(أ)
تختلف حركة الكاف من كلمة "حموك" تبعا لاختلاف اللغويين في اختصاص الكلمة بأقارب الزوج فقط أو في عمومها أقارب الزوج أيضا؛ فمن رأى الرأي الأول ضبطها بالكسر "حموكِ"، ومن رأى الرأي الثاني ضبطها بالفتح "حموكَ".
وإليكم البيان!
(ب)
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ.
فتح الباري بشرح صحيح البخاري
قَوْله: (أَفَرَأَيْت الْحَمْو) زَادَ اِبْن وَهْب فِي رِوَايَته عِنْد مُسْلِم "سَمِعْت اللَّيْث يَقُول: الْحَمْو أَخُو الزَّوْج وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ أَقَارِب الزَّوْج اِبْن الْعَمّ وَنَحْوه". وَوَقَعَ عِنْد التِّرْمِذِيّ بَعْد تَخْرِيج الْحَدِيث " قَالَ التِّرْمِذِيّ: يُقَال: هُوَ أَخُو الزَّوْج, كُرِهَ لَهُ أَنْ يَخْلُو بِهَا. قَالَ: وَمَعْنَى الْحَدِيث عَلَى نَحْو مَا رُوِيَ لَا يَخْلُوَنّ رَجُل بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ ثَالِثهمَا الشَّيْطَان اهـ. وَهَذَا الْحَدِيث الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ أَخْرَجَهُ أَحْمَد مِنْ حَدِيث عَامِر بْن رَبِيعَة.
وَقَالَ النَّوَوِيّ: اِتَّفَقَ أَهْل الْعِلْم بِاللُّغَةِ عَلَى أَنَّ الْأَحْمَاء أَقَارِب زَوْج الْمَرْأَة كَأَبِيهِ وَعَمّه وَأَخِيهِ وَابْن أَخِيهِ وَابْن عَمّه وَنَحْوهمْ, وَأَنَّ الْأَخْتَان أَقَارِب زَوْجَة الرَّجُل, وَأَنَّ الْأَصْهَار تَقَع عَلَى النَّوْعَيْنِ اهـ. وَقَدْ اِقْتَصَرَ أَبُو عُبَيْد وَتَبِعَهُ اِبْن فَارِس وَالدَّاوُدِيّ عَلَى أَنَّ الْحَمْو أَبُو الزَّوْجَة, زَادَ اِبْن فَارِس: وَأَبُو الزَّوْج, يَعْنِي أَنَّ وَالِد الزَّوْج حَمْو الْمَرْأَة وَوَالِد الزَّوْجَة حَمْو الرَّجُل, وَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ عُرْف النَّاس الْيَوْم. وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ وَتَبِعَهُ الطَّبَرِيُّ وَالْخَطَّابِيّ مَا نَقَلَهُ النَّوَوِيّ, وَكَذَا نُقِلَ عَنْ الْخَلِيل. وَيُؤَيِّدهُ قَوْل عَائِشَة: "مَا كَانَ بَيْنِي وَبَيْن عَلِيّ إِلَّا مَا كَانَ بَيْن الْمَرْأَة وَأَحْمَائِهَا". وَقَدْ قَالَ النَّوَوِيّ: الْمُرَاد فِي الْحَدِيث أَقَارِب الزَّوْج غَيْر آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ؛ لِأَنَّهُمْ مَحَارِم لِلزَّوْجَةِ يَجُوز لَهُمْ الْخَلْوَة بِهَا وَلَا يُوصَفُونَ بِالْمَوْتِ. قَالَ: وَإِنَّمَا الْمُرَاد الْأَخ وَابْن الْأَخ وَالْعَمّ وَابْن الْعَمّ وَابْن الْأُخْت وَنَحْوهمْ مِمَّا يَحِلّ لَهَا تَزْوِيجه لَوْ لَمْ تَكُنْ مُتَزَوِّجَة, وَجَرَت الْعَادَة بِالتَّسَاهُلِ فِيهِ فَيَخْلُو الْأَخ بِامْرَأَةِ أَخِيهِ فَشَبَّهَهُ بِالْمَوْتِ وَهُوَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنْ الْأَجْنَبِيّ اهـ. وَقَدْ جَزَمَ التِّرْمِذِيّ وَغَيْره كَمَا تَقَدَّمَ وَتَبِعَهُ الْمَازِرِيّ بِأَنَّ الْحَمْو أَبُو الزَّوْج, وَأَشَارَ الْمَازِرِيّ إِلَى أَنَّهُ ذُكِرَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى مَنْع غَيْره بِطَرِيقِ الْأَوْلَى, وَتَبِعَهُ اِبْن الْأَثِير فِي " النِّهَايَة " وَرَدَّهُ النَّوَوِيّ فَقَالَ: هَذَا كَلَام فَاسِد مَرْدُود لَا يَجُوز حَمْل الْحَدِيث عَلَيْهِ اهـ. وَسَيَظْهَرُ فِي كَلَام الْأَئِمَّة فِي تَفْسِير الْمُرَاد بِقَوْلِهِ "الْحَمْو الْمَوْت" مَا تَبَيَّنَ مِنْهُ أَنَّ كَلَام الْمَازِرِيّ لَيْسَ بِفَاسِدٍ. وَاخْتُلِفَ فِي ضَبْط الْحَمْو فَصَرَّحَ الْقُرْطُبِيّ بِأَنَّ الَّذِي وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيث حَمْء بِالْهَمْزِ, وَأَمَّا الْخَطَّابِيُّ فَضَبَطَهُ بِوَاوٍ بِغَيْرِ هَمْز لِأَنَّهُ قَالَ وَزْن دَلْو, وَهُوَ الَّذِي اِقْتَصَرَ عَلَيْهِ أَبُو عُبَيْد الْهَرَوِيُّ وَابْن الْأَثِير وَغَيْرهمَا, وَهُوَ الَّذِي ثَبَتَ عِنْدنَا فِي رِوَايَات الْبُخَارِيّ.
وَفِيهِ لُغَتَانِ أُخْرَيَانِ: إِحْدَاهُمَا حَم بِوَزْنِ أَخ، وَالْأُخْرَى حَمَى بِوَزْنِ عَصَا, وَيَخْرُج مِنْ ضَبْط الْمَهْمُوز بِتَحْرِيكِ الْمِيم لُغَة أُخْرَى خَامِسَة حَكَاهَا صَاحِب "الْمُحْكَم".
الحَمْوُ أبو الزّوج وأخو الزّوج وكلّ من ولي الزّوج من ذي قرابته فهم أحماء المرأة وأمّ زوجها حماتُها. وفي الحَمْوِ ثلاثُ لُغاتٍ حماها مثل عصاها وحموها مثل أبوها وحَمْؤُها مقصورٌ مهموز مثل كمؤها وتقول العرب حمأة حامية وكنَّة كاوية وتقول هذا حموكِ ومَرَرْتُ بحميكِ ورأيتُ حماكِ مخفّف بلا همزٍ والهمزُ لغة رديئة وقال الشّاعر في رجل طلّق امرأته فتزوّجها أخوه:
لقد أصبحت أسماءُ حِجْراً مُحَرَّما*وأصبحتُ من أدنّى حُمُوتَّها حَما
أي أصبحت أخا زوجها بعدما كنت زوجها
وأَمّا بالهمز فتقول هذا حَمْؤُكِ ورأيت حَمْأَكِ ومررت بحَمْئِكِ مخفف مهموز.
3- تاج العروس من جواهر القاموس
(والحما) كقفا، ومن ضبطه بالمد فقد أخطأ (والحمو) مثل أبو، كذا هو مضبوط في النسخ الصحيحة. وضبطه شيخنا كدلو (والحم) محذوف الأخير كيد ودم وهؤلاء الثلاثة الأخيرة محلها باب المعتل (أبو زوج المرأة) خاصة، وهي الحماة (أو الواحد من أقارب الزوج والزوجة)، ونقل الخليل عن بعض العرب أن الحمو يكون من الجانبين، كالصهر.
ومعنى "حموك" أبو زوجك أو أخوه أو ابنه، وبالجملة فالحم نسيب زوج المرأة (أي قريب زوج المرأة أيا كانت صلة القرابة فليس قاصرا على الأب أو الاخ أو الابن وإن كان المستعمل في الكلام مقصورا على الأب الآن.