كتاب " السّي حمار " للكاتب عدنان جاركجي
ساخر ناقد لاذع
بقلم: حسين أحمد سليم
لكلّ امرءٍ أفكارهُ وقناعاتهُ وعاداتهُ ورؤاهُ وتوجّهاتهُ, التي اكتنز بها من معين ثقافاته التي نهلها من منابعَ واتّجاهاتَ شتّى, وصهرها في وعيه الباطني وعرفانه الذّاتي, وكثّفها في ثنايا وجدانه وعقله وراح يتفكّر بها ليل نهار... وله الحقُّ الكاملُ في البوحِ عن مكنونها والجهر بها, والعمل على نشرها وتعميمها وإيصالها لأفراد المجتمع, شرط أن لا تتعدّى الأنظمة والقوانين السّائدة في المجتمع الذي ينتمي إليه, حتّى لا تشيع بين النّاس مُتسبّبة بالفوضى والإنقلابِ على ما هو قائم من عادات وتقاليد وتراثيّأت ونظم وأعراف وقوانين ومذاهب أخلاقيّة وعقائد دينيّة...
ولكلّ فردٍ في المجتمع كامل حرّيّته الإنسانيّة التي يتمتّع بها, والتي منحه الخالق بها مودّة ورحمة وعدالة... ولا يحقُّ لأحدٍ الحدَّ من هذه الحرّيّة أو منعها أو قمعها أو تغييبها, ما دامت تُمارس ضمن حدود القوانين والأنظمة والعادات والتّقاليد المتعارف عليها في المجتمع, فإذا ما تجاوزت تلك الحدود المشروعة وقفزت فوق الأنظمة والمذاهب الأخلاقيّة, وتعارضت مع العقائد والأديان المنزّلة, وجب على من بيدهم القول الفصل تقويم وترشيد الفرد الذي جمح في حرّيّته لأكثر ممّا قسم الله له من الحقوق المشروعة, والعمل على العودة به إلى المسارات القويمة التي تحفظ الأمن الإجتماعي والأخلاقي...
آخر كتاب صدر مع نهاية العام 2010 للكاتب عدنان جاركجي, هو " السّي حمار ", والذي أتى بعد عدّة مجموعات حملت عناوين: " أمل وبعض الرّسائل " و " الأميرة " و " الحرب الخضراء " و "شافي "... وهي كناية عن مجموعاتٍ فكريّةٍمنوّعةٍ, عالج فيها الكاتب قضايا اجتماعيّة كثيرة, ومفاهيم وعادات وموروثات, بأسلوبٍ قصصي سرديّ مشوّقٍ, يحمل في مضامينه الكثير من النّقدِ الهادفِ البنّاءِ لقضايا سائدة وممارساتٍ شائعةٍ, وقف عندها الكاتب عدنان جاركجي, وراح يُحلّل أبعادها بأسلوبه السّهل الممتنع, كارزا ببعض رؤاه في معالجة ما يجب معالجته منها...
كتابه الأخير " السّي حمار ", كتاب نقدي جريء, ألقى فيه الكاتب الأضواء على مشكلة التّدخين, التي يُمارسه غالبيّة النّاس في المجتمعات, دون الإلتفات لم تحمله هذه الممارسة من أمراض لاحقة لجسد من يُمارسها... وقد اختار الكاتب عدنان جاركجي لقصّته " السّي حمار " بطلاً, بحيث عالج موضوع التّدخين بأسلوبٍ سرديٍّ شيّقٍ, مازجاً أسلوب كتابته بالسّخريّة النّقديّة الموضوعيّة الهادفة والبنّاءة, والموجّهة لكلّ المدخنين أينما كانوا, في إلتفاتة لمضار التّدخين ليس فقط على المدخّنين وإنّما على المجتمع بأكمله, سواء في الأماكن الخاصّة أو الأماكن العامّة... لافتاً إلى أنّ القوانين والأنظمة يجب أن تقف من هذه الممارسات موقفا جازما, ووضع الحدود اللازمة التي تحدّ من هذه الممارسات بشتّى الوسائل والأساليب, للحفاظ على الإنسان وبنية المجتمع في بيئة سليمة خالية من التّلوّث...
الكاتب عدنان جاركجي في كتابه الأخير " السّي حمار ", أراد أن يُبيّن أنّ أيّ إنسان لديه أفكار معيّنة, ويحمل مفاهيم ما, ويُمارس عاداتٍ خاصّة به... تلك الأفكار والمفاهيم والعادات تبقى محصورة في دائرة صاحبها, حتّى تأتي قوّة معيّنة تُساعد على نشرها وبلورتها, لتغدو من الأهمّيّة بمكان ما, بحيث أنّ من يُخالفها يكون بمثابة ضرب القيم والمباديء, وبأسلوبٍ ما إيجابيّا أو سلبيا... وفي التّحليل الموضوعي لقصّة الكاتب عدنان جاركجي " السّي حمار ", يتبيّن أنّ الكاتب بما يحمل من مفاهيم واعية ورؤى هادفة وثقافة ناضجة, أراد أن يلفت النّظر للإنسان العاقل, من أنّ المجتمع الفاضل لا يُبنى إلاّ بالأفكار الرّاقية والممارسات الفاضلة, وكلّ من يُقدم أو يجرؤ على القيام بما يُخالف مكارم الأخلاق ورفيع المناقب واستقامة الممارسات, يجب أن يُحاكم عقابا له على ما أقدم عليه, مُتجاوزاً حدود حرّيّته ليُّّّّزعج الآخرين بما ينشر ويُسوّق من أفكار وعادات وممارسات ضارة للمجتمع... وليس للصّفات والألقاب والتّوصيفات من مكانةٍ في هذا المجال, ليتم توظيفها وراء دعم الأفكار وشيوعها في المجتمع, حتّى ولو تضافرت القوى المساعدة والتي ترى في نشرها تحقيقاً لأوطارها, التي تتراءى لها وتُحاكيها في البعد المرتجى... وكم من فكرة ما رفعت صاحبها لأرقى المستوياتِ, وجعلت منه قياديّا بارزا يُؤتمرُ بأقواله ويُهتدى بأفكاره, وكم من فكرة أخرى حرقت صاحبها وانحدرت به إلى الحضيض, وهبطت به إلى الدّركات السّفلى, وانتبذهُ أفراد المجتمع وغدا مهملاً منزوياً لا قيمة له في المجتمع...
عدنان جاركجي, كاتب لبناني ناشط, له العديد من المؤلّفات المطبوعة, والتي تعالج قضايا إجتماعيّة هامّة وكثيرة...
كتاب " السّي حمار " إصدار جديد للكاتب عدنان جاركجي, أبصر النّور في نهايات العام 2010 وبدايات العام 2011 وهو يقع في أربعين صفحة من القطع الصغير, تُزيّن صفحاته الرّسومات السّاخرة...