إنثيالات صوفية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ عمر مصلح
ألرحمن..سبعة أسفار .. ولكل سفرٍ حجم وطاقة ، وحث روحي ، وتسلسل سفر الألف كان أولاً ، وقيمته واحد . وبه ابتدئ الأمتثال التعبدي الحق .. مذ قال : إقرأ باسم ربك الذي خلق ..
ومثلها ابتدئت به الألفبائيه ، وقبلها كانت الأبجدية
فمنذ " الأبجدية الأولى "* ابتدئ الكون بسفر الألف . ومنذ الخلق ابتدأ الخالق باسم آدم ، وخلقه من أديم الأرض . ومن حكمته تبارك وتعالى أنه ابتدأ به اسمه العظيم . ألرحمن . ومن حكمته أيضا أنه لم ينهه بحرف الياء أو الواو ( يا أيتها النفس المطمئنه ارجعي إلى ربك راضية مرضية ) . بل أنهاه بسفر النون ( نون والقلم وما يسطرون ).
ما يسطرون ؟!.
يا رحمن ...
هذه الأسفار تسبح لها الكائنات منذ " سابع ايام الخلق "* سبحانك يا ألله .. كم أنت جميل وتحب الجمال حيث اسميت ذاتك الألهيه بالرحمن.
مجذوب أنا بك يا رحمن . وأوردتي وأدعيتي تفردني بماهية علاقتي بك يا رحمن .. فلا الرفاعي ببرهانه المؤيد ولا ابن عربي بفتوحاته المكيه وشجرته النعمانيه ، ولا طواسين الحلاج . ولا كل الأقدمين بجنيدها ومعروفها وسريِّها ولا المجذوبين ومن تبعهم كالسهروردي والتستري وابن أبي الحواري ، ولا دعوات سيد نور .. كلها لا تشبه علاقتي وماهية فهمي للرحمن ... .
لا أدَّعي علوّ مرتبتي ولا أقول بدنوها .. ولكني أسير مع الجميع وخطوتي وحدي.
حبي للرحمن كخيول غائرة تنداح أمامها قلاع وحصون وجيوش وأساطيل.
حبي للرحمن أرقّ من نسمة هواء شفيف في ليل ربيعي تداعب خصلات شعر حريري ينساب على خد وردي بض ملؤه البراءة والعفاف.
أكاد أتلمسها في عالم غيبي قصي .. هذه تشظيات مجذوب بحب الرحمن ومهووس بالأرض .. لدرجة " إطالة الأظافر لما يعرقل انتزاعي من شارع الرشيد"**
شارع الرشيد الشامخ باعمدته المقرنصه وشناشيل بنت الچلبي الخشبيه ، وثرائه المعماري الموغل بالأصالة ، المزهو بمطاعمه ودور السينما والمحلات .. أتعرف ماذا حل بهذا الشارع ؟ .. أقول خجلاً مقهوراً حزيناً .. لقد صار مرتعاً لأولاد الغرف الرطبة والشوارع الخلفيه ، وسوقاً للرقيق وزواج المتعة ، وتجار المخدرات ، والمزورين..
والأنكى من ذلك كله , وما يثير الرعب قبل الأنتباه .. ويَجِف القلب ، وترتعد الأوصال . حيث يفاجئني من كتب على صدره باللون الأسود (قاتل مأجور ) وهو يمارس حياته بهدوء واسترخاء , بفعل حبة وردية.
يا رحمن .. يا أرحم الراحمين
لقد تغيرت معالم المدينة .. فلا بيت عبادة ناج ، ولا أسرة بلا فجيعه ، ولا عائلة غير مهجرة .. والحياة صارت أقسى من حشرجة الموت.
تراهم هائمين مهاجرين باحثين عن فرصة للحياة .. والباقون يقترفون التحليق بالامل.
وباتت ابواب " الفردوس تفوح من طريبيل "** ..حدود اللاكرامة
هل تأملت ما يجري لنا ؟!
يا من " روحه روحي وروحي روحه"***
رفقا بنا يا رحمن .. فنحن لسنا من قال لهم ابن عربي : ما تعبدون تحت قدمي
نحن محمديون ودعوتنا ( ربي أني مغلوب فانتصر ).
بشفاعة حبيبك المصطفى
بدم الحسين شهيد كربلاء
بجــاه عبد القادر الگيلاني
ببرهان يوسف الذي لولاه , لهمَّ بها
إكراما لتصديق رؤيا اسماعيل
بكرامة أحمد الرفاعي
بحب آل بيت خاتم الانبياء
بقدسية بيتك العتيق
بصرخات الثكالى .. وانكسار اليتيم
بحق بغداد عليك
ارحمنا يا أرحم الراحمين
فالبصرة تنازلت خطياً عن نخيلها لسقط المتاع.
والمتنبي غادر (واسط) .. بحثاً عن غطاء لفوهة بركان القلق.
ولم يعد كأس أبي نواس مترعاً ..وبلغ من القهر عتيّا.
وأبو جعفر المنصور هُجِّر من الحي العربي .. إلى مرافق صحية في إيران.
واختُطفت سعاد بحناء رجليها من الموصل وفُضَّتْ بكارتها تحت الحدباء على أيدي مسلحين.
والأنبار مقبرة عملاقة لفلذات كبدها.
وديالى لونّها اللون الازرق غير الطاهر باليتم .. وأنكرت مصطفى جواد.
والعامرية تناجي قيسها المجنون القاطن في مصحة بوكا العقليه.
والفلوجة أُحدٌ غطّى سفحه الدم .. ولا أَحَد.
والأعظمية عظُمت فجيعتُها .. فأبناؤها أكوام لحم في براميل القمامة.
واليرموك ادلهمّت واستحالت عاصفة جديدة للصحراء.
والكاظمية كاظمة غيضها وابن جعفر يتأمل بعينين آسيتين.
والنجف خلعت السواد وتقمطت بالكفن.
والدورة دارت حولها الدوائر.
والعامل تعطلت عن العمل.
والجهاد جاهدت حدَّ العظم كي لا ينكسر .. وانكسر.
والغزالية عنَّسَتْ ولم يعد ثمة من يغازلها.
والحارثية تبحث عن حارثها .. ذاك انها تزخر بالقلنسوات.
والبيّاع بيعت بالمزاد لأولاد الزنا جهاراً.
والطالبية مطلوبة ....... .
والمزاد لم يزل مفتوحاً.
ما زاد .. ما زاد ... ألشرف مقابل الشفافيه.
ما زاد .. ما زاد ... ألقيم مقابل الديموقراطية.
ما زاد .. ما زاد ... ألموت مقابل الحياة.
ما زاد .. ما زاد ... ألأنتماء مقابل الفيدراليه
( كلشي يا أخي مستورد وغالي .. بس الوطن رخصان للتالي )
وصرنا نشك بأن الحياة ما زالت على قيد الحياة.
لاننا اثبتنا - بلا شك ولا ريب - أن الحياة موت مؤجل.
أنا ميِّت .. إذاً أنا موجود.
لا كما قال الأخ ديكارت : انا أُفكر إذاً أنا موجود.
يا رحمن لا تصمت .. لأننا سئمنا الصمت
تصمت محطات الكهرباء أمام دمعات الشموع.
تصمت صنابير الماء أمام تدفق البترول.
تصمت هواتف الفقراء الأرضيه أمام رنات نقالات عراقهم الأثيريه .. والوطن نزيفاً محمولاُ نحو الشرق.
تصمت ( السلطة ) أمام صراخ العاطلين.
تصمت أيام شهر رمضان الكريم أمام عيد ( الفقر ) المبارك.
تصمت السعادة مكرهةً أمام خواء الجيوب.
تصمت فجيعة النهار أمام عربدة الليل.
وأخيراً .. صمتت الحياة أمام الحقيقة.
كلهن صمتن إلا أنت أيها الصمت الرهيب .. فلم يكن صمتك إلا ذهباً أمام فضة الكلام الرخيص.
ألغوث الغوث يا رحمن
إني مغلوب فانتصر
ألمتشبثون بالأمل ، المتعلقون على حبال الغسيل سيجفّوا ويتآكلوا ويتلاشوا.
لذا قررتُ خلع القبيلة .. رغم علمي بجرأة القرار ..
أخلع قبيلة صَلَبت المسيح إكراما ليهوذا ..
رجمت وجه محمد عند هبل..
كسرت عصا موسى وعصته
أنشأت الجسر الجوي ( بالأسمنت الوطني المقاوم ) بين بغداد وأورشليم
وبلَّطت الطرق النفسيه بين الرافدين وفارس .. وأنت أدرى بما سيفعله هذا الـ ( فارس ) أمام رافدين منفتحين.
وكرَّمتْ النشمّية المفجوعة منذ عقود ونيشانها الطين الذي يتوج الرأس .. كرّمتها بقتل أولادها أو تشريدهم في الأمصار.
وأجهضت الحوامل من أزواجهن الشرعيين ليستبدلوا بأجنة هجنت في أنبوب.
إذاً .. لا بد للصعلوك من خلع القبيلة .. ولك الشكر ايها المنذور بالوسيلة.
.." من يعمل في هذه الساعة المتاخرة من الليل .. الشعراء والعاهرات "
هكذا قالها السوداني رحمه الله ..
لكن القبيلة يا صديقي سلبت الليل من الشعراء ، واستبدلتهم بفرق الموت ، وقوات ( حفظ ) الأمن ، وقوات ( حفظ ) النظام .. لحفظ الموت واللانظام .. ولأدامة العهر ، والحواسم ، واللواطيين طبعا.
ألا تراها من علامات ساعتك يا رحمن ؟
أقمها اذن
"لم احزن يا فاقئ عيني لعمى عيني
لكن الحزن عليك
لانك لن تبصر بعد عماي"****
هكذا عضّدني حمندي في خلع القبيلة
آه ...... نسيت شيئاً
لقد سكتت التنانير ولم يفر تنور ... منذهم ... فالخبز ممنوع ... والآمر مجهول.
ومن يراوده الرغيف يلقى حتفه .. لا محال.
قدسّوا القوادة بزواج المتعة والمسيار ..
وتجمّع الأسرة إرهاب يعرضها لمداهمة ليلية.
شحوب وقلوب وجلة ، وترقب قلِق
فعلى مقربة من كلب أعورمتخم بالضحايا , تكدس على جلده القراد .. ينام رجل مضرج بدمائه ولا من مغيث.
خزي وإذلال يومي.
أما إذا رنَّ النقال فستسطف أمامنا أسئلة مذعورة ..
هل داهموا البيت ؟
هل سحلوا ابني الى مكان مجهول ؟ ليطالبونني بالفدية
هل انفجرت مفخخة أمام مدرسة ابنتي ؟
هل..
هل..
هل..
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
كثيرات هي الهواجس التي تراودنا .. تستفزنا قبل ان نجيب.
وبين هذا وذاك لا نسمع غير حفيف الطائرات وهمهمة المدافع وعواء الالغام ونباح سياراتهم.
وسماؤك ملبدة بالأباتشي.
كلها اسباب موجعة وموجبة لارتفاع السكر وضغط الدم .. او يتوقف القلب نزولاً عند رغبة الشيطان.
فـــــــ " إلى أين تسعى يا كلكامش ؟
إن الحياة التي تبغي لن تجد
إذْ لمّا خلقت الالهة البشر .. قدَّرت الموت على البشرية
واستأثرت هي بالحياة"*****
فعشبتك لا تنفع .. لان القتل عشوائي ومنظم وعلى الهوية .. ولم يدع للخلود مكان..
لا خلود إلا لك يا رحمن
لم يبق من حصاد بيدرنا سوى الموت لتقتات الهوام
ففضيلة الشيخ وسماحة السيد وقداسة البابا وحضرة الكنزفرة وجناب البابا شيخ
جلهم .. مراؤون .. دجالون .. مداهنون .. خاوون ..
يتعكزون على المذاهب
وأنا اتعكز على رحمتك يا رحمن
أنت الواحد يا رحمن
أمامهم تداس المقدسات بالأحذية الخضر .. وهم صامتون .. خانعون.
فليضعوا الأهلة وأم سبع عيون والصلائب والدرافش والطواويس والأسكندولات .. وكل تعاويذهم ..
و (ليدندشوا) حدود العراق بكل أقمشة الصين الخضر
فلن تشفع لهم.
انت وحدك من يفعلها يا رحمن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* عبدالخالق الركابي
** سلمان داود محمد
*** ألحلاج
**** عبدالمنعم حمندي
***** ملحمة گلگامش