في أول يوم عمل له تبددت حالة الأكتئاب التي عاشها منذ ثلاثة أيام حين أستلم أمر تعينه من دائرة العمل عاملا للتنظيف في حديقة المقبرة بأجر يورو واحد للساعة الواحدة،مضافا لراتب الأعانة الأجتماعية الذي يتلقاه ، منذ قدومه الى المانيا
لأجئا سياسيا مطاردا ومهددا في بلده الذي غادره غارقا بالموت،فتحت له البوابة الكبيرة للمقبرة التي تزدحم وتتشابك فيها أشجار السرو والصنوبر العاليات وعلى جوانب السور الداخلي تجتذب بصره تلك الشجيرات الصغيرات لأنواع محتلفة من الورود الملونة ،سار على البلاطات الملونة للشارع الذي يشطر المقبرة الى شطرين تصطف على الجانبين بأنتظام القبورذات الشواهد المرمرية اللامعة والمصقولة ، حمل جردلا وقطع من القماش وعصا طويلة يلتقط فيها الأوراق اليابسة المتساقطة من الأشجار ،أنتهت ساعات عمله الخمس عند الغروب، وضع عدة العمل في المخزن المخصص، وحث الخطى قبل حلول الظلام داخل المقبرة ،لكنه توقف حين رأى ما أثار أستغرابه وفضوله ، شاهدها تسير بين القبور بمعطفها الأسود الطويل وقبعتها الصوفية تحمل زهرة وتنحني على أحد القبور،وضعت زهرتها وسمعها تردد كلمات بصوت لا يسمعه سواها ، أقفلت عائدة بذات السرعة التي قدمت فيها ،ثم تقودسيارتها بسرعة فائقة كأنها تخشى أن يتبعها أحد، يتكرر المشهد كل يوم زهرة حمراء على ذات القبر وأمرأة ذات جمال باهرتأتي مثل ومضة حلم ، ،يمسح الغبار عن شاهدةقبرلرجل في ريعان الشباب ، كما دونت ساعة وفاته ،صار ينتظر قدوم تلك الفاتنة بفارغ صبر ،يختبأ خلف الأشجار الكثيفة حتى تنتهي من طقسها اليومي ،أستحوذت على تفكيره حتى في أيام راحته، عطلة نهاية الأسبوع أطبقت عليه بالملل والأجدوى،أعادته الى مراراته وهزائمه القديمة يعتصره ألم أغترابه وحيدا وسط وحشة القبور،في الأيام التالية أنقطعت المرأة ذبلت ويبست كل زهورها أزاحها ونظف شاهدة القبر ،وأستل زهرة حمراء كزهورها من باقة يانعة على قبر مجاور وضعها بذات المكان بأتجاه رأس الميت ربما تأتي عند الغروب ،لكنها لم تر ما يفعله لأجلها حين يضع زهرتها القرمزية وتحرقه ساعات أنتظارها،يستل الزهور من الباقات على بعض القبور ويوزعها على قبور أخرى يلفها الأهمال والنسيان ربما لأباء وأمهات لم يتذكرهم الأبناء ولو بزهرة واحدة ذات عيد رويدا شحب ظل المرأة في ذهنه ربما تنعم الساعة بأحضان رجل جديد أنساها ذلك الحبيب الذي كانت تهمسه كلمات الحب وتطبع على ذكراه زهرة حمراء،لم ينتبه لدخولها حاملة زهرتها ،فقد هزل جسدها وشحبت بشرتها تتلفع بشال صوفي تنقل خطواتها ببط شديد ،رمت زهرتها تمتمت بذات الكلمات وعدته أنها قادمة اليه ،ولم تنتبه الى الزهور الذابلة التي كان يرميها مستغرقا في أنتظاربهجة حضورها.
تتوالى الشكاوى ضده الى أدارة المقبرة بتهمة العبث بباقات الزهور وسرقتها ، لم يدافع عن نفسه لأعتقاده أنه كان يحقق عدالة تسعد موتى منسين ،فلم لا تكون لكل قبر زهرة،مرة أخرى تلقيه حماقة أفكاره المجنونة عاطلا عن العمل متسكعا في دروب الغربة الباردة.
قرأتها عدة مرات
تراها الديمقراطية في الغرب من أوحى له بأن تحقيق العدالة ممكن ؟؟
أو هي أفكاره والإيحاء الذي تلبسه مما تقوم فيه تلك الفاتنة ؟؟
أعجبني فكرة القصة والربط بين الأفكار
مبدعة في السرد
تحياتي ومودتي سيدتي
(( تتوالى الشكاوى ضده الى أدارة المقبرة بتهمة العبث بباقات الزهور وسرقتها ، لم يدافع عن نفسه لأعتقاده أنه كان يحقق عدالة تسعد موتى منسين ،فلم لا تكون لكل قبر زهرة،مرة أخرى تلقيه حماقة أفكاره المجنونة عاطلا عن العمل متسكعا في دروب الغربة الباردة )) .
القاصة المبدعة فاتن الجابري :
لغة دافقة بأنسب الكلمات
و حكمة و فلسفة إنسانية ترقى لمستوى الأدب العالمي
وردت في قصتك ..
فألف تحية أخطها لهذا الأدب المميز
مودتي الخالصة