبات.
تحياتي
شكرؤا ايها الشاعر الجميل على رؤيتك الجميلة
ونظرتك الراقية للشعر
على الوافر الكامل بتفعيلاته
والذي قليلا جدا ما نطرقه على حالته الكاملة
ومع ذلك احتفظ بموسيقاه