وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا ( الآية 36 من سورة الكهف)
تفسير ابن كثير
يقول تعالى بعد ذكره المشركين، المستكبرين عن مجالسة الضعفاء والمساكين من المسلمين، وافتخروا عليهم بأموالهم وأحسابهم، فضرب لهم مثلاً برجلين، جعل اللّه لأحدهما جنتين، أي بساتين من أعناب محفوفتين بالنخيل المحدقة في جنباتهما وفي خلالهما الزروع، وكل من الأشجار والزروع مثمر مقبل في غاية الجودة نقل السهيلي: عن محمد بن الحسن المقري: اسم الخيَّر من الرجلين (تمليخا) واسم الآخر (فوطيس) وأنهما كانا شريكين، ثم اقتسما المال، فصار لكل واحد منهما ثلاثة آلاف دينار، فاشترى المؤمن منهما عبيداً بألف وأعتقهم، وبالألف الثانية ثياباً وكسا العراة، وبالألف الثالثة طعاماً وأطعم الجياع، وبني أيضاً مساجد، وفعل خيراً - وأما الآخر: فنكح بماله نساء ذات يسار، واشترى دواب وبقراً فاستنتجها فنمت له نماء مفرطاً، واتجر بباقيها فربح حتى فاق أهل زمانه غنى.
وأدركت الأول الحاجة فأراد أن يستأجر نفسه في جنة يخدمها فقال: لو ذهبت إلى شريكي وصاحبي فسألته أن يستخدمني في بعض جناته رجوت أن يكون ذلك أصلح لي، فجاء فلم يكد يصل إليه من غلظ الحجاب فلما دخل عليه وعرفه سأله حاجته، قال: ألم أكن قاسمتك المال شطرين، فما صنعت بمالك؟ قال: اشتريت به من اللّه، ما هو خير وأبقى.
قال: أئنك لمن المصدقين، ما أظن الساعة قائمة، وما أراك إلا سفيهاً، وما جزاؤك عندي على سفاهتك إلا الحرمان.
أو ما ترى ما صنعت أنا بمالي حتى آل إلى ما تراه من الثروة وحسن المال؟ وذلك أني كسبت وسفهت أنت، أخرج عني.
ثم كان من قصة هذا الغني ما ذكره اللّه في القرآن من الإحاطة بثمرها وذهابها أصلاً.
وفي عجائب الكرماني، قيل: كانا أخوين في بني إسرائيل، أحدهما مؤمن اسمه تمليخا وقيل: يهوذا ، والآخر كافر اسمه نطروس وهما المذكوران في سورة الصافات { قال قائل منهم إني كان لي قرين . يقول أئنك لمن المصدقين} الآية .
ولهذا قال: { كلتا الجنتين آتت أكلها} أي أخرجت ثمرها { ولم تظلم منه شيئا} أي لم تنقص منه شيئاً { وفجرنا خلالهما نهرا} أي والأنهار متفرقة ههنا وههنا { وكان له ثمر} قيل، المراد به المال، وقيل: الثمار، وهو أظهر ههنا، { فقال} أي صاحب هاتين الجنتين { لصاحبه وهو يحاوره} أي يجادله ويخاصمه، يفتخر عليه ويترأس { أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا} أي أكثر خدماً وحشماً وولداً، قال قتادة: تلك واللّه أمنية الفاجر، كثرة المال، وعزة النفر.
وقوله: { ودخل جنته وهو ظالم لنفسه} أي بكفره وتمرده وتجبره وإنكاره المعاد، { قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا} وذلك اغترار منه، لما رأى فيها من الزروع والثمار والأشجار والأنهار المطردة في جوانبها وأرجائها ظن أنها لا تفنى ولا تفرغ ولا تهلك ولا تتلف، وذلك لقلة عقله وضعف يقينه باللّه وإعجابه بالحياة الدنيا وزينتها، وكفره بالآخرة، ولهذا قال: { وما أظن الساعة قائمة} أي كائنة، { ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا} أي ولئن كان معاد ورجعة إلى اللّه ليكوننَّ لي هناك أحسن من هذا الحظ عند ربي، ولولا كرامتي عليه ما أعطاني هذا، كما قال في الآية الأخرى { ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى} ، وقال: { أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا} .
التوقيع
[SIGPIC][/SIGPIC]
آخر تعديل شاكر السلمان يوم 12-16-2013 في 12:08 PM.