(أ)
إن من يعالج اللغة العربية تعليما وتدريسا تفاجئه أمور يجب أن يحسن وصفها وتوظيفها واستثمارها، وفي هذه السلسلة أنقل لكم بعض تلك الأمور لتعايشوني وتعيشوها.
وهاكم تفاصيل الجزء الأول الذي نشر في 15/1/2019م على الرابط: https://www.alukah.net/social/0/132086/، والذي سيتناول ستة شئون، هي:
1- الأسئلة الاختيارية في اللغة العربية ضد العدالة التربوية
3- المقدمات الموحدة والختام الموحد من أمراض تدريس الإنشاء
4- صاحب الدجاجة عنوان الشاعر للقصيدة أفضل وأصح من "البخيل والدجاجة" و"الطماع والدجاجة"
5- في الإنشاء
6- يا معلم، عش ميول طلابك ترسم اتجاهاتهم
(ب)
وهاكم التفاصيل:
1- الأسئلة الاختيارية في اللغة العربية ضد العدالة التربوية
إن الاختبارات العامة الآن مسابقات بين التلاميذ في التحصيل، وهذا يقتضي كون الأسئلة كلها إجبارية تحقيقا للعدالة التربوية المقتضية تثبيت كل المتغيرات إلا متغير قدرة التلميذ فقط؛ فلماذا الأسئلة الاختيارية في اللغة العربية التي يُنصُّ في مواصفات ورقتها الامتحانية عليها وحدها؛ فلا أظن حدوث ذلك في مادرة دراسية أخرى غيرها؟
إن الأسئلة الاختيارية في اللغة العربية مثلبة وثلمة وثغرة؛ لأنها مضيعة للوقت والمساحة، ولا تنفرد يمزية؛ فلا هي تُراعِي الضعيف كما قد يُدَّعى؛ لأن المواصفات تجعل السؤالين - الذي سيختار التلميذ واحدا منهما- متماثلين في الصعوبة والتمييز؛ فلا مراعاة للضعف هنا. كذلك المواصفات تفرض مبدأ تدرج الأسئلة وملاءمتها المستويات كافة على أن تخصص نسبة 15% منها للمتميز.
ولا هي تمنع إهدار جهد التلميذ بوجود أكثر من نص وموضوع قرائي قبل وجود القراءة المتحررة، كما قد يُدّعى؛ فهذا غير صحيح؛ لأنه غير مُعتَبر هنا. وقد يُدّعى غير ذلك من أمور لا تثبت للنظر التربوي الصحيح؛ لذا يجب أن تُسد هذه الثلمة بإلغائها، وجعل الأسئلة جميعها إجبارية الإجابة؛ لتهافت كل ادعاءات وجود سؤال (اختر سؤالا مما يأتي).
يوصي بعض المعلمين تلاميذهم بإجابة الأسئلة الاختيارية كلها تحت وَهَم الحصول على الدرجة العليا، وهم بذلك يوصونهم بعدم الاستجابة لنص السؤال الذي يطلب إجابة سؤال منها فقط، وَعَوْا ذلك أم لا. وإن هذا العقل التربوي الذي يفعل ذلك يجب أن يتغير، وإلا فليكن الاختبار كله إجباريا من البدء؛ لأنه لا معنى عندئذ لوجود أسئلة إجبارية وأخرى اختيارية.
وإن إجابة الأسئلة الاختيارية كلها تحت وَهَم الدرجة العليا يناقض مواصفات الورقة الامتحانية، ويُجهد مُقدِّر الدرجات، ويضيع الوقت. وإن المعلم الذي يوصي تلاميذه هذه الوصية لن يستطيع تحقيق ذلك لهم لو كان هو مقدر الدرجات؛ لأنه يخالف القانون الذي تمثله مواصفات الورقة الامتحانية التي يصدرها المركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي، وإلا فما فائدتها؟ وما سلطتها؟
3- المقدمات الموحدة والختام الموحد من أمراض تدريس الإنشاء
يحلو لبعض المعلمين تحفيظ تلاميذهم مقدمات عامة تصلح لمختلف الموضوعات، وكذلك في الختام، أو هكذا يزعمون. وإن هذه المقدمات التي يُحفِّظُونها تلاميذهم لمختلف موضوعات الإنشاء استسهال تربوي ضار، وليست تعليما حقيقيا لكنها هروب من صعوبة بناء المهارات في الإنشاء؛ فبدلا من انشغال المعلم انشغالا حقيقيا بتمكينه في الإنشاء يوهم التلميذ بنفع ذلك وجداوه في تحصيل الدرجة في الإنشاء، فيحفظها التلميذ كحفظه أي شيء من دون توظيف أو استثمار.
والصحيح أن يصبر ذلك المعلم على تعليم تلاميذه (حسن الاستهلال) بكتابة مقدمة لكل موضوع تمهد له، و(يُحسن التخلص) منها إلى الموضوع، مع تحليل موضوعات القراءة تحليلا إنشائيا ببيان المقدمة وكيفية انتقال الكاتب منها إلى الموضوع، وكذلك بيان كيفية الختام. والاهتمام بإبراز سمات المقال بأنواعه من خلال حصص الإنشاء، والاستشهاد مما يدرسه التلميذ، وبناء موضوعات مع التلاميذ بناء متناميا. هذا فقط قد يبني المهارات الإنشائية.
4- صاحب الدجاجة عنوان الشاعر للقصيدة
أفضل وأصح من "البخيل والدجاجة" و"الطماع والدجاجة"
نشرت في 16/11/2015م على الرابط: https://www.alukah.net/social/0/94164/- مقالي (اكتشاف تناقضات "البخيل والدجاجة" للسادس الابتدائي - يعلم التفكير الناقد) أثبت فيه أن الرجل ليس بخيلا. ثم تغير عنوان النص في طبعة الكتاب التالية إلى (الطماع والدجاجة)، وهو عنوان غير صحيح أيضا. لماذا؟ لأن الرجل ليس طماعا؛ فلا يُسمى مالك الشيء إن تصرف في ملكه طماعا.
ثم وجدت ديوان الشاعر الذي وسم بـ(العيون اليواقظ في الأمثال والمواعظ)، وكتب على غلافه: لمؤلفه المغفور له المرحوم محمد بك عثمان جلال، الطبعة الأولى بعد وفاة المؤلف 1324هـ و1906م، طبع بمطبعة النيل بمصر، ص16، ووجدت الشاعر قدج سمى قصيدته (الثالثة عشرة في صاحب الدجاجة). ووجدت أن عنوان المؤلف أفضل وألصق بالمحتوى من عنواني طبعتي الكتاب المدرسي قديمة وحالية.
الإنشاء مرآة اللغة العربية بمستوياتها ومسائلها وفروع تدريسها، وهو مستويات غايتها الأديب، وبدؤها المنشئ المعبر عن مكنونات نفسه أو عما يراد منه من دون أخطاء لغوية. والأول الذي هو الإبداع الأدبي موهبة يمنحها الله تعالى من يريد، والآخر الذي هو المنشئ متعلمعليه أن يعلم أن الإنشاء إنشاءان: علمي قوامه الأجناس الأدبية والثقافة العامة، وعملي عماده السابق وتحليل النماذج المتلعمة ومحاكاتها واستمرار التجربة وتحمل تبعاتها. وعليه أن يصبر في ذلك ويصابرالعرف التربوي غير المؤيد لبذل محاولات التعلم؛ لأنه يعلم أن طلب موضوع الإنشاء سؤال كأي سؤال لا يستحق التلميذ درجة فيه ما دام بعيدا عنه ولو كتب ما كتب ولو عشرين سطرا.
6-يا معلم، عش ميول طلابك ترسم اتجاهاتهم
المعلم الذي يستشعر كونه حاملا رسالة، المعلم الذي لا ينسى أنه وارث من ورثة الأنبياء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "العلماء ورثة الأنبياء"، المعلم الذي يرى في الطالب رجل المستقبل الذي ينبغي أن ينشغل ببنائه، المعلم الذي لا يرى اقتصار العلاقة بينه وبين تلميذه قاصرة على جدر فصله، المعلم الذي لا يغيب عنه قول ربه: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [النساء: 9]، المعلم الذي يرغب بناء اتجاهات وقيم وميول طلابه.
ذلك المعلم يرى أن كونه معلما منحة من ربه، فيحرص على القرب من طلابه حتى يحقق فيهم الإسلام والارتقاء والتحضر، فكيف تكون قريبا من طلابك أيها المعلم؟
بعد أداء عملك بجد واجتهاد لن تكون أقرب إليهم كما يكون قربك منهم لحظة مشاركتك إياهم ميولهم، فلا تقف عند مادتك وتخصصك بل مدّ اهتماماتك إلى ما يمثل ميولا لهم وشاركهم إياها.
كيف؟
إذا كانوا يحبون كرة القدم فدعمهم، وشاركهم، واغرس فيهم القيم الإيجابية التي تغيب في لحظات المنافسة التي تمثلها الرياضة وممارستها. وإذا كانوا يحبون التصوير فشاركهم، ووجههم إلى موضوعات التصوير التي لا تصطدم مع الشرع، والتي تدعمهم طلابا في فصلك. وإذا كانوا يحبون الرسم فكن معهم، وارسم لهم الحدود الشرعية حتى يعيشوا حقيقة أن الشرع حاكم لحياتنا، وأننا لسنا وحدنا من دون إله يحدد لنا ما يحل وما يحرم.
ولا تكتف بدعمك فقط، بل انشر الدعم.
كيف؟
أقم المعارض في مدرستك وايت بالزملاء وإدارة المدرسة، ونظم مباريات داخلية مع فصول أُخَر وخارجية مع مدارس أخرى.
ولا يقتصر دعمك على وجودك الواقعي معهم بل ادخل بهم الواقع الافتراضي.
كيف؟
وجههم إلى المنتديات التي تدعم ميولهم وتبنيها، وأنشئ لهم مجموعات على الـ facebook تكون لهم مخزنا "أرشيفا" حيا، وشاركهم مجموعاتهم حتى ترى ما يفعلون فتوجههم من قرب.
فهل ترى أن طلابك قربة لك تتقرب بها إلى ربك تجعلك تفعل ما سبق وأكثر منه؟