محاكمة ابن رشد
(1)
==================
قاضى القضاة فى القفص
(أمام باب المسجد)..لقد مررت بهذا القوس مرات لا تحصى لأؤم المسلمين فى صلاة
الجمعة باعتبارى قاضى القضاة . (نرى ضوءا بين غابة الأعمدة الداخلية) وهنا فى
طريقى اليوم ليُحكم علىّ أنا الذى مارست القضاء أكثر من ربع قرن وفصلت فى
كل أمور هذه المدينة ، مدينتى ، وحتى الآن كانت أحكام قضاة قرطبة الآخرين فى
قبضتى : محتسب السوق ، وكيل المواريث ، والقائم بأمور المعايير والأثمان ،
صاحب المدينة ، صاحب ديوان المظالم ، هنالك جالسا فوق حشيتى أفصل بالعدل
والقسطاس المستقيم ، فليجعل الله المقياس الذى يحكم علىّ به اليوم من نفس المقياس
الذى كنت أحكم به ، وإن كان يبدو لى أنه مجلسٌ أكثر من العدد اللازم ، لم تتعود
العدالة أن تبنى عشها وسط الزحام .
(ضجة أصوات ، تهتف كلها تقريبا بلا نظام "النظام النظام" يختفى ابن رشد فى ظلال
الأعمدة .
صوت 1 : القضية الأولى هى عدم نقاء دم ابن رشد ، فهل لنا أن نعرف إلى أى قبيلة يُعزى؟ من الذى يؤكد لنا أنه ليس من أصل يهودى؟
(همس دائم وهمهمة مستمرة)
الأصولى : منذ تسعين سنة كان ابن رشد - جدّ هذا - قاضيا لقرطبة ، ومنذ ستين سنة كان أب هذا قاضيا كذلك ، من نحن حتى نحكم على سلالة قضاة؟
صوت 2 : (فى هياج) ها هنا نحن قادة العسكر فى قرطبة
صوت 3 : وفقهاء قرطبة
صوت 4 : وقضاة قرطبة
صوت 3 : لقد اجتمعنا هنا بأمر الأمير لنفحص مؤلفاته ، ونقرر الأمر بشأن هرطقته
الأصولى : وعن صحة عقيدته لا؟
صوت 5 : حذار يا إبراهيم الأصولى ، لا تهو معه بسبب دفاعك عنه .
صوت 1 : إننى أتساءل لماذا يسميه النصارى ابن رويث . أليس رويث هذا لقبا نصرانيا؟
الأصولى : وليس نصرانيا لقب بردنيش ، والملك لب بن مردنيش . ألم يكن لوبى بن مردنيش؟
صوت 4 : لقد كان الملك لب أشد الخصوم عنادا لملوكنا الموحدين .
الأصولى : بيد أن ملكينا أبا يعقوب وأبا يوسف تزوجا ابنتيه برغم ذلك ، فلا نخلط إذن بين صحة العقيدة وبين البيولوجيا ، ولا بين الشفقة وبين نقاء الدم . إننا هنا فى قرطبة حيث تربع التسامح قرونا طويلة ، فلا نهدمه اليوم .
(وجه ابن رشد بين صخب المجلس)
************************************************
صوت 6 :
وهل يحاكم المرء على نسبه؟
هذا ما لا تقبله الإنسانية أبدا
متابعة إن كان في القصّة بقية
شكرا لهذا الإختيار الشيق أخي سر الختم
**************************
ليس المحاكمة على نسبه فقط يا هديل . إنما مبدأ المحاكمة لفيلسوف كبير وقاضى قضاة قرطبة . هذا يعكس لنا أن حاكم الدولة ينظر فقط إلى تأمين كرسيه بكل الوسائل الممكنة ولا يساوم في سبيل ذلك ولو اضطر لقتل نصف شعبه ويبقى كرسيه سالما . الحاكم دائما شديد الخوف والحذر من الفلاسفة . ابن رشد لم يكن يسعى لتقويض سلطة الوالى وليس فى وسع الوالى أن يفهم نظريات الفلاسفة . ولذلك خيل إليه أن ابن رشد عدوه فى وقتٍ كان فيه صديقا لشقيقه !!