من المفارقاتِ العجيبة أن أجدَ في دموعِ الفرح طعم العذوبة أكثر من دموع الحزن والفراق المالحة الأجاج ، فهي على عكسها تماماً ، يالها من مفارقة عجيبة، بالطبع ياصغيرتي فأنكِ حتماً معتادةً على أن تتذوقي طعم دموعي كلما أنقضى من عمركِ عاماً تعبيراً مني عن سعادتي المفرطة بكِ منذ أن ابصرتي النور وإلى عامنا هذا ، وربما لاتعلمينَ كم أنا مستاءٌ في هذا الوقت بسبب تراكمات الحياة ومشقّاتها ولذلك كانَ عليَّ أن ابتعد عنكِ كي لاتتذوقي مني دموع الحزنِ والفراق وطعمها الأجاج . فلو تعلمين ياحبيبتي كم هي غالية على والدكِ ان يريقها مهما بلغ الثمن .
ابنتي.. ليسَ بوسعي تحمّلَ ألم هذا الفراق المر وكل مامتاح لي حالياً هو وقتٌ ضائع اقضيه في التفكير والأجهاد واحس ان دماغي عبارة عن (ملعب كولف) بحيث ان يومي يبتدئ بسيجارة (ماك) وكوب شاي (ليبتون) إيراني فيه بقايا من رائحة (ورق الغار). ولكنني مجبر على احتساءه لأدخل بعدها إلى ملحمة العمل وهمومه ومناكفات العمال التي لاتستند إلى نقابة أو تنظيم ، بل كل شيئ يسير على طريق العبث ، فقبل ان ادخل لهذه الملحمة لابد أن اتزوّد بعلكة (باطوق أبو السهم ) التي أفضّل قضاء وقتي بمضغها أفضل من أتعب نفسي بالحديث مع أحدهم وماان ينتهي العمل أذهب لغرفتي وأكون مستلقياً وطمعاً بكوب شاي آخر ولكن ليس (الليبتون) الإيراني هذه المرة، بل الشاي العراقي (سيلاني ابو البجعة) الذي يبيعه (أبو جاسم) الوديع المبتسم دائماً، ثم بعدها أغرق بالتفكير إلى أن اغط بنومٍ عميق يوقظني منه (شعواط) زيت الطهي (لطاوة طماطة شايطه) التي يحبها (ابو محمد) مع (صمون بألف) ونتناول سوية طعام الغذاء، وهكذا هي أيامي الباقية ياابنتي العزيزة، فهي تنقضي بالليبتون ومرقة الطماطم وتفكير متعب وعمال متعبين، أها.. نسيت ان اذكركِ بهم، العاملة (ب) تسكن مع والدتها المطلقة وستة اخوات هي تعيلهم مهتمة بشكلها الخارجي عشبياً (وخلطات) تحاول تصليح ابتسامتها عن طريق برد أسنانها المتباعدة وفم يبدو (كسمكة قرش) والثانية هي المبجلة (أ.ح) التي لايتعدى طولها (١٣٥)سم وبوزن (٤٠) كغم ذات طبيعة انطوائية وذات شكل منبوذ اجتماعياً. وأما العامل (ح) فهذا تحدى المدعو (عبدالله بن أبي سلول) أن يضاهيه في النفاق والتملّق والكذب وكانّي أراه (ابن ملجم اللعين) أو هو (الأسوَد) الذي قتل أولاد مسلم بن عقيل. وعامل آخر يدعى (أ) لااعرف ماهي غاية الله في خلقه ، أحسّه زائداً او غير مبرراً له العيش في زنزانة وليس البرية فقط ، المهم يابنتي الحبيبة وانا اكتب لكِ أحدهم يناديني على العشاء، وحسب ماأعرفه أنهم قاموا بجلب لكل عامل (لفتين فلافل) مع كيس (العمبة) أتمنى أن أكون قد شرحت لكِ كيف أقضي يومي المتعب وأتمنى كذلك ان أكون قد رسمت على شفتيكِ الابتسامة.
ومن الله التوفيق
الأب المخلص