الشعر وسمو الغايات / قراءة لبعض قصائد علياء المالكي
الشعر
وسمو الغايات
قراءة لبعض قصائد علياء المالكي
وجدان عبدالعزيز
الشعر حفيف أجنحة ذهبية وسط سحب بيضاء كلما لمعت آن لنا أن نطير لنقترب منها غواية ، نغني للحقول بنثيث أمطار خفيفة تمس أغصانا ، قد تمسكت بالحياة ، لتثمر معان مطمئنة في جوفها .. وتحاول الخروج ثانية إلى أثمار أخرى .. وهكذا ولا تعطي نفسها إلا لمن كان لها مراقبا ذكيا في منافذ الدخول والخروج ومتزلفا .. كانت هذه خواطري وأنا استعرض انفعال المرأة الشعري وهي تتلمسه كحلم يغور في الذات فيخرج شعريا بطراز آخر ، كحفيف الأجنحة التي تحمل ندى الصباح تطهيرا للحواس من الخوف ، ثم بعد ذلك ينسكب ممزوجا بالخيال والبحث عن الحقيقة ، وتكوين نظرة جمالية للحب ..
وبدل أن تكون في نظر الآخر أي المرأة عنصر سالب لا يحرك ساكنا في أعماق الحياة ، كانت هذه إرهاصات الشاعرة علياء المالكي وانفعالها وتوهج لحظة انبثاقها هي لحظات مقدسة تفترض الوجود الحتمي وتزاحم النظرة الدونية لإنسان المرأة لتخرجها خارج حلبة الصراع السلبي الى خلق أجواء الجمال التي هي الإطار الحياتي ..
إذن الحضور الشعري للمرأة هو الحضور الجمالي المساهم في اشراقات وجه الحياة واتساقا مع هذا كان دأب الشاعرة علياء المالكي استنادا لقولها :
(انسكب من خيال ...
قطرة .. قطرة .. كالندى
من شفاه الشجر
وانبعث .. حلما
من عصور المطر ..)
(اقترب ...
وانتظر ..)
محاولة جادة للربط بين الحلم وبين المطر الذي يمثل الخصب والخير ، بحيث جعلنا نحلق في أجواء الطبيعة بينما الشاعرة دعته للاقتراب والانتظار على أعتابها ، لأنها تتحول إلى مناطق بنكهات جمالية ، كما الفصول لتلائم هذه الأجواء ومن ثم تقول وتكون قولتها مفصلا يثير الانتباه ...وهي تنفعل بطرح أسئلة ...
(يا ترى ..
هل غفا الليل في بئر حبّ عميق
وانطفأنا ..
فاستفاق الشهيق !
ثم عدنا
فابتعدنا وظل الطريق
عن الطريق !)
هذه الأسئلة القلقة مبررة وأجوبتها تتسق مع الرؤية والموقف الذي تحمله وهي تحاول كما أرى إيجاد مبررات كي تقف مع الآخر في توحيد الهدف والموقف ليحدث عكس الافتراق وتكون الشهقة ، شهقة الحب والجمال ، ثم تطعم هذا بتساؤل آخر تعميقا لهذا الانفعال ..
(هل أنام؟
والليالي مسافرة)
هنا جاء تساؤلها عبارة عن ثورة انفعالية سياقا للزمن ودوران الليالي لتقول ها انذا موجودة يسكنني الحلم ..
(فغدا .. يورق البرتقال)
وهو صراع إرادة ووجود وتثبيت موقف ، ثم تخاطب الحلم والأمل بان (هكذا ../ ترتوي من شموسي شموعا / وشيئا فشيئا / بقلبي تنطفيء) وتظل في افتراضات الحضور رغم انه زمن يمتلأ باغبرة الغياب .. تؤكد هذا في قصيدة (حب في زمن الدخان) ...
(بعد ألف صفقة للريح
تاه القمر
الدهر شاخ
لم يبق طويلا
بعد أن تسلقت
رائحة الدخان جناحيه
ثم ...
خلقت أنا
بعد ألف رحلة مهاجرة
...
لأبقى ...)
فهي تسمو دائما ترتفع وتظل متوترة بين الغياب والحضور يدفعها شغفها بالحياة والجمال رغم إنها تعيش واقع موضوعي شديد القسوة على الفرد والمجتمع معا كما هو معلوم وعليها كامرأة أصيبت بإحساس مرهف تجاه الحياة ، فهي تارة تنحاز لذاتها وأخرى تخرج لواقعها الموضوعي وبيت هذا وذاك تكون ذاكرة مواسم تسجل التاريخ ليكون حافزا .. وعكازا تتوكأ عليه تقول :
(في موسم ذاكرتي
أحببتك تاريخا
كملامح حبّ
في كل شوارع أروقتي
رقص ...
يتساقط اجنحة ...
رقص ...
في روضة أزمنتي
رقصات تأخذني)
فهي حركة دائبة تستعمل كلمات فيها تنقل (أجنحة/ رقص/ رحلات مهاجرة) وبين هذه الكلمات العديد من الفراغات التي تنتظر المليء ، فهي في رقص افتراضي على إيقاع الفرح أو الحزن ثم جعلت هناك علاقة بين الذاكرة كتسجيل لأشياء الذات وكلمات ظهور مرئي لأشياء المحيط .. وهكذا تتلون بانحيازها لمناطق الجمال ...
(تتساقط كلماتي
كلمات ، كلمات
رقصات بلادي
نبضات حياة)
هكذا إذن تحمل همومها الذاتية والموضوعية ويكون شفيعها هو الكلمات ..
انها شاعرة لا تملك غير هذا .. حبها للجمال جعلها تعزف على أوتار الكلام لتبين موقفها من الحياة برؤية ثابتة ، تغذيها بهذا الصبر ، بهذا الثبات ، وبجمال الشعر تجلي صور الانحياز للخير استنادا لقولها في مقابلة مع الشاعر علي الموسوي حيث تقول : (لأني أجد إن لحظة كتابة أي قصيدة هي أقدس وأعظم من أي غاية ، فهي لحظة تعبير ذاتي عن رؤيا مكنونة تحت رأس كل شاعر) هكذا توضح دأب الشاعرة علياء المالكي في خلق مكانة لها ولو أنها لازالت متواضعة أي خلق مكانة على خارطة الشعر العراقي الحديث وهي تخرج من اللحظة الشعرية إلى امتلاك الوعي كي تمسك بحركة الأشياء وتعي ما تقول بإيقاع جميل وبلغة سليمة تمتاز بالأناقة والرقة ..
/ قصائد(على ضفة مني)و(حب في زمن الدخان)و(على صدى دبكة)
للشاعرة علياء المالكي
/حوار مع الشاعرة أجراه الشاعر علي الموسوي اجري بتاريخ 1/8/2007