النص يشرح نفسه ، بل يكاد ينطق ، و يجري دمعه المدرار ، وكأنه يتقمص شخص صاحبه ، المتألم على ضياع الأوطان العربية ، والتي بدأت بنكبة فلسطين والقدس ، ثم يخاطب الوطن بقلب مكلوم ، نكأته جراح القهر والتغريب ، وجلبته رياح الحزن والخيانة على أيدٍ عفنة رتعت في ماء آسن عفن ، باعت الوطن ، وباعت الكرامة وهي لا تملك ذلك .
النص جزل ، مناسب متوازن ، مليء بالمفردات القوية بالصور البلاغية التعبيرية ، والتي ساعدت في توصيل الألم ببراعة للمتلقي .
رغم أن صاحب النص ذكر القدس والزيتون مما يوحي بأنه الشاعر الكبير صبحي ياسين
تفجّر الحزن في قلب الشاعر وسرت ألحانه في جوارحه
فانتفض ليذود عن أمته بلسانه فاتخذ اليراع سلاحا
وأعلن قصيدته المدوية كـ سيل جارف من الألم الذي ختمه بالأمل بالله بدعوة صادقة
محشوة بالصبر ومكسوة بالحب والخير
قصيدة كبيرة بمعانيها قوية بمبناها
وصلت كلماتها بكل براعة إلى قاع القلوب
أؤيد ما قاله الغالي شاكر السلمان بظنه أنها للشاعر القدير ناظم الصرخي
والله أعلم
كل التوفيق
التوقيع
آخر تعديل هديل الدليمي يوم 08-20-2015 في 10:47 AM.
رابط الموضوع الرئيسي https://nabee-awatf.com/vb/showthread.php?t=15426
غصّة
قصيدةكتبها الشاعر في العمودي وهو أساس الشّعر العربي وجذوره فكتابته تخضع لقواعد الخليل الفراهيدي وهو نوع من الشعريؤثر في سامعه بالإيقاع والمعاني والصّور
وعلى مافيها من ألم ووجع ومعاناة واحساس بالوطنية تجعل قارءها يقدر على لذّة تفوّق معانيها وقد قال أحدهم (الحزن ضروري للعبقريّة)...فمابالنا والحزن هنا ناتج عن أوضاع الوطن .
فبدءا بالعنوان (غصّة)يدرك المتلقي حجم المعاناة وثقلها والغصّة تترجرج في الحلق فلا نسيغها وتعريفها لغويّا هي حزن وهمّ وغمّ شديد متواصل.
وقد استهلّ الشاعر قصيدته بشيئ من المرارة والضيق عبّر عنهما بسؤاله
من أين ابدأ
مسرّبا ما يدقّ قلبه ووجدانه من ألم وشجن ومعاناة من صدى أحداث
وقد سكب في المقطع الأول مشاعر القلق بروح درامية
مـن أين أبـدأ والأحـــزان تعـصـرني = من حالة الهـدم أم مـن حالـة الوهــنِ
مـن أيـن أبـدأ ؟ مـن تغـريـب سـنبلةٍ؟= أم مـن ديارٍ خلـتْ فـي غفلـة الزمــنِ
أم مـن كــلابٍ عَـوَتْ عـزْفــاً على وترٍ= أنـغـامـهُ لَحَــنتْ فـي منطــقٍ عـفـــنِ
جـاءت تحـفُّ بهــا أحقـادهـــا زمـراً = فسـرْبلـت عفّــة الأفـــراح فـي كفـــنِ
ونلاحظ المعجم اللّغوي الذي وظّفه الشّاعر للتعبير عن انفعالات مثيرة تتصلّ بالوطن .حتى كأنّ القصيدة برمتها ملحمة حافلة بالألم والأنين والحسرة.
فأحزانه كثيرة تكتظّ في وجدانه ولا يدري كيف يرتّبها ولا كيف يبدأ ولا بماذا يبدأ وهي ذروة التّأزّم لديه
عصر وهدم ووهن وتغريب سنبلة وخلاء ديار
وهي صور تعبيرية ترتبط بدلالة المعنى وقد جاء استثمار الصيغ الصرفية مرادفا لفهم المعاني وتبليغها للمتلقي
ويبلغ التعبير اوجه في لاحق الكلام لتسريب حالة الضيق والخنق التي تقذف الشاعر في مدارات وجدانية حساسة جدا وقد اوجب هذا استدعاء لغة قويّة متشحة بالخيبة والخذلان والمرارة والتبّرّم من زمن الكلاب بوسيع مفاهيمه وتفاصيله وما تشحنه الصورة من دلالات
عَـوَتْ عـزْفــاً على وترٍ
أنيابها أفصحت عـن بُغْضهــا خـبـْث النوايـا بأشـكـال مـن الفتـــنِ
ثم يستدرك قلمه لتعريّة حقيقة هذه الكلاب التي لا تعدو أن تكون غير سماسرة الوطن....والمتربصين به
ففقدان المغايير والحسابات الضّيّقة وتردّي المفاهيم أدخلت مجتمعاتنا في زوبعة من الفتن والضغائن الى حدّ العدوانية
فما ساد من سلوكات وممارسات تتعارض مع قيمنا ...
حادت بصيرة.....الجهل ساد...الأخلاق وهنت...ساد الغبيّ
وقد جاءت هذه الصور معبرة عن تلك العدمية والخذلان الذي تتخبط الأوطان في مستنقعه
ســاد الغبــيّ فهـلْ تـرجـى لمعضلــةٍ = أن ترتقي الحـل في حِـلٍّ عـن المحــنِ
فالبيت هنا يجد به الشاعرسبيلا للهوان واليأس والإحباط
ويجيئ تفعيل السؤال
بماذا أبدأ
في المقطع الموالي
من أين أبـدأ؟ والأوطــان قـد سُـلِبـتْ = من قبلها القـدس إذ باتت على حَـزَنِ
لـو أن بعــض دمٍ ممـا أريـق جــــرى= في عِـرْقِ زيتونهـا ما بات في شجـنِ
لكــنّ فطنـتـنــا قــد شـــابهـــا خَــــوَرٌ= واسـتوطـنت روحنــا مــدّاحة الــوثنِ
إن الكفــوفَ التي قـد صفّقــت مـلقــاً= عيـن الكفـوف التي باعــت بلا ثمــنِ
واليـوم قـد بدّلـتْ أَجـلالــهـا طـمـعـــاً = ما زاد من خزيـهـا رهــنٌ لـمـرتهــنِ
بانـت نجاســاتهمْ فاحـت بمـا حملـتْ = من منْتِـنِ القيح والأرْجـاس والعفـنِ
لكـنّ يا صـاحِبـي مـا بِـيـع لـيس لــهُ = فـي دارة الكــون مـن شـبهٍ ومقـتـرنِ
إذا تبـارى، شمــوس الكــون قاطبة = لــه ســتـكـسـف إجـــلالاً بـلا ضِـغَـــن
من أيـن يا لائمـي أسمـو بمفـردتــي = والحــرف قـد نالـه ذبْـحٌ مـن الـوَتـَـنِ
هم ألجمـوا شـفتيْ عـن كــل باســمةٍ=واستكثروا همستي في ومضة الوسَنِ
آهٍ على زمـــنٍ ســــاد الـزنيــــم بــه = واسـتوطن الـدار عـلجٌ غيـر مـؤتَمـنِ
ناديت يا وطنـي ليــل الطغــاة مضى = صـاح البـــلاء بنـا بـاقٍ ولــم يـهــــنِ
صيـّرْت من خـافقـي نـذراً كـمنتـَهَــلٍ = للســائريـــن الـى العليـــا بـلا منــــنِ
دمعـي على واحتــي مـا كفّـهُ جــدبٌ = مـدرارهُ ســابِغٌ كالنــازل ِ الهَتــــــنِ
أدعـو إلـه السمــا والأرض يحفظهــا =مـن كـل شـرٍ بدا فـي زرقـة الـوطــــنِ بغية تمثّل غصّته في أعتى وأقوى صور يمكن أن يركطن إليه المتلقي لأدرك حجم هذه الغصّة وهذا الشّجن
بما يسمح له أن يكون أكثر تأثّرا وتفاعلا
وما نلاحظه هنا هذه اللغة الخارقة التي تعيد توزيع المعاني والتقاط الواقع الرّاهن ببلاغة وديباجة حافلة بالمحسنات البلاغية من استعارات وتشبيه وايحاءات
فللغة خصائصها في هذه القصيدة المترفة المتقنة ...
فوحدها الأوطان تمنحنا هذا العلوّ والإتقان والدّفق اللّغوي الباذخ .
فتحيّة لهذا الشّاعر القدير الذي يسكنه وطن ....
التوقيع
لِنَذْهَبَ كما نَحْنُ:
سيِّدةً حُرَّةً
وصديقاً وفيّاً’
لنذهبْ معاً في طريقَيْنِ مُخْتَلِفَيْن
لنذهَبْ كما نحنُ مُتَّحِدَيْن
ومُنْفَصِلَيْن’
ولا شيءَ يُوجِعُنا
درويش
آخر تعديل منوبية كامل الغضباني يوم 08-20-2015 في 01:35 PM.