رحلة عمرها سبعة عشرعاما قضيتها في هذا العالم , سافرت فيها وأنا جالسا ومتكئا إلى أبعد مكان في هذا الوهم الواقعي , سأحاول تقسيمها إلى ثلاث مراحل زمنية ولا أبالغ إن قلت أنها أكلت الكثير من كهولتي وكادت أن تجعلني مُقعدا, وتسرقني من شغلي وبيتي وحتى فراغي !!!!!! سأستعير ببعض من أقوال الراحل نزار عند الحاجة لأنه الرمز بالنسبة لي . لن أطيل ولنبدأ التشخيص : بداية الرحلة كان عام 2007 وعمر هذه المرحلة تقريبا خمس سنوات , واسميتها مرحلة الضياع , وتمثل مرحلة الربيع النتي وكما قال نزار كنت ضائعا فيها ما بين آلاف الهدايا , منتديات تقنية وأخرى فنية وثالثة أدبية سياسية ورابعة دينية واجتماعية ثقافية , منها الكتابي ومنها الصوتي وغرف محادثة وجي ميل وتواصل هاتفي , يعني مرحلة الربيع الشامل وبداية عالم يعج بالوسائل رغم صعوبة الحصول عليها وارتفاع تكاليفها , وهنا اشتركت بأكثر من 30 موقعا وصار وقتي كله ليس ملكي , لأن لا شيء ممنوع من الكتابة أو التعبير !!!!!!
مع بداية 2012 بدأت مرحلة الأوجاع واختلط الضياع بالصراع , ودخلنا في فصلي الخريف والشتاء معا والربيع العربي وأصبحت الكتابة رحلة ما بين الشظية والشظية , معاناة على مستوى الجسد من كثرة الجلوس وبداية القيود على المنتديات والمنع والحظر والتضييق على الحريات , وهجرة الأقلام الفاعلة إلى مواقع التواصل الاجتماعي , واختلط الغث بالسمين وبدأ العد التنازلي للصروح الشامخة لتحل محلها الملتقيات والتجمعات والديكورات القائمة على الصور الشبه عارية والألوان الداكنة والوظائف المزيفة والرمزيات التافهة و كما قال نزار ( يا وجعي ويا وجع الكيبورد حين تلمسها الأنامل ) , وتنتهي الخمس سنوات والمرحلة الثانية !!!
مع بداية 2017 لم يتبق في جعبتي سوى عشر منتديات أو مواقع على الأكثر , منها ما طُردت منه ومنها ما تم حظري , ومنها ما تركته طواعية , ومن هنا دخلنا في فصل الصيف و مرحلة الخداع , وعمر هذه المرحلة سبع سنوات تقريبا أي حتى الوقت الحالي . أسميتها الخداع لأننا دخلنا في عالم الشركات المساهمة والقابضة والاستخباراتية والمرتزقة , وابتعدنا عن الكيف , وصار الهدف هو الكم فقط , أي كم مشاهد وكم مشارك وكم رد وكم التحصيل , وكم التمويل ؟؟ ونظرا لتناقص عدد المواقع وارتفاع التكلفة دخلت على الخط فئة من الدول النفطية والغنية وامتلكت زمام ما تبقى من مواقع على قيد الحياة وأحيانا تجلس في الظل وتضع شخصيات نسائية وهمية أو حقيقية في الواجهة كشريك قابض وصالح لتسليك أمور المهنة , وجالب للزبائن وضوء جاذب للفرَاش !!!!!!!! . بكل مصداقية هذه المرحلة ممنوعة من التعبير عن السياسة والدين وقضايا الأمة , وحتى عن الذات !!!
بإيجاز يمكن تقسيم رواد هذه المرحلة إلى ثلاث فئات : فئة ممتازة تعلمت في الزمن الجميل تتقن الحرف واللغة وجُلها متقاعد تدخل لتقتل الفراغ وتضع بصمة خاصة ولا تهمها الردود بقدر ما يهمها ممارسة ابداعها المتبقي !!! فئة مجتهدة تحاول الظهور ولديها قصور لا تدري عنه وتجهله وأحيانا لا تريد معرفته , وقد ضاع جهدها واجتهادها وسط التصفيق والمجاملات الزائفة والصفات الوهمية المضللة , ومؤكد لن تتعلم جديدا طالما ركبت عربات الكم وسرعة الوصول !!!
فئة همها الوحيد البحث عن الألوان الداكنة وخاصة الحمراء , والكراسي والوظائف الوهمية تدور في فلك السلطة تمدح بلا ثمن وتهجم على كل منتقد , سلاحها الحظر وحذف النصوص ومدح السلطة والتصفيق بحرارة وغالبا ما تنتظر كشاف صاحب الموقع والبقعة التي يستقر بها , ومعظم كتاباتها أخطاء لغوية وإملائية وتعتمد على الحصانة الإدارية وتفتقرللحصانة اللغوية ولا يجرؤ أحد على التصويب لها !!!!!!!
ولللأسف الشديد أي نقد في نظرهم تجريح وانتقاص من شخصية الكاتب مهما كان نوعه لأنه مصدر الرزق , فالمشاهدات من الخارج تدر الحليب فما بالك بالمشاركات !!!
كما قال نزار , لا توجد منطقة وسطى ما بين الجنة والنار ... تعلمنا وعلّمنا منذ عقود أنه لا توجد حلول وسطية , إما طالب ناجح أو راسب حتى لو كان له دور ثان , ولا يمكن أن نضحك عليه ونجامله ونقول له : أنت ممتاز لكنك رسبت !!! حتى لو نجح بالغش فحرفه سيكشفه في أي مكان يحل به . وهكذا يكون توجيهه أيضا دون نفاق مهني أو نتي !!!
معظم ما نراه اليوم مسكن عاطفي ومتنفس لصاحبه وعلكة يعاد تلبيسها وتغليفها بالسكر كلما استهلكت بالمضغ , يتم الترويج لها والتصفيق والإعلان من قبل أصحاب المواقع لغاية معروفة , وانتقادها خط أحمر !!!!!
وأتحدى أي مسئول أو صاحب لون مهم في أي منتدى أنتقد الإدارة أو صاحب السيادة وكتب أي ملاحظة سلبية وظل هو أو نصه في مكانه .... ولا يتشدق البعض ويقول أنت تنتقد ولا زلت تكتب , أرد وأقول معظم انتقاداتي محذوفة , وقليل منها الباقي . وأشك في أنهم قروب واحد متعدد الصفات والأسماء !!!!!
في جميع الأحوال فقد اختلطت الهجرة بالهجران , فمن هجر بيته الأول وجد بيتا آخرا ومن هجر وطنا وجد البديل ولا أحد يعرف كيف تدار المواقع ماديا !!!
هذا الكلام مؤكد لن يعجب الكثير من رواد و مالكي ومسئولي الصروح , ولا يعبّر إلا عن رأي صاحبه ورحلته الطويلة , فيها الممتع وفيها الممل , وفيها المزح الثقيل والدعابة وفيها النقد اللاذع والسياسة والتغزل في الرمزيات وليس الشخصيات ليقيني أن الرمز لايشبه الأصل اطلاقا , والخاص عندي عاماً والمجاملة ممنوعة والصفة مجرد نفاق مهني , وتركت بصمة لكل هذه الحالات واقتنعت أن هناك وقت ثمين جدا لا ينبغي التفريط فيه حتى لو كان فراغا , فللجسد والطبيعة والحياة حقوق وجب الإلتفات لها قبل فوات الأوان , وأعرف أن معظمكم سيقول : (أنت مالك ومال الأوجاع والخداع , خليك خارج التغطية ) ... هذا فعلا ما قمت به خلال السنوات الأخيرة !!!!! دمتم بود
بقلمي اليوم .