باب ما أدرك على الشعراء
قال أبو عبد الله بن مسلم بن قُتيبة: أدركتِ العلماءُ بالشعر على امرئ القيس قولَه:
أغرّك منّي أنّ حُبك قاتلي وانك مهما تأمُري القلبَ يفعل
وقالوا: إذا لم يَغُرّ هذا فما الذي يَغر ومعناه في هذا البيت يناقض البيت الذي قبله حيث يقول: وإنْ كُنتِ قد ساءتكِ مني خليقة فسُلّى ثِيابي من ثيابك تَنْسُل
لأنه ادَّعى في هذا البيت فضلاً للتجلد وقوة الصبر بقوله: فسُلّى ثيابي من ثيابك تنسل وزعم في البيت الثاني أنه لا تَحمُل فيه للصبر ولا قُوة على التمالك بقوله: وإنك مهما تأمُري القلبَ يَفْعَل وأقبح من هذا عِندي قولهُ:
فظَلّ العَذَارى يَرْتمين بلَحْمها وشَحْمٍ كهُدَّاب الدِّمَقْس المُفتَّل
ومما أدرك على النابغة قولُه يصف الثِّور:
تَحِيد عن أسْتَن سودٍ أسافلُه ----- مثل الإماء الغوادِي تَحْمل الحُزَمَا
قال الأصمعيّ: إنما تُوصف الإماء في مثل هذا الموضع بالرَّواح لا بالغدو لأنهن يجَئن بالحَطبِ إذا رُحن قال الأخْنَس التِّغلبيّ: تَظل بها رُبْدُ النَعام كأنها إماء يَرُحن.
بالعَشيّ حَواطبُ وأخذ عليه في وصف السيف قولُه: يَقُدِّ السَّلوقيَّ المُضاعَفَ نَسجه وُيوقِد بالصُّفّاح نارَ الحُباحبِ فزعم أنه يَقُد الدّرع المضاعفة والفارس والفرس ثم يقع في الأرض فيقدح النار من الحجارة وهذا من الإفراط القَبيح.
وأقبح عندي من هذا في وصف المرأة قولِه:
ليستْ من السُّود أعقاباً إذا انصرفتْ ولا تَبيع بأعلى مكّة البُرمَا
وممّا أخذ عليه قولُه:
خَطاطيفُ حُجْنٌ في حِبَال مَتينةٍ
تُمدُ بها أيدٍ إليك نَوَازعُ .
ومما أدرك على المُتلمّس قوله:
وقد أتناسى الهَمّ عند احتقاره بناجٍ عليه الصيعريّة مُكْدَم
والصيعرية: سِمة للنوق فجعلها صفة للفَحْل.
وسمعه طرفة وهو صبّي يُنشد هذا البيت فقال: استنوق الجمل.
فضحك الناس وصارت مثلاً.
ومما أدرك على عديّ بن زَيد قولُه في صفة الفَرس: ولا يقال للفرس: فاره وإنما يقال له: جواد وَعَتيق.
ويقال للكَوْدن والبَغْل والحمار: فاره.
ومما أدرك على أعشى بَكر قولُه:
وقد غَدوتُ إلى الحانوت يَتْبعني شاوٍ مِشَلّ شَلول شلشل شَوِل
.
وقد أتى ابنُ أحمر في شعره بأربعة ألفاظ لم تُعرف في كلام العرب منها: أنه سمّى الناعر كما تطايح عن مامُوسة الشَّرَرُ وسَمَّى حُوار الناقة بابوساً ولا يُعرف ذلك فقال: حَنّتْ قَلُوصي إلى بابُولسِها جَزعاً فما حَنِينُكِ أمْ مَا أنتِ والذّكَر وفي بيت آخر يذكر فيه البَقرة: وبَنسَ عنها فرْقَد خَصِرُ أي تأخّر ولا يُعرف التَبنّس.
ومما أدرك على نُصيب بن رَبَاح قولُه:
أَهيمُ بدَعْد ما حَييت فإن أمُت فواكبدي مَن ذا يَهيم بها بَعدِي
تلهّف على من يهيم بها بعده.
والقُصب: المِعَى.
ومما أدركَ على الفَرزدق قولُه:
وعَضّ زمان يابن مَروان لم يَدَعْ من المال إلا مُسْحتا أو مُجَلَّفُ
وقد أكثر النحويّون الاحتيالَ لهذا البيت ولم يأتوا فيه بشيء يُرضي.
ومما أدرك على الأخطلِ قولُه في عبد الملك بِن مَرْوان:
وقد جَعل الله الخِلافة منهمُ لأبيض لا عارِي الخِوَان ولا جَدْبِ
وهذا مما لا يُمدح به خليفة.
وأخذ عليه قولُه في رجل من بني أسد يمدحه وكان يُعرف بالقَين ولم يكن قَيناً فقال فيه: قد كنتُ أحسبه قَيْناً وأنبؤه فالآن طيَر عن أثوابِه الشَرَرُ وهذا مدْح كالهجاء.
ومما أدرك على ذي الرمة: تُصْغي إذا شَدَّها بالكور جانحةً حتى إذا ما استَوى في غَرْزها تَثِبُ وسَمعه أعرابيّ يُنشده فقالت: صُرع والله الرجل ألا قلت كما قال عَمُّك الراعي: وواضعة خدّها للزَما م فالخَدُّ منها له أصْعرُ ولا تُعجل المرءَ قبل الرًّكو ب وهي برُكبته أبْصر وهي إذا قام في غرْزها كمثل السفينة أو أوْقرُ ومما أدرك عليه قولُه: حتى إذا دَوّمت في الأرض راجعةً كِبْرٌ ولو شاء نَجَّى نَفْسه الهَربُ قالوا: التَّدويم: إنما يكون في الجوّ يقال: دَوّم الطائر في السماء إذا حلّق واْستدار ودوَم في الأرض إذا استدار فيها.
وما أدرك على أبي الطَّمَحان القَيْنيّ قولُه: لما تَحَمَّلت الحُمول حسبتُها دَوْماً بأثلة ناعماً مَكْمُوماً ومما أخذ على العجّاج قوله: كأنّ عَينيه من الغُؤور قَلتان أو حَوْجَلتا قارُورِ صَيّرتا بالنَّضح والتِّصْيير صلاصلَ الزَّيت إلى الشّطورِ الحوجلتان: القارورتان.
جعل الزَجاجَ ينضح ويَرشح.
ومما أدرك على رؤبة قوله: كُنتم كمن أدخل في جُحرٍ يدا فأخطأ الأفعى ولاقَى الأسودا جعل الأفعى دون الأسود وهي فوقه في المضرّة.
وأخذ عليه في وصف الظَّليم قوله: وكُلُّ زَجّاج سُخَامُ الخَمْل تَبْري له في زعلاتٍ خطْل فجعل للظليم عدّة إناث كما يكون للحَمار وليس للظليم إلا أنثى واحدة.
وأُخذ عليه قولُه يصف الرَّامي: لا يَلتوي من عاطس ولا نَغَق إنما هو النَّغيق والنُّغاق وإنما يصف الرامي.
وأدرك عليه قولُ: أقفرت الوعثاء والعثاعِث من أهلها والبُرَق البَرَارِثُ إنما هي البراث: جمع بَرْث.
وهي الأرض اللينة.
وأدرك عليه قولُه: يا ليتنا والدهر جري السُّمّةِ إنما يقال: ذهب السّهمي أي في الباطل وأخذ عليه قوله أو فِضّة أو ذهبٌ كِبْريتُ قال: سَمع بالكِبْريت أنه أحمر فظن أنه ذَهب.
مما يَستقبح من تشبيهه قولُه في النساء: يَلْبسن من لين الثيابِ نِيما والنِّيم: الفرو المُغشىَّ.
وأخذ عليه قولُه في قوائم الفَرس: يَردبن شتَّى وَبقَعْن وَفْقَا وأنشده مُسلم بنِ قُتَيبة فقال له: أخطأت يا أبا الجَحِّاف.
جعلتَه مُقيداً.
قال له رؤبة: أدْنني من ذنب البعير.
ومما أُدرك على أبي نُخيلة الراجز قولهُ في وصف المرأة: مُرَية لم تَلْبس المرقّقا ولم تذُق من البُقول الفُستُقا فجعل الفُستق من البقول وإنما هو شَجر.
ومما أُدرك على أبي النجم قولُه في وصف الفرس: قال الأصمعي: إذا كان كذلك فحِمار الكسَّاحِ أسرع منه لأن اضطراب مؤخره قَبيح.
وإنما الوجه فيه ما قال أعرابي في وصف فرس أبي الأعور السُّلمي: مرّ كَلمع البَرق سام ناظرُه يَسْبَح أُولاه ويَطفُو آخرُه فما يَمسّ الأرضَ منه حافرُه وأخذ عليه في الوُرود قولُه: جاءت تَسامى في الرَّعيل الأول والظِّل عن أَخفافها لم يَفْضل فوصف أنها وردت في الهاجرة.
وإنما خَير الورود غَلساً والماء بارد.
كما قال الآخر: فوردت قبل الصباح الفاتِقِ وكقول لبَيد بن ربيعة العامريّ: إنّ من وِرْدي لتغْلِيس النَهل وقال آخر: فوردْنَ قبل تَبينُّ الألوان وأنشد بشَّار الأعمى قوِلَ كُثيّر عزة: ألا إنَّما ليلَى عصا خيْزُرانة إذا غَمزوها بالأكُفّ تَلِينُ فقال: للّه أبو صخر! جعلها عصا خَيْزرانة.
فوالله لو جعلها عصا زيْد لَهَجّنها بالعَصَا ألا قال كما قلتُ: وبيضاء المَحاجر من معَدٍّ كأن حديثَها قِطَع الجُمانِ إذا قامتْ لحاجتها تَثَنَّت كأنّ عِظامَها من خَيزران ودخل العتابيّ على الرشيد فأَنشده في وصف الفَرس: كأنّ أُذْنيه إذا تَشَوَّفا قادمةً أو قلماً مُحرّفَا فعلم الناس أنه لحن ولم يهتدِ أحدٌ منهم إلى إصلاح البيت غير الرشيد فإنه قال: قُل: تخال أذْنيه إذا تَشَوَّفا والراجز وإن كان لَحن فإنه أصاب التَّشبيه.
حدّث أبو عبد الله بن محمد بن عُرْفَة بواسط قال: حدّثني أحمد بن محمد أبن يحيى عن الزُّبير بن بكّار عن سُليمان بن عياش السَّمديّ عن السائب راوية كُثير عَزة قال: قال لي كُثير عَزة يوماً: قُم بنا ابنِ أبي عَتيق نتحدّث عنده.
قال: فجئنا فوجدنا عنده ابنَ مُعاذ المُغنّي.
فلما رأى كُثيّراَ قال لابن أبي عتيق: ألا أُغنيك بشعر كُثير عزة قال: بلى فغنّاه: أبائنة سُعدى نعم ستَبِين كما انبت من حَبل القَرين قرينُ كأنك لم تَسمع ولم تَر َقبلها تفرُّق أُلاف لهنّ حَنِين فأخلفن مِيعادي وخُنّ أمانتي وليس لمن خانَ الأمانة دِينُ فالتفت ابنُ أبي عَتيق إلى كُثيّر فقال: أوللدِّين صحبتهن يا بن أبي جُمعة ذلك والله أشبهُ بهنّ وأدعى للقلوب إليهنّ وإنما يُوصفن بالبُخل والامتناع وليس بالوفاء والأمانة.
وذو الرقيات أشعر منك حيث يقول: حَبّذا الإدلال والغَنَجُ والتي في طَرفها دَعَجُ وِالتي إن حدّثت كَذبت والتي في ثَغرها فَلج خبروني هل على رجُل عاشِقٍ في قُبلة حَرَج فقال كُثيّر: قُم بنا من عند هذا ومَضى.
عُمارة بن عَقيل بن بِلال بن جَرير قال: إنّي بباب المأمون إذ خرج عبد الله ابن أبي السِّمط فقال لي: علمتُ أنّ أمير المؤمنين على كماله لا يعرف الشِّعر.
قلت له: وبِم علمتَ ذلك قال: أسمعتُه الساعَة بيتاً لو شاطرني مُلكه عليه لكان قليلاً.
فنظر إلي نَظراً شَزراً كاد يَصطلمني.
قلت له: وما البيت فأنشد: أضحى إمامُ الهُدى المأمون مُشتغلاً بالدّين والناسُ بالدنيا مَشاغيلُ قلت له: والله لقد حَلم عليك إذ لم يؤدّبك عليه.
ويلك! وإذا لم يشتغل هو بالدنيا فمن يدبّر أمرها ألا قلت كما قالَ جَدّي في عبد العزيز بن مروان: فلا هو في الدُّنيا مُضِيع نصيبه ولا عَرَضُ الدُّنيا عن الدّين شاعلُ فقال: الآن علمتُ أنني أخطأت.
الهيثم بن عَدِيّ قال: دخل رجل من أصحاب الوليد بن عبد الملك عليه فقال: يا أمير المؤمنين لقد رأيتُ ببابك جماعةً من الشعراء لا أحسبُهم اجتمعوا بباب أحد من الخلفاء فلو أذنتَ لهم حتى يُنشدوكَ فأذن لهم فأَنشدوه وكان فيهم الفرزدق وجرير والأخطل والأشهب بن رُميلة.
وترك البَعِيث فلم يأذن له.
فقال الرجل المُستأذن لهم: لو أذنتَ للبَعِيث يا أمير المؤمنين إنه لشاعر.
فقال: إنه ليس كهؤلاء إنما قال من الشعر يسيراً.
قال: والله يا أمير المؤمنين إنه لشاعر.
فأَذِن له فلما مَثَل بين يديه قال: يا أمير المؤمنين إن هؤلاء ومَن ببابك قد ظَنّوا أنك إنما أذنتَ لهم دوني لفَضل لهم عليّ.
قال: أولستَ تعلم ذلك قال: لا واللّه ولا علّمه الله لي.
قال: فأنشِدْني من شعرك.
قال: أمَا والله حتى أنشدك من شعر كُل رجل منهم ما يَفضحه فأقبل على الفرزدق فقال: قال هذا للشيخُ الأحمق لعبد بني كُليب: بأيّ رِشاءٍ يا جريرُ وماتحٍ تدلّيت في حَوْمات تلك القَماقِم فجعله يتدلّى عليه وعلى قومه من عَلُ وإنما يأتيه من تحته لو كان يَعقلُ.
وقد قال هذا كَلبُ بني كُليب: لَقومِيَ أحَمى للحقيقة منكُم وأضربُ للجَبَّار والنقعُ ساطع وأوثقُ عند المُرْدفات عشيّة لَحَاقاً إذا ما جَرَّد السيفَ لامِع فجعل نساءه لا يثقْنَ بلَحاقه إلا عشيَّة وقد نُكحن وفُضحن.
وقال هذا النصراني ومدح رجلاً يسمى قَيناً فهجاه ولم يشعر فقال: قد كُنت أحسبه قيناً وأُنبؤه فالآن طُيّر عن أثوابه الشَّررُ وقال ابن رُميلة ودَفع أخاه إلى مالك بن رِبْعيّ بن سَلْميّ فقُتل فقال: مَدَدنا وكان ضَلَّة من حلومنا بَثَدْيٍ إلى أولاد ضَمرة أقْطَعا فمن يرجو خيرَه وقد فعل بأخيه ما فَعل.
فجعل الوليدُ يُعْجب من حفظه لمثالب القوم وقُوة قلبه وقال له: قد كشفتَ عن مساوئ القوم فأنشدني من شعرك.
فأنشده فاستحسن قولَه ووصَله وأجزل له.
ومما عِيب على الحسن بن هانئ قولُه في بعض بني العبًاس: كيف لا يدينك من أمل مَنْ رسولُ الله من نَفره فقالوا: إنّ حَق الرسول صلى الله عليه وسلم أن يُضاف إليه ولا يُضاف هو إلى غيره.
ولو اتسع فأجازه لكان له مجاز حسن.
وذلك أن يقول القائل من بني هاشم لغيره من أفناء قُريش: منّا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يريد أنه من القبيلة التي نحن منها كما قال حسّان بن ثابت: وما زال في الإسلام من آل هاشم دعائمُ عِزٍّ لا تُرام ومَفْخَرُ بَهاليلُ منهم جَعفرٌ وابنُ أمه عليّ ومنهم أحمدُ المتخير فقال: منهم كما قال هذا: من نفر.
ومما أُدرك عليه قولُه في البَعير: أَخْنس في مثل الكِظَام مَخْطِمُه والأخنس: القصير المَشافر وهو عَيب له وإنما تُوصف المَشافر بالسبوطة.
ومما أُدرك على أبي ذُؤيب قوِلُه في وصف الدُّرّة: فجاء بها ما شئت مِن لطميّة يدُور الفُرات فوقَها وَتمُوجُ قالوا: والدُّرة لا تكون في الماء الفُرات إنما تكون في الماء المالح.
واجتمع جريرُ بن الخَطَفي وعُمَر بن لَجَأ التَّيمي عند المُهاجر بن عبد الله والي اليمامة فانشده عُمر بن لَجأ أرجوزَته التي يقول فيها: حتى انتهى إلى قوله: تُجَرّ بالأهونِ من إدْنائها جَرّ العَجوز الثنْيَ من خِفَائها فقال جرير: ألا قلت: جرّ الفتاة طَرَفَيْ رِدائها فقال: والله ما أَردتُ إلا ضَعْف العجوز.
وقد قلتَ أنت أعجبُ من هذا وهو قولُك: وأوثق عند المُرْدفات عَشيّةً لَحاقاً إذا ما جَرّد السَّيفَ لامعُ والله لئن لم يُلْحقن إلا عشيّة ما لُحقن حتى نكحن وأحبلن.
ووقع الشَّرُّ بينهما.
وقَدم عمرُ بن أبي ربيعة المدينةَ فأقبل إليه الأحوصُ ونُصيب فجعلوا يتحدثون.
ثم سألهما عمرُ عن كُثيّر عَزّة فقالوا: هو هاهنا قَريب.
قال: فلو أرسلنا إليه قالا: هو أشدّ بَأْوا من ذلك.
قال: فاذهبا بنا إليه.
فقاموا نحوَه فألفَوْه جالساً في خَيمة له.
فوالله ما قام للقُرشيّ ولا وَسّع له.
فجعلوا يتحدّثون ساعة.
فالتفت إلى عمر بن أبي ربيعة فقال له: إنك لشاعر لولا أنك تُشبِّب بالمرأة ثم تَدعها وتُشبِّب بنفسك.
أَخبرني عن قولك: ثم اسبَطَرت تَشتدِّ في أَثَري تسأل أهلَ الطَّوافِ عن عُمر والله لو وصفتَ بهذا هِرّة أهلِك لكان كثيراً! ألا قلت كما قال هذا يعني الأحوص: وما كنتُ زَوّاراً ولكنّ ذا الهَوى وإن لم يَزر لا بُدّ أن سيزور قال: فانكسرت نَخوةُ عمر بن أبي ربيعة ودخلت الأحوصَ زَهوةٌ ثم ألتفت إلى الأحوص فقالت: أخبرني عن قولك: فإنّ تَصِلي أصِلْك وإن تَبِيني بهَجْرك بعد وَصْلك ما أبالِي أمَا والله لو كنتَ حُرَّاً لبالَيتَ ولو كُسر أنفُك.
ألا قلت كما قال هذا الأسود وأشار إلى نصيب: بزينَب اْلمِم قبلَ أن يَرحل الرَّكْبُ وقُلْ إن تَملِّينا فما ملكِ القَلْبُ قال: فانكسر الأحوص ودخلت نصيْباً زهوة.
ثم التفت إلى نُصيب فقال له: أخبرني عن قولك: أهيم بدَعد ما حييتُ فإن أمت فواكبدِي مَن ذا يهيم بها بَعدِي أهمّك ويحك مَن يفعل بها بعدك.
فقال القوم: الله أكبر استوت الفِرَق قُوموا بنا من عند هذا.
ودخل كُثير عزة على سُكينة بنت الحُسين عليه السلام فقالت له: يا بن أبي جُمعة أخبرني عن قولك في عَزّة: وما رَوْضة بالحزن طَيِّبة الثَّرى يَمُج النَدى جَثْجاثُها وعَرارُها بأطيَبَ من أرْدَانِ عَزّة مَوْهِناً وقد أوقدت بالمندل الرَّطب نارُها طاب ريحُها.
ألا قلت كما قال عَمّك امرؤ القيس: ألم تَريَاني كُلما جِئْتُ طارقاً وجدتُ بها طِيباً وإن لم تَطَيّبِ سمر عبدُ الملك بنُ مَروان ذاتَ ليلة وعنده كُثيّر عَزّة فقال له: أنشدني بعضَ ما قلتَ في عَزّة.
فأنشده حتى إذا أتى على هذا البيت: هممتُ وهَمّت ثم هابتْ وَهِبْتُها حياءً ومِثْلي بالحَيَاء حَقِيقُ قال له عبدُ الملك: أما والله لولا بيت أنشدتَنيه قبل هذا لحرمتُك جائزتك.
قال: لمَ يا أمير المؤمنين قال: لأنك شركتُها معك في الهَيبة ثم استأثرت بالحياء دونها.
قال: فأي بيت عفوتَ به يا أمير المؤمنين قال قولك: دعُوني لا أريد بها سِواها دعُوني هائماً فيمن يَهيمُ ومما أدرك على الحسن بن هانئ قولُه في وصفِ الأسد حيث يقول: كأنما عينُه إذا التفتت بارزةَ الجفن عينُ مَخْنُوقِ وإنما يُوصف الأسد بغؤور العَينين كما قال العجّاج: كأن عَينيه من الغُؤور قَلتان أو حَوْجلتا قارورِ وقال أبو زُبيد: ومن قولنا في وصف الأسد ما هو أشبه به من هذا: ولرُبّ خافقة الذَوائب قد غَدتْ مَعْقودةً بلوائه المَنْصور يَرْمِي بها الآفاق كُل شَرَ نْبَث كفّاه غيرُ مُقلَّم الأظْفورِ لَيثٌ تَطِير له القُلوبُ مخافةً مِن بين همهمة له وزَئير وكأنما يُومي إليك بطَرفة عن جَمْرتين بجَلْمد مَنْقُور
آخر تعديل عبدالله علي باسودان يوم 04-15-2017 في 11:11 PM.
بحار من رونق وجواهر كامنة في لغتنا العربية..
ألا لو أسقط هذا الدرس القيم على شعر هذه المرحلة .. ما كنا لنلمس؟!
من اللافت للنظر حقا أن هذه الدراسات البديعة لا تليق إلا بالشعر القديم.. لأنه الشعر الحقيقي أبعد فأبعد في فضاء اللغة ومزاياها الكثيرة...
سلمت أناملكم أيها القدير
امتناننا الكبير لمجهودكم الثر والأثير