لم يكن دخول المرأة العربية الساحة الإعلامية طارئاً، بل نتاج تنمية شاملة للمجتمع العربي، وما رافق ذلك من تقدم تكنولوجي وانفتاح ، ولمّا نجحت المرأة مؤخراً في الانخراط بمختلف الميادين، كان حضورها في الإعلام قوياً؛ إذ فرضت نفسها في قطاعاته المختلفة.
كما بات من المألوف للمشاهد، أثناء تنقله بين المحطات الفضائية، أن يلحظ هذا الزخم في البرامج الحوارية أو الاجتماعية أو السياسية، عدا عن تقديم نشرات الأخبار التي تزخر بها الفضائيات، لنساء سطع نجمهن وغدون مشهورات لمن يرغب في متابعة كل ما هو هادف.
التلقائية والثقة، فضلا عن الثقافة وسرعة البديهة، وجدّية المواضيع التي تهم المواطن العربي، هو ما ميز نجمات إعلاميات، كددن وثابرن، وشكّلن نقطة لبداية تحول النظرة للمرأة الإعلامية، وإن كان بطيئاً، أملا في كسر القيد الاجتماعي، وإنصافهن بتبوء المواقع القيادية التي يستحققنها.
مديرة تلفزيون مكتب فلسطين سناء المفلح، توضح أن المرأة العربية "حاضرة بثقل على الساحة الإعلامية"، غير أنها لم تشغل المناصب القيادية أسوة بالرجل إلا ما ندر، مضيفة "لا لنقص فيها، أو لعدم امتلاكها للأدوات، أو تسلحها بالعلم والثقافة وامتلاكها "الكاريزما" وإنما لأننا ما نزال نعيش في بقايا إطار المجتمع الذكوري".
من جهتها ترى الإعلامية اللبنانية على قناة العربية ريما مكتبي، أن المشكلة ليست في ظهور المرأة الإعلامية، فهناك نسبة كبيرة من الإعلاميات البارزات في مختلف القطاعات، غير أن المعضلة الحقيقية في مشاركتها في صنع القرار، فهي حتى الآن لم تتبوأ مواقع قيادية تؤهلها لذلك، فما يزال الرجل يأخذ القرار عنها بحياتها وعملها، وهذه أكبر المعوّقات التي تنتقص من حق المرأة.
"المرأة العربية تميزت في حضورها الإعلامي على أي صعيد كان"، وفق الصحافية والمراسلة في قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، لافتة إلى أنها أسهمت في تغيير الصورة النمطية السلبية لها في هذا المجال.
في حين تؤكد معدة برامج وصحافية بالعربية في غرفة الأخبار إينجي القاضي، أن الإعلامية "أثبتت نفسها"، فهناك كثير من البرامج التي تقدمها امرأة، لاقت صدى ونجاحاً كبيرين، وتأثيراً أقوى من تلك التي يقدمها رجال، واستطاعت أن تطرح قضايا رأي عام.
أبو عاقلة تعتبر نفسها "محظوظة"؛ لأنها تعيش وسط بيئة متفهمة، وهو أهم ما تريده الإعلامية، مبينة أن أهم المعوّقات التي تواجه المرأة على هذا الصعيد "عدم تلقي الدعم الكافي من البيئة المحيطة" موضحة أن "العمل الإعلامي يتطلب تفرغاً ووقتاً طويلاً، يستوجب تفهم ذلك".
وتجمل المفلح التحديات التي تواجه الإعلامية، بالظروف القاسية التي تحيط بها من أهل أو زوج، إلى جانب غيرة الرجل من نجاح المرأة في بعض الأحيان، لافتة إلى أن عطاء الإعلامية، معتمد على البيئة وخصوصاً للمرأة المتزوجة، "فكما أن وراء كل رجل عظيم امرأة فإن وراء كل امرأة عظيمة وناجحة رجل يتحمّلها ويقدم لها الكثير".
من المعوّقات التي تعترض الإعلامية، كما تقول المكتبي، المفاهيم الاجتماعية التي تضع علامات تساؤل، وتراشق التهم في حال أثبتت امرأة نفسها على صعيد عملها، في حين لا تطال الرجل إن سطع نجمه على الصعيد ذاته، فهو حق طبيعي له ومحرم على المرأة، فضلاً عن أن المجتمع العربي لم يتقبل بعد، فكرة وجود المرأة في مواقع قيادية.
"ذكورية المجتمع، بصراحة أبرز المعوّقات التي تواجه المرأة الإعلامية"، فضلاً عن "المضايقات التي تعاني منها المرأة كونها أنثى"، بحسب القاضي التي ترفض أن تنتزع من المرأة، صفة الإبداع على الصعيد الإعلامي، كون شكلها أو طلّتها كافية، فالمرأة المبدعة والمثقفة تعجب الجمهور، وخصوصاً في ما تطرحه من مواضيع جادة.
وفيما يخص النظرة للإعلامية، تقول أبو عاقلة "هناك وجهتا نظر؛ واحدة تقدمية ترى أن المرأة نجحت في مختلف الميادين الإعلامية، وأخرى تسوق للمرأة على أنها سلعة، وهذه المحطات هدفها تجاري بحت".
ومع وجود القنوات التجارية، إلا أن كثيراً من البرامج الهادفة، طغت على الساحة العربية، لأن المشاهد العربي "ذكي وانتقائي ويميز الغث من السمين"، بحسب أبو عاقلة التي تشير إلى أن الشكل ليس مقياساً للإعلامية، وإنما الحضور وإتقان العمل هو الأهم.
من جانبها ترفض المكتبي بشدة، الخوض في تجريد المرأة من الإبداع والمقدرة على العمل، واتخاذ الشكل وسيلة لنجاح الإعلامية، موضحة أن الجمال نسبي للأنثى من جهة، ومن جهة أخرى فإن الإعلامية العربية استطاعت أن تستميل المشاهد فيما تقدمه من برامج تحترم عقله.
وفي الإطار نفسه، تلفت المفلح إلى أن المواطن العربي اليوم، لم يعد ساذجاً لا يفرق بين الإعلامية المبدعة والمثقفة والبرامج الهادفة، وأخرى "السطحية التي تستهدف فئات بعينها " فهو "انتقائي وذكي".
النجاح الإعلامي الذي حققته المرأة، ليس حادثاً كما تقول أبو عاقلة، عازية ذلك إلى "الكم الهائل من البرامج النسائية ومن مقدمات النشرات الإخبارية"، وتتفق معها المفلح، التي تلفت إلى تزايد الإقبال على التعليم الجامعي الإعلامي، فما وصلت له المرأة ليس وليد الصدفة، إنما نتيجة جهد وتعب متواصل، ومواظبة أفرزت نجمات إعلاميات، ويوماً بعد يوم، نشهد ولادة إعلامية متمكنة، وهذا يدل على التطور الذي يشهده قطاع الإعلام النسائي.
نجاح الإعلامية في ملف أو برنامج معين، نتاج جهد وتعب متواصلين، وبسبب امتلاكها الكاريزما؛ لذا فهو مشهد طبيعي تتساوى فيه المحجبة والجميلة ومتوسطة الجمال، فالعامل المشترك بينهن "الدأب والإبداع والإخلاص في العمل"، وفق مكتبي التي ترى أن "المنافسة في الإعلام أفادت المرأة في تطوير نفسها وما تمتلك من أدوات ومهارات"، مبينة أنها "شرسة"، فهو دافع لأن تتقدم.
القاضي ترى أن الانفتاح الإعلامي، ساهم في التعريف بالإعلامية العربية، لافتة إلى أن قضايا المرأة على سبيل المثال، في دولة عربية ما، لم تعد مخفية على أحد، حتى في أكثر الجوانب حساسية، فالمرأة في هذا المجال عملت على نشر التوعية في الجوانب النسائية.
أبو عاقلة تنظر بتفاؤل للانفتاح الإعلامي، وترى أنه صب في صالح المرأة، التي باتت أكثر حماساً وإرادة ومثابرة لتقديم الأفضل، منوّهة إلى أنها استطاعت أن تثبت جدارتها في هذا المضمار، وهي لا تقل عن الرجل أهمية فيما تقدمه.
وتؤكد المفلح أنه "لا يوجد مجال إعلامي لم تدخله المرأة"، غير أنه وللأسف رغم الجهد الكبير الذي أحرزته، إلا أنها لم تصل للمراكز القيادية، عازية السبب إلى "المجتمع الشرقي الذي يرفض قيادة المرأة، فضلاً عن الشك وعدم الثقة بقرارات المرأة عموماً، إضافة إلى وجود فئة تخاف وتغار من تميزها على الرجل".
وتذهب مكتبي إلى أنه لم تعد هناك ميادين إعلامية، لم تخضها المرأة من طرح البرامج السياسية والحوارات مع شخصيات لها وزنها، إلى جانب تقديم الأخبار وتغطية الحروب، وكل ذلك ساهم في كسر الصورة النمطية للمرأة.
وكانت دراسة أجريت مؤخراً، تتناول التمييز الذي تواجهه الإعلاميات الأردنيات في النوع الاجتماعي، ضمن القوانين الأردنية، أظهرت أن نسبة وصول الصحافيات إلى مناصب قيادية للمؤسسات الإعلامية لا تتعدى 1 %.
أما الأسباب التي تحول دون وصول الإعلامية لمناصب قيادية، فترجعها الإعلامية والأكاديمية د. لانا مامكغ لـ "أعراف اجتماعية ليس إلا، ومقاومتها هو التحدي بحد ذاته".
وتلفت مامكغ إلى أن المرأة "أكثر حرصاً على المال العام، ولديها حس عال بالمسؤولية، فضلاً عن أن منسوب الأمانة عندها عال، وتمتلك النزاهة؛ لذا يجب منحها الفرصة لتولي المناصب القيادية".
وتشير إلى وجود حرب بين نوعين من النساء على الصعيد الإعلامي صنعها الرجل؛ إعلاميات جميلات مغريات، وأخريات جادات رزينات تعبن على أنفسهن ووصلن بالطرق الصعبة، مؤكدة على أنه ومع هذا التنافس لا يصح إلا الصحيح، فالمتلقي واعٍ ويعرف أين يحقق مراده.
ومشكلة الإعلامية العربية، من وجهة نظر مامكغ، تكمن في أزمة الرجل، الذي يشهد حالات نجاحها وخطاها وتفوّقها فيقف مذعوراً منها، موضحة أن "المرأة وحدها لا تصل".
وبأسف تقول مكتبي "أمنيتي أن أرى النساء في مناصب قيادية بوسائل إعلامية كبيرة"، مستنكرة النظرة المجتمعية، التي ترى أن المرأة إذا حملت فهي ناقصة، وإذا عندها أولاد فهي غير متفرغة للعمل، وإذا عملت فهي ليست "ست بيت"، كما أن الموظف الذكر العربي لا يأتمر بامرأة".
"المحزن في الأمر، أن المرأة التي أثبتت قدرتها على الدخول في مختلف الميادين، بما فيها العمل تحت القصف، وفي أحلك الظروف، لم تصل بعد إلى مناصب قيادية أسوة بالرجل"، وفق أبو عاقلة التي توضح أن هذا يدل على أن الإعلامية العربية، أمامها شوط طويل على هذا الصعيد.
وتجد الإعلاميات في يوم المرأة العالمي فرصة للمعايدة على النساء عموماً، ومن تعمل في هذا القطاع خصوصاً، للتركيز على نقاط القوة وكسر الصورة النمطية والتسلح بالعلم والعزم.