(1)
في مقرر الصف السادس الابتدائي يوجد موضوع قصصي عنوانه "المنصور والطيور" ص48-49 في طبعة 2012-2013.
ما أحداث هذه القصة؟
يقول الكتاب ص49-8 بادئا: "ذهب أحد تجار الجواهر من عدن إلى بغداد قاصدا قصر الخليفة المنصور ومعه جواهر كثيرة وأحجار كريمة، فأخذ المنصور منه ما استحسنه من الجواهر، وأعطاه صرة بها مائة دينار".
ينتهي المشهد الحدثي الأول بأحداثه ليبدأ المشهد الحدثي الثاني الذي سيشهد ميلاد المشكلة وتأزم الأحداث وبروز الحبكة.
كيف؟
يقول الكتاب في الصفحة ذاتها: "انصرف التاجر مسرورا. وبينما هو في طريقه على شاطئ النهر وكان اليوم قائظا، أراد أن يتبرد بماء النهر، فوضع (ثيابه وتلك الصرة)على الشاطئ، ونزل إلى النهر. فمرت حدأة فخطفت الصرة وهى تحسبها لحما، وطارت في الأفق ذاهبة بها".
بدأت المشكلة بفقد التاجر جواهره بالبيع وفقد ثمنها بالخطف، فحق له أن يحزن وأن ييأس من عودة المال كما قال الكتاب بدء ص49، فماذا يكون الحل الأدبي؟
تبدأ دورة الحل في المشهد الحدثي الثالث.
كيف؟
يقول الكتاب ص49: "وبلغ خبر الرجل إلى الخليفة المنصور، فأحضره وقال له: لو جئت إلينا حين وقع لك هذا الأمر، لكنا بحثنا لك عن وسيلة نرد بها مالك. لكن: إلى أي الجهات طار الطائر؟ أجاب التاجر: طار جهة الشرق، فوق هذا الجبل الذي يلي قصرك يا مولاي. فدعا المنصور شرطيه الخاص، وأمره بتفقد أحوال أهل تلك الناحية".
ويبدأ الشرطي البحث، وسرعان ما يجد رجلا أشاع عن نفسه بين الناس أنه وجد صرة مال، فأحضره بين يدي المنصور في حضور التاجر، فحكى قصة عثوره على المال.
ثم جاء المشهد الحدثي الأخير الذي ينهي القصة إنهاء أدبيا وواقعيا.
كيف؟
يقول الكتاب نهاية ص49: "فعجب المنصور من ذلك. وقال له: لقد علمنا بما قلته بين الناس ولك منا مكافأة على ذلك, ثم أعطاه مائة دينار. فرح التاجر وأثنى على المنصور قائلا له: حفظك الله يا مولاي للبلاد والعباد".
(2)
لو أنهى الكتاب القصة بالجملة السابقة لما كان هناك تعليق على القصة، فهل هذا ما حدث؟
لا.
كيف؟
أبى الكتاب إلا أن يضيف سطرا ليفسد الأدب والفكر في القصة والموضوع.
كيف؟
قال الكتاب ص49: "تعجب الناس عند سماعهم الحكاية من ذكاء المنصور وحيلته".
ما وجه إفساد الأدب؟
وجهه أن هذا السطر زائد على البناء الفني للقصة لا يقتضيه السياق؛ فقد انتهت القصة عند دعاء التاجر للخليفة.
قد يقول قائل: يتوقع أن يكون هذا النص منقولا من "ألف ليلة وليلة" أو غيرها، وهو هكذا فيها.
وجواب هذا يسير يتمثل في كون وجوب أن يكون النقل بتصرف حتى يحافظ الكتاب على البناء الفني للقصة حتى يستطيع المعلم تعليمهم الأدب في القصة، وقد يكون الأمر في المصدر يقتضي تلك الزيادة أما هنا فلا يقتضيها.
إذًا، فلا عذر لهذا الإفساد الأدبي!
(3)
تحدثتُ سابقا عن الإفساد الأدبي فأين الإفساد الفكري؟
يقول السطر المشكل: "تعجب الناس عند سماعهم الحكاية من ذكاء المنصور وحيلته". وإن بحثت في القصة كما أوردتُها لك هنا لما وجدت ذكاء من المنصور ولا حيلة، بل وجدت الأحداث يسيرة يؤدي بعضها إلى بعض؛ فقد وقعت مشكلة وأمر المنصور الشرطي بالتحري وممارسة عمله، ولم يبذل الشرطي مزيد جهد بل وجد الناس يتحدثون عن رجل وجد مالا، فأحضره بين يدي المنصور.
إذًا، أين الذكاء من الشرطي أو من المنصور؟ بله أين الحيلة؟
أيتوهم الكتاب أن سؤال المنصور عن اتجاه طيران الحدأة ذكاء وحيلة؟
إذًا، فكل العامة يستحقون أن يكونوا خلفاء؛ لأن هذا أولى درجات التفكير اليومي لا العلمي ولا الجنائي ولا السياسي الذي يجب أن يتصف بها الخليفة رأس الدولة ومصرف أمورها.
(4)
ونتيجة السابق وجوب حذف هذا السطر من القصة، فهل ...؟