(1)
آلشعر أسبق وجودا أم النثر الفني؟
يجيب كتاب الصف الأول الثانوي للغة العربية مقررا سبق "الشعر" "النثر الفني" في الوجود.
لماذا كان الشعر أسبق من النثر الفني؟
بدأ المؤلفون ص67 بتعريف كل من الشعر والنثر الفني وتوضيح خصائص كل منهما كما رأوها ليمهدوا السبب كما تخيلوه على النحو الآتي: "أما الشعر فهو الكلام الموزون المقفى (كما كان يعرف قديما)، أو هو الأسلوب الذي يصور به الشاعر عواطفه وإحساسه معتمدا في ذلك على موسيقا الكلمات ووزنها ودرجات التصوير وعلى عنصري الخيال والعاطفة. وأما النثر الفني فهو الأسلوب الذي يصور به الأديب أفكاره ومعانيه غير معتمد على وزن أو قافية، ويميل إلى التقرير والمباشرة".
وهنا نجد الحق والزيف.
كيف؟
الفرق الحقيقي بين الفنين هو الوزن والقافية وجودا في الشعر وعدما في النثر الفني غير المسجوع، أما الخيال والعاطفة والتصوير فهي أشياء مشتركة بين الشعر والنثر الفني، ويبقى ادعاء استحواذ الشعر عليها ادعاء يحتاج إلى دليل وبرهان!
فهل برهن المؤلفون؟
لا، إنما استعملوا ما افترضوه سابقا في تأسيسهم قضية سبق "الشعر" "النثر الفني".
كيف؟
قالوا: "ولذلك كان الشعر أسبق من النثر الفني في الوجود".
واسم الإشارة في "لذلك" يعود إلى ما سبق تقريره من استحواذ "الشعر" على الخيال والعاطفة وانتفاء ذلك عن "النثر الفني"، هكذا عرضوا القضية في صورة المسلمات، فما أسباب سبق "الشعر" "النثر الفني" على وفق هذا الادعاء؟
يأتي الجواب تكرارا لما قرروه سابقا.
كيف؟
قالوا: "لأن الشعر يقوم على الخيال والعاطفة، أما النثر الفني فيقوم على التفكير والمنطق، والخيال -لا شك- أسبق في الوجود من التفكير والمنطق".
هكذا يُبرهن على أسبقية "الشعر" "النثر الفني" على الرغم من عدم تحديدهم معنى "الخيال" المراد في قولهم ولا معنى "المنطق" المقصود في كلامهم، وعلى الرغم من إقرارهم في الفقرة التالية حكمهم ذاك بعدم معرفة بدء الشعر العربي في قولهم: "ونحن لا نعرف بالدقة متى ظهر الشعر العربي؛ لأن العصر الجاهلي لم يكن عصر تدوين منظم، ومعلوماتنا في ذلك لا تتجاوز أكثر من قرن ونصف قبل ظهور الإسلام، ولكننا في هذه الفترة وجدنا شعرا جيدا في صورة فنية متكاملة؛ مما يدل على أن محاولات وتطورات كبيرة في فن الشعر قد حدثت قبل ذلك بمراحل".
ثم تأتي الفقرة التي أرى أنها احتوت الصدق والادعاء معا مرة أخرى.
كيف؟
قالوا في تذييل كلامهم السابق: "وسنبدأ بالشعر في العصر الجاهلي؛ لأنه أهم الفنين في هذا العصر، وأسبقهما وجودا، وأبرزهما مكانة".
أين الصدق وأين الادعاء في هذا؟
الصدق يكمن في كون الشعر أهم الفنين، ولهذا أسبابه التي لم يتعرضوا لها ولم يشيروا إليها إشارة ولم يلمحوا إليها إلماحة. أما الادعاء فهو سبق الشعر النثر في الوجود؛ لأنهم سببوا سببا لا ينفرد به "الشعر" من دون أخيه "النثر الفني".
(2)
فماذا تقول أيها المعلم في هذه القضية؟
أعلم أنك ستدرسها كما وردت تحسبا للامتحان، لكنني أسألك عن الوعي الأدبي وماذا سيجعلك تقول فيها؟
إذا كان الأمر لم يثر فيك شيئا فهأنذا أضع القضية بين يديك حتى ترى فيها رأيك، فهيا!
وماذا تقول أيها الأديب غير المتحيز لفن دون فن بعيدا عن القضية وطرحها كما وردت في كتاب الصف الأول الثانوي؟ وماذا تقول أيها الناقد؟
هل يصح أن يسبق اليومي غير اليومي وجودا؟
إن النثر لغة الحياة اليومية، فإذا ما بدأت الفنون فالمنطقي والأقرب أن يبدأ النثر، ويستمر زمنا ثم يُدلف منه إلى الشعر بوسيط قد يكون فن الرجز الذي يسميه النقاد حمار الشعر كما ورد في "الموسوعة العربية العالمية" في قولها: "النقاد مجمعون على أن أول الشعر العربي هو الرجز، وقد يسميه بعض النقاد حمار الشعر؛ لأن كل شاعر يركبه لسهولته. ولسلاسة الأراجيز في النظم استفاد منها الناظمون في الشعر التعليمي، فنظم كثير من العلماء أراجيز مشهورة، كأرجوزة أبان بن عبدالحميد في الفقه، وأرجوزة الشاطبي في القراءات، وأرجوزة ابن مالك الألفية في النحو".
لكن أيكون الشعر هو البدء فهذا ما يحتاج إلى دليل غير ما ذُكر من وجود الخيال والعاطفة في الشعر من دون النثر، فهل يُدلّل؟ أنتظر!
وهاكم رد الأستاذ محمد الصاوي السيد حسين في أحد المنتديات أنقله لثرائه.
قال الأستاذ محمد: "تحياتى البيضاء، شكرا جزيلا للأستاذ فريد لطرحه هذا الطرح النقدى الهام ووقوفه أمام مسلمة الشعر أسبق من النثر الفنى وربما أوجز تعليقى فيما يلى:
- من أخطر الاتهامات التى استخدمها الجاهليون فى الهجوم على القرآن أنهم قالوا إنه شعر؛ لذا يمكن القول إن مفهوم الشعر كان متسعا بدرجة كبيرة، بل يبدو أن نظرتهم للغة الفنية على أنها شعر هى نظرة لا تقصى النثر ولا تقدم الشعر عليه، بل هى تقف وقفة ناضجة أمام الشعرية التى تجعل من اللغة حالة تخييل ودلالة بغرض إيصال رسالة معينة.
- وهذا ما تنقله لنا كتب التاريخ عن حسان بن ثابت لما سمع ابنه الصغير يصف لدغة دبور حين قال لأبية أبى لدغنى طيور صغير متشح ببردة صفراء، فما كنا من حسان إلا ان قال فرحا : قال ابنى الشعر ورب الكعبة، رغم ان ابنه لم يقل إلا جملة نثرية لكن الشعرية حيث التخييل والجمالية النابعة من ذلك التخييل هى التى جعلته يسمى النثر شعرا، إذن كانت العلاقة بين الفنين شديدة التواشج والقربى آنذاك.
- كما أن النثر الفنى الذى يشير مؤلفو الكتب المدرسية إلى أنه المسبوق هو الخطبة بأنواعها، المثل، الحكم، الحكايات والأساطير والخرافات، سجع الكهان. وهذى الفنون كافة لا يتصور أى عاقل أن الشعر سبقها، كيف سبق الشعر سجع الكهان؟ وهو وسيلة تعبد قديمة جدا ويقوم على صنعة فنية شديدة التكلف، أو كيف سبق الشعر الأمثال وهى قطع حية من الحياة الجاهلية.
بل كيف سبق الحكايات والأساطير التى كان يتداولها ويضيف إليها العقل الجمعى الجاهلى، كيف سبق الشعر الخطابة الحماسية والسياسية والدينية؟ إننى هنا أتفق مع الأستاذ فريد تماما فى فكرة سبق النثر الفنى.
- أيضا غنائية الشعر الجاهلى التى تجعله لا يمكن أن يعبر وحده عن كافة مشاعر وأغراض الإنسان الجاهلى.
- ثم إذا تأملنا السرد الجاهلى خاصة وهو قرين الشعر ويكفى أن نتأمل كتابا كالأغانى لنرى كيف أن السرد هو مفتاح تلقى النص الشعرى بل كثيرا ما يكون الشعر نابعا لاحقا وناظما لما تسرده الحكاية عن الشاعر أو الشخصية وأحداث سيرته.
- كما أن تعبير الأيام وحرص العرب على رواية أيامهم يدل دلالة واضحة على استخدام النثر شفاهة فى التعبير عن الأفكار والتاريخ والطموحات والأحلام آنذاك
- كما أن النثر الجاهلى والذى امتاز بالسجع ربما يكون قد عرف نظاما موسيقيا كان هو نشأة الوزن الشعرى ولنتأمل ما يقوله الرمانى " إنما أخذ السجع فى الكلام من سجع الحمامة وذلك أنه ليس فيه إلا الأصوات المتشاكلة كما ليس فى سجع الحمامة إلا الأصوات المتشاكلة " - النكت فى إعجاز القرآن للرمانى.
وماذا نضيف على هذا الطرح القيّم
فعلا أثبتت الدراسات أنّ الشعر أسبق
وهذا ما علمناه لطلبتنا
حتى الرسائل أنذاك كانت شعرا
فكان الرسول حين يسافر و أحيانا سيرا على الاقدام ترسل معه قصيدة فيحفظها ويرددها في كل مكان حتى يسمعها صاحبها دون أن تصله يدا بيد
ويقال الشعر ديوان العرب
تحياتي