عمر بن أبي ربيعة
إسمي عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي القرشي شاعر قريش وفتاها، وأنا أحد شعراء الدولة الأموية. (ولدتُ عام 644 م)، كنيتي أبو الخطاب، وأعتبرُ أرق شعراء عصري، وأنا من طبقة جرير والفرزدق، ولم يكن في قريش أشعر مني. ولدتُ في الليلة التي توفي بها عمر بن الخطاب سنة 23 هـ، فسميتُ باسمه.
ولم تكن العرب تقر لقريش بالشعر حتى نبغتُ فيه، فأقرت لها به، كما أقرت لها بالشرف والرياسة. وقد طارت لي شهرة في الغزل يحسدني عليها أكثر الشعراء. واعترف لي بالشاعرية كبار الشعراء أمثال الفرزدق وجرير، وجعلتُ الغزل فناً مستقلاً يُعرف به صاحبه، بعدما كان غرضاً تابعاً لغيره من الأغراض. فقد وقفتُ شعري على المرأة، فلم أقصد من المدح غير محاسنها، لا حسنات الرجال، فكنتُ أتبعَ لها من ظلها لا تروقني الحياة إلا في مجلس حب ولهو ودعاب.
وشعري في المرأة لا يتميز عن غيره في ذكر محاسنها الخارجية فقد وصفتُها كما وصفها غيري، وأعطيتُها التشابيه المألوفة في عصري وقبل عصري ، ولكني أتميز بإدراك نفسيتها. وتصوير أهوائها وعواطفها، والتنبه لحركاتها، وإشاراتها، ومعرفة حديثها وطرق تعبيرها، فليست المرأة شبحاً غامضاً في شعري ، بل روح خافق الفؤاد مختلج بعناصر الحياة. وجاء القصص الغرامي عندي أوسع وأتمّ مما هو عند أستاذي امرئ القيس، فلي قصائد فيها القصة مستكملة الهيكل من تمهيد وعقدة وحل طبيعي على ما يتخللها من حوار لذيذ تشترك فيه أشخاصها، حتى ليخيل إليك أنك تقرأ قطعة تمثيلية تطالعك بأحاديث الحب ولغة المرأة
وقد نشأتُ على دلال وترف، فانطلقتُ مع الحياة التي تنفتح رحبة أمام أمثالي ممن رزقوا الشباب والثروة والفراغ. لوتُ مع اللاهين وعرفتُ مجالس الطرب والغناء فارساً مُجيداً أنشد الحسن في وجوه الملاح في مكة، وأطلبه في المدينة والطائف وغيرهما.
رأيتُ في موسم الحج معرض جمال وفتون، فرحتُ أستغله " إذ أعتمر وألبس الحلل والوشي وأركب النجائب المخضوبة بالحناء عليها القطوع والديباج". وألقى الحاجّات من الشام والمدينة والعراق فأتعرف إليهن، وأرافقهن، وأتشبب بهن وأروي طرفاً من مواقفي معهن. وشاقتني هذه المجالس والمعارض فتمنيتُ لو أن الحج كان مستمرا طوال أيام السنة:
ليت ذا الدهر كان حتما علينا =كل يومين حجة واعتمارا
ومما يروى أن سليمان بن عبد الملك سألني: «ما يمنعك من مدحنا؟». فأجبته: «أنالا أمدح إلا النساء». و قد وصفتُ في شعري النساء وطرائقهن في الكلام وحركاتهن وبرعتُ في استعمال الأسلوب القصصي والحوار...و تتميز قصائدي بالعذوبة والطابع الموسيقي. وقد تغنى كبار الموسيقيين في ذلك العصر بقصائدي.
وكنتُ أفد على عبد الملك بن مروان فيكرمني ويقربني. وكان عبد الله بن عباس رضي الله عنه معجباً بأشعاري .
كنتُ على جانب من الاعجاب بنفسي. وفي العديد من قصائدي أصور نفسي معشوقاً لا عاشقاً والنساء يتهافتن عليَّ ويتنافسن في طلبي بل إنني أتحدث عن «شهرتي» لدى نساء المدينة وكيف يعرفنني من أول نظرة لأن القمر لا يخفى على أحد:
قالت الكبرى أتعرفن الفتى؟ =قالت الوسطى نعم هذا عمرْ
قالت الصغرى وقد تيمتُها =قد عرفناه وهل يخفى القمرْ؟
يقال أنه رُفع إلى عمر بن عبد العزيز أنني أتعرض للنساء وأشبب بهن، فنفاني إلى جزيرة (دهلك) في البحر الأحمر. وعندما تقدم بي السن, أقلعتُ عن اللهو والمجون وذكر النساء إلى أن توفيتُ عام 93 ه،711 مـ.
عايشتُ القرن السابع الميلادى، وقيل إني ولدتُ بالمدينة يوم مقتل عمر بن الخطاب وقال حسادي في ذلك باطلا (اي حق رفع واي باطل وضع). وفي الحقيقة إني مدحتُ نساءً كثيرات حتى يخيل للمرء أنني لم أدع فتاة أو امرأة جميلة في الحجاز إلا شببتُ بها وذكرتُها خاصةً بنات الطبقة الحاكمة الأرستقراطية الجديدة، فقد شببُ بزينت بنت موسى الجمحية وابنة عمها نعم وبالثريا بنت علي بن عبد الله، ولم أقف عند هذا الحد، بل كثيراً ما تعرضتُ للزوجات الحاجّات في الطواف وألقيتُ بهن شعراً، ومنهن ليلى بنت الحارث البكرية ، ورملة بنت عبد الله الخزاعية ، وفاطمة بنت محمد بن الأشعث الكندية، ولم تسلم من غزلي زوجة شيخ النحو أبي الأسود الدؤلي. هذا وكان بين مواكب الحاجّات من يرغبن ان أتشبب بهن، فكن يتعرضن لي، وكن يغضبن إذا لم أشبب بهن.
شاهدتُ مرةً فاطمة بنت الخليفة عبد الملك بن مروان ابنة خليفة وأخت الخلفاء الأمويين الوليد وسليمان وهشام أبناء عبدالملك. وزوجة الخليفة عمر بن عبد العزيز . كانت فاطمة بنت عبد الملك حسنة جميلة بارعة الجمال ربيبة القصور، وفيها قلت :
بنت الخليفة والخليفة جدها أخت الخلائف والخليفة زوجها
وفيما يلي عينات من شعري
(ليت هندا أنجزتنا ما تعد)
ليت هندا أنجزتنا ما تعد = وشفت أنفسنا مما نجد
واسـتبدت مـرة واحـدة = إنمـا العــاجز مـن لا يســتبد
ولقـــد قـالت لجــارات لهــا= وتعـرت ذات يــوم تبــترد
أكمــا ينعتنـــي تبـصرنني= عمـــركن اللـــه أم لا يقتصد
فتضـاحكن وقـد قلـن لهـا =حسـن في كل عيـن من تود
حسد حملنه من حسـنها= وقديما كان في الناس الحسـد
كلما قلت متى ميعادنا =ضحكت هند وقالت بعد غد
نحن أهل الخيف من أهل منى= مالمقتول قتلناه قود
قلت أهلا أنتم بغيتنا= فتسمين فقالت أنا هند
إنما أهلك جيران لنا =أنما نحن وهم شىء أحد
كلما قلت متى ميعادنا= ضحكت هند وقالت بعد غد
و قلتُ أيضاً :
خبروها بأنني قد تزوج=تُ فظلت تكاتم الغيظ ســـرا
ثم قالت لأختها ولأخرى= جزعا ليته تزوج عشــرا
وأشارت الى نساء لديها =لا ترى دونهن للسر ستـرا
ما لقلبي كأنه ليس مني= وعظامي أخال فيهن فتــرا
من حديث نمى إلى فظيع =خلت في القلب من تلظيه جمرا