إيتانا والنسر
أقدم نص لهذه الأسطورة وصلَنا من العصر البابلي القديم (2000 – 1600 ق.م) كما وصلنا نص آخر من العصر الآشوري الوسيط (1600 – 1000 ق.م) ، ونص ثالث من مكتبة آشور بانيبال بنينوى يعود إلى القرن السابع قبل الميلاد ، وهو أكمل هذه النصوص وأكثرها وضوحاً .
" ... بعد صعود إيتانا على العرش في كيش ، نمت شجرة عملاقة وارفة الظلال ، وجاءت إليها حية فاتخذت من قاعدتها وكراً لها ولصغارها ، ثم حط على قمتها نسر فصنع له ولفراخه عشاً . وقد تعاهد الاثنان على العيش بسلام وعلى اقتسام الطعام فيما بينهما . فإذا اصطاد النسر فريسة جاء بها إلى المكان وترك الحية وصغارها يقتسمونها معه ، وإذا اصطادت الحية فريسة جاءت بها أيضاً وتركت النسر وفراخه يقتسمونها معها . ثم وثَّق الطرفان عهدهما هذا بالقسم أمام الإله شمش ، إله الحق والعدالة ، على احترام الاتفاق وعدم النكوث بالعهد .
عندما كبر فراخ النسر وشبوا ، أضمر النسر مكيدة شريرة في قلبه . ثم تحدث إلى فراخه قائلاً :
إني لآكلٌ صغار الحية .
سيشتعل غضبها علي بالتأكيد
ولكني سوف أطير عالياً وأختبيء في الأجواء ،
ثم أهبط إلى أعلى الشجرة فقط لأخطف من ثمرها .
فقال له فرخ مُزغبٌ كثير الحكمة ، قال لأبيه :
لا تفعل ذلك يا أبي ، لأن شبكة شمش سوف تمسك بك
ولكن النسر لم يستمع لنصيحة ابنه الحكيم ، وبينما كانت الحية غائبة عن وكرها نقض النسر عهده وانقض فأكل صغارها ثم هرب . وعندما عادت الحية بصيدها واكتشفت ما فعله النسر ، بكت وذرفت دموعها أمام الإله شمش ضارعة إليه أن يثأر لها من النسر .
استجاب شمش لدعاء الحية ورسم لها خطة توقع بالنسر . سيدفع إليها ثوراً مقيداً في الفلاة ، عليها أن تقتله وتختبيء في أحشائه . وعندما تحط طيور السماء لتأكل من الجيفة سيأتي النسر بينها أيضاً ، وعندئذ عليها أن تنبري له وتقبض عليه فتنتزع مخالبه وتنتف ريش أجنحته ، ثم ترميه في حفرة عميقة ليموت هناك من الجوع والعطش .
تسير الخطة بنجاح وتأتي الطيور لتأكل ويَهُمُّ النسر أن يحط معها ليأكل أيضاً ، ولكن فرخه الحكيم يحذره من احتمال كمون الحية في بطن الثورة لتثأر لصغارها منه . تردد النسر قليلاً ثم أقدم ، عندما رأى بقية الطيور تأكل بهدوء وسلام دون أن ترى ما يعكرها ، فطار وحط على الثور . عندئذ انقضت عليه الحية من مكمنها فاقتلعت مخالبه ونتفت ريشه ثم ألقته في الحفرة العميقة غير آبهة لتوسلاته ، ومضت تاركة إياه لمصيره .
راح النسر يتضرع في كل يوم إلى شمش عله ينقذه من ورطته ، فقال له شمش :
أنك مخلوق مؤذٍ وشرير ، وقد أحزنت قلبي .
لقد ارتكبت فعلاً مرذولاً من قبل الآلهة ، لا يقبل الصفح .
ها أنت تموت ولكني لن اقترب منك ،
بل سأقيِّض لك رجلاً ، فاطلب منه عوناً .
كان إيتانا ملكاً صالحاً ولكنه شارف على الشيخوخة دون أن يرزق بغلام يخلفه على العرش ، كان يصلي في كل يوم ويقدم قرابينه إلى الآلهة من أحسن مواشيه ، علها تنظر إليه بعين العطف وترفع عنه لعنة العقم . ثم يعلم عن نبتة مزروعة في السماء تُشفِي من العقم ، فيدعو الإله شمش أن يجعل هذه النبتة في متناول يده . يستجيب له الآله ويدله على مكان النسر الحبيس ، فيحرره ويشفيه ويعوده على الطيران مجدداً لقاء أن يطير به إلى السماوات العلا ، لجلب نبتة الإخصاب التي تتعهدها هناك عشتار بالرعاية والسقاية .
وعندما يتعافى النسر يرتقي إيتانا ظهره فينطلق به صُعداً في طبقات الجو العليا ، حتى تبدو الأرض وكأنها بستان صغير ويبدو البحر الواسع وكأنه قدر ماء . ولكن قوى النسر تخور ويعترف بعجزه عن المضي قُدماً أبعد من ذلك ، ثم يهوى عائداً إلى الأرض . لدى رجوعه إلى كيش يرى إيتانا أحلاماً غريبة عن رحلة ثانية إلى السماء ، منها الحلم التالي الذي قصه على صديقه النسر :
رأيت أننا نمضي عبر بوابة آنو وإنليل وإيا
هناك ركعنا معاً ، أنا وأنت .
ثم رأيت أننا نمضي معاً ، أنا وأنت .
عبر بوابة سن وشمش وأدد وعشتار .
هناك ركعنا ، أنا وأنت .
رأيت بيتاً فيه نافذة غير موصدة .
دفعتها ، فانفتحت وولجت إليها ،
فرأيت هناك فتاة مليحة الوجه مزينة بتاج .
وهناك عرش منصوب { .. .. } ،
وتحت العرش أسود رابضة مزمجزة .
فلما ظهرتُ لها قفزت نحوي .
عند ذلك أفقتُ من نومي مذعوراً .
يرى النسر في حلم إيتانا بشارة بنجاح محاولة ثانية لهما في ارتقاء السماء ، فيقرران التحليق مجدداً . تنجح المحاولة ويصل النسر بإيتانا إلى سماء آنو ، حيث يدخلان بوابة آنو وإنليل وإيا ، فيسجدان هناك ثم يجتازانها إلى بوابة سن وشمش وأدد وعشتار ، فيسجدان هناك ثم يفتح إيتانا البوابة ويدخل ، حيث يحصل إيتانا على نبتة الإخصاب والعودة بها إلى الأرض .