(( ظل شمس))
بعض القطع بقايا الاثاث المحطم ، اشباه جدران ، عواميد تهاوت الوانها ، تنهدات هواء اسير ذكريات كانت يومًا هنا.
بهدوء و برعشة خوف، عينان تختلسان النظر، خلف بوابة حديدية، منذ زمن لم يقترب منها سوى الصدء.
فجأة ...آتتها بعض الشجاعة لتنادي ... هل يوجد أحد هنا ؟
انتظرت و في انتظارها كانت دقات عقرب الثواني، دقات خوفها !.
لم يأتيها سوى صدى صوتها، تحمله رياح الخواء الباردة.
تشجعت مرة أخرى، اخرجت المفتاح ، بأناملها المرتعشة و بعد مجهود انهك عقارب ساعتها التي حاولت ان تذكرها بغروب الشمس و لكن فات الاوان.......
استطاعت فتح القفل و دفع البوابة الحديدة ، لكنها لم تنتبه، كيف اندفعت البوابة بكل سهولة و كأن الصدء لم يصبها يومًا!!؟
مع اول خطوة للداخل، استيقظت ذكريات حاولت نسيانها لكنها لم تستطع التراجع .
اقتربت اكثر .. فأكثر... حتى وجدتها كما هي، لم تجف. اقتربت لتلمسها. و لم تلاحظ أن هناك من يراقبها و كأنه ظلها!.....
(( رحلة البيع))
فشلت الكثير من المحاولات لبيع المنزل، يتفق على السعر و لكن عندما يأتي الشاري للمعاينة يهرول مسرعًا عندما يراها.
هكذا فعل الجميع حتى اطلق البعض عليه المنزل الملعون و البعض الاخر منزل الاشباح، حتى الصغار تخاف اللعب بالقرب منه، حتى انه قيل على لسان أحد المارة يومًا انه سمع صوت صراخ، كصراخ الموتى...!
من سمسار العقارات، كانت تتلقى الكثير من الاتصالات، و كل اتصال كان يتبعه اتصال أخر، سيدتي لقد رفض الشاري الشراء بعد رؤية المنزل، سيدتي المنزل به شيء عجيب ارجوا منك الحضور ، سيدتي لم يعد هناك أحد يرغب بشراء منزلك...!!
كانت تستمع و تضحك ثم تقول .. كل هذا هراء أنه منزلي و أنا أعرفه . إنه منزل كان مليء بالحب فكيف يحدث ذلك.!!
أخيرًا استطاعت ترتيب حقيبة سفرها، أخرجت جواز سفرها المدفون منذ سنوات لتعيد اليه الحياة، لا بل الاثنان هو و هي عادا للحياة، لكنهما لم يعرفا ما الذي كان بانتظارهما...
كغفوة مر الوقت، و بلمحة من البصر المشتاق رأيت ذراعي وطني الحبيب تمتدان لتأخذني باحضانه.
ها أنا ذا ، هنا من جديد، نفس الجسد الذي سافر، نفس الملامح الملونة بالحزن ، نفس الروح المنشطرة و القلب الممزق الما.
حقيبتي الصغيرة لم تجعلني انتظر كثيرًا و هويتي كأبنة رجل مهم اجلستني سريعًا بسيارتي المنتظرة.
ابي سوف اعود لبضعة ايام، فقط ارسل لي سيارة ولا تحاول رؤيتي......
هي الف سنة أو يزيد، سجلتها ساعة الحزن التي أهداني إياها أبي في ذلك اليوم المشؤم ....
((لقاء مع الذكريات))
تهب رياح الذكريات، أتأملني ، زهرة بيضاء داخل اطار زجاجي تحاول ان تذكرني، أنني كنت يومًا هي!
استنشق نفسي بعمق..ربما كنت انا...
اصطف مع موجة الحزن والالم التي تابى ان تغادرني ...
الم الحزن القادم من عمق الزمن..والم تواجدي غير المفهوم..
كيف لي ان اتواجد على جمر ايامي !؟
.قدماي تحترق وتصر على ان اكون هنا.
ها أنا ذا أمامها و كأننا لم نفترق طرفة عين، كما عهدتها تنبض بالحياة ، يتوسطها كيوبيد بسهامه التي اخترقت قلبي يومًا.
يا لسخرية الحياة، كيف لهذا الجمال أن يخيف البشر!!؟
تمتد اصابعي و كأنها تبحث عن لمسة مفقودة ، الماء البارد ينعش ذاكرتها ، سرًا هنا ، كنا نلتقي دائمًا، اصابعنا المتعانقة جعلت من الساعة لحظة، هل انت مع النبض .. ام انت النبض نفسه ..؟هل انت بين الانفاس المحملة بالحب !؟ام انت الحب نفسه !؟
هكذا كنا نسأل انفسنا كلما التقينا لكن قبلاتنا لم تمنحنا الفرصة للاجابة يومًا ، برودة الليل تسلقت جسدي ، احاول الاختباء داخل معطفي، تتسلل ذكرى من سنا بلد الضباب محاربة موجاته الكثيفة وتقف على باب مشاعري ..نعم لم اشعر يومًا ببرد كهذا، فمعطف حبيبي كان يكفينا نحن الاثنان حتى لو تساقط الثلج من السماء. هكذا كنا و هكذا انتهينا حتى صرت وحدي كحبات رمل اخشى ان تطيرها الريح ....في صحراء عمري ..التي تتسع يوما بعد يوم ، يوسعها امران ، تقادم العمر مرة ، و عوادي الزمن عشرات المرات ..و لم تبقى الا براعم لا تقوى على مهاجمة العواصف.
تدور الساعات و تنقضي الاوقات ، و الليل الزاحف من خلفي و من امامي زاد من صعوبة رؤيتي . لكن قدماي لم تهتما به فهما تعرفان طريقهما، وبضغطة واحدة اضاء المنزل ، و دب في جسد كيوبيد الحياة.و كأني أراه لاول مرة حين اتاني حبيبي و طلب مني الذهاب معه للحديقة.
شمسي تعالي: و قبل ان اذهب معه طلب مني ان اغمض عيني و حتى لا اختلس النظر خلع ربطة عنقه و ربطها على عيني.
كم كنت سعيدة و قتها، لم تكن المفاجأة التي سأراها هي السبب، بل كانت رائحة عطره التي احتضنتها انفاسي و انا بين يديه، تسعدني.
كل خطوة كنت اخطوها تمنيت ان اخطوها مرة اخرى حتى لا تنتهي. انقضى الوقت و كأنه يعاندني. فتحت عيني على نافورة الحب التي رسمناها صغارًا و حلمنا بها كبارًا، اخيرًا انهى العمال عملهم و لم يبقى سوى خطوة واحدة، و معًا ضغطنا على زر التشغيل ، اشعة قزحية الالوان انبعثت كأنها الحياة على جسد كيوبيد الذي انطلقت الامواج من حوله لتسقط بين جدران بيضاء على قاع بزرقة البحر، هكذا رسمنا نافورة حبنا لتخرج بهذا الشكل للحياة لتكون شاهدة على حب ولد طفلاً و نما حتى صار وشمًا على قلوبنا الشابة وتمنينا أن يظل هكذا حتى بعد مماتنا.
آه أيتها الذكرى شعاعك رماح تغرسيها في بدن فقد الشعور بالالم منذ زمن .. قربة الذكريات نضحها اتعبني وحملها اضناني ، الليل اسدل عباءة سوداء امامي و هدوئه لم يعد يصاحبني .هل السماء غاضبة من وجودي فقررت صفعي بأمطارها؟ أم هناك شيء أخر يدفعني لدخول المنزل!!؟
لا أعلم من أين يأتي النداء، أرتعب، انظر حولي، لا أجد سوى المطر الوحيد حولي.
أيها الآلم ستكون قسوتي على قلبي اكثر وهجري لعقلي ابعد توغلا في رمال صحرائك...
صرخات هادئة تصبغ السماء بالالوان رغم المطر، ربما تكون رسالة من ذاك النجم المختبيء خلف الغيوم.
حسنًا سوف البي النداء و اصطحب ايدي الفارغة في ليلة مظلمة، الالم هو مشعلها..والحزن هو نبع عينيها..والحسرة مستودع العتاد الصارخ بال آه والناطق بالصمت المفروض.
خطوات قليله كأنها الاميال و كنت وجهًا لوجه أمام باب منزلي ، عجبًا ايتها الايدي هل فقدت الذاكرة! حتى و ان طرقت على الباب الف مرة، لن يفتحه سوى هذا المفتاح النائم بحقيبتي فالتمتدي الان و تخرجيه!.
لا اعرف كم مضى من وقت حتى اكتسبت يدي الشجاعة و اخرجت المفتاح، فقط لقد مضى...
لم يصدر الباب اي صوت، و كأنه يخشى أن يصيب سكانه بالذعر...!
كل شيء كما هو، و كأني تركته بالأمس فقط، ما عدا شيء واحد لم اراه رغم انني تركته هنا و سافرت وحدي....
((الرسالة الاولى))
(( هل لي أن اسالك..هل جرحتك ورود كلماتي يوما..أجد انك بنيان مكتمل الجمال يجذبني بصدقه وعفويته..و ما حروفي الا لوحات ملونه تطرز حدائقك..ليس لشيء الا لانك جدولًا من الطيب و نبعًا من البساطة..))
تلك كانت أول رسالة مكتوبة اتلقاها في ليلة ودعنا فيها طفولتنا لنبدأ رحلة الحب التي اذاقتنا اياها شفاهنا.
هو القدر، جمع بيننا و نحن أطفال بعد وفاة عمي و زوجته في حادث سيارة، ولم يتبقى من عائلته سوى صلاح ابن عمي الذي جعله القدر في هذا اليوم ينام في منزلنا بسبب حالة البكاء التي انتابتني فجأة و جعلتني اتمسك به حتى يظل معي، و لأنني ابنة ابي المدللة لم يستطع أن يرفض لها طلبًا.
منذ ذلك اليوم لم يترك صلاح منزلنا، اقتسمنا طعامنا و شرابنا معًا، امتلأ المنزل بزغاريد ضحكاتنا، و موسيقى افراحنا.
مضت الأيام دون أن نشعر و فجأة... تغيرت معاملة أبي لصلاح لدرجة أنه طلب من داده سعاد أن تأخذه معها ليعيش في منزل الحديقة.
فقط بضع خطوات تفصل بيني و بينه، بضع خطوات كنت أخطوها مسرعة لأصل اليه، هكذا كنت أبدأ يومي، لكني كنت انهيه بخطوات متثاقلة كأني كنت أخطوا خطوة ثم اعود للوراء لاخطوها مرة أخرى.
مرت السنوات سريعًا لكن خطواتي ظلت كما هي، لا تسرع الا عندما اذهب لصلاح.
على صوت البيانوا كانت تتراقص نبضات قلبي، فقط عندما يكون هو العازف، أراقب أصابعة و هي تتنقل بين أصابع البيانوا البيضاء و السوداء، كراقص تانجو يعزف قصيدة حب على جسد شريكتة، كم كنت أشعر بالغيرة حتى تمنيت يومًا أن أكون بيانوا. لم أكن أعرف أنني أحبه، و حتى اليوم لا أعرف متى أحببته، كل ما أعرفه أننا وقعنا بالحب قبل أن نعرف ما هو الحب، أو ربما ولدنا بهذا الحب، و كان قدرنا...
((الرسالة الثانية ))
((
تتمدد افاق الزمن بين الشرق والغرب وانت تتمددين بذراعيك بعد استيقاظك وطرد الكسل عنك ..وتنظر البوادي والسهول افتتاح عينيك وهي تستقبل ضوء الشمس . لغرفتك الراكدة بالذكريات النائمة عن الاحلام .. الملتهية عنك باشراقها ..لها اربعة جدران ..يحدوني امل ان اكون جدارها الخامس ليحميك من حرارة الشمس وبرودة الليل ..وكما كان مقاتلوا الجيوش المكتنزة بروح البطولة الفردية مدفوعة ب انا الغيرة ومفردات الشهامة ..يرتدون درع الصدر وما اثقله وخوذة الراس وما ازعج تواجدها المخيم على الانظار ..يعجبني ان اكون لصدرك ذلك الدرع من سهام الاصدقاء وربما من رماح الاقرباء .. واكون لراس مليكتي ..خوذتها من اي افكار تهاجم مضجعها وتقلق منامها ..ليت لي مع الجغرافيا سابق معرفة لاتوسل لها بكل وسيلة ان اكون بالقرب منك .))
هكذا كان دائمًا، في صراع مع الجغرافيا ، يحاول حمايتي حتى من نسمات الهواء، كان فارسي المغوار، و حائط غرفتي الخامس الذي يحتضني بكل حنان، كان حبيبي، كان دائمًا أنا ، روح واحدة في جسدين، ظلين فى إرتعاشة الجفون، فراشتين أحتواهما السكون موجتين تعانقا فى بحرٍ حنون، نغمتان فى لحن عشقٍ جميل، تعزفه أنامله و تتراقص عليه اجسادنا.
آه أيتها الذكرى، تحتار اوقاتي و هي تتمحور حول شمسك ناسية ان لها شمس قديمة متهالكة فصار لها ليل طويل
تبتعد مسافات الايام..تهزمني غيوم الابتعاد..تتقارب الافاق..تبتعد الامنيات..صراع تشابك..لأتسلق و أنا لم أزل يانعة الخضرة..على ربوع الخريف المغادر. هكذا هي دائمًا، أحزاني توقظني من ذكرياتي، لحقيقتي الأليمة .
ببطء تتسلق قدماي السلالم، لا لا ، لا اريد يكفي هنا!
لكنها لم تستمع لتوسلاتي، خطوات ثقيلة كأنها الدهر و أوصلتي لغرفتي، بابها المغلق لم يمنع يداي عن فتحه و كأنه ينتظرها.
، يداعبني الشوق و الحنين إليه، أبحث عنه بين ذكرياته المعلقة على مشجب عمري ، أضمه ، أتنفسه ، أحسه نبضاً ، دفئاً ،، أراه في كل شيء هنا فأسرع إليه وملء عيوني دموع الحنين، آه يا حبيبي، ذلك القلب الساكن بين أضلعي المحكوم عليه بالحياة بعد رحيلك كم يشتاق للقائك.
((سيمفونية حب))
الهواء مصلوب على الجدران، لا يتحرك، تحاول أنفاسي الوصول إليه، لا تستطيع، يمتصني موت بطيء، هل تلك لحظة موتي!؟
صوت من أعماق ذكرياتي، يوقظني من موتي، اتلفت حولي، تدخلني الذكرى في احضانها، حبيبتي تعالي معي.
تأخذني قدماي مسرعة، الى منزل دادة سعاد...
لا أعرف كيف دخلت هنا، ربما كان الباب مفتوح!!.
هنا، قضينا آلاف الساعات في لحظة، بين لذة الحب و نشوة لقائنا.
عندما يقول أحبك، كنت ألهو كالطفلة بين ذراعيه أتدلل كي أسمعها ..مرة بعد مرة فيعيدها أحبك، أولد كالنجمة من رحم الليل، تتلألأ الفرحة في عينيَ ، حيث يتعانق الزفير ويمتزج عطر جسدينا بالشهيق، بأريـج الزهـر كنت أعزفه و يعزفــني.
آه يارحلة العمر الجميل، مضت بنا الحياة كما تشتهي دون أن تسألنا عما نشتهيه من أمنيات
آه أيها القدر ....لماذا لم تنتهي قصة حبنا بغصنِ زيتونٍ وأسرابِ الحمام ؟ جعلتنا في محراب الحب نصلي دون أن ندري، أن الفراق هو الإمام!.
ليتنا نحيا معًا بجزيرة يحكمها الحب، لا حدود لها، لا قيود، لا أسوار
سُكانها المشاعر ، الورود و الأشجار، و يكون بيتنا على ضفاف الإقحوان، أو نختبيء بين قصيدة عشق، حدودها نحن فقط.
فقط كانت تلك احلامنا، لم نحلم يومًا بسلطة أو مال، لم نطمع في شيء سوى أن نكون معًا أنا و هو.
(( حكم اعدام ))
كالعادة هذا اليوم في كل عام، يتغير كل شيء في المنزل، الجميع في قمة السعادة و مستعد لحدث المساء، اليوم عيد ميلاد شمس.
هكذا استيقظ الصباح على ضجيج حركاتهم، وأنا استقظت على صوت داده سعاد، اميرتي الصغيرة، كل عام و انت بخير، و فتحت عيني على ازهار البنفسج التي احبها و كوب الحليب الذي... (اوووووووووو داده انا كبرت على شرب اللبن ) بالطبع كنت احدث نفسي بحديث لا استطيع الجهر به فداده سعاد لا يمكن معارضتها و خاصة حين يتعلق الامر بشرب اللبن.
بدأ اليوم جميلًا و اصبح أكثر جمالًا و روعة عندما عزف صلاح على البيانوا و هو يتلوا قصيدة عشق و كأنها ملحمة اسطورية ابطالها عيني و عينيه، لم يشعر بها و لم يسمعها الا نحن.
ألف تنهيدة وتنهيدة مخضبة بحناء الحنين، أغمس قلمي ، في قلب قلبي ، في شراييني ، أرسمه بحراً... قزحي الألوان،
بين أمواجه المجنونة تسبح أمَانٍ عِذَابٌ ، و يرتعش الحب حين تدنوا من ثغره شفتاي، بأنفاس ظمأى إليه ...
انتهى العزف ، ولم أزل في حلمي حتى ايقظتني ايدي صلاح و هي تجذبني، بحثنا عن مكان بعيد عن الانظار ولم نجد سوى مكتب والدي، . تأملتني وأنا أذوب وأجري نهرا ً في شرايينه ، كزهرة بين أحضان الربيع . على شطآنه ترسو الروح . تحت ظلال خمائله سكنت . في نعيمه تدفق نبض الفؤاد ... أخذ بيدي ، جعل عصافير أنامله تطوق خصري ... و راقصني على موسيقى قبلاته ... من أنفاسه تشبعت برحيق الحياة ... بحرٌ يغرق في بحر ، موج يغشاه موج ، لفني إعصاره ... زلزلتني آهات عشقه ، حتى أنسكبت غيثاً في جنان خلوده ....
صوت اقدام الى هنا قادمة، ايقظتنا من ثبات احلامنا، لم نجد سوى الشرفة فأسرعنا اليها، انه ابي و مدير مكتبه .
انت اتجننت، بنتي انا تتجوز ابنك!؟
يا باشا حضرتك اقعد و اهدى و فكر في الموضوع ، ابني مهندس و ناجح ولا حضرتك عايز تجوزها لصلاح و بعدين ينكشف السر و يعرف انك دبرت و خططت لموت اخوك و زوجته و سرقت املاكة و حياته .....
كلمات اهتزت لها أركان كياني، فجأة شعرت و كأن دورة حياتي تتوقف ، غربان الليل تحيطني بأجنحتها السوداء، كلما توثــّبَ صوتي كان يصطدم بحائط الصمت فيرتدُّ منكسراً.
بحثت عيني عن صلاح، كان أمامي، وليس أمامي، تغيرت ملامحة، بهتت الوان السعادة في عينيه، كأنه شبح خرج من قبر الموت، هكذا ابصرته عيناي للمرة الاولى و الاخيرة قبل فراقنا
((الرسالة الاخيرة))
.))كلماتي وحروفي ..قواربي في بحر متلاطم...لا احمل متاع السفر الطويل ..ولا احمل معي من مياه الشرب العذبة الا ما يسد الرمق ..اشرعتي ممزقة ..لا تقوى على مقاومة نسمة ..فكيف بي اذا جاءتني عاصفة ..لا ارى في الليل الا نجوما ضلت الطريق مثلي هي الاخرى..متى تعينني مجاديفي لاصل الى ضفاف جزيرة الصدق التي تحتضن قدميك ..والتي كنت اتمنى ان لا تجد لها الاشواك طريقا .))
بين الحياة و الموت، كنت أنا حين آتتني رسالته الاخيرة،
بحر من الدموع اغرق قلبي، و نهر من الحزن اصبحت حياتي، و كأني أسبح وحيدة مشردة تغمرني المياه ، أحلم بالضفاف كبحارٍ تعب من التجديف وسط العاصفة ، أُصغي إلى الضفادع حادية الليل ... تنهشني الأسماك الجائعة ، تمر أسراب الذكريات ... ملوحة بأياد ترتجف ، يمر البرق بلسانه الوردي يرتشف ما تبقى منها ، يعلو صوت الموج من حولي ، يرتعش جسدي المبلل بالماء ، تنتفض الأعضاء كبركانٍ يتلوى من فرط احتقانه ... كي يجهش بالبكاء، يمر الليل بعده نهارٍ .... ونهارٌ بعده ليل ، فصول متعاقبة، لم يبق حلم إلا وباغته الضباب
لم يعد للصراخِ صوت ، ابتلعته أفعى النهر ، رحلت به بعيدًا حيث لا ضوء ، لا حنان ، تركتني وحيده .. بدون شفقة ، تصرخ الروحِ محاولة استعادة الصوت ، تحارب في يأسٍ ... كمن يحارب طواحين الهواء .
لم تتركني لحظة، مازالت تراقبني، دون أن أراها، كنت اشعر بها، اتنفسها، ظننتها خيالًا من قبو ذكرياتي، أو لحظة عناق ارسلها مهد عشقنا، أغادرها، و تغادرني، هكذا اصبحت منذ تلك الليلة، ضعيفة .. حمقاء، أحاكي أطيافاً بلا شفاه، أتخيل أشخاصاً وحدائق أزهار، احتسي رحيقاً ما عاد له وجود...
سنوات من الصراع لم تجدي نفعًا في زمن السُلطة هي الاقوى.
الحق وحده هو من كان يحصد الاشواك، ظلت الحقيقة مختبئة في قاع الظلام، حتى آتاها يومها الموعود، قبل شهر من اليوم، اصدر القدر حكمه، اعتلى ابي عرش المرض بعد ان اهدى مدير مكتبه دليل ادانته لصلاح، و اصبح هو المتحكم في السيف، ان شاء قتله.
لم افكر يومًا في بيع المنزل لكنها رغبة والدي، لم اسأله عن السبب، ترددت كثرًا لكن بعد صراع بيني و بيني، وافقت.
(( البداية ))
لا اعرف كم من الوقت، قضيت هنا، متى جلست على هذا الكرسي؟! كم غفوت، و كيف غفوت؟ اسئلة كثيرة لكن السؤال الوحيد الذي جلب معه أسئلة أكثر، من أين اتى هذا الغطاء الذي يدثرني؟! ثم تذكرت كلام السمسار ( سيدتي المنزل به شيء عجيب ارجوا منك الحضور ، سيدتي لم يعد هناك أحد يرغب بشراء منزلك...!! ) كلام السمسار و هذا الغطاء الذي وجدته عليها جعلها تراجع الاحداث من جديد، البوابة التي فتحت بسهولة، النافورة التي لم تؤثر فيها الطبيعة، مياهها النظيفة، حتى اوراق الشجر المتساقطة بدت كأنها عمدًا لم تقترب منها، و تلك الرائحة التي تملأ المكان، و كأن أزهار البنفسج نبتت مع الهواء، اسرعت لتتأكد من كل شيء مرة أخرى، حتى وصلت للنافورة...
حتى أمطار الامس لم تصيب منها شيء، رائحة العطر اصبحت اقوى، لا استطيع مقاومتها، احسها اكثر، تذوب في جسدي، تأخذني نحو الأفق اللامحدود .. إلى مدينة حبي .. أتأوه و قلبي يعزفه بهدوء..... بهدوء ...الملم ما تبقى من شجاعتي لأعيدني، من بعيد مازالت تراقبني العينان، تبصران خوفي و اشتياقي، رعشة ذكرياتي الحالمة و أمطار الحزن المتساقطة على خدي، تحاول التقدم نحوي، تخيفها مواجهتي، تعود للمراقبة.على بعد خطوات منها، كنت هناك، تأخذني الذكرى و تعيدني، تزيح الستار عن رسائله، تكتبني، تقرأني، بالطبشور ترسمني، احاول لمسي، افشل، احاول مرة أخرى، و أخرى و أخرى، اتأرجح بين الفشل و المحاولة داخل غرفة الذكريات، تنهار جدرانها الاربع كزهرة في يد الريح تتناثر أوراقـها، تقع ..تنزلق ... تهلك ....يثور الغبار ظلام ، ظلام ، ظلام، ثم صمت.... سكن كل شيء.
جاءت لحظة السقوط و لم يبقى من جدران احلامي شيء لأتكيء عليه، لحظة كأنها سنوات عمري و فجأة استيقظت على أيد تحملني، اعرف تلك اللمسة، اشعر بها و به . هل أنا في حلم، أم الحلم اصبح أنا!؟ لن افتح عيني، سوف أبقى هكذا ربما اغوص في حلمي اكثر او اغرق و تنتهي احزاني.
انفاس حارة ، بجمر الاشواق تحيطني، صوت كأنه من أعماق قلبي يسألني ، هل انت مع النبض .. ام انت النبض نفسه ..؟هل انت بين الانفاس المحملة بالحب !؟ام انت الحب نفسه !؟ اسئلة لم اكن أعرف اجابتها من قبل، لكن اليوم استطيع الاجابة.
لا بل أنت النبض ،الانفاس و الحب ، أنت أنا و أنا أنت.
أيها الحلم، لا ترحل، لن استيقظ، سأظل معك، ربما ننتهي معًا و نصير غبار احلام.
قال: و كيف لي أن أنتهي و الان فقط بدايتنا.
آخر تعديل منى شوقى غنيم يوم 01-05-2017 في 04:11 PM.
[SIZE="5"]تحياتي اولا الأديبة منى شوقي وحياك الله
أرجو التكرم بنشر كل قصة بمشاركة مستقلة حتى يتسنى للجميع قرائتها والرد عليها
وتأخذ حقها من المتابعة
كل الاحترام[/SاIZ
التوقيع
الجنة تحت أقدام الأمهات
آخر تعديل رياض محمد سليم حلايقه يوم 01-05-2017 في 11:36 PM.
جزيل الشكر لمروركم العطر
ما نشرته هنا ليس مجموعة من القصص بل هي قصة واحدة و العناوين الموضوعة هي للمشاهد التي تكون احداثها
ربما تكون طريقة الكتابة خاطئة لكنها محاولتي الاولى لكتابة قصة ليست قصيرة جدا و احببت نشرها كما كتبها لعلي اتعلم من توجيهات المعلقين عليها
جزيل الشكر لمروركم
آخر تعديل منى شوقى غنيم يوم 01-06-2017 في 07:15 PM.