الإهداء:
إلى التي كان لها الفضل في إتخاذ قرار الخوض في غمار هذا التعب اللذيذ
إلى حبيبتي
سعد
كم هو غريب الإنسان؟! نقابل شخصا لا نعرفه فنكرهه، وآخر نحبه فــــورا من دون أن يكون هناك سبب منطقي، أمر وارد، وكذلك هي المدن، ندخل مدينة ما، فنكرهها على الفور،وأخرى لا تترك في نفسنا أثرا، وثالثة ما إن نطأها حتى نعشقها!!!. وهذا هو ما حدث لــي عندما رأيتك في المرة الأولى أيتها المدينة العزيزة، حين وصلت إليك لكي أبدأ دراستي الجامعية الأولية، فقد أحببتك كثيرا، وهاأنذا أعود إليك بعد مضي كل تلك السنين على إنهاء دراستي النهائية في جامعتك الكبرى و ما تزال جذوة عشقي لك متقدة في أعماقي، وما أزال أشعر نحوك بما لم أشعر به نحو المدينة التي ولدت فيها هناك بعيدا إلى الغرب من الدولة!. إيه يا قدس لقد رجعت إليك بعـــد طول فراق فهل ستهبيني دفقات الفرح التي تعودتِ أن تهبيني إياها قبل أكثر من عشر سنين؟!. لا بأس فأنا سأعرف الجواب بكل تأكيد لأني سأمكث في أحضانك أسابيع ما دامت لجنة الإعـداد لاحتفالات الألفية الرابعة مستمرة بعملها، ومن يدري؟ لربما تصبح هذه الأسابيع أشهر إذا ما رُشِحتَ إلى لجنة التشريفات التي ستستقبل آلاف الشخصيات العالمية المهمة التي ستأتي إلى عاصمة الدنيا، القدس، للمشاركة في هذه الاحتفالات؟ فإلى هذا الأمر كان مدير اللجنة قد ألمح، ولم لا؟ فأنا أستاذ تأريخ ولاختصاصي علاقة وثيقة بالموضوع، ولكن مالي ولهذا الآن؟! فحسبي أن يكون عندي مورد مالي إضافي يجعل من أيامي هنا حافلة بكل تأكيد، فأنا يا قدس لم أتزوج بعد وبي نهم إلى مسراتك وملذات تل الحبيب، تل الحبيب!!! يا لقريحة اليهود الجهنمية! من أين أتوا بهذا الاسم الذي لا يخطر بالبال لمدينة الملذات التي أقاموها على ساحل البحر قرب يافا؟! أين الحب مما يحدث هناك؟! إلا إذا كان المقصود هو حبهم للمال؟. ولكن الحق يجب أن يقال، فهم يستحقون ما يجنونه من أموال بسبب ما يبذلونه من جهود لتهيئة كل ما يخلب لب الرجال ويسلبهم عقولهم وأموالهم! والنساء!!! من أين يأتون بهن دائما رغم أنهم لا يسمحون لنسائهم بالعمل هناك!!!، أنا مشتاق إليك يا تل الحبيب، ولكني مشتاق أكثر إلى القدس الآن، فدعني اشبع نهمي إليها أولا وبعدها لن يبعدني عنك إلا الدقائق المعدودات التي سأقضيها في القطار الطائر إليك يا تل الفسق اللذيذ.
إيه يا قدس، يا مدينة الفرح العارم، من أين أبدأ طقوس بثك الأشواق التي تملكتني طوال سنين الفراق؟ أمن قلبك المقدس، حيث التقى والورع داخل حرمك الشريف، وحيث الجمال في منطقة باب يافا؟ أم من الخليل ضاحيتك الجنوبية الكبرى؟ من رام الله في الشمال؟ أم من سواحل البحر في الشرق أو ضاحية عبد العليم في الغرب؟ من أزور أولا؟ هضابك الحلوة؟ أم وديانك الخلابة؟ أقسم لك بأني سأزور كل مناطقك التي حرمت منها طويلا فانتظرني يا وادي مريم وأنت يا وادي ربابة، سأزور جبل الزيتون وأذهب إلى بئر أيوب، سأفطر يوما في بيت لحم وأتغذى في حبرون، أنا مشتاق يا قدس حتى إلى الحزن الكامن في حواريك القديمة، سأستشفه في الآصال! ليت شعري هذا الحزن من أين يأتي وأنت المدينة التي دانت لها كل أسباب السعادة؟! ترى أي قدر جعل هذه المدينة عاصمة هذه الدولة التي سادت العالم فأصبحت هي عاصمته؟! أي عدل يمتلكه هذا القدر وأي إنصاف؟ والله لا يليق بك يا قدس أقل من هذا، ومحظوظ من سكنك وشقي من لم يزرك. ولكن!!! ما لهؤلاء الذين أراهم أمامي الآن؟! مالهم يكادون يركضون في سيرهم متجهمين وقد كبت أعينهم وكأن أحاسيسهم قد تبلدت؟! مالهم يسيرون كالآلات مهمومين ولا تستطيع أن تميز وجوههم السمر التي كانت مليئة بمظاهر الصحة عن وجوه الأجانب الكالحة الآن؟! أهؤلاء هم من بقيت أحسدهم طوال الأعوام العشرة التي قضيتها أستاذا في جامعة تلك المدينة المستظلة بظلال جبال الأطلس والنسيان؟! كنت أتخيلهم مسرورين وفرحين طوال الوقت بسبب الانطباعات التي ترسخت في داخلي من أيام الدراسة! ولكنها لم تكن مجرد انطباعات خاطئة فقد كانوا كذلك بالفعل، فما الذي حدث الآن؟! وما الذي طرأ؟ ما لهذا الرجل يسير محني الظهر وكأنه يحمل على كتفه كل هموم الدنيا، وما لذاك تدور عيناه في محجريها بسرعة وكأنه خائف من أمر جلل لا يعرف متى سيحدث؟! وهذا الكهل الأشعث الذي يبدو كلطخة سوداء في لوحة بهيجة الألوان، ما له يسير تائها كالأبله؟ وما هذه الرزمة التي يضمها إلى صدره؟ ما له؟ … ماذا؟! رباه! أيمكن أن يكون هو؟!!! مستحيل! ولكنه هو، لا يمكن أن أخطئ في تمييزه وهو أستاذي الكبير الذي أشرف علي خلال دراستي النهائية في الجامعة! ولكن! ما الذي حدث له؟! وما هذه الحال؟! لقد دنا مني ويبدو أنه لم يعرفني!، لأعترضن طريقه وأكلمه،
ـ أستاذ واثق، كيف حالك؟
آه لقد ابتسم، أو على الأقل شبح ابتسامة، ولكنها كافية لأتأكد أنه هو. لقد توقف حائرا!!! ولكنه لا ينبس ببنت شفه!
ـ ألم تتذكرني يا أستاذي العزيز؟ أنا شهيد، لقد كنت أحد طلابك الذين أشرفت عليهم في الجامعة قبل عشرة أعوام!
ـ هه. كيف هو حالك؟
وأخيرا نطق، الحمد لله، إذا، هذه هي فرصتي لكي أجره إلى المزيد من الأحاديث عليّ أعرف منه ما حل به؟!
ـ أنا ذاهب لتناول الطعام في مطعم قريب، فهلاّ تأتي معي؟ أرجوك يا أستاذ.
آه هاهو يمشي معي كطفل مطيع! رباه ما هذا الوجه الشاحب؟ وما هذه النظرة الزائغة؟! أين هذا الإنسان المتهاوي من ذلك الرجل القوي الشخصية الواثق من نفسه الذي كانه؟! أين ذلك الرجل الرياضي القوام من هذا الشبح النحيل؟!.
ـ هذا هو المطعم، تفضل يا أستاذ.
تلك مائدة خالية لأقوده إليها. وهاهي قائمة الطعام ظاهرة على الشاشة، لنر ما يريد تناوله؟.
ـ ماذا ستطلب يا أستاذ؟
ـ شاي.
ـ ولكن!
ـ شاي.
شاي، شاي! ما له يردد هذه الكلمة كالببغاء؟! لأطلبن له شايا، ولكن! تبا، هذا يعني أني لن أستطيع أن أصيب شيئا من طعام رغم جوعي لأنه لن يكون أمرا لائقا أن أطلب الطعام لنفسي فقط!!! ولكن لا بأس لأشربن الشاي وأستمع إلى ما يمكن أن يقوله، فالمهم هو أن أعرف ما الذي جرى له!.
ـ عذرا يا أستاذ، ولكن ما الذي حدث لك؟.
ـ لا أدري.
لا أدري!!! الآن بدأ يخيفني حقا! فهو لا يمكن أن يكون طبيعيا! وما هذه الأوراق التي وضعها على الطاولة بعدما كان يضمها إلى صدره كطفل عزيز؟! ترى هل كنت في زيارة إلى المتحف يا صديقي؟! فأنا لم أر ورقة منذ زمن طويل جدا! أي سر تنوء بحمله يا أستاذي العزيز؟ وكيف سأستطيع أن أجعلك تبوح به لي؟! هيا تكلم وأفصح عما في داخلك!.
ـ تكلم يا أستاذ، قل لي، ما الذي جرى؟.
يبدو وكأنه لم يسمعني هذه المرة، إنه يحدق في فراغ وقد خلا وجهه من أي تعبير!!! ما الذي يدور في داخلك؟ وأي قدر سحقك يا أيها المسكين؟ أمريض أنت، أم فقدت لتوك حبيبا؟! رباه! كيف سأجعله يتكلم وهو تائه هكذا في عالم آخر؟! ولكن! ما هذا؟!!!
ـ أستاذ، إلى أين أنت ذاهب؟! فالشاي،
ولكن فليذهب الشاي إلى جحيم، ما له حمل أوراقه ومضى هكذا فجأة من دون سابق إنذار؟! هل ألحق به، أم أتركه لشأنه؟ ماذا؟ أتركه لشأنه!!! بل سأ… لقد توقف في مكانه! و ها هو يستدير ببطْ نحوي!!! حمدا لله لقد عاد أدراجه! والله لأجعلنه يتكلم اليوم حتى إذا أمضيت نهاري كله معه، ولكن ماذا عن الدوام المسائي في اللجنة؟!. لا بأس، سأختلق عذرا لتغيبي عنه فيما بعد، فالمهم الآن هو، ولكن!!! ما هذا الذي يفعله الآن؟ لقد رمى الأوراق على المائدة أمامي وقفل راجعا!!!
ـ أستاذ!
توقف واستدار نحوي، سيقول شيئا!
ـ الثعلب.
ـ الثعلب؟!
ولكن عن أي ثعلب يتكلم؟! ولماذا قال الكلمة وصمت؟! لماذا يتصرف هكذا؟! آه، ما الذي سيقوله هذه المرة؟!
ـ إنه موجود، خذ حذرك منه.
ـ نعم. نعم، سأفعل، ولكن، إلى أين أنت ذاهب؟
اللعنة، لم يجبني بل استدار وذهب، ما هذا النشاط الذي دب في جسده فجأة؟! إنه يكاد يركض في مشيته! لألحقن به قبل أن يصيبه شيء. لقد خرج من الباب وها هو يتجه يسارا، لا بأس، سأستطيع اللحاق به بسهولة، ولكن! الأوراق، الأوراق، لقد بقيت على المائدة ويجب أن أرجع لآخذها قبل أن تضيع، ولكن! ماذا عنه؟! فهو سيبتعد!!!. هيا أسرع يا مأفون تناولها والحق به ستستطيع إدراكه إن أسرعت قليلا. لقد مضى من هنا، هيا، هيا. لا أثر له حتى الآن! يجب أن أسرع أكثر إذا ما أردت أن أدركه، ولكن! كل هؤلاء الناس! من أين أتوا؟ وما هذا الزحام؟ آه لقد نسيت! إنها فترة الغداء وقد غادر معظم الموظفين مكاتبهم، ولكن لعنهم الله، أيجب أن يتغذوا؟. أين هو؟ لم تقع عيني عليه بعد، يا لله! ما هذه الفتاة الحلوة؟ يا لجمال شعرها الأشقر! لابد أنها أوروعربية، يا لهوان الرجولة! أتريدين إغرائي بنظراتك هذه؟ أنا لا أحتاج إلى إغراء، إن هي إلا ابتسامة واحدة وستريني في أحضانك، هيا امنحيني إياها، هيا، ولكن! ما هذا الذي أفعله؟ لقد نسيت الأستاذ! الأستاذ، عذرا يا حلوتي ما كنت لأخيب أملك لولا ما أنا فيه، ثم هل كان يجب أن لا تظهري إلا في هذه الظروف؟. ولكن أين هو الأستاذ؟! أنا أركض منذ أكثر من عشر دقائق! فأين هو؟ هل تجاوزته من دون أن أنتبه؟ أنا أشك في ذلك، فهل دخل هو في شارع فرعي؟، وهل كان هناك مثل هذا الشارع؟! رباه ما هذه الحيرة؟ وما الذي سأفعله الآن؟ يجب أن أقرر، هل أمضي قدما، أم أرجع أدراجي؟ هيا قرر، ما الذي ستفعله؟ وما الذي أفعله؟! لأرجع وأتفحص وجوه المارة عليّ ألقاه!. إلى أين ذهبت يا مسكين؟ ولم أنت خائف من إخباري بما رزئت به؟ أنا لا أبغي سوى مساعدتك، ولكن أين أنت ألان؟. وتلك الفتاة، أين هي؟ لقد اختفت! ترى، هل كانت فرصة لمغامرة لذيذة؟ ولكن، ما هذا التساؤل؟ فهي قد اختفت وأنا لم، آخ، ما لهذا الأحمق يمشي كالأعمى وهو يصطدم بالناس بعنف؟! لقد آلم كتفي ولم يحمل نفسه مشقة الاعتذار! إنه يتصرف وكأنه أحد عملاء ( جاد )! ولكن ليلعنه الله فهذا لا يعطيه حق الاصطدام بالناس هكـذا وإيذاءهم!!!، بل هذا والله يعطيه الحق وأكثر، فمن الذي يجرؤ على الدخول في مشاكل مع هؤلاء الشياطين؟!. ولكن!!! ها هو باب المطعم مرة أخرى، فأين الأستاذ إذا؟! لقد أضعت أثره! يا للحيرة! إلى أين ذهب؟ وما الذي سأفعله الآن؟! لقد اختفى وبقيت أوراقه معي!، والآن كيف التصرف يا ذكي؟. تبا، لأرجع إلى مقر اللجنة الآن وبعدها يكون لكل حادث حديث.
***************************
وأخيرا انتهى الدوام المسائي، رباه! لقد تصورت أنه لن ينتهي وأنا أعاني من هذا الفضول الذي امتلكني تجاه هذه الأوراق النائمة الآن في درج مكتبي!!! لا أعرف لماذا أتوقع أن مفتاح لغز الأستاذ كامن فيها! فهو لم يقل عنها شيئا، بل ألقاها ومضى!!! يا هذه الأوراق يجب أن تساعديني فأنا تحملت بسببك حرجا كبيرا من زملائي اليوم، فقد تندروا علي عندما رأوك في يدي، يا لمسرور اللعين، لقد غرق في الضحك بعدما قال أني أحمل هذه الأوراق لكي أبدو كأستاذ تأريخ وجعل الآخرين يضحكون طويلا! ولكن لا بأس فقد كانت دعابته في النهاية موفقة، ولكني لم أستطع أن أقول لهم شيئا بعدما رأوا أنها مكتوبة باللغة العربية القديمة التي لا يفقهون منها شيئا، لأحملها الآن و أعود من فوري إلى غرفتي في الفندق وأحاول أن أتبين أمرها عسى أن افقه أنا، شيئا منها!
****************************
الآن وبعد أن شبعت آن الأوان لكي أحاول فكّ رموز هذه الأوراق. عجبا لك يا أستاذ واثق!!! ما حاجتك إلى هذه الأوراق القديمة؟! ولكن لأقرأ عسى أن أفهم شيئا.
كلا، لن أستطيع الفهم!!!. يجب أن أستعين بقناة الترجمة في شبكة المعلومات المرئية، ولكن! هذه الأوراق! يبدو أن الأستاذ كتبها بنفسه باللغة القديمة!!! لم أكن أعرف أنه ضليع بها إلى هذه الدرجة!!! ولكن، لماذا فعل ذلك؟! وما الذي كان يبغيه؟! وهذه الأوراق الصفراء التي تكاد تبلى من قدمها! من أين أتى بها؟ ومن هو كاتبها؟! أواه، ما هذه الأسرار التي أحاطت بي طوال هذا اليوم؟ يجب أن أبدأ بالترجمة فورا، سأبدأ بأوراق الأستاذ ولنر ما سيكون؟!.
ـ1ـ
وأخيرا سأحقق أمنيتي، فلطالما تمنيت أن أكتب بقلم كما كان يفعل الأقدمون، وهاأنذا أفعل. لقد تملكتني هذه الرغبة منذ زمن بعيد، أو بالتحديد منذ أن أعطاني والدي ( رحمه الله ) رزمة الأوراق الوحيدة التي كان يمتلكها ويحتفظ بها وكأنها كنز ثمين رغم أن الكثير من الناس لا يعرفون بوجود شيء اسمه ورقة!. لقد كانت لوالدي هو أيضا أمنية ولكنه لم يستطع تحقيقها، فقد كان يريد أن يقرض الشعر وهو الأمر الذي اكتشف في النهاية انه قد غدا مستحيلا في ظل الثقافة الأستيرية التي كتمت أنفاس البشر وجردتهم من مواهبهم الإنسانية ، ولان اللغة العربية فقدت كل المقومات التي كانت تجعلها لغة شعرية أيضا. أما أنا فسوف أحقق أمنيتي رغم انف الأستيرية لأني ما زلت اعشق المهارات اليدوية والفكرية التي كاد ينساها الناس في ظل الظروف التي وصلنا إليها.
لقد عانيت كثيرا في البحث عن قلم يمكن أن اكتب به هذه الأوراق ، ولم أعثر عليه إلا بالمصادفة، فقد وجدته قابعا في أعماق صندوق مهمل في أحد أركان حانوت لبيع الأشياء الأثرية التي أهوى اقتناءها. كان صندوقا قديما جدا، جدا ولكنه مهمل لفجاجة صنعه ، اشتريته بثمن بخس فلم أجد فيه غير القلم وأوراق صفر قديمة كثيرة ومتناثرة كتبها شخص ما منذ زمن سحيق . كانت غير مرتبة ولكنها مرقمة وأستطيع أن أعيد ترتيبها إذا ما رغبت يوما في قراءتها ، أما الآن فأنا لا أرغب إلا في الكتابة لتحقيق حلمي القديم بهذا القلم الثمين والحبر الذي ابتكرته بنفسي لأني لم ابلغ من الجنون درجة تجعلني أحاول أن ابحث عن حبر في الأسواق لأنه شيء منقرض منذ قرون.
وهاأنذا اكتب هذه الأوراق لكي تكون تاريخا مقروءا ذات يوم ، فأنا اكتب للمستقبل لأني أستاذ تاريخ ويسيرني إحساسي العميق به. أنا لم اطلع أحدا على أوراقي هذه، وحتى لو فعلت ذلك فان أحدا ممن حولي لن يفهم ما كتبت رغم إنهم جميعا عرب، أما عن المستقبل فانه لن يبخل بكل تأكيد بعالم واحد أو حتى عدة علماء يستطيعون فك رموز اللغات القديمة وعندها تكون لأوراقي هذه نكهة التاريخ الحقيقية بعيدا عن لعنة التقدم التي أصابت كل جوانب حياتنا الحاضرة فسهلتها ولكنها سرقت منا كل مواهبنا وكفاءاتنا التي كانت تميزنا عــن بقية المخلوقات، ولا اقصد هنا غير الأستيرية اللعينة التي عمت عالمنا وآمل أن لا تكون موجودة عندما يحين موعد قراءة أوراقي هذه بعد زمن طويل.
واختصارا أقول إن الأستيرية ظهرت مصطلحا قبل خمسة عقود أو ستــــــة، و أطلق على العصر الذي نحن فيه لانتشار مفاهيم وظواهر جديدة مع اندماج الذكاء البشري مع الذكاء الصناعي، وتكوين مسخ لا اعرف كيف يمجده العلماء وتهلل له الجماهير المسحورة به؟! ويعود اصل هذه الكلمة إلى ما قبل أكثر من قرن حين توصل فريق علمي في أحد جامعاتنا إلى اختراع أول حاسوب يفكر ويستنتج من دون تدخل البشر، ومزود فضلا عن ذلك بذاكرة هائلة السعة. لقد أطلق على هذا الجهاز اسم ( أستير) تيمنا باسم أم رئيس الفريق العلمي الذي اخترعه. لم يكن ذلك الجهاز البدائي يمتلك من الذكاء إلا بقدر ما يمتلكه طفل في الخامسة أو السادسة من عمره، ولكنه كان بداية ناجحة لسلسلة من التطويرات التي ظهرت في الأجيال اللاحقة منه، حتى أخذت تلك الأجهزة تنافس المراهقين الآن في ذكائها، والذي يخيفني هنا هو تلك الأجيال التي ستظهر حتما وهي تحمل ذكاء رجال محنكين! أنا لا اعرف ما الذي يمكن أن تفعله بحياة البشر! وماذا لو فوجئ العالم بمؤامرة أستيرية تقوم بها الآلات نفسها هذه المرة؟! ترى ما الذي سيقوله حين ذاك عن المؤامرة اليهودية؟! آه لو تعرفون مدى الخوف الذي ينتابني عندما أقف أمام أحد تلك الأجهزة الشيطانية التي أصبحت الآن تناهزني في الحجم بعد أن كان أستير بحجم بناية كاملة من طابق واحد. لا ادري ربما يكون رعبي غير مبرر؟ ولكنه موجود! فقد أطلق أستير العنان للعلم لكي يجمح ويصل إلى آفاق لم يكن يحلم بها إنسان، ولكنه كان صاعقة على فكر الإنسان وروحه لأنهما لم يعودا يجاريان العلم فباتت الموازنة بينهما مختلة! ولا اعرف لماذا يعني هذا بالنسبة لي الخطر الأكيد؟ المهم الآن هو أن الثقافة والفكر والفن أصبحت في هذه الحقبة الأستيرية مؤللة لا يحتاج فيها المفكر والمثقف والفنان إلا إلى طرح ما يدور في باله من أسئلة على جهاز حتى ينال كل الأجوبة التي كانت في السابق ترهق الإنسان وتعذبه قبل أن تسلمه قيادها، ولكنها على الأقل كانت تجعله يمتلك مصيره الذي أصبح الآن غامضا.
**************************
أنا أستاذ تاريخ في جامعة ابن رشد الكبرى في القدس عاصمة دولتنا العربية العظمى، وأن تكون أستاذا جامعيا في مثل هذه الدولة لهو شيء رائع، لأنه يعني أول ما يعني موردا ماديا ثابتا وضخما، ويكفي للدلالة على ضخامة هذا المبلغ أن أقول أني اصرف شخصيا في الشهر الواحد ما تصرفه خمس أسر أو أكثر في السنة في معظم دول أمريكا الشمالية الفقيرة، و أنا إذ أقول هذا لا أريد أن أتفاخر ولكني أريد أن اذكر حقيقة مهمة فقط ، إن التخلص من الهاجس المعيشي يعني بالتأكيد الاستقرار والأمن، يعني حياة هانئة وسعيدة بعيدة عن مخاوف الجوع والتشرد، وأخيرا يعني حياة أسرية مستقرة، لان زوجتك إذا ما كانت سعيدة وراضية وأطفالك أصحاء، يتكفل بهم الضمان الصحي وتقوم الخدمات الطبية الراقية بضمان صحتهم ومن ثم مستقبلهم، فانك ستشعر بالاستقرار والسعادة بكل تأكيد.
وقبل أن أسترسل أكثر سأتحدث قليلا عن والديّ لكي يعرفني قارئ أوراقي هذه جيدا، أما بعد ذلك فأني سوف أبحر في خِضِمِّهَا مسلما نفسي لرياح الفكر وتيارات الأهواء، سأدوّن كل ما يخطر ببالي على الفور لأني لم أتعود فعل الكتابة وأخاف أن أضيع الأفكار إن ترددت في كتابتها.
كان والدي الابن الوحيد لتاجر غني وطبيبة من الإقليم الشرقي، اظهر تفوقا واضحا في اللغات منذ طفولته المبكرة الأمر الذي دفع معلميه إلى تشجيعه على التقدم في مجال اللغات، وكان هذا هو ما فعله حيث تخرج من الجامعة الأولية بدرجة امتياز في اللغة العربية الحديثة، ولأنه كان قد اختار هذه اللغة انصياعا منه لنزوة كانت قد تملكته في حينها سرعان ما زالت عندما تأكد أن هذه اللغة أتفه من أن تدرس، فقد آثر أن يتخصص باللغة العربية القديمة التي كانت معشوقته منذ الصغر لأنه كان مولعا بالشعر العربي القديم الذي كانت كتبه النادرة جدا (شأنها في ذلك شأن كل الكتب الأخرى ) لا تتاح إلا للأثرياء من محبيها، وكانت درجته النهائية في الجامعة الكبرى (جيد جدا) وهو ما لم يفعله طالب منذ ثلاثة قرون خلت في كلية اللغة العربية.
أصبح والدي بعد تخرجه أستاذا في الجامعة، ولكنه كان ملولا، لا يستطيع أن يبقى في مكان واحد مدة طويلة، ولذلك لم يكن يمضي في الجامعة الواحدة أكثر من عام أو عامين أحيانا حتى يشد الرحال إلى جامعة أخرى في محافظة أخرى، أو حتى في إقليم آخر، وكان خلال ذلك التنقل يمارس هوايته المفضلة في البحث عن الكتب القديمة وشرائها إن أمكن، ولكنها كانت تزداد ندرة وغلاء على مر السنين. وفي جامعة كبرى في الإقليم الغربي التقى بأستاذة طبيعيات جميلة ألهبت مشاعره وسلبت لبه، وعندما طلبها للزواج ووافقت كان من حسن حظه أن الاختبارات الطبية الإجبارية التي أجرياها أثبتت توافق أنسجتهما، الأمر الذي مهد لزواجهما بسرعة، فودع بذلك حياة التنقل لينتهي به المطاف أخيرا في القدس حسب رغبة زوجته الجميلة، وكنت أنا الطفل الأول الذي ولد لهما وكذلك كنت الأخير .
**************************
أنا عندما استذكر طفولتي أدرك مدى خطأ المدعي بأنه صنع نفسه بجهده وإرادته! فقد رُبيتُ وفق الطراز المعتاد في بلد يتبوأ مركز الصدارة بين دول العالم من ناحية الاهتمام بالطفولة، بل أن دولتنا هي الدولة الوحيدة التي تنحني إجلالا للطفولة، وتجند كل طاقاتها لخدمة الأطفال ورعايتهم وتربيتهم التربية التي تصنع منهم رجالا يصنعون التاريخ ويقودون العالم. إن الأشخاص الذين يعملون في الحضانات ورياض الأطفال هم من أعظم المربين الذين يمكن أن يُعهَد بطفل إليهم، إذ يتم اختيارهم من المتميزين من خريجي الجامعات الكبرى ليخضعوا إلى دورات تأهيلية مكثفة تستمر لسنوات، و لأنهم يعانون كثيرا حتى يستحقوا أن يطلق عليهم لقب مربي فان مدخولاتهم هي الأعلى في المجتمع. أما الأطباء ( وخاصة أطباء الصحة النفسية) الذين يعملون في حضانات الأطفال ورياضهم فإنهم لا ينالون هذا المركز إلا بعد سنين طويلة يقضونها في مختلف المشافي النموذجية المنتشرة في أنحاء الدولة، وعندما يبرهن أحدهم على مقدرة متميزة ونباهة ملحوظة في عمله ينقله المسؤولون إلى حضانة أو روضة تكريما له لتميزه.
إن السن القانونية لقبول الطفل في الحضانة هي الثالثة من العمر، أما قبلها فان الأم هي التي تكون مسؤولة عن تربية أطفالها، ولا بديل عنها أبدا من وجهة نظر المجتمع و القانون إلا في حالات نادرة جدا. وإذا كانت الأم موظفة فأنها تفرغ لتربية طفلها مع احتفاظها برواتبها ومخصصاتها كاملة حتى يبلغ السن القانونية لدخول الحضانة. ولذلك نَمَوتُ وأنا صحيح الجسم سليم العقل وفصيح اللسان لأدخل المدرسة الابتدائية. ولا ادري إن كان حب الكتب الذي ورثته عن والدي مع حب اللغة العربية القديمة التي لم أجدها إلا في الكتب، لأنها كانت الوحيدة التي تضمها في متونها، وما يعني كل ذلك من حس تاريخي، هو الذي نمّى حبي للتاريخ! أم هي القصص والروايات عن العصور الغابرة التي كان أبي يلهب بها خيالي! أم هو الحنين إلى الماضي الذي كنت اشعر به عندما كان يحدثني عن حياته الهانئة والسعيدة في كنف والديه!. المهم أني كنت أحب التاريخ كثيرا، ولفت ذلك أنظار معلمي المدرسة، وكان قرار اللجنة التربوية في نهاية الدراسة الابتدائية التوصية بإعدادي لدراسة التاريخ إذا ما استمر اهتمامي به خلال دراستي المتوسطة. وهو ما حدث فأنهيت دراستي الإعدادية وأنا اعرف أن اختصاصي في الجامعة سيكون التاريخ.
أنا اعرف إن كل ما أتحدث عنه ليس مهما للتاريخ، لأنه لا يهتم إلا بالمحصلة النهائية للأحداث ونتائجها، إلا أني أورد كل هذا لكي أبين فقط كيف أصبحت على ما أنا عليه الآن.
أن النظام التربوي في دولتنا هو الأكثر تقدما في العالم، وهو بالتأكيد الأكثر تكلفة أيضا، ولكن أليست تربية الإنسان هي العملية الأكثر أهمية في بناء الدول الحديثة؟ فما الذي يضر دولتنا الغنية لو صرفت جزءا من ميزانيتها الضخمة على هذا الجانب الحيوي والمهم؟.
ولا حاجة بي بعد هذا الإيجاز إلى أن اذكر باني راض عن نفسي وعن حياتي وممتن للظروف الاجتماعية التي ولدت في ظلها، ولكني اعرف بان هناك ملايين من البشر في دول أخرى سينهشهم الحسد، وتؤرقهم الغيرة إذا ما قرءوا أوراقي هذه ( وحمدا لله لأنهم لن يفعلوا أبدا). أنا أشفق على مثل هؤلاء ولكني اشعر باني غير مسؤول شخصيا عن توزيع الثروات في العالم، ولذلك فإني لا أستطيع أن أقدم لهم ما يعوض حرمانهم، أنا أؤمن بأن الأفضل لهم هو أن يرضوا بما هم فيه لكي لا يتحول حلمهم في الوصول إلى المستوى الذي يعيش شعبنا في ظله إلى هاجس يحرمهم من الإحساس بالنعم المتوفرة لديهم بكل تأكيد. ولكنهم لا يملون من إلقاء تبعة ما هم مبتلون به من فقر وتخلف أو عدم استقرار على كاهل حكومتنا التي يدعون أنها تمتص دماءهم لكي نترفه نحن!!! أي منطق غريب هذا؟! أنا لا أفهم كيف يمكن أن يموت شخص ما في أمريكا مثلا بسبب المستوى العالي من الرفاهية الذي أتمتع به أنا!!! إن هذا غير معقول! ولكني مع ذلك أفهم لماذا يحقد الآخرون علينا، فالسبب واضح، وما هو إلا الحسد والحقد، ولكن الذي لا أفهمه هو وجهة نظر بعض الفوضويين من أبناء شعبنا الذين يسمون أنفسهم الثوريين والذين يتشدقون بمبادئ إنسانية غريبة! هم يدينون الدولة، دولتنا! بدعوى أنها تستغل الشعوب الفقيرة فتزيدها فقرا لكي تزيد ثرواتها التي تنفق نسبة ضئيلة منها لتأمين رفاهية الشعب فيما يتكدس الجزء الأعظم منها في أيدي فئة صغيرة تزداد مع الأيام قوة ، أن وجود مثل هذه الفئة في مجتمعنا أمر لا أنكره ولا اعرف ما الذي يمكن أن تفعله بكل تلك الثروات، ولكنها لم تجمع ثرواتها إلا هنا، في بلدنا فما فيه من ثروات تكفي لإشباع كل طموح يريد أن يستزيد، أما عن استغلال الدول والشعوب الأخرى، فأنا لا اعرف شيئا عن ذلك ولا يهمني أن اعرف، لان الدول الأخرى هي المسؤولة عن مصائرها ومصائر شعوبها، فلماذا تقاعست عن التقدم لتصبح قابلة للاستغلال ولكني أستغرب لأمر الإنسانية التي تطلب مني أن أخاطر بمستقبلي ومستقبل أطفالي المضمون لكي يستطيع فرد آخر في دولة أخرى لا تستحق أن تكون دولة أن يعلم أطفاله كيف يحقدون على دولتنا ونظامنا! أنا أتمنى لو توقف الآخرون عن إلقاء اللوم عن حكومتنا بسبب المآسي والاختناقات التي تعاني منها بلدانهم! ولكنهم إن لم يتوقفوا فهذا غير مهم بالنسبة لنا، لان سياسيينا آلوا على أنفسهم ألا يسمحوا لأي طارئ أن يكدر أمن الدولة، وهم قادرون على ذلك بوجود اقتصاد متين و( جاد ) ووجود الجيش القوي المسلح بأحدث الأسلحة التي تنتجها مصانعنا المسيطرة بالفعل على تجارة السلاح في العالم، صحيح أن هذا الجيش لم يلتزم بالدفاع عن الدولة فقط ( فمن يجرؤ في النهاية على تهديدها ) بل تدخل أحيانا في شؤون الدول الأخرى، ولكن هذا كان يحدث بناءً على طلب الأنظمة الموالية أو الصديقة في تلك الدول، ولم تتعد مهامه حدود حفظ النظام وإعادة سيطرة تلك الأنظمة على شؤون دولها، ولو كلف ذلك سقوط بعض الضحايا أحيانا.
**************************
لقد وصل مجتمعنا إلى أقصى درجات التخصص في جميع المجالات ولذلك أصبحت السياسة للسياسيين فقط، وكذلك العلم للعلماء والثقافة للمثقفين ( هذا إذا اعتبرنا الثقافة الأستيرية ثقافة ) ولم يكن لي أن أتطرق إلى السياسة لو لم أكن عضوا في لجنة إعادة كتابة التاريخ، مما يعني ضمنا" أن لي دورا وان كان غير مباشر في رسم سياسات الدولة من خلال اسهامي في تطويع التاريخ لخدمة أغراضها، كما أني حكيم رسمي امتلك امتيازات منحتني إياها الدولة ( ونظام الحكماء نظام خاص بدولتنا ولي عودة أخرى إليه فيما بعد ).
إن التاريخ علم وكل علم يكون عرضة للتطور ما دام تطور الإنسانية مستمرا، ولذلك يجب أن تكون عملية قراءة التاريخ متجددة لان الأحداث فيه تترى وتترابط، والتاريخ غالبا ما يكرر نفسه، وأنا عندما أقول التاريخ فاني اقصد نتائج الأحداث التي حدثت فيه، فالنتائج هي لب علم التاريخ لأنه لا يمكن أبدا القياس على شيء أو حدث ما لم يصل إلى ذروته التي هي النتيجة، ومن ادعى غير ذلك فهو على خطأ، وأنا أقول ذلك بثقة لأننا نحن أساتذة التاريخ الحقيقيين ذلك أنه بدأ في أرضنا ولذلك نحن نتعامل معه بعناية فائقة لكي نستطيع من خلال فهمه أن نقود شعبنا إلى حيث نريده أن يكون. ومن اجل ذلك تشكلت هذه اللجنة قبل قرن ونصف وكانت مهمتها وما تزال تنقيح التاريخ وهي تتألف من خبراء استشاريين في مختلف الاختصاصات ذات العلاقة من تاريخ واجتماع و أدب وفلسفة وعلم نفس وغيرها، مهمتهم مراجعة الأحداث التاريخية وإبعاد ما يمكن أن يسيء إلى سمعة دولتنا ونظامنا منها، ولكن بشكل تدريجي لكي لا تظهر ثغرات في هذا التاريخ على المدى القريب، أما عن المدى البعيد فان هذه الثغرات حتى أن ظهرت، فلن يهتم بها أحد، فهكذا كان حال التاريخ دوما، كما انه لن يكون هناك أحد يمكن أن توجه إليه تهمة إحداثها. ومن اللافت للنظر في هذه اللجنة إن أكثر أعضائها يهود، وأنا شخصيا أرى أن هذا كان من حسن حظ هذه اللجنة الناجحة تماما لان اليهود أذكياء ولهم قدرة هائلة على التخطيط لآماد بعيدة. أن التنقيح المستمر كان عاملا مهما من عوامل حفظ البناء النفسي لشعبنا سليما من خلال الحفاظ على تماسكه ووحدته بإخفاء نقاط الاختلاف التي قد تبرز خلال الصراعات التي لابد من ان تكون قد نشبت في الماضي بين أبناء شعبنا الذي بالرغم من كونه متجانسا ألا انه يضم أيضا بعض المجموعات التي تختلف عن الأغلبية عرقيا أو دينيا أو حتى مذهبيا، ولن تكون هناك أية فائدة في إظهار هذه الخلافات لان كل شعب في العالم لديه ذكريات يريد أن يمسحها من ذاكرته، وهذا ما نفعله نحن أعضاء اللجنة، و رغم أننا لا يداخلنا شك في أن هذا الشعب الجبار لا يمكن أن يكون يوما قد بات مظلوما أو مهانا، يخجل أفراده من إعلان هويتهم إلا أننا نرى أن عملية التنقيح تبقى ضرورية خوفا من الخطأ في قراءة التاريخ.
*********************
خلال دراستي الجامعية الأولية والنهائية كنت موفقا جدا ولم أخيب أمل المجتمع فنلت درجة الامتياز الثانية في تاريخ العائلة، ولكنها كانت في الدراسة النهائية في هذه المرة. بعد التخرج أصبحت أستاذا جامعيا أنا أيضا، ولكني على العكس من والدي كنت أريد أن أتزوج بسرعة فاستقر رأيي بعد حين على طالبة من طالباتي وافقت على الزواج الذي تم بعد الإجراءات المعهودة، وقد آثرت زوجتي فيما بعد أن تكتفي بالدراسة الجامعية الأولية، الأمر الذي أسعدني كثيرا لان تفرغها لشؤون البيت كان واحدا من أهم الأسباب التي دفعتنا إلى إنجاب طفل ثان بعد طفلنا الأول، لأننا نحب الأطفال كثيرا.
أنا اعرف باني أطلت الحديث عن نفسي ولذلك سأتحاشى الحديث عن عائلتي أكثر، و أقول فقط باني راض عن المستقبل الزاهر الذي سوف يهيئه المجتمع لولديّ، فهما طفلان ذكيان بالفعل، وعلى ذكر الأطفال والخشية عليهم أريد أن أقول أني لا آبه أبدا بالأراجيف التي أخذت تتردد بين عامة الناس والتي تتحدث عن نهاية وشيكة للعالم مع بدء الألف الرابع للميلاد! الأمر الذي يجعل الكثيرين يقلقون على مستقبل أولادهم!. ولا ادري من أين جاء هؤلاء المساكين بهذه الأفكار البعيدة عن العقل والمنطق؟! لقد حاولت جادا أن أتتتبع جذور هذه الخرافات على مر التاريخ ولكني كنت اصطدم في كل مرة بالفجوة التي أحدثتها المؤامرة اليهودية في تاريخ العالم، وعن هذه المؤامرة وليس عن تلك الأراجيف سأتحدث في صفحاتي القادمة.
آخر تعديل عواطف عبداللطيف يوم 03-27-2012 في 05:29 AM.
ــ 2 ــ
في بداية القرن الرابع والعشرين كان الشعور بالمرارة ما يزال يسود الجاليات اليهودية في العالم، لأن الدولة التي كانوا قد أقاموها في أوغندا زالت من الوجود، و أنا لا اعرف الكثير عن هذه الدولة المنقرضة وكل ما اعرفه هو انه مع نهاية القرن التاسع عشر بدأت محاولات يهودية لإقامة وطن لليهود وذلك لجمع شتاتهم في العالم، وفي منتصف القرن العشرين تحقق هذا الحلم على ارض أوغندا، والغريب إن بعض المصادر النادرة جدا التي قرأتها تذكر إن المحاولات اليهودية كانت تهدف إلى أن يكون هذا الوطن على ارض فلسطين الأسطورية!!! على أساس أن توراة مزعومة دعت إلى ذلك! و يزعم البعض أن هذه التوراة كانت موجودة بالفعل وهي كتاب اليهود المقدس الحقيقي لا التوراة الحالية التي قرأتها بنفسي ولم أجد فيها ذكرا لفلسطين والقدس أبدا"، إن التوراة في الحقيقة هي كتيب جميل يتمحور حول الوصايا التي أنزلها ربهم يهوه على أحد أنبيائهم القدامى، وبالمناسبة فقد عرفت من أحد أصدقائي اليهود أن كلمة "يهوه" مفردة من اللغة اليهودية القديمة تعني الحب.
لقد راجعت كل دوائر المعارف الإلكترونية في العالم فلم أجد ذكرا لموضوع ( إسرائيل الفلسطينية ) الموجود فقط في بعض الكتب القديمة جدا! وهو على كل حال أمر مستحيل لان اليهود لا يستطيعون أن يفكروا بهذا الأمر ولو مجرد تفكير لان دولتنا وإن ضعفت أحيانا خلال تاريخها الطويل، إلا أنها لم تبلغ من الضعف درجة تجعل من القدس عاصمتها الأبدية لقمة سائغة لأحد، وحتى لو افترضنا المستحيل وقلنا إن العرب كانوا أمة متفرقة ومتخلفة في النصف الأول من القرن العشرين، فهل من المعقول أن يجرؤ أربعة أو خمسة ملايين يهودي ( هم تعداد دولة إسرائيل حتى نهاية القرن العشرين ) على اغتصاب قطعة ارض من مائة وخمسين مليون عربي غاضب ( هم تعداد العرب المحتمل آنذاك ) ويجعلوها دولة لهم؟! المهم إن تلك الدولة أصبحت حقيقة واقعة على ارض أوغندا بسبب نفوذ اليهود القوي في عالم القرن العشرين ومساندة القوى الكبرى لهم، فبدأ تسلل اليهود وبإشراف الوكالة اليهودية إلى تلك الدولة المنسية في مكان ما من شرق أفريقيا والتي كانت تمزقها حروب القبائل المتشرذمة بسبب أطماع زعمائها الأميين منذ بداية ذلك القرن، وما إن استقرت المجموعات المتسللة في المستعمرات الزراعية التي أسستها هناك حتى بدأت المرحلة الثانية بتكوين منظمات شبه عسكرية، أو بالأحرى عصابات مسلحة، ولم يتنبه السكان الأصليون إلا بعد أن أصبحت تلك العصابات جيشا تستطيع الوكالة أن تحقق به أهدافها وأخيرا اكتملت فصول المؤامرة الدولية الكبرى التي طبخت في أروقة منظمة الأمم المتحدة السابقة، باتخاذ قرار تقسيم البلاد بين اليهود والأوغنديين، هذا القرار الذي نفذه الجيش اليهودي بالقوة على الأرض هب الأوغنديون للمقاومة ولكن ذلك كان بعد فوات الأوان واضطرت حكومات الدويلات المجاورة لأوغندا وبسب الضغوط التي مارستها عليها شعوبها التي تربطها بشعب أوغندا صلات عرقية ولغوية ودينية متينة، إلى إرسال جيوش هزيلة لم يسبق لدول في التاريخ أن أرسلت مثلها إلى حرب! فكانت الحرب الأوغندية الأولى التي انتهت بهزيمة مأساوية لتلك الجيوش وإقامة دولة إسرائيل على جزء من الأراضي الأوغندية، ولم يمض سوى عقدين من الزمن حتى قامت خلالهما حرب أخرى ومناوشات عديدة، حتى قامت الحرب الصاعقة التي شنتها إسرائيل على الدول المجاورة لها، فابتلعت كل أوغندا! واحتلت مساحات واسعة من تلك البلدان! والغريب إن العالم الذي رسم حدود إسرائيل بقراراته، سكت سكوت الموتى عندما رآها تخرق بنود تلك القرارات! المهم إن الصراع بين الأوغنديين الذين كانوا يعانون من التخلف والجوع والحرمان، والسكان الجدد المتحضرين كان مريرا وقاسيا، وأنا وبرغم محبتي لليهود يجب أن أعترف بان أوضاعا كهذه لابد وان تولد ظلما، فقد عومل السكان الأصليون كمواطنين من الدرجة الثانية، وتعرضوا لشتى أنواع الضغوط لكي يغادروا البلاد ويلحقوا بموجات اللاجئين التي انتشرت في البلدان المجاورة منذ الحرب الأولى،حيث تشتت الملايين منهم وسكنوا مخيمات خاصة في كينيا وتنزانيا وزائير، أو هاجروا من هناك إلى أنحاء مختلفة من العالم. وكان الخطأ الأكبر الذي وقعت فيه الدولة اليهودية هو تقبلها بقاء ملايين أخرى ضمن حدود الدولة منذ البدء! أنا لا اعرف شيئا عن الملابسات التي أدت إلى ولادة هذا الوضع الذي انتبه حكام إسرائيل إلى خطورته ولكن بعد فوات الأوان، وبعد أن تغيرت الظروف الدولية وأصبح إخراج تلك الملايين من إسرائيل مستحيلا، استحالة أن يحكم عليها بالموت وان ينفذ الحكم، ولكني أرى الآن أن الخطأ كان قاتلا بالنسبة لإسرائيل! لان من بقى في داخلها من الأوغنديين هم الذين أسقطوها في النهاية، أما من نزح إلى الدول المجاورة فانه وبمرور الوقت استقر هناك، ورغم انه كان يملأ الدنيا صراخا وزعيقا إلا أنه لم يكن ليتضرر كثيرا لو لم تحرر أوغندا، ولذلك لم يكن صراخ مثل هؤلاء إلا زوبعة في فنجان، أما من هاجر إلى البلدان البعيدة فقد امتصتهم تلك المجتمعات واختفت آثارهم هناك! فيما كان قتال أوغنديي الداخل قتال اليائس المستميت، كانوا شعبا اعزل ولكنهم ظلوا يرفضون قوة الدولة الغريبة وجبروتها حتى النهاية.
*******************
يجب أن اذكر، إن بعض ما قد يبدو وكأنه آراء شخصية لي في هذا الموضوع إنما هو اقتباسات من منشورات يهودية داخلية تعود إلى ما بعد تلك المرحلة زودني بها أصدقائي من اليهود، كانت تلك المنشورات دراسات لتقييم تلك التجربة ولذلك كانت صريحة جدا حتى إنها لم تتوان عن انتقاد اليهود عندما يستحقون ذلك، وهذا هو بالضبط ما يعجبني فيهم واقصد صراحتهم وهذا يجعلني اغفر لهم المظالم التي يمكن أن يكونوا قد أنزلوها بسكان تلك الدولة الأفريقية الفقيرة التي أرادوا أن ينهضوا بها، وان يحولوها إلى نموذج يُحتذى في أفريقيا والعالم ( ولكي أكون صريحا أكثر يجب أن اعترف أيضا باني إنما أميل إليهم لأنهم في النهاية جزء من العرق الأسمر المتطور ).
*****************
كان المجتمع الإسرائيلي ورغم تقدمه العلمي مجتمعا قائما على أسس عسكرية صرفة! كان الشعب فيه يستجيب لتطورات الموقف العسكري بشكل فوري، لان كل شيء كان مبرمجا ومدروسا سلفا عندما يتعلق الأمر بالحرب! إن علاقة إسرائيل بالدول المحيطة بها لم تكن سلمية أبدا ( رغم إن الوثائق اليهودية تتحدث عن الهاجس الأمني لإسرائيل وأهمية جيشها للدفاع عن حدودها إلا انه من الواضح إن ما تذكره تلك الوثائق من تفاصيل عن الحروب التي خاضتها إنما هو تأكيد على وجود نزعة توسعية عند هذه الدولة والدليل إنها كانت دائما المبادرة بالهجوم والمرة الوحيدة التي اضطرت فيها للدفاع كان جيشها يدافع عن حدود أقيمت في قلب الدول المجاورة لها ).
كان اليهود مستعدين دوما لأسوأ الاحتمالات، الأمر الذي منعهم من أن يكون تفاعلهم مع المجتمع طبيعيا، فلم يصبحوا أفرادا طبيعيين في مجتمع موحد ومتوازن بعيدا عن هاجس الدفاع الثقيل أو الهجوم أحيانا، فظلوا بذلك قابعين تحت ضغط الظروف القلقة وهم يعانون من كابوس الأمن ( فهم قد أمنوا شر الدول المجاورة في النهاية ولكنهم لم يستطيعوا أبدا أن ينسوا قلقهم وجزعهم من أوغنديي الداخل والعمليات الفدائية التي كانت تقتحم عليهم حدودهم ومدنهم لتزرع الرعب في أعماقهم ) فتاه عنهم الشعور بالأمان والاستقرار وظلت دولة إسرائيل تعاني من محدودبة العنصر البشري وذلك لقلة عدد اليهود في العالم ( ولم اعرف يوما سبب ذلك ) والهجرة المعاكسة التي ابتدأت فور إقامة دولة إسرائيل لان عددا كبيرا من المهاجرين اليهود لم يتعود العيش أبدا على حافة فوهة بركان يهدد بالانفجار في كل حين، وقد نجحت دولة إسرائيل في وقت ما وبإتباعها أساليب متنوعة أن تغلب كفة العنصر اليهودي في التوزيع السكاني للبلاد،إلا أن نسب الإنجاب المتدنية لدى اليهود مقابل اندفاع الأوغنديين في أداء واجباتهم الزوجية وما يعني ذلك من إنجاب مستمر رغم فقرهم وصعوبة ظروفهم، رجحت كفة الأوغنديين مرة أخرى، وبقيت إسرائيل تعاني من محدودية العنصر اليهودي الأمر الذي انعكس سلبا على الصناعات المتقدمة التي أقامتها في الداخل ( لان سيل الدعم المادي المنهمر عليها من الخارج لم ينقطع يوما ) وخاصة صناعات الأسلحة، فبقى إنتاجها عاجزا عن تلبية متطلبات احتياجها المستمر للأسلحة لخوض حروبها المتعددة، فبقيت بذلك في حاجة مستمرة للدعم العسكري من الخارج الذي كانت بعض الدول الكبرى تؤمنها لها إلى جانب المساعدات والمنح المالية التي كانت تقدم لها بسخاء وكانت تشكل إلى جانب التبرعات التي تجمع من الجاليات اليهودية في العالم معظم الدخل القومي الإسرائيلي، كان هذا الوضع القلق ينذر إسرائيل بشر وبيل فيما لو تغيرت الظروف وقد حدث هذا بالفعل في بدايات القرن الثالث والعشرين، حيث تغيرت المصالح والأهداف وتبودلت مراكز القوى نتيجة للتغير الحتمي الذي لابد من ان يطال كل شيء في هذه الدنيا، فبدأت إسرائيل أخيرا تفقد مقومات وجودها بالتدريج، وفي الثلاثينات من ذلك القرن فقدت آخر هذه المقومات بالسقوط المدوي لمنظمة الأمم المتحدة وإقامة الاتحاد العام لسكان الأرض مكانها وعلى أسس جديدة.
وجدت إسرائيل نفسها وحيدة وجها لوجه أمام الجماهير الأوغندية الغاضبة التي أضناها الظلم وألهب حماسها حلم النصر الذي أصبح قريبا، فأعلنتها ثورة عارمة أرهبت شعب إسرائيل اليهودي الذي لم يكن قد استكمل مقومات وحدته رغم الأجيال الأربعة عشر التي تعاقبت منذ أن وطئ المهاجرون الأوائل ارض أوغندا ( وهذا يثبت عقم محاولة تشكيل شعب خارج سنة التطور التاريخي لولادة ونشوء الشعوب واعتمادا على الرابطة الدينية فقط بعيدا عن المقومات الأخرى مثل اللغة والتاريخ المشترك وغيرها ) قامت الثورة الأوغندية الكبرى وضاقت السبل على اليهود وعجز جيشهم القوي بأسلحته المتطورة عن مواجهة الجماهير التي لم تعد تهاب الموت والذي زاد الطين بله على إسرائيل هو أن شعوب البلدان المحيطة بها هبت لتقدم الدعم والإسناد للثوار من دون أن تجرؤ الحكومات التي كانت موالية لإسرائيل ( في السر والعلن ) في تلك البلدان على فعل شيء هذه المرة لكبح جماهيرها الغاضبة، فقد قبعت في جحورها لا تحرك ساكنا لمساعدة العدوة الحليفة.
***************
إزاء هذا الوضع المتفاقم في خطورته ولمعرفتها بان كبح جماح الجماهير الغاضبة إلى ما لا نهاية أمر مستحيل ولإدراكها بان إفناء شعب بأكمله غير ممكن أبدا، بادرت حكومة إسرائيل إلى إلغاء دستورها العنصري ودعت إلى إجراء انتخابات يشارك فيها الجميع وذلك على أمل امتصاص الغضب وكسب الوقت، إلا أن الاتحاد الدولي التي بادرت قواته إلى الفصل بين الجيش الإسرائيلي والثوار، اشرف على الانتخابات عندما جرت وأبى إلا أن تكون حقيقية لا صورية كما أرادتها حكومة إسرائيل. اكتسحت الأغلبية الأوغندية هذه الانتخابات وتم تشكيل مجلس أمة جديد انتخب أحد سكان البلاد الأصليين رئيسا للجمهورية لأول مرة منذ ما يقارب الأربعة قرون، وسرعان ما قرر الرئيس الجديد أن يكون اسم الدولة ( جمهورية أوغندا الديمقراطية ) وزالت بذلك دولة إسرائيل من الوجود.
شعر يهود أوغندا بالرعب وافقدهم هذا الرعب صوابهم لان المظلوم الذي عافت نفسه الظلم والقهر بدأ يرد الصاع صاعين والصفعة صفعات، فتشتت اليهود في أنحاء العالم مرة أخرى، أما من قرر منهم أن يبقى في أوغندا فقد آثر أن يرضى بالقليل الذي تبقى لديه، على أمل أن يعيش في مجتمع لا ترهبه فكرة الحرب في كل لحظة، ولكن هيهات! فقد عانت البلاد بعد ذلك طويلا من مشاكل التحرير وخصوصا مسألة من كان في الداخل والعائد إليها من أحفاد اللاجئين الأوائل الذين لم تمنحهم الدول المجاورة جنسياتها رغم القرون التي توالت، فتكونت أحزاب متناحرة قادت تناحراتها البلاد إلى سلسلة من الحروب الأهلية! وما تزال هذه الدولة تعد من الدول المتأخرة رغم مرور نحو ستة قرون على تحررها، ولا غرابة في ذلك لأنها اصغر من أن تستطيع ألإبحار في خضم بحر السياسة الدولية المتلاطم لوحدها.
ــ 3 ــ
بقى اليهود وبرغم الهزيمة المريرة التي ألحقت بهم يسيطرون على رؤوس أموال ضخمة في أنحاء مختلفة من العالم، وبقيت أيديهم الخفية تمتد إلى جميع المصالح المهمة فيه لأنهم لم يكونوا قد فقدوا نفوذهم بعد، وقبل نهاية القرن الثالث والعشرين بعقدين بدأت رؤوس الأموال اليهودية تتحرك بكثافة باتجاه صناعة الحواسيب العالمية ولتسيطر على الشركات الكبرى في هذا المجال بالتدريج. وفي نهاية التسعينات من ذلك القرن أصبحت تلك الشركات مستعمرات يهودية بالكامل! كان اليهود في تحركاتهم هذه حذرين جدا فأحاطوها بالكتمان الكامل كما هو ديدنهم دائما، فلم يتنبّه أحد إلى ما كانوا يخططون قبل أن تقع الكارثة.
في بداية القرن التالي كشف عالم يهودي شاب عن اختراعه لأقراص إلكترونية فائقة الصغر كانت فتحا كبيرا في عالم الاختراعات العبقرية، وقد نال هذا الشاب جائزة نوبل للعلوم فيما بعد لان درجة استيعاب هذه الأقراص كانت هائلة جدا رغم صغرها المتناهي. اشترى الاتحاد الذي يمثل شركات الحواسيب الكبرى في العالم حق استثمار هذا الاكتشاف وبدأ بالعمل على الاستفادة منه في منتجاته، والغريب أن هذه الشركات كانت قبل ذلك الوقت في تنافس شديد فيما بينها، ما إن تلوح لإحداها فرصة استغلال اختراع صغير حتى تحتكره لنفسها و تبذل جهودا مضنية ومكلفة لكي لا تكتشف الشركات الأخرى أية أسرار تتعلق بالاختراع الجديد، ولكنها اتفقت هذه المرة على أن تعمل مجتمعة في هذا المشروع الضخم جدا الذي سمي بنظام السلام الإلكتروني. ومرة أخرى لم يثر هذا ريبة أحد.
وأخيرا طرح الإنتاج الجديد في الأسواق التي غزتها الأقراص الجديدة مع الحواسيب الخاصة لاستخدامها، كانت الكميات هائلة وبأسعار تقل عن أسعار الأجهزة القديمة بحوالي النصف تقريبا! فبدأ على الفور سعي محموم لاقتناء هذه الأجهزة السحرية من قبل الجمهور المتعطش لكل ما هو جديد. ولكن الذي كان يهم الشركات هو تهافت الدول والحكومات المختلفة على شراء النظام الجديد وإحلاله محل النظم القديمة التي كانت موجودة، لان الأقراص الجديدة كانت ذات كفاءة تفوق كفاءة الأقراص القديمة بشكل مطلق رغم أنها لا تحتاج إلى حيز كبير في التخزين، حتى إن رجلا واحدا كان بإمكانه أن يحمل في جيوبه من تلك الأقراص ما تحتوي على معلومات وزارات بأكملها! وهذا ما كان يحتاج في السابق إلى غرف وقاعات تخزين. كانت الشركات المنتجة تغري الحكومات بالتسهيلات المادية التي تقدمها رغم رخص ثمن أجهزتها، وهذا بغض النظر عن الضمانات التي كانت تمتد إلى سنين طويلة! فبدأت معظم دول العالم في اعتماد النظام الجديد وتحولت المعلومات المحفوظة في الأقراص القديمة إلى الجديدة، وأحيلت جميع الأنظمة القديمة على التقاعد في تلك الدول، ولم تبق إلا بضع دول آثرت أن تحتفظ بالأنظمة القديمة لأنها أساسا لم تكن قد خرجت بعد من مستنقع التخلف، وما كانت المعلومات التي تختزنها أنظمتها يؤبه لها، كانت الإنسانية في تلك الأيام مطمئنة وهي ترى كل معلوماتها وثقافاتها وتجاربها وخبراتها المتراكمة بل وكل ذاكرتها الحضارية منذ فجر التاريخ تؤتمن لدى النظام الجديد الذي لا يخطيء، فنام الناس قريري الأعين لان تلك الأقراص السحرية المضمونة تكفل لهم مستقبلهم الزاهر.
***************
بعد بدء العمل بنظام السلام الإلكتروني بأكثر من عقد اختفى فجأة العالم الشاب الذي كانت صورته وصوته لا يفارقان وسائل الإعلام سنوات طوال! اختفى وكأنه لم يكن له وجود يوما !!! لم يعرف أحد إلى أين ذهب؟ أو ما الذي حل به؟ تحدث الناس في كل أنحاء العالم عن هذا الاختفاء المفاجئ، ولكن أحدا لم يوجس خيفة منه، بل راح الجميع يحاول أن يخمن الاحتمال الصحيح لهذا الاختفاء المذهل، نظمت مسابقات عديدة تتمحور حول هذا الموضوع بوسائل الإعلام المختلفة وكان لها شعبية كبيرة، لم يشك أحد بشيء! ولم يدرك بان وسائل الإعلام تلك التي كان اليهود يسيطرون عليها إنما كانت تسخر من الجميع !!!.
بعد اشهر من اختفاء العالم وقعت الكارثة!، وقعت فهزت العالم ولم يستطع أن يفيق من هولها إلا بعد لأي، بل لعله لم يستفق منها حتى الآن. لقد اختفت المعلومات، هكذا بكل بساطة! وعلى حين غرة اختفت كل المعلومات المخزونة في تلك الأقراص في كل أرجاء العالم المتمدن!!! اختفت وتحولت الأقراص السحرية إلى مجرد نفايات بلاستيكية لا فائدة منها!!! ولكن ما الذي حدث؟! لم يعرف أحد. كانت شركات الحواسيب تعرف بكل تأكيد، ولكن كيف الاتصال بها؟ ولا اتصالات هنالك ولا مواصلات، فقد توقفت الحياة لأنها مرتبطة بالحواسيب. تهافت الناس القريبون من مواقع الشركات عليها تسبقهم تساؤلاتهم ومخاوفهم، التقوا هناك بقوات أمن الدول التي سبقتهم، ولكن لم يكن هنالك مجيب، فقد أغلقت الشركات أبوابها فبدت تلك الأبنية التي كانت صاخبة في السابق، صامتة صمت الأموات!!!. عم الاضطراب العالم وسادت الحيرة والارتباك، بدأت دمدمة خافتة بين مواطني الدول المختلفة احتجاجا على عجز حكوماتهم عن معالجة الوضع، ولكنها تحولت مع الأيام إلى هدير صاخب أصم آذان الحكومات وزادها عجزا على عجز في البداية، ولكنها سرعان ما صبت جام غضبها هي ايضا على شركات الحواسيب، أو بالأحرى موظفيها، تناست الدول حينذاك إطروحاتها الإنسانية فأعلنت الأحكام العرفية وراحت تتعقب كل من له صلة بتلك الشركات و تزجهم في السجون حتى امتلأت بهم، وعندما ابتدأت التحقيقات لم يتورع القائمون بها عن الإتيان بكل ما هو وحشي وغير إنساني خلالها، إذ لم يكن هناك مجال للإنسانية في ذلك الوضع الاستثنائي، ولكن العجيب في الأمر أن الأغلبية من موظفي الشركات الذين تعرضوا لكل تلك الهمجية لم يكن لهم علم بأي شيء! لأنهم لم يكونوا سوى مأمورين، أما الرؤوس الكبيرة التي من المفروض أن تعرف كل شيء فكانت قد اختفت!!! أين ذهبت؟ لم يكن أحد يعرف!!! ولكن الحق الذي يجب أن يقال، إن التحقيقات المكثفة التي لا رحمة فيها لابد من ان تأتي بنتيجة في النهاية، ما دامت هناك قلة يمكن أن تعرف شيئا ولكنها تخاف أن تكشف عنه أو تنتظر إشارة ما، من جهة ما، فحاولت أن تخفي ما تعرف، ولكن التعذيب يفتح كل الأبواب المغلقة، فقد تأكد المحققون من أن ما حدث لم يكن نتيجة خطأ مأساوي وقعت فيه الشركات، بل كان أمرا مقصودا، فقد بانت الخيوط الأولى لمؤامرة رهيبة خطط لها في ظلام! ولكن ما هي تلك المؤامرة؟ وما هي أهدافها؟ لم يعرف أحد ذلك في البداية .
انتبه محقق فطن في إحدى الدول إلى أن أسماء معظم الذين اختفوا ولم يخضعوا للتحقيق كانت يهودية، أو توحي بذلك، عندها شعر بغريزة المحقق انه قد امسك بخيط مهم، ولكنه عندما أراد أن يتصل بدول أخرى فيها شركات كبرى للحواسيب أو فروع لها ليتأكد من صحة شكوكه، اصطدم بعقبة فقدان الاتصالات! فطلب على الفور أن تؤمن له طريقة ما للاتصال. لم يدخر المسؤولون جهدا في هذا السبيل وسرعان ما أمنت هذه الوسيلة وان كان بذلك بشق الأنفس. ولكن الجهات التي تم الاتصال بها لم ترد جميعها حتى شك الجميع في سلامة وسيلة الاتصال، ولكن ذلك المحقق تساءل عن إمكانية أن تكون الدول الأخرى قد ابتليت هي الأخرى بما ابتلوا به؟ وعندما اتخذ المسؤولون في ذلك البلد قرار الاتصال بالدول الأخرى فورا ومهما كلف الأمر، جاءت النتيجة مذهلة لهم فقد تبين بأنها تعاني أيضا من الوضع الشاذ الذي يعانون هم منه!!! عندها فقط عرفت حدود المأساة، فبدأت أولى خطوات العمل الجماعي للدول، فاختفت الأحقاد بينها، ونسيت النزاعات، كما أجلت الحروب، وركزت الجهود على أولوية الاتصالات، فكان لهم ما أرادوا بعد حين، لأن ما قد يبدو شبه مستحيل في الأحوال الاعتيادية يصبح ممكنا في ظل الطوارئ ولان الحاجة أم الاختراع أيضا. بادرت بعض الدول إلى تشغيل الأنظمة القديمة أو على الأقل ما تبقى منها، فيما سارعت أخرى إلى طلب النجدة من الدول المتخلفة لأغاثتها بما يتوفر لديها من أجهزة قديمة لا تسيطر عليها الحواسيب! وكل ذلك لإدامة الاتصال فيما بينها وتبادل المعلومات وتنسيق الجهود المبذولة للخروج من الأزمة المميتة، وبذلك بدأت الخيوط بالتجمع، ولكن ببطء شديد، فتأكد أمر المؤامرة!، وعرفت أبعادها، وكشف النقاب عن غرضها! فقد تبين للمحققين أنها كانت لمعاقبة العالم لوقوفه موقف المتفرج اللامبالي وهو يرى دولة إسرائيل تهوي إلى مصيرها المحتوم من دون أن يحرك ساكنا. شعر اليهود بالمرارة، والتقى هذا بالرغبة في ابتكار المزيد من طرق تجميع الأموال والثروات الطائلة القابعة في نفس كل يهودي، فكانت هذه المؤامرة التي تفتقت عنها قريحة اليهود العجيبة!!! ولكن ما الذي كانت تستهدفه بالضبط؟ لم يكن أحد قد توصل إلى إجابة لهذا السؤال! كان هناك عشرات بل ومئات الآلاف من أفضل المحققين في العالم يعملون على مدار الساعة في تحقيقات مستمرة ومضنية، وكان تنسيق أمر التحقيقات بين الدول تتصاعد وتائره مع توافر المزيد من وسائل الاتصال، لأنها وعلى اختلاف مذاهبها أدركت ضرورة تضافر الجهود لتحقيق الهدف، وأي هدف؟ الحفاظ على الأمن والاستقرار العالميين اللذين كانا مهددين مما يجعل مستقبل الكرة الأرضية كلها في خطر. كان المحققون يخترقون حجب وأسرار ملايين المستندات والوثائق التي ضبطت في مقرات شركات الحواسيب، واستمرت التحقيقات في وحشيتها التي لا رحمة فيها للضحية والجلاد معا! فقد كان كل شيء مباحا في ظل تلك الظروف الرهيبة، وكان الجميع يشعرون وكأنهم في سباق غير متكافئ مع الزمن الذي كان لا يجري لصالح الإنسانية في تلك الأيام.
********************
تنبّه محقق آخر كان يمكن أن يكون بطلا قوميا في بلاده لولا النهاية المأساوية التي انتهت بها كل تلك الأحداث الجسام، إلى أن مستندا صغيرا كان قد وقع مصادفة في يده في ساعة حيرة وإحباط، يذكر أن أحدى شركات الحواسيب قد اشترت قطعة ارض في مكان ناء! من بلد صغير! لا وجود لمصانع الحواسيب فيه!!! فربط هذا بحديث مشوش كان قد سمعه من مهندس أنهكه التعذيب خلال التحقيق، عن الشكوك التي انتابته بشأن محطات أسهم في بنائها بأماكن نائية، وبمناطق مختلفة من العالم! كان المحقق قد تصور في حينها أن المسكين إنما كان يهذي، لان كلامه بدا غير مترابط أبدا، فأثار ذلك المستند تساؤلا عنده عما يمكن أن تفعله شركة عملاقة بقطعة ارض نائية في بلد هامشي صغير؟! اهتم بالموضوع كثيرا وطلب من رجاله أن يركزوا عليه وهم يبحثون في أطنان الوثائق، كما بادر إلى الاتصال بالمحققين في الدول الأخرى ليركزوا على هذا الجانب، وموافاته بالنتائج فتبين له بعد حين أن شركات أخرى كانت قد اتخذت التدابير نفسها!!! فبدأ تحقيق موحد ومنسق في جميع أنحاء العالم بهذا الشأن، ليكشف اللثام أخيرا عن أن هذه الأراضي قد خصصت لإقامة مختبرات للبحث والتطوير ضمن مشروع سري للغاية . ولكن لماذا تقام مثل هذه المختبرات بعيدا عن المصانع الرئيسة؟! فكان قرار دولي أن تفتش تلك المختبرات التي لم تخضع للتفتيش من قبل.
داهمت قوات من الجيش تصحبها فرق من الفنيين تلك المختبرات الصغيرة المنتشرة في أنحاء كثيرة من العالم، وكانت هذه العمليات تجري بإشراف مباشر من قبل مسؤولين بأعلى المستويات في الدول يدفعهم الأمل في الفرج إلى الحرص الشديد على السرية والكتمان، والتخطيط لأن تكون عمليات الاقتحام بتوقيت واحد لكي لا يتنبه أحد، أو أن يفر من يمكن أن يفر! وهو ما حدث بالفعل، ولكن ذلك كان، لان أحدا لم يكن موجودا هناك، ليفر!!!. كانت كل محتويات تلك المختبرات أجهزة غريبة احتار فيها الفنيون لأنها يمكن أن تكون صالحة لأي شيء ما عدا البحث والتطوير!!! .
وفي الحقيقة أن هذا اللغز الجديد لم يصمد طويلا، ولكنه أبى أن يُحل إلا بعد أن اسلم المحققون ومعهم مسؤولوهم إلى لغز اعقد، وحيرة اشد!!! فقد تبين للخبراء أن هذه الأجهزة لم تكن إلا أجهزة تسلّم إشارات لاسلكية من نوع ما، وبثها من جديد!. ولكن، أية إشارات؟! ومن أين تأتي؟! والى أين ترسل مرة أخرى؟! لم يعرف أحد! فتكررت بذلك ثنائية الأمل والإحباط بتناوب يحطم الأعصاب، وينهك أنبه العقول و أقوى الأجساد!!!.
******************
كانت الأيام إذ ذاك تمر بتثاقل فتبدو الأسابيع وكأنها دهور، وصلت التحقيقات إلى طريق مسدود فبدأت لعبة الاحتمالات غير المجدية ما دام اليقين مفقودا، و ارتد العالم إلى حضيض اليأس مرة أخرى، وكاد يفقد عقله!!! لولا المصادفة المستحيلة التي حدثت فجأة، لتعيد الأمل إليه من جديد. فقد أضنى الشوق أحد الرؤوس اليهودية الكبيرة المختفية، وأرهقه الحنين فتبددت حيطته و أزالت حذره لوا عج الغرام، فقرر أن يزور عشيقته الشابة التي تركها وراءه في أحدى المدن الكبرى، زيارة خاطفة يطفئ بها نيران الشيخوخة المتصابية التي شبت في داخله، وبعد أن رأى إن احتمال المخاطر ارحم عنده من أن يحتمل زوجته التي صحبها معه إلى مخبئه أكثر مما فعل. وهناك في المدينة شاءت المصادفة أن يتقابل مع مهندس كان هو السبب في فصله من عمله قبل سنوات، وجها لوجه! فعرفه المهندس على الفور رغم تنكره. في ذلك الوقت كان الضغط على الناس هائلا، وتحت ضغط الظروف يختفي المنطق وتغور الحكمة، كانت كلمة يهودي تهمة خطيرة بحد ذاتها! فكيف ذا أردفت بكلمة ثري؟! ولذلك، ما إن قال المهندس بصوت مسموع
ـ ما الذي تفعله هنا يا أيها اليهودي الثري، اللعين، بعيدا عن متناول الشرطة ؟!
حتى تجمع المارة من حوله وهم يرمقون ذلك اليهودي شزرا! أنكر المسكين يهوديته واقسم بأنه مسيحي! ولكن خوفه وارتباكه الظاهرين فضحاه، فأوسعه الجمهور الغاضب ضربا حتى أوشك على الموت لو لم تنتشله الشرطة التي حضرت مسرعة، من بين أيدي أولئك القضاة الجلادين! وبدلا من أن تأخذه الشرطة إلى المستشفى! وجد نفسه في مركز الشرطة بعد دقائق ومعه المهندس الذي تبرع بالشهادة ضده! ومن هناك حول إلى لجان التحقيق الخاصة ومعه الشاهد، رغم المستندات المتقنة التزوير التي أظهرها وتثبت انه شخص آخر!. حاول المتهم العاشق أن يصمد أمام المحققين، ولكن هيهات، فقد تهاوى أخيرا تحت ضغط التعذيب واعترف حتى بما لم يُسأل عنه! فتبين للمحققين بان الأمر كله بدأ من مشروع سري أقامه جهاز مخابرات دولة كبرى! لبناء نظام جديد للتجسس الإلكتروني! مبني على تطوير قام به عالم ما، على جهاز حاسوب خاص يصدر ذبذبات إلكترونية يمكن تسلّمها عن بعد! وما هذه الذبذبات إلا المعلومات التي تدخل إلى الحاسوب، وعندما عرفت مجموعة من اليهود المتنفذين بأمر هذا المشروع، أعجبت بالفكرة واستطاعت بنفوذها أن تجمده لكي يتسنى لها أن تبدأ اتصالات واسعة وسرية جدا مع المجموعات اليهودية الأخرى لتشجيعها على تحويل رؤوس أموالها الضخمة وتركيزها في مجال صناعة الحواسيب، متبعة في ذلك كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، ولا عجب، لان الهدف حين يكون ساميا ( حسب وجهة نظر الساعي إليه طبعا ) فان كل الطرق تعد مشروعة. وقد تحقق ما أرادوه خلال سنوات معدودة، وعندما تم، ألغى جهاز المخابرات المعني مشروعه وعدّه فاشلا، في حين ابتدأت شركات الحواسيب بالعمل على تطوير ذلك الجهاز وبسرية تامة! حتى أن أكثر العاملين بذلك المشروع لم يكونوا يعرفون ماهية الجهاز الذي يطورونه!!! ولكن مهندسا شابا يحمل شهادة الأستاذية كان يعمل في المشروع، ويعرف قدرا لا بأس به من أسراره لأنه كان يهوديا، فكر في أن يكون لهذا الجهاز أقراصه الخاصة، فتوصل بجهوده ومثابرته إلى اكتشاف تركيبة عجينة بلاستك لها مواصفات خاصة جدا، وعندما طرح فكرته على رؤسائه، تبنوها على الفور وأضافوا إليها من معين أفكارهم الذي لا ينضب. أصبح المهندس الشاب عضو مجلس إدارة الشركة التي كان يعمل فيها، بعد أن أصبح مالكا لعدد من أسهمها، فجأة!. بعد هذا أصبح المشروع مشروعين، لا يقل أحدهما سرية عن الآخر! وسرعان ما أصبحت الأقراص حقيقة واقعة. ولكن النقاب لم يكشف عنها حتى تم تطوير الجهاز إياه بالفعل.
أعلن الشاب اكتشافه بعد ذلك، ولم يعرف أحد عن الجهاز شيئا. كانت الدعاية الإعلامية عن الأقراص الجديدة من الكمال بحيث تحولت بعد اشهر إلى حلم لكل هاوٍ للحواسيب، ومهتم بها. وبعد إعلان الشركات الكبرى، إنها في طريقها إلى تصنيع الحواسيب المناسبة لهذه الأقراص، أصبح المسرح مهيئا لتنفيذ الخطة الجهنمية.
و أثناء انتظار العالم لطرح الأجهزة الجديدة في الأسواق، كانت الجهود اليهودية تبذل لإقامة محطات تسلّم وإعادة بث الذبذبات الصادرة عن الأجهزة، في جميع دول العالم بدون استثناء، لان الأجهزة الجديدة كانت عبارة عن جهاز إرسال يبث كل المعلومات التي يتم اختزانها فيه على شكل ذبذبات قوية جدا !ولكن اكتشافها كان مستحيلا، لأنها لا تستشعر إلا من قبل أجهزة خاصة وزعت بطريقة مذهلة لا تستطيع أن تفكر بها إلا عقول شيطانية الذكاء!!! حيث كانت تلك الأجهزة مزروعة في عربات متحركة وطائرات وأجهزة منزلية ومكتبية، وحتى أجهزة ألعاب إلكترونية! ومن دون أن يعرف مالكو تلك الأجهزة شيئا عنها!!! كانت محطات ثانوية تتسلم ذلك البث المستمر من تلك الأجهزة وتعيد إرساله إلى المحطة الرئيسة في كل بلد، وهي المنشآت التي سميت كذبا مختبرات البحث والتطوير!!! وكانت هذه المحطات ترسل المعلومات التي تتسلمها تباعا إلى المركز الرئيس الذي أقيم في مكان قصي من الصحراء الأسترالية.
بعد أن جمعت كل المعلومات الواردة وصنفت وحفظت بطريقة لم يتم الكشف عنها أبدا وبعد التأكد من أن جميع أسرار العالم أصبحت موجودة في المركز الرئيس، بدأت المرحلة التالية المتمثلة في بث إشارة إلكترونية خاصة من المركز الرئيس، وعبر نفس المسار الذي اتخذته المعلومات الواردة، ولكن باتجاه معاكس لتصل إلى تلك الأقراص الصغيرة التي بدأت فور تسلّمها عملية تدمير ذاتي! ترافقت مع عملية المسح داخل الأجهزة التي أضاعت المعلومات التي اؤتمنت عليها إلى الأبد!!!.
كان التنفيذ حتى هذه المرحلة موفقا إلى درجة مذهلة! ولكن ما حدث بعد هذا لم يكن بالحسبان!!! فقد كان سيناريو المؤامرة يتضمن مخططا لإعادة بيع تلك المعلومات إلى الدول التي ترغب في دفع الثمن الباهض لاستعادة ذاكرتها المسروقة ( وهذا على ذمة العاشق اليهودي )!. كان من المفترض أن تدير الرؤوس الكبيرة المفاوضات وعمليات البيع عن طريق وكلاء متعددين، وبمعونة كل أجهزة الاتصالات التي ادخروها لهذا الهدف، والمسندة بأجهزة التضليل الإلكترونية التي تجعل من أمر اقتفاء آثار تلك الرؤوس إلى مخابئها مستحيلا. أما بعد إتمام الصفقات فإنها كانت ستتحول إلى أشباح عصية على الإمساك بطمس المعلومات المتوفرة عنها في السجلات المدنية وإخفائها قبل تسليم تلك السجلات إلى مشتريها!!!.
ولكن لماذا لم يتصل المتآمرون بالحكومات المعنية ( رغم تجمع المعلومات المطلوبة لديهم ونجاح خطتهم حتى ذلك الوقت )؟! قبل أن يلقى القبض على ذلك العاشق المسكين الذي قضى نحبه خلال التحقيق من دون أن يدل على مخابئ غيره من الجناة لأنه كان وبكل بساطة لا يعرف مكانها! فقد قضت الخطة أن يختبيء كل واحد في مخبأ خاص لا يعرفه الآخرون، ولا يخرج منه حتى يتم الاتصال به بجهاز خاص!. ولكن المهم الآن هو السؤال، لماذا لم يتصلوا؟!.أنا لم اعرف الإجابة كما لم تعرفها الأغلبية العظمى من الناس! مثلما لم تعرف كيف كانت تفكر تلك العقول الجبارة بأمر تسلّم ثمن ما يبيعونه؟! أو أين كانوا سيضعون كل تلك الأموال؟! و الأدهى من ذلك! كيف غاب عن بالهم أن ردود أفعال الحكومات ستكون عنيفة جدا؟! رغم أن توقع ذلك، أمر هين، لأنها عندما تحرج، تتصرف كالكواسر الجريحة دائما!.
لقد لاحظت خلال متابعتي للموضوع أن هناك تناقضا بين تعريف ما حدث في المصادر الرسمية بأنه مؤامرة يهودية لتدمير العالم، وإصرار اليهود على أن ما حدث كان عملية طموحا لكسب المزيد من الثروات! مثلما هو واضح في الوثائق والدراسات التي أعطيت لي من قبلهم، واقتبست معظم ما ذكرته هنا منها. أنا شخصيا أميل إلى الرأي الثاني، لأني اعرف ولع اليهود بالكسب والأرباح جيدا، وأنا أتصور أن ما وقع من كوارث لم يكن مخططا له، وإنما أتى بسبب الإرباك الذي أصاب المخططين عندما رأوا ردود فعل الحكومات العنيفة! ولكني لا أستطيع إلا أن اذكر كلمة مؤامرة في وصف ما حدث، لأنها تتماشى مع الرواية الرسمية التي ستكون هي التاريخ فيما بعد بكل تأكيد.
**********************
بعد توافر المعلومات، تركزت الجهود الدولية على البحث عن المركز الرئيس في الصحراء الأسترالية، ورغم أن هذا الأمر قد يبدو وكأنه بحث عن إبرة في كومة قش، إلا أن وضع الجيش الأسترالي بكامل قطعاته تحت إمرة الخبراء الذين توافدوا بالآلاف على استراليا من جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى تطوع آلاف، بل مئات الآلاف من المدنيين للمشاركة، جعل المهمة أسهل. وبالفعل لم يمض وقت طويل حتى تم العثور على المحطة الإلكترونية الضخمة التي أقيمت تحت رمال الصحراء الشاسعة، بعد أن نبش كل شبر فيها. كانت المحطة عبارة عن قلعة حصينة عصية على الاختراق! فكان القرار أن تقتحم بالقوة، لأن الدخول إليها بغير هذه الطريقة أمر مستحيل لجهل المداهمين برموز فتح الأبواب.
مع أول محاولة للاقتحام، سمع صوت انفجار هائل! جعل الدم يتجمد في عروق الحاضرين!!! أعقبته انفجارات أخرى حولت المحطة إلى كتلة نار ملتهبة!!!. لم يتنبّه أحد إلى أولئك الأبرياء الذين كانت النار، تلتهمهم! أو الذين تطايرت أجسادهم بفعل الانفجارات!. لم تلفت الأشلاء المتناثرة على الرمال أنظارهم!!! فقد كان جميع الأحياء يفكرون بالنجاة بحياتهم فقط، وبتلك المعلومات العزيزة التي أصبحت نهبا للنيران التي التهمت في لحظات كل كنوز المعرفة الإنسانية منذ فجر التاريخ.
تبين بعد فوات الأوان أن المخططين كانوا قد اعدوا للأمر عدته، فزودوا المحطة بجهاز إنذار إلكتروني معد لكي يفجرها في حال محاولة أي أحد إقتحامها عنوة! فبدا الأمر بعدما حدث، وكأنهم قرروا بأنه إن لم تنجح عملية المساومة لجني الأموال فإن المُخَطَّط يتحول إلى عملية انتقام رهيبة من هذا العالم الذي أساء معاملتهم، وارتضى بالظلم الذي حاق بهم!!! وأكثر ما يؤلمني في الأمر كله ( إلى جانب عشرات الآلاف من الضحايا الذين سقطوا نتيجة لتلك الانفجارات الرهيبة ) هو أن ما حدث من تدمير، قد طال ذاكرة شعوب العالم ومرآة نفسها، وأقصد هنا التأريخ الذي اختفى كله في لحظات!!! ولماذا؟ لان الإنسانية أغراها العلم الحديث! فأسلمت كل تاريخها الحضاري إلى آلات صماء عبثت بها أيد مغرضة، فسلمتها ما اؤتمنت عليه!!! ترى أي مصير ينتظر البشرية؟ إذا ما قررت آلاتها الإستيرية العاقلة أن تتحالف مع عقل بشري شرير؟!.
**********************
اختفى كل شيء مع انفجار المحطة ودُمٍّرَ!!! فوقفت البشرية محتارة ومرتبكة، وبدا مستقبلها مظلما جدا في ذلك الوقت العصيب. ولكن ميزة الإنسان الأروع وهي التكيف، ساعدت بعض المجتمعات على التعامل مع المتغيرات الرهيبة بحكمة، فسارعت إلى بناء قاعدة معلوماتية جديدة بالاستفادة من الخبرات البشرية التي كانت تتعامل مع تلك الأجهزة الملعونة. لم تكن هذه القاعدة مثالية ولكنها كانت أحسن من لا شيء بكل تأكيد، فكانت هي السبب الأبرز في تميز هذه الدول، وإعادتها بعد أجيال إلى مصاف الدول الكبرى بالمقياس النسبي، لان دول اخرى عجزت عن اتخاذ مثل هذه الخطوات في وقت مبكر!!! وظلت دول تدور حول نفسها! وهي لا تعرف ما الذي يجب أن تفعله، فسقطت في مهاوي التخلف والضياع!!!. أما أشباه الدول التي أصابتها الكارثة، فإنها عجزت عن اللحاق بركب التقدم كما هو متوقع!!! لأنها أساسا لم تستطع ذلك والحضارة البشرية في أوج عظمتها رغم امتلاكها مظاهر التطور المتمثلة في الأجهزة والآلات المتقدمة التي كانت تستوردها لتوفر الموارد المالية لديها، ولكنها لم تستفد منها أبدا!!! أما الدول التي لم تتأثر بكل ما حدث! فيكفي بيانا القول بأنها لم تتأثر بما أصاب العلم في العالم، لأنها لا علاقة لها به، لا من قريب أو بعيد! فهي مجرد تجمعات قبلية نأى بها حكامها عن العلم والتقدم! فأمسى تخلفها أكبر من أن يُتَجاوَز!!!.
كان هذا حال دول العالم بعد الكارثة، ولكنها تشابهت جميعا في أمر واحد، ألا وهو حملة الانتقام الرهيبة التي بدأتها ضد اليهود! لان اختفاء الرؤوس المدبرة وكأنها لم تكن يوما، وتناقض الأقوال بشأن مصيرها، بين قائل بان الزعماء كانوا موجودين في المحطة عندما تفجرت فقضوا نحبهم مع من قضى معهم من الأبرياء بتلك الانفجارات التي أحدثتها قنابل كواركية موضعية! أضيف لغز الحصول عليها من قبل اليهود، رغم أنها كانت من ضمن الأسلحة النووية التي كان العالم قد تخلص منها منذ أكثر من قرن ونصف، إلى قائمة الألغاز التي لا تنتهي لتلك الحقبة العجيبة من التاريخ البشري ( وهذا القول يتناقض بالطبع مع النتيجة التي توصل إليها المحققون مع العاشق إياه الذي أكد أن الرؤوس كانت تختبئ في أماكن مختلفة)، وأخر يدعي بأنها ما تزال موجودة بيننا! وتعيش معنا بأسماء وهمية و هويات جديدة! بل أنها ما تزال تمتلك نفوذها القديم!!! هذا الاختفاء وتخلص المختفين من عدالة العقاب أصاب العالم بكآبة انفعالية جعلته يلتذ بالانتقام الذي طال كل ما هو يهودي! فصدرت أكثر القوانين بطشا في تاريخ العالم حتى في أكثر الدول التزاما بالطروحات الإنسانية، فكانت مصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة لكل اليهود من دون تمييز وطردهم من وظائفهم ونفيهم من البلاد، هي القرارات الأرحم التي صدرت بحقهم، لان سلسلة الأحكام بالإعدام ضدهم بتهمة الخيانة العظمى لم تنقطع حتى في الدول التي لم تكن قوانينها تسمح بالإعدام قبل ذلك! وقد أصدرت هذه الأحكام محاكم خاصة سميت بمحاكم التنظيف!!! فيما تكفل حقد المواطنين في الكثير من تلك البلدان بقتل اليهود الذين لم تطلهم تلك الأحكام، حتى بدا وكأن اليهود في سبيلهم إلى الانقراض! ولكنهم لم ينقرضوا لان تجاربهم المريرة السابقة جعلت الكثير منهم يحتاطون للأمر بان يعتنق دين المجتمع الذي عاش فيه ظاهريا من دون أن يتنازل عن عقيدته الحقيقية في السر! فبقى أولئك آمنين في الأوطان التي اختاروها لأنفسهم، فيما بادر الآخرون الذين توقعوا ما سيحدث إلى هجر أوطانهم بجوازات سفر مزورة ولجأوا إلى بلدان جديدة بعد أن أخفوا يهوديتهم!!! ويسجل التاريخ لدولتنا العربية بأحرف من ذهب أنها فتحت أبوابها أمام هؤلاء المنكوبين، واستقبلتهم بصدر رحب لأنهم أبناء عمومتنا، فأصبحت بذلك وجهة الغالبية العظمى منهم، لأنهم يعرفون بان مجتمعنا هو واحد من أكثر المجتمعات تسامحا وتقبلا للاجئ والغريب، وإن أفراده خير من يجير المظلوم.
وقد نظر العالم إلى هذا الأمر بعين الرضا لأنه يخفف عنه شعوره بالذنب لما أنزله باليهود من عقاب وحشي! فغض الطرف عما يحدث في دولتنا. إن القدس عاصمة دولتنا هي المكان المقدس لدى اليهود كما هي للإسلام والمسيحية، فهم يدعون بان أحد ملوكهم القدامى كان قد بنى فيها هيكلا أصبح مقدسا لديهم لأنهم كانوا يقيمون فيه شعائرهم الدينية، قبل أن يهدم لسبب ما! فكان من الطبيعي أن يتركز اليهود الوافدين إلى دولتنا في محافظة فلسطين، حيث تقع القدس.
السيدة الكريمة عواطف.. شكرا جزيلا لتكرمك باجراء التعديل على الموضوع فأنا لم أستطع أن أجري المطلوب لقلة التجربة وأريد أن أعتذر من جميع الأصدقاء للارباك الذي سببته لهم بسبب جهلي هذا ونسياني لجزء يسبق الجزء الثالث.. وبالحقيقة أنا مربك اصلا وأنا ضائع ما بين مراجعة بروفات رواية ستصدر قريبا واكمال كتابة رواية أخرى.ز اغفروا لي جميعا وشكرا
عزيزي وصديقي وأخي عمر.. كنت قاريء روايات منذ أن وعيت نفسي وقد تجمع عندي كم هائل من الملاحظات من خلال قراءاتي، اي أني أعرف بالضبط ماذا تعني الرواية عند غيري، ولكني كتبت روايتي الأولى (الدومينو) وفق رؤاي أنا وهذا يجعل نقاط ضعفها محسوبة عليّ أنا لا غيري ولكن هذا أتاح لي أن أمنحها الأصالة التي توخيتها فيها.. الدومينو أفكاري واسلوبي آمل أن تعجب البعض وأرجو من الذي لا تعجبه أن يتقبلها مني فطموحي كبير ولن أتوقف عندها.. سلمت لي أيها الصديق الأبدي ودمت
أستاذ سعد
لقد قرأتها بتمعن سطرا سطرا واسعدتني جدا
فلأول مرة أقرأ رواية عربية تحمل هذا الخيال الإنساني والعلمي ) بل واستطعت اقناعي بقوة عن أجهزة تلك الحواسيب
وتلك اللغة الإستيرية والتي أظنها مشتقة من ( إستر) العبرية والتي اصلها ( عشتار ) حسب ماقرأته في العلامة الآلوسي
لكن بتُّ أخشى عليك من ردة فعل اليهود لو قراوا الرّواية وأنت تدينهم بتلك الخطة التي ارادوا بها زيادة ثروتهم
وكم كانت النّهاية مريرة .. فهل سيعودون من جديد بعد الالفبة الرّابعة ؟ لكن بطريقة أخرى لاتشبه تلك الطريقة التي احتلوا بها ( أوغندا )
صدقا كنت َ رائعا
والأروع والذي أثلج قلبي إنّك ببها تردّ على كل من (يدّعي) بأنه مامن مجتمع مديني في الرّواية العراقية
ولك ألف تحية
التوقيع
ممن اعود ؟ وممن أشتري زمني ؟ = بحفنة من تراب الشعر ياورق؟
شكرا جزيلا سيدتي لرأيك المفرح هذا.. دعيهم يفعلوا ما يشاؤون فأنا لم أبني رأيي الا على نصوص، ليغيبوا النصوص فأغير رأيي.. الذي أزعجني خلال كتابة الدومينو هو أني كنت مضطرا لعدم التفريق بين اليهودي والصهيوني بسبب الافتراض القائم على أن الأمور في ذلك الوقت هي غير الحقيقة.. ولكن الحقيقة هي أني لست ضد اليهود أبدا، بل أن ضميري لن يسكت يوما عن عدد اليهود الذين ذهبوا ضحايا لانتمائهم طوال تأريخهم وهم لو تدرين كثر حتى ان بالغوا في عدد ضحايا الهولوكوست.. نعم هي استير العبرية ورغم أني لا أعرف ما قصد الالوسي بالربط بينها وبين عشتار فانها ليست كذلك بالنسبة لي.. هي استير ابنة اخ موردخاي وزير قورش الذي قربها منه وجعله يتزوجها لينفذ خطة بالقضاء على خصومه على اساس انهم كانوا يبيتون شرا لليهود!!! اي أن موردخاي سبق أمريكا بفكرة الضربات الاستباقية الوقائية بالاف السنين!!! والانكى ان اليهود يحتفلون بهذه الذكرى على انها عيد لهم.. مقتل عشرات الالاف من البشر غدرا وعدوانا سبب للاحتفال!!! أما عن المدينية في الرواية العراقية فهي موجودة وان انكروا وجودها لأن الكاتب ابن المدينة لا يمكنه الا ان يكون كذلك عندما يكتب.. تقبلي مني تحياتي واحترامي سيدتي وشكرا جزيلا