شعريّة النّصوص في (ماذا لو أرسم بالحروف(.....)لشاكر السلمان

إنّ السّمة اللاّفتة في هذا المتصفح قدرة المبدع شاكر السّلمان على العودة لنصوص كتبها أصحابها هنا وإدراكه القويّ بمضامينها واجتهاده لتجميعها لتكون رسومات لها مدلولها ثمّ تعميقها بخطابات تتجاوز الثّنائيات إبداعا .
وهو مجال أدبيّ مُبتكَرْغير خاضع لتوافق مسبق بين نصّ المبدع المعتمَد وما يقابله من ردّ من العمدة شاكر السلمان...فهو ضرب خاصّ من الكتابة والأبداع تعتمد على التّريّث وحسن تمعّن في النّصوص الأدبية المبثوثة هنا بغية التّدقيق فيها والعلّو بها فيما سمّاه (الرّسم بالحروف) الى مراتب شعريّة بليغة
والمتأمّل في هذا المتصّفح يلاحظ القدرة الفائقة لشاكر السلمان في تحقيق رهان مقاربة النّص المعتمَدة بصورة مدقّقة...
فهو ينصرف في اخراجها بصيغ جديدة تترك أثرها البالغ في متلقيها عامّة وفي (المرسوم)بصفة خاصّة .
فكأنّي بالنّص عند كاتبه وهو يقرأه برسم المبدع شاكر السلمان قد تخلّص من أثقاله واكتسب أبعادا بلاغيّة جديدة تمنحه هدوء القراءة في نصّه من جديد بصفة تشدّ الوجدان أكثر وأقوى من لحظة المكاشفة والكتابة
فشاكر السلمان في هذا المتصّفح قد أحرز سبقا أدبيّا جديرا بالتّنويه...فهو قد خرج بنصوصنا من مجرّد متلقّ وقارئ الى منتج يعيد تشكيل النّص خارج سياقاته ابّان كتابته وانتاجه بطريقة أعمق وقد أفاض عليها شعريّة طاغية.
وسأتولّى في حلقات متلاحقة الوقوف عند هذا المتصفّح لمزيد التّوغّل في مناخاته الإبداعية المُترفة وتخومه الجماليّة المتفرّدة...
يتبع.....

ولنسأل السلمان بدءا حتّى يمنحني معبرا لهذه القراءة
1الرسم بالكلمات ثنائية لا تخضع لنظام الثّنائيات التي تفرض إتّفاقا مسبقا بين إثنين يتقاسمان ويتناظران في خواطرمتتالية....فكيف تتوفّق في انتاج نصّك بما يتوافق مع النّص الآخر؟

كيف أوفق في التناغم مع النص ؟
فهذه عملية أحياناً متعبة وتطول .. وأحياناً تكتمل اللوحة في ليلة واحدة من خلال قراءة واضحة متناسقة لنصوص الأخر .. استحضر نصوصه القديمة من أول منشوراته وحتى آخر نص له ..


2نلاحظ قوّة تفاعلك وتناغمك وتوغّلك مع جوهر النّص (المرسوم بكلماتك)فهل هو الإختيار الجيّد للنّص أم أنّ لهذه الثّنائيّة المُستحدَثَة منكم منطقها وقوانينها وبُناهاالتي تأمّن نجاحها

فعلاً هي طريقة مستحدثة وأنا أعتبرها جنس أدبي آخر وقد لايوافقني الكثير .. ا
الرسم بالكلمات ليس له قوانين ثابتة ..

أطلع على نصوص الآخر ممن أحترمه وأفهمه وأنتقي مقاطع من نصوصه فيها نوع من الرومانسية وبما يناسب التناغم الذي أريد ..
يعني هنا تقدري تقولي عنه القانون الأول ..
ثم مسألة أخرى هي المفاجأة ..
ومسألة ثالثة في نفسي أعتبرها واجباً علي كما هي عيادة المريض..
عندما أسمع أو أحس بأحد من الزملاء الذين ينطبق عليهم القانون الأول بأنه في ضيق أو لديه عامل نفسي سيء أو ملل أبادر الى ما أظن أن رسمه سيريحه ولو الى حين..
ونقدر نقول هي هدية لمن نحب كما يتبادلون الشعراء هداياهم بالقصائد ..

فالمتأمل في أجوبة صاحب السلمان يقف على وعيه بأنّ الكتابة فعل في اللّغة ونظام ما فوق لغويّ
نظام يستباح فيه الخلق والإبتكار والإبتداع وكسرلبعض التّعريفات والتّصنيفات للأجناس الأدبية المتعارف عليها .
وهو منحى به من النّزوع للحداثة والتّطوير ما يشكّل إنعطافة جديدة تتكئ على فنّ الثّنائيات ....
وقد قيل
إذا أردت أن تكتُبَ نصّا منخرطا في الحداثة فاقرأمآثر الأولين واملأ فمك بالبرق
ثمّ أنّ دوافع '(الرّسم بالكلمات)في أجوبة السّلمان لها مبرراتها الإنسانيّة والوجدانية فهي تحيي النّفوس وهي أيضا طريقة ذكيّة لتوريطنا في الخروج من صمتنا وما قد يحاصر نفوسنا ذات ضيق حتّى نستمرّ في البذل والعطاء
وهذا ما أحسستُهُ شخصيّا .فهي مسحة يد حانية جعلت من شعوري بالأمان مدائن تحفها البهجة ويسكنها الفرح ..وهو ما يثبت قدرة هذا المتصفّح على أن يفعل في نفوسنا فعل السّحر والإرباك .
فالمهمّة صعبة كما أشار الفاضل شاكر السلمان في مستوى تحرّك ذاكرته أولا في اتجاه استحضار هذه النّصوص وتمعنّها بحثا عمّا يفتح له هو منافذ محاورتها ومجاراتها ...
وكذلك صنع وشيجة لضمان امتاع صاحبها بها وضمان شدّ المتلقي عموما لها ...ولابد ّ أن أشير الى قيمة هذا العمل من حيث شدّ المرسوم بالكلمات لشذرات من نصوصه وكأنّه يستبطن مكامن دواخله ومجاهل نفسه برؤيا مغايرة للحظة كتابتها فيجيئ النّص بمحنه وشجنه وأثقاله ومباهجه في صناعة فنيّة مغايرة ...
وعموما فهذه التّجربة التي ابتدعها السلمان تجيئ طافحة بشعريّة الصّورة والدّلالات مركبّة حسب الحالات الوجدانية .
وهو ما سأتعرّض إليه في الحلقة الثّالثة والأخيرة ....فانتظروني ومعذرة على حجب الرّدود الواردة التي سنعيدها بأمانة الى الواجهة حال انهاء الحلقة الثّالثة ...
شكرا لمتابعتكم القيّمة وإهتمامكم .

منذ 2008 وأنا أمارس الرسم بالكلمات لم أقرأ دراسة مثل هذه وكما أسلفت السيدة منوبيا أن هذه مستحدثة لم يسبقنا أحد فيها ولافخر في ذلك ...
جزاك الرحمن ألف خير غاليتنا

تسجيل متابعة

متابعة بشوق أنا أيضا

[منية الحسين]

لمنوبية حق الإنصات حد تحليق الروح بين سطور مشاعرها
..
متابعة بشغف

على خطى تأملاتكِ تتمشّى الروح
تخطفنا أبعاد أفكاركِ من قضبان الروتين الحرفي
لنكون هنا بكامل الإدراك
متابعة جدا

فكر نافذ وإشارات إبداعية خلاقة يلحقها الأستاذ شاكر بالنصوص لا تخفى على نحريرة كأنتم أختي دعد
سلمكما الله .. متابع بشغف لدراساتكم الماتعة والمتوغلة أيما توغل..
تقديري وإعجابي

وفي وقفة في الرّسم بالكلمات للمبدع شاكر السّلمان تتجلّى شعريّة النّص طافحة بجمال بلاغيّ غير مسبوق
فهو ينتقي من النّصوص أجودها ويقترف منها بتلذذ ما يتوافق مع رومانسيته فيجوب حقولها الدلالية برشاقة قد تستعصي على وصف ليوسّع تخومها بردوده وبرسمه.
وينتهي الى توظيفها توظيفا يحقّق التّرابط والتّفاعل بين النّصين ويعطيها أبعادا على غرار رسمه لسيّدة النّبع عواطف
فتأملوا معي هذا المقطع من نصّها
تقول
فوق جسر الصبح

وبين طلع النخيل

يغتسل الندى بالورد

وعلى ثرثرة العصافير

يفيق النرجس

والياسمين

فيصبح النبض وردة
تسكن على ضفاف الروح
بين فراشات الأمل
وأرجوحة الحلم
فيستحيل نصّ السيدة عواطف إلى محفّز ومرغّب وفق مقاربة تواصلية تعتمد قوّة التّأثير وتنتهي بتدفّق لدى السلمان
منذ أن كان الحرف تصحبه تلك الريح

لتبعث بالاهات والبوح الصادق من نبض

قلب كبير كقلبك

أصبحنا نرى ما بعد الضباب


ترى هل عرفتني

تلتحم أحرفي بظلال أحرفك لتستفيق

من سبات عميق

فكأنّي به في هذا الرّسم ينتصر على ما يضجّ بداخله بما جاء في نصّ السيدة عواطف
فالإنفعالات تحكمها اللّغة والكتابة لينهض الفرح والأمل من زوايا العتمة ملغيا لملّ شجن
فتوفّر الرّسم لهذه المبدعةينطوي على مفردات تنتج شعريّة النّص (نرى مابعد الضّباب....تلتحم أحرفي بظلال حرفك لتستفيق من سباتها)

وفي رسم آخر لديزي
يفجّر السّلمان المعنى من نصّ لهذه المبدعة
تقول ديزي

لن يتجرأ مخلوق
على التلذذ برحيق الورد سواك
فحين تبحث أناملك
في أعماقي
عن وجد مستعرٍ
سوف أتبعثر لا محال
فأنا طفلةٌ .. يغويني العناق المؤجل
أبتلع ريق الرجفات
على إيقاع تنهيداتك
فشعريّة النّص المعتمد تعي جيّدا طقوسها عند ديزي
فهو ابداع يقف في مواجهة ابداع به إظهار وإيحاء ودلالة.

ويجيئ الكلام من السّلمان ليرسم عالم هذه المبدعة برؤية شعرية فائقة يستخدم فيه المجازات والإستعارات

تكوّري في صدري أمنيةً
وخذي معاصم قلبي وردةً
فأنا الحكاية المركونة بين أوراق الخريف
وقد رسمتك في جميع غصوني
وقطعت لك تذكرة المحال موشومة بعناقنا
خذي أول قطار الى صدري
وافترشيه

واطفئي مدينة حزنٍ تحترق فيه
فهو يحتكم على ملكة تجميع أحاسيسه مع أحاسيس (المرسوم)وتركيبها وتشكيلها بحرفية محوّلا المبدعة الى صور طافحة بالجمال في علاقات لغوية تتماهى مع عالمه ورومانسيته.
فكلّ كلمة وردت في المقطع المنتقي يبني عليها السّلمان عالما من الجمال ويصوّب المعنى لينهض كلّ بوظيفته في إكساب النّص شعريّته .
ونلاحظ تنوّع أشكال هذه الشّعريّة وجودتها في بعض الإستعارات المجازية على غرار(خذي معاصم قلبي...خذي أول قطار إلى صدري...)

وفي رسم للؤلؤة (سفانة)
يجيئ نصّها المترع جمالا


أيْنَ ضَيَّعْنَا الطَّريقْ..؟!

كُلَّما سِرْنا

قَطَفْنا نَجْمَةً
والعُمْرُ يَمْضي
مِثْلَ طَيْفٍ..!!
لَمْ تَعُدْ أَنْتَ الصَّديقْ..!؟
يا صَديقي
لَمْ تَزَلْ في القَلْبِ أحلامٌ تُنادي
لَمْ يُرَمِّدْها الحَريقْ
فاسْكُنِ الأشْواقَ..
أدْرِكْ ما تَبَقَّى
مِنْ رَحيقْ


فالكلمات هنا تتغلغل الى بواطن النّقس ...وتستوجب قدرة على تذوّقها ليجيئ الرّد عليها متسّما بالتّفاعل ومُفْصحا عن تبادل التّأثّر والتّأثير .
وهي لعمري مهمّة صعبة بإعتبار أنّ الرّد عليها يتطلب مسايرة لعمق مضامينها واخصابا لمساحة وجدانية خارجة عن سياق كتابتها من صاحبها
بما يُنتجُ صورة شعرية تجيش فيها نفس السّلمان في توافق معها
وتأملوا معي ردّه

ولما سمعنا صوت النبض وقد علا ......


ارتعش القلم حينئذ


وتصنّعَ ابتسامةَ حياءٍ كعروسٍ


هيئوها لواحة حلمها


دون أن تعرف قيمة ما ألبسوها


ليلامس مداداً نزفتْهُ عبراتُ مُدْمِنِ حزنٍ

لا يفيق منه حتى يتغشّاه آخر

لعلّنا في حاجة هنا الى اقتفاء كلّ صورة وقع انتاجه بما يعطي الرّد شرعية الإمكان والدّلالة .
ولمّا اسمعنا صوت النّبض وقد علا(فهنا نجد السلمان قد توغل ونفذ الى ما تزخر به روح (المرسومة بالكلمات)...
فبلوغ التّمثّل لحالة الشاعرة الوجدانية وحدهامعاناة ومكابدة في انتاج النّص وقد برع في التّعبير عنها بهذه التّاكيب القويّة البليغة
(ارتعش القلم....وتصنّع ابتسامة حياء كعروس)

فاستلهام السلمان للخطاب ومحاورته هي معابر لإنتاج النّص
أمّا عمّا إتفّق له مع مقطع لنصّ من أقرب النّصوص الى نفسي...
حيث أقول

لك أيها الملتحف صمتك.

لك ما تربّص بي في هذه الليلة البيضاء
فأنت من تمنحني دوما شهوة الكتابة بألمها ومزالقها .

فأنت أقرب لي منّي وأنت من تقلّب أعماقي وتجيد افلاتها كلّما رمت لجمها...
ليجيئ جوابه بجملةترصد معانيها وتنبئ بعمق حواملها عند قراءتها

مكثت عصوراً بين الحنايا أناكف النبض أُشظِّيه وأتشظّى ممنياً النفس لعبة ترسمني بماءٍ لايُمحى ولا ينافسه ليل
فباللّغة وبالشّعريّة المُفرطة وبمجاز الكلمات عبر السّلمان نفسي وكلّ تجاويفها وسكبني في رسم يعجّ هواجس وقلقا وتشظّ
ولأنّي لا أملك الاّ أن أقول لك سيبدي أنّ هذه التّجربة الرّائدة الآخذة طريقها الى مزيد من التّجلي والتّفوّق تؤسّس الى تجربة جمالية وتتخّذ أبعادها الابداعيّة معك سيصبح بمقتضاها
الرّسم بالكلمات
فضاءا وجدانيّا لصياغة العلاقات في عمقها وإنسانيتها ورحابتها ....
ومشروعك سيدي الكريم يتجاوز النّص ومحرابه ومناخاته الى تخوم أشدّ عمقا وإبداعا ...وسيفرض هذا الجنس المُستحدَثُ نفسه بين بقيّة الأجناس الأدبيّة
دام الإبداع بكم متفوّقا ....

قرأت وقرأت وقرأت ...
وفي محراب الحرف وقفت والدهشة تملؤني

إن تجرأ وعانق قلمي المتواضع قلمه المترف والفاخر
يوما ما ..
فذاك شرف وفخر لي
وجب على حرفي الانحناء له تقديرا وإجلالا
بكل وقت وكل مكان
فالسحر الذي يخبئه بمداده رفيع المستوى
وقيمته تفوق قيمة كل إحساس عذب

وهذا النقد .. والتعبير الصادق منك
ليس بجديد عليك يالغالية

بوركتِ يا اصيلة
ولعمدتنا الغالي أرق المنى